نصوص محمود درويش تعاني من الفقر النقدي كتبت للأطفال عندما أجبرتني الأمومة علي اختراع الحكايات قليلة هي الأصوات النسائية المبدعة حقا بعالمنا العربي، والروائية والمخرجة ليانة بدر، هي واحدة من تلك الأصوات القليلة المهمة في الإبداع العربي ، لها حضور ووهج في كتاباتها، ولها اسلوب خاص مميز بمسيرتها الإبداعية، وشخصية ممزوجة بالأدب والفن معا، في إبداعها الروائي والقصصي: سماء واحدة، وفي إبداعها الدرامي.. أفلام قصيرة منها: مغلق مفتوح. وكانت لأخبار الأدب معها هذا الحوار. لعبة الغياب الإبداع عند ليانة بدر هل هو المعادل الحقيقي للغياب؟ - الإبداع هو بمثابة إثبات حضور الذات في الزمن، ذلك الذي نطمح لإقتناصه ، والمنفي علمني أن اللحظات أثمن من أن تهدر دون سجل أو ذكري . ليس الغياب وحده وهو الذي يفرضه المنفي علينا يجذر تجربة الحضورعبر الإبداع ، الحقيقة أن كل الأشياء تلعب لعبة الغياب، وتفرض منافي من أنواع مختلفة، حتي عندما نكون في قمة تملك اللحظة ، وخصوصاً في ظل السرعة العجيبة التي خلقها تدفق الأنباء في عصر الثورة التكنولوجية التي نعيشها اليوم . كل ما نريد تأمله والتحدث به يميل لأن يفلت منا رغم أننا نحاول محاصرته بالإبداع. لكن الإبداع بطيء الاستجابة وهو لا يلحق القبض علي المعاني التي نريد الكلام عنها أحياناً . أمشي الطريق ذاته كل يوم ولكني في كل مرة أراه مختلفاً . لاتكريم يكفي درويش درويش والشعر والوطن المحاصر كيف ترين تجربة درويش وكيف لنا بتكريم درويش الآن؟ - من الذي يستطيع أن يقيمّ تجربة بخصوبة وثراء أعمال الشاعر محمود درويش ؟؟. محمود درويش رسم فلسطين وغناها عبر عقود عديدة ولسنوات طويلة واكب كل ما جري عليها وما يجري بها. أما معظم نصوصه فهي تعاني من فقر الإهتمام النقدي الحقيقي عدا قلة من النقاد المتمرسين الذين استطاعوا التواصل مع النصوص بما يليق بها بعيداً عن الشعارات الجاهزة سواء في حياته أو بعدها. لا تكريم يكفي الشاعر الفلسطيني العظيم الذي رحل ، وما يمكننا عمله هو عرض أعماله وتدريسها للجيل الجديد والتواصل معها كأجمل ما تمتلكه ذاكرتنا الفلسطينية . وعلينا مواصلة التفتيش عن أبعاد أدبه ، واستكشاف ما خفي من أعماله ، ويعني هذا عدم التخلي عن متابعة النقد والمكاشفة ،والتصدي للأخطاء في كل مظاهر حياتنا كما علمتنا كتاباته . بدأت بفدوي طوقان السينما إلي أي مسار تمضي في مسيرة ليانة بدر؟ -السينما الحقيقية تصل إلي أمكنة في الروح البشرية من الصعب الوصول اليها بالطرق المألوفة .هي عطاء روحي جماعي يعكس عوالم جديدة نحتاجها لاغناء عالمنا . وحين أقوم صنع فيلم من النوع الوثائقي وهو النوع الذي أفضل العمل به أحاول عكس الجزئيات بالطريقة التي تراها عين فردية بالمزاج والألوان ودهشة اللحظة التي تكمن في الإكتشاف للكادر وأبعاد المكان وحركة الانسان داخله . لقد عشت داخل السينما بشكل مستمر منذ طفولتي المقدسية حين كانت القدس تعيش وتحبس أنفاسها انتظارا لدخول قاعات السينما التي يتحين الجميع الفرص لمشاهدة أفلامها . حينها كان أطفال العائلة الكبيرة يصطحبونني معهم الي أفلام فاتن حمامة وعبد الحليم حافظ وماجدة وفريد الأطرش . ومنذ ذلك الحين ومع رعيل كبير من الأطفال كنا نكتشف أبعاداً جديدة للعالم في كل مرة. وحين كنت في المنفي وعدت إلي بلدي بعد سنوات طويلة وصنعت أفلاماً حاولت أن اكشف عبرها بعض وجوه الواقع الجديد الناتج عن الاحتلال ، ليس عن بشاعته وحده ، بل عن الارادة القوية للناس من حولي في تحدي الاحباط وصنع حياة فيها كرامة وحرية بعيداً عن هذا الاحتلال البغيض الذي يدمر الحجر والبشر والشجر في فلسطين يومياً . فيلمي الأول فدوي : حكاية شاعرة من فلسطين كان عن الشاعرة فدوي طوقان التي تحدت السجن العائلي وحلقت في فضاء الشعر بأجنحة الإبداع والتي صارت رمزاً للحب والوطنية معاً . وقمت بكتابة وإخراج فيلم زيتونات الذي يدور حول قصص النساء الفلسطينيات وهن اللواتي يرتبطن بأشجار الزيتون بعلاقة فريدة فيما الجيش والمستوطنون يقطعونها ويبيدونها . ثم قمت بكتابة وإخراج فيلم الطير الأخضر وهو عن أطفال الحي الذي أقيم فيه خلال الإنتفاضة الثانية . كيف يمكن للطفولة أن تواجه الموت والقتل عبر الأغاني والأحلام والطيارات الورقية التي تمثل العلم الفلسطيني ؟ كما قمت بتصوير وكتابة وإخراج فيلم حصار خلال الإجتياح الإسرائيلي للضفة الغربية عام 2002 والذي استمر ثمانية أشهر كاملة عشنا فيها مع تجول مستمر وطويل لا يفك إلا لساعات قليلة كل أربعة أيام من اجل التزود بالغذاء والإحتياجات الضرورية للبقاء . في ذلك السجن الطويل صورت حينها مظاهر الإجتياح والدمار ومجريات الحياة الصعبة كلما كان هنالك رفع للتجول واستطعت التحرك . فيما بعد قمت بفيلم وثائقي آخر عن جدار الفصل العنصري مفتوح : مغلق . ومن ثم كان الفيلم الأخير الذي عملته هو عن الذاكرة الشخصية لمدينتي التي صار الدخول اليها بمثابة تعذيب لكل مواطن فلسطيني عبر حاجز قلندية المدجج بالاسلاك والممرات المسيجة بالقضبان والبوابات ذات الفحص الالكتروني . وكان فيلم القدس مدينتي هو كتابتي وإخراجي أيضا . حازت أفلامي الوثائقية علي جوائز متعددة وكنت قبلها قد كتبت القصة والسيناريو لفيلم القدس في يوم آخر : زواج رنا الذي أخرجه هاني أبو أسعد 2002 ، وكان هو الفيلم العربي الأول الذي يتم افتتاح أسبوع النقاد في مهرجان كان به . كتابات العبودي قلت في قصتك ابعينين مفتوحتينبتأكتب لانه من المستحيل علي من كانت مثلي مصابة بالتحسس من الغبار والرطوبة ولقاح الأزهار التنفس الحر في معظم فصول السنة، فكيف لو كانت محاطة بفيض من أوضاع اجتماعية صعبة حولها، وظروف سياسية تفت الحديد أو الحجر، فكيف يبني الإنسان؟ فما هو الحلم وماهي الكتابة عند ليانة بدر؟وهل هما وجهان لعملة واحدة؟ - هذا النص هو مقطع من شهادة أدبية قدمتها في مناسبة ما . الكتابة الابداعية بأبعادها الوجودية ليست بالمسألة السهلة أمام المرأة في العالم العربي . نعم من المسموح لها أن تكتب ولكن أن تبقي ضمن الصورة النمطية السائدة . ويندرج ضمن هذا الكثير من كتابات التشكي والبكاء والتأوه التي توجهها للرجل في معرض اللوم والتحسر وان تزيت بثوب من شعارات البحث عن الحرية . ومن هذه يوجد الكثير الكثير.. أنا أسمي هذه ا كتابات العبودية أي عندما تضطر المرأة للتوسل بجنسها الأنثوي أي الجندرب كي تلفت الإهتمام، ولكنها تظل بعيدة عن التفاصيل الحقيقية للحياة . دون أن تتعرف إلي ماهيته وتفاصيله وأبعاده السياسية والاجتماعية والفكرية . أي كتابة حقيقية تكلف عنتاً وشقاء وجودياً ويعني هذا أن تعتبر المرأة نفسها صنواً في الكون لكل مخلوقاته الأخري . أي أنها جزء أساسي من المجتمع ، وجزء أساسي من الطبيعة ، وجزء أساسي من الحياة نفسها ، والسياسة وكل شيء آخر . فنخرج عندها من دائرة التكرار المملة التي ترتبط بالكتابات النسائية تلك التي تقيدها في مكان واحد ، وتتوقع منها شيئا محدداً. تلك التي تصنع الكتابة علي شاكلة افترينة ا متخصصة بالنساء . تجيب عن نفسها من وجهة نظر الكاتبة ليانة بدر ماهي مشكلة السلطة الفلسطينية تحديدا؟ وهل هي قادرة علي تحقيق الحلم الفلسطيني؟ - وهل هنالك ما يحقق الأحلام وبالسهولة التي ينسال فيها الكلام ؟. هذا موضوع طويل لا مجال لنقاشه هنا . ماذا عن جديد ليانة بدر المبدعة؟ - صرت أخاف أن أذكر الجديد الذي أعمل عليه لشدة ما يهاجمني الزمن العربي ويجعلني أبطئ العمل لأن ما يجري حولنا يصرف انتباهنا عن إكمال المشاريع الإبداعية ويكلفنا ساعات طويلة يومياً من المتابعة السياسية اليومية وهو ما يؤثر علي تكريس الوقت اللازم لانهاء أي عمل روائي . حالياً لدي كتاب تحت الطبع يتناول تأثير المكان علي الهوية في أعمال الشاعر محمود درويش وهو موضوع لم يأخذ حقه من الدراسة في أعمال الشاعر، وهو خلاصة لبحث ماجستير قمت به لجامعة بيرزيت في فلسطين بعد رحيل الشاعر . معا في المحنة سوريا التي تتأرجح بين الحلم وبين الدم ..كيف تراها الكاتبة ليانة بدر الآن؟ - أولاُ سورية ، وقبل كل شيء محنة أهلها وعذاب شعبها ، وهي بالنسبة لي مثل فلسطين . يعزّ علي أن تكون هنالك فيها ما يشبه نكبة ثانية وثالثة ورابعة ، في سورية حالياً .وفي العراق سابقاً ، وفي لبنان.. .. وفي .. إن تجربة تدمير المكان العربي هي تجربة متواصلة تمثل زيف الأنظمة واستهلاكها لشعاراتها الكاذبة، وتكالبها علي كراسي الحكم . وهي تكشف زيف وجشع الطبقات التي التحقت بالعسكر كي تواصل التهام خيرات شعوبها والدفع بهم إلي حافة الفقر والفناء دون أي منجزات حداثية تفوق القرون الوسطي . حتي لقمة الخبز ومحو الأمية لم تستطع هذه الأنظمة المعجونة بالاستغلال والنفاق تقديمها . اختراع الحكايات الكتابة للأطفال اتخذت حيزا بمشوارك الأدبي ، فكيف كانت التجربة وهل كانت صعبة؟ - منذ طفولتي آنستني الجدات الخليليات ( وهن أخوات جدتي التي توفيت ووالدي صغير ) بالحكايا والأساطير . وفي سنوات طفولتي الأولي كنت أقوم يومياً باضراب تلقائي عن الطعام وخصوصاً وجبة الغداء إلي أن يأتي والدي من عيادته ويحكي لي احدي الحكايات التي كان يجيد روايتها . وكانت القصص مألوفة وسلسة في حياتنا العائلية بسبب من عناية أمي وأبي بتوفير قصص أطفال بشكل مستمر في البيت . لذا يكون القص امتداداً طبيعياً لكل ما يدور حولنا . بدأت أكتب قصص أطفال حينما صرت أماً لأني كنت مجبرة علي اختراع حكاية جديدة في كل يوم كي ينام طفليّْ في بلد كان مشتعلاً بحرب أهلية مثل لبنان . كنا ندخل عالم الحكايات والغناء وينسي الطفلين أصوات القصف من حولنا . لن أنسي تجاربي في الرسم مع أطفال المخيمات منذ أيام دراستي الجامعية حين كنت أتطوع لرواية قصة ، ومن ثم دعوتهم لرسمها بأيديهم في العديد من المخيمات الفلسطينية في الأردن ولبنان ، وبعدها في تونس . لدي أكثر من عشرة كتب منشورة للأطفال، وعندي مثلها وأكثر من التي لم تنشر حتي الآن بسبب عدم وجود دور نشر مستعدة لنشر كتب أطفال ، وآخر كتاب نشر السنة الماضية تحت عنوان رحلة الطير الجميل وهو يدور عن مدينة أريحا ، مدينة طفولتي الملونة .