وظائف جديدة للمهندسين والمشرفين بالسعودية برواتب تصل 6000 ريال    قرار جمهوري.. ماجد إسماعيل رئيسًا تنفيذيًا لوكالة الفضاء بدرجة وزير    إزالة 570 حالة ضمن الموجة ال 27 لإزالة التعديات ببنى سويف    البورصة تواصل ارتفاعها.. وانخفاض ربحية شركة كونتكت بنسبة 17%    رئيس اقتصادية قناة السويس يشارك في مجلس الأعمال والمنتدى المصري الياباني لتعزيز الشراكة الاستثمارية بطوكيو    وزير الري: تطوير مؤسسي ومنظومة إلكترونية لتراخيص الشواطئ    صور.. تأثيث 332 مجمع خدمات حكومية في 20 محافظة    الأمم المتحدة تعرب عن قلقها إزاء هجوم مميت آخر على مخيم أبو شوك بالسودان    وزيرة التخطيط والتعاون تتحدث عن تطورات الاقتصاد المصري في مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية    إصابة علي معلول تثير قلق جماهير الصفاقسي التونسي    ريبيرو في اختبار مبكر.. الأهلي يبدأ الموسم بنزيف غيابات    حسن عابد مديرا لبطولة أفريقيا ل شباب الطائرة    "قصص متفوتكش".. 3 معلومات عن اتفاق رونالدو وجورجينا.. وإمام عاشور يظهر مع نجله    مواد الثانوية العامة للعام الدراسي الجديد بكل الشعب بعد تطبيق البكالوريا    الأرصاد: فرص أمطار رعدية على حلايب ونشاط رياح بكافة الأنحاء يلطف الأجواء    قرار جديد من وزارة الداخلية بشأن إنشاء مركز إصلاح (نص كامل)    ضبط 433 قضية مخدرات فى حملات أمنية خلال 24 ساعة    ندوة توعوية بالشرقية حول السلوكيات السلبية في التعامل مع السكك الحديدية    غداً الأربعاء .. أوس أوس ضيف برنامج "فضفضت أوى" على watch it    إطلاق أسماء 4 نقاد كبار على جوائز أفضل مقال أو دراسة حول الأفلام القصيرة جدًا    واعظة بالأزهر: الحسد يأكل الحسنات مثل النار    " ارحموا من في الأرض" هل هذا القول يشمل كل المخلوقات.. أستاذ بالأزهر يوضح    جولة للجنة التفتيش الأمنى والبيئى بمطارى مرسى علم والغردقة الدوليين    53 مليون خدمة.. ماذا قدمت حملة "100 يوم صحة" خلال 34 يومًا؟    هل يمكن أن تسبب المشروبات الساخنة السرطان؟.. اعرف الحقيقة    وظائف وزارة الأوقاف 2025| تعرف على الشروط وطريقة التقديم    إلغاء إجازة اليوم الوطني السعودي ال95 للقطاعين العام والخاص حقيقة أم شائعة؟    ضبط قضايا إتجار بالنقد الأجنبي بقيمة 9 ملايين جنيه خلال 24 ساعة    ضبط 108780مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    80 قطارًا.. مواعيد انطلاق الرحلات من محطة سكك حديد بنها إلى المحافظات الثلاثاء 19 أغسطس    «ضربة قوية».. الأهلي يعلن نتيجة الأشعة التي أجراها ياسين مرعي    «التأمين الشامل».. تشغيل عيادة علاج طبيعي للأطفال بمركز طب أسرة العوامية بالأقصر    وزيرا الإسكان والسياحة ومحافظ الجيزة يتابعون مخطط تطوير منطقة مطار سفنكس وهرم سقارة    كونتكت المالية تحقق نتائج قوية خلال النصف الأول من 2025    5 قرارات جمهورية مهمة وتكليفات حاسمة من السيسي لمحافظ البنك المركزي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 19-8-2025 في محافظة قنا    رئيس الوزراء يلتقى وزير الدولة للاقتصاد والتجارة والصناعة الياباني    وزير الخارجية يعرب لنظيره الهولندي عن الاستياء البالغ من حادث الاعتداء على مبنى السفارة المصرية    سقوط 21 شهيدا بنيران جيش الاحتلال في عدة مناطق بقطاع غزة منذ فجر اليوم    السبت.. عزاء الدكتور يحيى عزمي عقب صلاة المغرب في مسجد الشرطة ب6 أكتوبر    عماد أبوغازي: هناك حاجة ماسة لتغيير مناهج التاريخ فى الجامعات    الأهلي يواصل استعداداته لمواجهة غزل المحلة    مركز الأبحاث الإكلينيكية بالمعهد القومى للأورام يحصل على التسجيل والاعتماد    أسعار اللحوم الحمراء اليوم الثلاثاء 19 أغسطس    ياسمين صبري ناعية تيمور تيمور: «صبر أهله وأحبابه»    رئيس وزراء السودان يطالب الأمم المتحدة بفتح ممرات إنسانية في الفاشر    أبرز تصريحات لقاء الرئيس السيسي مع الشيخ ناصر والشيخ خالد آل خليفة    فرصة لطلاب المرحلة الثالثة.. تعرف الجامعات والمعاهد في معرض أخبار اليوم التعليمي    «عارف حسام حسن بيفكر في إيه».. عصام الحضري يكشف اسم حارس منتخب مصر بأمم أفريقيا    رسميًا.. 24 توجيهًا عاجلًا من التعليم لضبط المدارس قبل انطلاق العام الدراسي الجديد 20252026    رابط نتيجة تقليل الاغتراب 2025 بعد انتهاء تسجيل رغبات طلاب الثانوية العامة 2025 للمرحلتين الأولي والثانية    هناك الكثير من المهام والأمور في بالك.. حظ برج العقرب اليوم 19 أغسطس    «زي النهارده».. وفاة الكاتب محفوظ عبد الرحمن 19 أغسطس 2017    مساعد الرئيس الروسي يكشف تفاصيل مكالمة بوتين وترامب    جمال الدين: نستهدف توطين صناعة السيارات في غرب بورسعيد    حقيقة إصابة أشرف داري في مران الأهلي وموقف ياسين مرعي من مباراة غزل المحلة    ما علاج الفتور في العبادة؟.. أمين الفتوى يجيب    هل يجوز قضاء الصيام عن الميت؟.. أمين الفتوى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



.. سيدة الجنزبيل
نشر في أخبار الأدب يوم 09 - 03 - 2013

كمن انعزل عن العالم.. وجدت نفسها وحيدة في ذلك الشارع الخارج من الميدان. حسام ابنها يعمل مع زوجته في السعودية ولا ينزل في إجازة إلا نادراً.. إبنتها غادة المتزوجة من رجل الأعمال الثري لم تعد تراها هي الأخري إلا لماماً.. اشتري الرجل جمالها الفتان بالكثير، أما هي فدفعت ثمن عيشتها المترفة معه بالطاعة التامة لأوامره ومنها تقليل زياراتها لأمها لأقصي حد. عوضا عن رؤية ابنها وابنتها قضت أيامها تجتر ذكرياتها مع زوجها المستشهد في حرب أكتوبر وابنها الأكبر أحمد الذي تركت وفاته هو الآخر وجعا في قلبها لايزول. بابها المغلق عليها لايطرقه بين الحين والآخر إلا بواب العمارة الذي تستدعيه لشراء بعض احتياجاتها المنزلية، أيامها تمر ثقيلة رتيبة محملة بمشكلات تافهة. وان كانت مرهقة، منها مشكلتها مع جارتها التي تسكن فوقها والتي تصر علي ألا تعصر غسيلها جيدا قبل نشره فتغرق بلكونتها بالماء المتساقط.
وككل ليلة جلست علي الكنبة العتيقة في الصالة تعبث برموت كنترول ذلك الجهاز الوحيد الذي يؤنسها. نشرات الأخبار تعبرها بسرعة بعد سماع أول خبر بحثا عن تسلية ما، فليس لها في السياسة، رغم ذلك فقد أخذت تسمع في الأيام الاخيرة تعليقات في بعض البرامج تشكك في نزاهة الانتخابات، وحديث آخر عن خطط الحكومة في القضاء علي البطالة وتحسين التعليم و... و... الحديث عن البطالة تحديداً يحرك فيها في كل مرة ألمها الدفين وحسرتها علي ابنها المتوفي.. المسكين كان قد سافر ليغسل الأطباق في بلاد الغرب بعد أن سدت أمامه سبل العمل في بلده رغم تخرجه من خمس سنوات، وفي الغربة مرض ومات حيث لم يكن بجانبه من يقوم به ولم يكن معه مال يكفي للعلاج.. ابنها الأصغر حسام حاولت إثناءه عن السفر هو الآخر دون فائدة، فبمجرد حصوله علي عقد عمل بالسعودية طلب أجازة بدون مرتب من عمله وسافر وحجته في الرد علي أمه كانت دامغة إذ كيف سيدبر مصاريف بيته بمرتبه الضئيل بعد أن أصبح أباً لولدين إن لم يسافر؟
في جولاتها في السوق سمعت حديثاً عن اعتصامات واضرابات وأيضا تعليقات عن ثورة تونس. بعد العودة جرت مشاجرة جديدة مع جارتها وباتت ليلتها منهكة الأعصاب، وفي تلك الليلة رأت في المنام زوجها الشهيد قادما إليها لابساً بدلة ميدان القتال وعليها بقع من دماء وهو يستند علي كتف ابنها المتوفي في الغربة. نظر الابن في عينيها ثم نطق بعبارة واحدة واختفي: "خللي بالك من زملائي". في الصباح التالي فاجأها ضجيج التجمع الكبير في الميدان. خرجت إلي البلكونة تتابع الحدث مع الخارجين.. رأت شباناً في عشرينيات العمر يصرخون مطالبين بالعدل والكرامة والأمن المركزي يحاول أن يصد زحفهم. في اليوم التالي رأت أعدادهم تتزايد ثم تتعاظم، وفي الرابع رأت بأم أعينها بعض الشباب يتساقطون مصابين تحت ضربات هراوات الشرطة، تذكرت هيئة زوجها الذي زارها في المنام وعلي ملابسه بقع الدم. أحست بشيء من الاختناق عندما وصلت إلي بلكونتها رائحة القنابل المسيلة للدموع. علي أن شيئاً جعلها تتسمر في مكانها تتابع المشهد. جاء العصر ووجدت قدميها تسوقها للنزول للشارع لتري - وياهول ما. رأت - سيارات شرطة تدهس شابين، وسمعت في ركن آخر من الميدان طلقات نارية.. عند المغرب انفلت العيار تماما وانطلقت جحافل شيطانية تنهب وتخرب كل شيء وتحرق بعض المنشآت، ليلتها لم تنم وأخذت تقلب قنوات التليفزيون بحثا عن خبر جديد يفسر لها ما يحدث و.. انتابها شعور غريب بأنها مهددة بخطر غير عادي يختلف عما خبرته طوال عمرها الذي شارف علي الستين.. خطر داهم ليس عليها وحدها أو علي الشارع الذي تسكن فيه أو حتي قلب مدينتها التي عاشت فيها.. إنه الوطن كله يحترق.. فجأة زال عنها شعورها بالوحدة والعزلة، هي الآن جزء من الكل المحترق، وفي الصباح شعرت بأن روحها أخذت تدلف من بوابة عالمها الضيق البائس إلي عالم شديد الرحابة، عالم يستنفر كل قواها المختزنة، وإذا بقدميها تسوقاها بنشاط لم تعرفه من مدة لتحتل مكانها وسط الجمع المليوني. شباب وشيوخ حتي أطفال ونساء من دياناتها وأخريات من غيرها، محجبات وغير محجبات، حتي جارتها التي تشاجرت معها منذ أيام رأتها!، نادت عليها الجارة: "تعالي.. هنا جنبي يا أم أحمد.. حاسبي تقعي، هاتي إيدك".. كان الكل يصرخ ويصرخ.. لحظتها طفرت إلي ذهنها فجأة صورة ابنها المتوفي في الغربة ونظرته لها في المنام وهو يوصيها بزملائه، وبدون أن تشعر.. أو تعرف كيف.. وجدت نفسها تصرخ مع الصارخين المطالبين بسقوط النظام..
في المساء رأت الشباب يفترشون حديقة الميدان وكل ركن فيه، الكل يخدم الكل، هناك من يأتي بالبطاطين وهناك من يفرش فرشاً علي الأرض، وهناك.. وهناك.. شعرت أن عليها هي الأخري دورا ما يجب أن تؤديه معهم ولهم، والدور الآن يناديها بشدة.. لاحظت أن بعض الشباب بح صوته من الهتاف المتواصل والبعض أصيب بنوبات برد. تذكرت مرة أخري ابنها المتوفي أحمد، كان الولد عندما يأتي بأصدقائه إلي المنزل ليذاكروا معه تعد لهم أكواب الشاي وأكواب الجنزبيل بالحليب الذي برعت في إعداده، وبسرعة وجدت نفسها تعود إلي المنزل لتجهز شراب الجنزبيل الساخن المفيد للحنجرة والطارد للسعال كي تحمله في ترمس ومعه الأكواب داخل شنطة إلي الميدان..
واصلت أم أحمد آداء مهمتها حتي ألفها مجموعة من الشباب تجمعوا في ركن من الميدان وألفتهم وهي تمر عليهم لثالث ليلة وتسأل كالمعتاد: "مين ما أخدش كوباية الجنزبيل"؟
وفي الليلة الموعودة كان الهتاف الهادر في الميدان والواصل إلي السماء في عناد يصر علي رحيل الرئيس. هتفت مع الهاتفين بأعلي صوتها حتي سقطت من التعب مغشياً عليها.. فتحت عينيها في ظلام الميدان علي أيدِ ترش وجهها بالماء والنشادر، بينما صيحات فرح لم تسمعها من قبل ترج الميدان رجاً وشباب كالورد يحيطون بها وهي ممددة علي الأرض، ملامحهم بدت وقتها قريبة الشبه من ملامح ابنها المتوفي وملامح والده الشهيد، حتي الفتيات وجدت فيهن ملامح من ابنتها غادة التي لم ترها من مدة.. لم تعد تعيش وحدها، توحدت مع الكل، الكل الآن أبناؤها وثمة مشاعر مبهمة ولكنها أسرة ومبهجة تغشاها وهي تنظر في وجوههم المبتسمة والتي تتهلل بالبشر و.. تماهت مشاعرها تماماً مع مشاعرهم في لحظة فريدة وهي تري أيديهم تمتد إليها لترفعها من علي الأرض وتسمع أصواتهم تصيح فيها في فرح غامر: "فوقي يا حاجة.. اصحي يا أمي.. الرئيس خلاص اتنحي..".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.