تركت طفلتها الرضيعة ذات الأربعة أشهر لم تذهب إلي ميدان التحرير، ولم تشارك في المظاهرات السلمية ولكنها ماتت برصاصة القناصة أثناء تواجدها في بلكونة منزلها أمام أعين زوجها.. مشهد قد لا يصدقه عقل.. ولكنه حقا حقيقة مؤلمة تعيشها أسرة الشهيدة هبة حسين محمد أمين فهمي شهيدة من ضمن 68 شهيدا في حي حدائق القبة منهم من شارك في المظاهرات ومنهم من مات بالرصاص الحي العشوائي بدون أي ذنب.. هبة كانت تحلم بحياة زوجية بسيطة ومستقرة وتحقق حلمها وتزوجت محمد وأنجبت منه طفليها سيف 6 سنوات وجنة 4 شهور فقط وكانت تعيش علي أمل تربية أبنائها وسعادة زوجها. .. يا لها من «لحظات فارقة» فلم تعرف أم الشهيدة أن الساعات التي قضتها مع ابنتها يوم الجمعة هي «لحظات أخيرة» ولن تراها بعد اليوم. فالأم في حديثها كان يبدو عليها ملامح الحزن والأسي فلقد فقدت ابنتها التي لم تتجاوز السابعة والعشرين من عمرها أي كما يقولون بالعامية «في عز شبابها» وتركت لها طفليها. ثم صمتت لدقائق وقالت لي بصوت مكتوم ابنتي قتلت داخل بلكونة شقتها أهذا يصدقه اي بعقل»!! يقول زوجها محمد عبد العزيز والذي ارتسم علي ملامح وجهه عمر أكبر من عمره الحقيقي علي الرغم من أن عمره لا يتجاوز الخامسة والثلاثين. تناولنا الغداء سويا وتوجهنا للنوم واستيقظنا في حوالي الثانية عشرة والنصف بعد منتصف ليلة الجمعة الثامن والعشرين من يناير، وكنت أشاهد التليفزيون، قالت لي إنها سوف تفتح البلكونة لتأخذ ملابس ابنتنا الرضيعة «جنة» وما هي إلا لحظات إلا وسمعت صوتها يصرخ «آه.. آه» فلا أعرف كيف قمت واقفا لأتوجه إلي البلكونة فالمسافة بينها وبين الصالة التي كنت أجلس فيها لا تتجاوز 5 م ورأيتها وفجأة أجدها أمامي جثة تنزف في دمائها برصاصة في الخد لتخرج من الرأس!! فحملتها لآخذها إلي الصالة ولا أتذكر الآن ماذا كنت أقول غير الصراخ لأجد ابني سيف «6 سنوات» يقف أمامي وهو يراني أحتضن أمه ودمها يكسو القميص الأبيض الذي أرتديه وما هي إلا لحظات لأجد كل الجيران حولي وقال لي أحدهم «البقاء لله» ماتت بدون أي ذنب وأخذ أحد الجيران سيف والرضيعة جنة. وبقيت مستيقظا من منتصف ليلة الجمعة حتي صباح السبت «ساعات صعبة» لا يوجد أي اتصالات.. البلد مشلولة» ويكفي أن أحكي لكم عن المعاناة التي وجدتها لكي استخرج تصريح دفن لزوجتي. فلقد رفض مكتب صحة حدائق القبة استخراج تصريح دفن وطلبوا مني الذهاب إلي مجمع الجلاء، بحجة أنه لابد من محضر نيابة لأن الشهيدة توفيت بطلق ناري، وبالفعل ذهبت ووجدته محترقا ثم توجهت لمستشفي الدمرداش ثم محكمة جنوب وطلبت مني أن أكتب إقرارا علي نفسي بالدفن بدون تشريح أو إذن نيابة وأني معي طبيبا من الوحدة الصحية ورأي الشهيدة وأخذ بصمة الإصبع الكبير وتأكد من وفاتها بطلق ناري.