أحمد الشيخ كنا نحاورهم في كل امورهم وأمورنا وقد تابعوا ما جري لنا ولهم ولكم ، نظهر إمنياتنا في مستقبل اقل قسوة عليهم وعلينا ونرتجيه أكثر وضوحا من المتاهات التي زودت مواجعنا لأن كل ما كنا نتمناه لم يتحقق منه شئ ، وما كان يخصنا من خبرات مكتسبة ستهوّن علينا المواجع وتحمينا من تلك الكوابيس الوافدة من اركان الدنيا وربما استعانت بمن يسكنوا او يعيشوا في فراغ ويكابدوا توهان للعقول التي صمدت وقاومت بعناد وإصرار ، كأنها مبعوثة لهذه السلالة التي ننتمي اليها علي وجه التحديد وقد تعرضت لمخاطر من الداخل مسنودا علي تجارب كشف ومواجهة أعوان بلا هويات محددة ، مدفوعة لتمارس حصارنا أو تحدد حركتنا فخلصونا منهم علي مهل ، وسكنت فوق أجزاء من أراضنا في مربع صحراوي طوعتها واستصلحتها وتلاحمت مع نسيمها وتوافقت معها ، ثم واصلت الحياة كما واصلت حماية البرديات والمسلات والتماثيل ، وحفظت العملات التي كانت تتسرب تحت سمع وبصر من كانوا يملكون إمكانيات المنع والمنح وحق الإعتراض في تلك الأرض التي لم تكن مستباحة ، وكان من الممكن أن تمنح لمن يداويها ويضيفها لمساحة نستزرعها ونتناول خبزنا من دقيق قمحها ، ولأنها كانت بحساباتنا في أيد أمينة قللت البطالة المستحدثة بعد بيع وتوقيف المصانع التي كانت تحتويهم بين جدرانها وامام آلاتها ، ليضيفوا بعض ما كنا نحتاج إليه تماما ، هي حكايات مشروعة تماما لأن الأرض شعرت بالحنين وجادت بالإنتاج الذي لم يكن متوفرا ليكفينا مثل قمح الغيطان وكشوف الخطايا التي زادت عن قدراتنا علي الإحتمال ونحن في اواخر أعمارنا جعلتنا نتضامن بقلوبنا مع إحتجاجات شبابنا ونبارك كل ما كانوا يفكرون فيه كحل او مخرج للصفقة التي تسربت لوافد حصل علي مئات الآلاف من الأفدنة المجاورة لمصدر السقاية في منابعة المجاورة لسد بنيناه وحمانا من التفريط في مياه النهر التي كانت تصب في ماء البحر المالح ، وجاءنا ضيفا لعدة أيام ثم أعلنوا أنه حصل حق إستغلال وإمتلاك مئات الآلاف من الأفدنة التي كانت تكفي مئات الآلاف من الفلاحين ممن لا يملك الواحد منهم قيراطا واحدا من الأرض ، فماذا يكون حاله لو حصل علي فدان يمكن تقسيمه إلي اربع وعشرون قيراطا ، وما شاع وسمعناه أن من حصل علي عقود إمتلاك تلك المساحات لم يدفع فيها غير ثمن رمزي لا يتخطي جزءا من خمسين جزء من الثمن المفترض وبالتقسيط الممدود لسنوات وسنوات ، وشاع ضمن ما شاع أن الصفقة كانت تسريبا وتهريبا وخطفا لممتلكاتنا بحسب قوانين الدنيا كلا ، فهل كان كرما مفتعلا بتنازلات عن براح لا يخص من منح بتسهيلات غير مسبوقة ؟ فتحولت مرارا معجونا في مرار ، نتجرعه في كل لحظة سكوت أو إحتجاج ، ورغم انه لم يخطر علي بالنا أن نراه متجسدا فيما قرأناه أخبارا عن عرض فني موثق سيتم عرضه لنتباكي علي حالنا ، ولم تبخل صناعة السينما العالمية في إنتاجه وعرضه علينا ساخرة منا او آسفة علينا ، او كما باح لنا المخرج العالمي ساخرا وهو يتهمنا بالتوافق مع من ينهبون تاريخنا وآثارنا واراضينا ، ويستخدمون من صاروا شبابا قادرا علي العمل رحلوا وإلتحقوا بأعمال لم تخطر علي خيالاتنا ، ولأننا إكتشفنا أنهم فتحوا لهم أبواب العمل في الخدمات المتاحة وقبلوها بلا تردد وبمقابل هزيل ، كان ذلك بعد موافقاتنا علي دفع رشاوي لوسطاء ليست لهم ضمائر ولم يملكوا إمكانيات واشتراطات الحصول علي عقود عمل معتمدة او تأشيرات بالدخول ، وكل ما كان السماسرة يتطوعون به هو تلك النصائح والوصفات لدخول بعض الدول بلا تأشيرات وقبول أي عمل بأنصاف او أرباع الأجور وبلا عقود ، وكانت الحالة كما وصفوها لنا عراء مستور بعراء ، وكنا نعاود رؤية العرض فيزداد إحساسنا بالعجز عن الفعل او الصراخ في براح الميادين إعلانا لرفضنا تلك الإتهامات وسلوكياتهم التي تجاهلت تفريطات السماسرة في الحريات ، وبقبول بعض عيالنا للعمل رغم المصاعب التي واجهوها ، كنا نستعيد ونستكشف أشياء اساسية عن تلك التوافقات التي تستند علي مخالفات متكررة بين بعض اعوان من يحكمون وبعض الوحوش البشرية او الكوابيس الكابسة علي حياتنا ، ومستقبل الأجيال التي طلعت وانتبهت وحلمت في زمن القحط وجفاف الجفاف ، وقد افلحت السينما في تقديم امثال تلك الروايات المرعبة وكأنها تنبهنا او تكيدنا ، ومردودها لراس مالها الجسور الذي انفقوا منه بسخاء في صناعة عرض فني تنال كل هذه النجاحات علي حساب مواجعنا وإغتراب شبابنا بمغامرات تصيب او تخفق ، لكنهم كانوا يمتلكون برغم المصاعب شيئا من الأمنيات لتحقيق بعض النجاحات والتوافقات مع البشر في كل اركان الدنيا مع التعايش مع كل المناخات ، وجليدا يجمد الأطراف او صهدا في بلدان يعبرها خط الإستواء ويشوي أبدانهم ، ولغات ولهجات لم يسمعوا بعضها وسمعوا بالبعض منها ، وصناعة السينما تحكي تلك الحكايات وتطوف في جنبات الكرة الأرضية وتضيف كل ما عرضته وكالات الأنباء في عالم تحول كما قالوا لنا إلي قرية يحق لنا ولكم دخولها والتعايش مع ناسها ، ولها من المردود أضعاف اضعاف ما أنفقوه ليكتمل الإنتاج وينالوا الجوائز المستحقة في المهرجانات مكافآت عن الجهود التي بذلوها كتابة وتصويرا وإنتاجا وأخراجا ، بمثل ما إستحقوا من المردود السخي دون أن يتأثروا بمن يعترض وينتقد هذا التشهير بالشعوب في الدول النامية او المتخلفة بحسب ما صنفونا ، ودون خجل او عدم معرفة مع الجهل او التجاهل ، لكنها في نهاية المطاف تجارة وصناعة لها عشاقها ومن يتابعون اخبارها وإنتاجها ، وكأن من ينتقدها صارخ في البرية لن يسمعه احد ممن يتابعون ويشاهدون بإنبهار ، ويتابعون من فازوا بالجوائز كل عام وفي كل مهرجان خلال العام الواحد ، وكل من يري العرض ويسمع اخبار فوزه بعشرات الجوائز في كل دول العالم الحر كان يدعونا للمتابعة فنتابع بلا حماس لأننا نراها محاولات متوالية لتنبيهنا من مخاطر كيانات وحشية أو اشباه كوابيس لهؤلاء الذين كانوا يزودون فترات حكمهم وتحكماتهم فينا ليضاعفوا فتراتهم في الهيمنة علي مصائرنا ومصائر الأجيال الجديدة الذين علّمناهم وعرّفناهم وقرأنا نواياهم وحولونا في بيوتنا إلي رعايا في حاجة للحماية لأننا شفنا بداياتهم عندما كانوا يوافقون علي إستغفالهم المتواصل ، وفي كل الحالات كانوا يدفعون أثمانا مضاعفة لاشياء شفناها وعرفناها وإنتقدناها وتمنينا أن نزيحها من الذاكرة فلم تنزاح علي هذا النحو كنا وظللنا نكابد طوال الوقت الممدود وقد استنزفنا نفس الكابوس بقدرة الكل علي الحركة في توقيتات لم يكن بينها فواصل او لحظات لإلتقاط الأنفاس المقطوعة ، وكل منا يرقد في فراشه معدوم الإرادة تماما ووحيدا وحدة قاتلة - كانهم حالة لم يحدث لها مثيل في التاريخ البشري - لتنفيذ حكم الإعدام فيهم في نفس التوقيت ، ولأنه لم يكن شنقا ولا رصاصا ولا قطعا لرقاب بسيوف باترة ، ولأن كل حاله من تلك الحالات تثق أنها حالة وحيدة تنصب عليها ملايين النظرات ، وربما تتباكي علي كل واحد منهم ملايين العيون ، ووحدة الضحية التي كانت قاسما مشتركا لتلك الحالة ، فهل شهد اي واحد منكم أو فكر ولو في خياله أنه سوف يشهد مثل تلك الحكاية ؟ ومن بحساباتكم دبّر أدوات إستنزافنا وتحديد حركتنا الممكنة التي انكتبت علينا ، لا نتخطاها خلافا لمن يتوهمون أن لاعمارهم بقية ، ولو كان متاحا لمن يرغبون أن يبوحوا لبعضهم ببعض هواجسهم او مخاوفهم ليزرعوا في زوايا القلوب المكلومة قطرات دم جديدة ، فصرنا في الكابوس ابطأ مما يجب ، وكان يحق لعيالنا إنتقادنا وخصامنا ، هي علاقة ملتبسة متداخلة وتوصيف تفاصيلها عسير لأنها كوابيس متشابهة لحد التطابق ، متكررة في براعة شيطانية ، هي حياة غير مأمونة وقلقة لا أمان فيها ، ربما كانت الأمور التي تخصنا اكثر من تلك التي تخصهم تدعونا لنبذل كل ما نملك لحمايتهم من تلك المخاطر التي عشناها بلا قلق، جربناها وجوها كالحة ، يرحل وجه ويأتي وجه اكثر تبجحا او قل كوابيسا متكررة لكنها جديرة بكل الإستنكارات التي تستأهلها ، وتلك التعليقات الجارحة لمشاعرنا المنتقدة لرؤيتنا للحياة التي سكنّاها و تسكننا ، ونحتملها لو سمعناها علي نحو غير مسبوق من العيال ، نستسلم للمصير ونتحامل ونتصابر أكثر ونسرح في البعيد البعيد ، واوهامنا التي شفناها بعد مرور الزمن حقائق لم نبح بها لمن ينتقدوننا ، مسنودين علي بعض الحقائق وقد تضخمت وسكنتها سرطانات بارعة في التكاثر والتوالد ، لكننا تعرفنا علي جذورها في مراحل الصحو أو الإفاقة الخاطفة بمراجعة مصادرها أوقات الإفاقة الكاملة ويتأكد لنا صدق هواجسنا ، والعقل الجمعي قادر في أغلب الأحوال لحل اللغز ، وفي حواراتنا الخاصة كنا نتباكي علي اطلال زمن الصحو الجميل الذي طال وعاشه الأجداد لكنه خبا بعد أن بلغنا من الكبر عتيا ، وصارت أعمارنا وقدراتنا عبئا مخفيا في حواراتهم التي شاعت بينهم قبل إعلانها امامنا بطلب رحيلنا عن دنياهم ، او تسليمنا وموافقتنا علي التفريط في بعض ما نملك ليتحول الي اجور مراكب تحملهم في البحر وتنقلهم إلي شمال الشمال او شرق الشرق أو جنوب الجنوب، عند غرباء أو ادعياء قرابات وتشابهات في اللون والطباع والعبارات المنطوقة