منذ ما يقرب من 2000 سنة كتب المؤرخون وعلماء المصريات أن وفاة كليوباترا ملكة مصر في العام 30 قبل الميلاد جاء نتيجة لانتحارها مع اثنتين من وصيفاتها بعد وقت قصير من غزو بلادها من قبل الإمبراطورية الرومانية آنذاك، هذه الرواية ظلت متداولة لقرون طويلة حيث يعتقد أن كليوباترا اتخذت قرارها ذاك لمنع القائد الروماني أوكتافيوس من أخذها أسيرة إلي روما لعرضها هناك كدليل علي انتصاره، لكن الكاتبة الأمريكية بات براون الحاصلة علي درجة الماجستير في العلوم الجنائية لها وجهة نظر أخري مختلفة جذريا عما ورد في صفحات التاريخ لهذه الرواية الشهيرة، حيث أكدت في كتاب لها صدر حديثا عن دار نشر برومثيوس الأمريكية العريقة تحت عنوان :»مقتل كليوباترا«، أنها لاتستطيع التراجع عما توصلت إليه من نتائج بهذا الخصوص لأنها تعتقد بإساءة فهم من قال بانتحارها وجري تحريف تلك الحقيقة لألفي سنة خلت ، براون تعتقد كذلك أن الأدلة التي ساقتها في الكتاب تؤيد نظريتها بمقتل كليوباترا وأن الأحداث التي أدت إلي وفاتها ليست هي التي تم الإبلاغ عنها طيلة تلك الفترة الزمنية الطويلة . في واشنطن العاصمة تم في مركز البحوث الأمريكي مناقشة هذا الكتاب بحضور جمع غفير من المهتمين بالتاريخ المصري اضافة إلي عدد لايستهان به من الجمهور وأمامهم قالت براون: - أنا لا أقصد أن يكون موضوعي هذا تجنيا علي التاريخ الطويل الذي له أسبابه في نقل أحداث وفاة واحدة من أعاظم النساء ، لكنني أضع هذه الحقائق امام جمع من العقول الأكاديمية والمؤرخين المخضرمين سواء أكانوا من اهتم بالماضي بعلم المصريات أو ممن حضروا الآن وقد تعتبرونها استنتاجات خاصة فمن أنا حتي استجوب التاريخ ولا أعتبر نفسي أذكي من جميع من سبقني في وضع نظرياته وتحليلاته بهذا الخصوص، وأولئك الذين يعرفونني سيعذرون طبعي بالنظر للأحداث من وجهة نظر مختلفة تماما والمستندة إلي تحليل ملفات التعريف الجنائية ومع أني لا أدين بالفضل إلي أي جهة علمية أو تقليد لأثر تاريخي أو لأية مؤسسة، فقد كنت حرة في تحليل مصرعها بالاستناد إلي أدلة الطب الشرعي وقراءة حياتها من الناحية السلوكية وحتي الثقافية والسياسية إضافة إلي التاريخية ، كنت حرة باستجواب كل شيء وكل شخص مر في حياتها وتحملت من أجل ذلك الكثير من العناء. كل الكتب التي قرأتها عن حياة وموت كليوباترا كانت تعيد نفس القصة والتسليم إلي ما أورده المؤرخ اليوناني الروماني بلوتارخ الذي أرخ لتلك الواقعة بعد مرور 130 سنة علي وفاتها ما يجعلنا نتسائل من أين حصل علي معلوماته تلك ولم يكن معاصرا لها في تلك الفترة ؟ ولم أتمكن من العثورعلي أي تساؤلات من المؤرخين الذين جاءوا بعد بلوتارخ في صحة ما ادعي ، مع أنهم يعلمون انه لم يعش في عهد كليوباترا ولم يشهد الأيام الأخيرة من حياتها وظروف وفاتها، خذوا علي سبيل المثال القصة الأكثر شهرة لهذه الوفاة فقد رأينا في جميع رسوم ولوحات كليوباترا كيف أنها تمددت نصف عارية علي أريكة والثعبان ملفوف حول ذراعها وبدت إحدي خادماتها ممددة علي الأرض وهي ميتة، بينما رقدت خادمتها الثانية بنصف جسدها بجوارها ميتة كذلك وقد وضع تاج علي رأس كليوباترا ليكون مكملا لزينتها وهي تشهد رحيلها الأبدي ، هذا ما أكدته ريشة كبار الرسامين العالميين، أما ما أكدته الروايات فقد كانت قد أرسلت رسالة إلي القائد الروماني تشرح له فيها تفاصيل خطتها بالانتحار وأنها استطاعت تهريب الثعبان القاتل الكوبرا المصرية في سلة من التين لتمر من أمام حراسها الرومان من دون اكتشافهم ما بداخلها وهو أمر لايصدق وأنا واثقة أن من يتجاهل واجباته آنذاك فسيفقد وظيفته ورأسه معا بسبب إصرار أوكتافيوس علي أخذ كليوباترا إلي روما أسيرة، ذليلة، منكسرة، فهل نصدق هذه الرواية؟ وكيف يمكن مرورها بهذا الغباء أم هو من خيال بلوتارخ الذي يذكرنا بدان براون الآن ، والصحيح أنها قد استخدمت السم بدلا من الكوبرا فهو أسرع منها 10 مرات ولايمكن إنقاذ متناوله إلا في حالات خاصة مع سهولة تناوله حيث يحقق موتا سريعا له، بينما تستغرق لدغة الكوبرا من ثلاثين دقيقة إلي خمس ساعات لإحداث الوفاة وهذا ما سترفضه الوصيفتان بسبب الرعب الذي ستعيشانه وهما ترقبان سيدتهما كيف تعيش الألم لتموت بعدها، وسيتعين عليهما التعامل مع الكوبرا لإقناعها بلدغهما ثانية وثالثة وهذا ما يدعو للشك في وجود أفعي قد لاتكرر فعلتها ومن غير المرجح أن تفعلها، وإذا افترضنا فعلتها فهل سيغفل الحراس عن سماعهم صراخ كليوباترا ووصيفتيها من الألم أم أن بهم صمما، وبعد أن تنهي الكوبرا عملها تري من أين ستبدأ بالرحيل؟ يقينا سيكون من الأسهل عليها أن تمر من تحت الباب لتكون بمواجهة الحراس الذين سيسارعون لنجدتهم شهادة بلوتارخ هذه ظلت متداولة لقرون عديدة وقد جاء اليوم الذي نفندها ونبطلها لأنها تفتقر إلي المنطق والعلم والأدلة، ولهذا السبب كنت أعرف أنها رواية مليئة بالمغالطات وكان لي أن أحفر عميقا للعثور علي الأدلة التي من شأنها أن تميط اللثام عن حقيقة ما حدث لكليوباترا . عن صحيفة / هافينغتون بوست