تقليل الاغتراب 2025، موقع التنسيق يحدد موعد غلق باب تسجيل الرغبات    محمد عبدالجليل يكتب: رئيس الوزراء يشجع الأطباء على الهجرة فى بلد تعانى مستشفياته من نقص حاد    بالصور.. الشفافية ومكافحة الفساد في ندوة للرقابة الإدارية بالبحيرة    انخفاض جديد في سعر لتر العباد، أسعار الزيت بالأسواق اليوم الإثنين    ضربة مسائية من الجنيه للدولار    ضعف المياه بمدينة أخميم بسوهاج لأعمال غسيل مروق بالمحطة السطحية    مصر تتصدر نمو السياحة الإقليمية في الربع الأول من 2025    مرتديا نفس بدلته، زيلينسكي ينتقم من صحفي أمريكي بحيلة ذكية    بينهم نتنياهو.. تفاصيل استدعاء مراقب إسرائيل العام مسئولين لبحث إخفاقات 7 أكتوبر    أشرف داري يتعافى من إصابته ويشارك في تدريبات الأهلي بشكل طبيعي    مصطفي محمد يحتفل بعيد ميلاد ابنه عدي (الصور)    قبل انطلاق الكالشيو.. لوكاكو يتعرض لإصابة قوية ونابولي يكشف التفاصيل    أبطال منتخب مصر لكرة اليد تحت 19 عامًا في ضيافة أون سبورت.. الليلة    7 سنوات لموظف سابق بتهمة تسهيل الاستيلاء على 12 شقة سكنية بالإسكندرية    خبير أمني: "تيك توك" منصة للتضليل وغسل الأموال    جريمة تهز سوهاج.. العثور على جثة ستيني مذبوحًا بالزراعات    السكة الحديد تكشف تفاصيل واقعة ادعاء راكب منعه استقلال قطار مرتديا شورت    نوال عبد الشافي تطلق أحدث كليباتها "هاه" (فيديو)    مراسلة القاهرة الإخبارية: تصريحات نتنياهو تستهدف استعادة الرضا الداخلي    «بحر الهوى مشواره طويل» فرقة الطور تتألق على مسرح الشيخ زايد على أنغام السمسمية    «درويش» يشعل شباك التذاكر.. 12.5 مليون جنيه في 5 أيام    أمين الفتوى: تركة المتوفاة تُوزع شرعًا حتى لو رفضت ذلك في حياتها    هل يجوز للمرأة المستحاضة أداء الصلاة؟.. عضو بمركز الأزهر العالمي تُجيب    ميناء دمياط يستضيف مبادرة "100 يوم صحة"    ماذا يحدث لطفلك عند تناول الخبز مع الشاي؟    فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يكشف تعاطي سائق نقل ذكي المخدرات وضبطه بالقاهرة    تقصير أم نفاق؟ أمين الفتوى يجيب على سؤال حول الفتور فى العبادة    وزير الخارجية يرافق رئيس الوزراء الفلسطيني لزيارة الجرحى الفلسطينيين بمستشفى العريش العام    قبل لقاء زيلينسكي وقادة أوروبيين.. ترامب: حرب روسيا وأوكرانيا هي حرب بايدن «النعسان»    يتضمن 20 أغنية.. التفاصيل الكاملة لألبوم هيفاء وهبي الجديد    الخارجية الفلسطينية تدين قرار الاحتلال الإسرائيلي التعسفي بحق الدبلوماسيين الأستراليين    «قد تصل لسنة».. رئيس تحرير الأهلي يكشف مستجدات شكوى بيراميدز لسحب الدوري    قائمة ريال مدريد لمواجهة أوساسونا في الدوري الإسباني.. ظهور الصفقات الجديدة    محافظ الوادي الجديد يعتمد النزول بسن القبول بالصف الأول الابتدائي بالمدرسة الرسمية الدولية    المسلماني ونجل أحمد زويل يزيحان الستار عن استديو زويل بماسبيرو    تووليت وكايروكي يحيون ختام مهرجان العلمين الجديدة (أسعار التذاكر والشروط)    هل المولد النبوي الشريف عطلة رسمية في السعودية؟    البحوث الفلكية : غرة شهر ربيع الأول 1447ه فلكياً الأحد 24 أغسطس    سبورت: بافار معروض على برشلونة.. وسقف الرواتب عائقا    الرقابة المالية: 3.5 مليون مستفيد من تمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر حتى يونيو 2025    هل يتم تعديل مواعيد العمل الرسمية من 5 فجرًا إلى 12 ظهرًا ؟.. اقتراح جديد في البرلمان    مصرع عامل وطفل فى انهيار منزل بدار السلام بسوهاج    شئون الدراسات العليا بجامعة الفيوم توافق على تسجيل 71 رسالة ماجستير ودكتوراه    نسف للمنازل وقصف إسرائيلي لا يتوقف لليوم الثامن على حي الزيتون    وزير الأوقاف ناعيا الدكتور صابر عبدالدايم: مسيرة علمية حافلة بالعطاء في خدمة اللغة العربية    الصحة العالمية تقدم أهم النصائح لحمايتك والاحتفاظ ببرودة جسمك في الحر    القوات الإسرائيلية تعتقل 33 عاملاً فلسطينيا جنوب القدس    الديهي يكشف تفاصيل اختراقه ل"جروب الإخوان السري" فيديو    في يومها الثالث.. انتظام امتحانات الدور الثانى للثانوية العامة بالغربية    «غضب ولوم».. تقرير يكشف تفاصيل حديث جون إدوارد داخل أوضة لبس الزمالك    أسعار البيض اليوم الإثنين 18 أغسطس في عدد من المزارع المحلية    «متحدث الصحة» ينفي سرقة الأعضاء: «مجرد أساطير بلا أساس علمي»    كلية أصول الدين بالتعاون مع جمعية سفراء الهداية ينظمون المجلس الحديثى الرابع    انطلاق امتحانات الدور الثاني للشهادة الثانوية الأزهرية بشمال سيناء (صور)    إصابة 14 شخصا فى تصادم ميكروباص وربع نقل على طريق أسوان الصحراوى    استقرار أسعار النفط مع انحسار المخاوف بشأن الإمدادات الروسية    نشرة أخبار ال«توك شو» من «المصري اليوم».. متحدث الصحة يفجر مفاجأة بشأن سرقة الأعضاء البشرية.. أحمد موسى يكشف سبب إدراج القرضاوي بقوائم الإرهاب    حدث بالفن | عزاء تيمور تيمور وفنان ينجو من الغرق وتطورات خطيرة في حالة أنغام الصحية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كليوباترا.. أسطورة تنبض بالحياة
نشر في أكتوبر يوم 02 - 09 - 2012

فى السنوات القليلة الماضية عاد اسم كليوباترا يتردد كثيرا، فقد كشف خبراء الآثار الغارقة بالإسكندرية بقايا مدينة كانوب التى أقامت بها كليوباترا حفل استقبال رائعاً .. أسطورياً للقائد الرومانى أنطونيو، وكشفوا أطلال القصر الذى أطلق عليه قصر الأحلام أو قصر التأملات، ذلك القصر الذى كانا يخرجان منه معاً ليمارسا لعبة التخفى و يسيران فى شوارع الإسكندرية لتفقد أحوال الرعية، و من هذا القصر أيضا تسلوا بصيد السمك، وحدث فى بعض الأيام أن خرجت صنارة أنطونيو دائما فارغة، فاتفق مع الصيادين أن يضعوا له السمك فى الصنارة، و تكرر بعدها خروج صنارة أنطونيو و قد تعلق بها عديد من الأسماك الكبيرة، و فطنت كليوباترا للخدعة فطلبت بدورها من الصيادين تعليق سمك مملح، خرجت الصنارة من البحر هذه المرة تهتز مثقلة و بها سردينة مملحة، و عندما رآها أنطونيو انفجر ضاحكا، و لكن الملكة الأنثى الذكية لم تترك له فرصة للإحساس بالهزيمة، و على الفور قالت: دع الصنارة لنا نحن ملوك كانوب و فاروس، أما أنت يا إمبراطور فمجال صيدك هو المدن و الممالك و القارات .
هذا الموقف الطريف العاجل يلخص شخصية وتاريخ كليوباترا جميلة الجميلات سيئة الحظ.
اكتشاف قصرها الغارق سلط عليها الضوء، وطلبت الجمعية الجغرافية الأمريكية عمل معارض خاصة فى عدد من المدن الأمريكية لعرض بعض القطع الأثرية المكتشفة، وتم تسفير القطع المختارة فى مقابل مليون ونصف المليون دولار، ولكن وبعد ثلاث سنوات يكتشفون أن الاتفاق كان غير قانونى، وطالبت محكمة القضاء الإدارى العليا بعودة متعلقات كليوباترا لأن الجمعية الجغرافية الأمريكية هيئة خاصة، فقانون الآثار يمنع التعاون إلا مع حكومات الدول، الآن وزارة الآثار فى موقف لاتحسد عليه، بينما تتسابق دول أخرى لحجز دورها لاستضافة معرض كليوباترا على أراضيها، وتعتبر اليابان هى الدولة رقم 2 بعد الولايات المتحدة .
كليوباترا ذهبت، الإمبراطورة ظهرت، الملكة عادت، كلمات تعبر عن حالة حضور تاريخى تحيط بهذه الملكة من حين لآخر، بل إن أستاذ الآثار الألمانى مانفريد كلاوس يقول: كلمة كليوباترا كانت أول كلمة ترجمت عن الهيروغليفية المنقوشة على إحدى المسلات التى وجدت بمعبد فيلة، وذلك فى العشرين سنة الأولى من القرن العشرين، وكلمة كليوباترا هى كلمة يونانية تعنى : ذات الأب المجيد وتكتب باليونانية (كليوباتور ) .
يسمونها كليوباترا السابعة، وهى آخر ملوك الدولة البطلمية التى أسسها بالإسكندرية الإسكندر الأكبر، مثله .. هزت العالم ودار حولها كلام كثير متناقض، ومثله تولت الحكم فى الثامنة عشرة من عمرها، ومثله عاشت حتى العقد الثالث، وماتت بشكل غامض وتركت وراءها تاريخا مجهولا وأحداثا أسطورية، قصر أحلامها الغارق فى قاع البحر شهد أحلى أيام الحب والملك التى انتهت كلها بالانتحار، اتهمها أعداؤها بالفجور والمجون، ثم أنصفها باحث آثار ألمانى ألف عنها كتابا مهماً يكشف بعضا من تاريخها الذى تم تمزيقة ودهسه عمدا بالأقدام لأن دمها ليس ملكيا خالصا .
عرف العالم الحديث كليوباترا عن طريق تلك الرواية التى ألفها ويليام شكسبير وهي تراجيديا تاريخية طبعت لأول مرة في عام 1623ميلادية .
كليوباترا في هذه المسرحية أحد أهم أدوار النساء في مسرحيات شكسبير، وتلعب دور شخصية سطحية ومتكلفة الأداء، تستفز الجمهور إلى حد الضجر, في نفس الوقت قام شكسبير ببذل الجهد لإبرازها وأنطونيو في صورة مأساوية رومانسية، هذه الملامح المتناقضة أدت إلى انقسام كبير بين ردود فعل النقاد.
أفراح القصر الغارق
الشىء الغريب أن هذه الصورة القبيحة لكليوباترا لم تستطع أن تقنع العامة، الحس الشعبى ظل ينكر هذه الرؤية المجحفة، بل بمجرد الإعلان عن العثور على موقع قصر كليوباترا الغارق بالإسكندرية حضر كثير من الأوربيين لرؤية القصر والتجول به تحت الماء، الطريف أن بعضهم تعلم الغوص خصيصا وأخذ دروسا فى الإسكندرية للقيام بهذه الجولة، إحدى السائحات الألمانيات انبهرت بالموقع ووقعت أيضا فى حب الشاب السكندرى الذى كان يعلمها الغوص، وانتهى الأمر بقيامها بترتيب رحلات سياحية وغوص من أوروبا إلى الإسكندرية لمشاهدة آثار كليوباترا الغارقة، وفى إحدى هذه الرحلات تم عقد زواج الشابة الألمانية على حبيبها المصرى وسط مجموعة من المدعوين الغواصين تحت الماء، واضطر موثق القران لارتداء بدلة الغوص، بينما كانت هناك محطة فضائية مصرية تسجل اللحظات السعيدة ، وتكرر الحدث بعد أيام، ولكن العروس هذه المرة كانت فرنسية .
عالم بجامعة فرانكفورت يقدم
أول بحث أثرى وتاريخى ينصف كليوباترا
سوف يحسب له طلاب ودارسى التاريخ والآثار المصرية القديمة تقديم هذا الكتاب الهام إلى المكتبة العربية، إنه المترجم أشرف نادى أحمد الذى صدر له كتاب : (كليوباترا ) تأليف مانفريد كلاوس، وكلاوس يعمل أستاذا للتاريخ القديم فى جامعة جوتة بفرانكفورت بألمانيا، وله العديد من المؤلفات فى التاريخ القديم والمجتمعات والديانات، وهذه هى المرة الأولى منذ حادثة وفاة كليوباترا الغامضة التى تخرج فيها دراسة علمية حقيقية عن تلك الفترة من التاريخ المصرى، وبذلك يكون الكتاب المترجم والصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب هو أول كتاب علمى يدخل المكتبة العربية بهذا الخصوص، أنا شخصيا تعبت حتى حصلت على نسخة من الكتاب، ولم أكن أتصور أن سوق الكتاب كان متعطشا إلى هذا الحد إلى إصدار يتناول السيرة الحقيقية للملكة كليوباترا.
منذ البداية يشرح لنا كلاوس لماذا قام بهذه الدراسة عن الملكة المصرية، يقول : لقد كانت كليوباترا ظاهرة نادرة بلا مثال، بل إنها والإسكندر الأكبر فرضا نفسيهما على كل أجيال البشر بعدهما .
و فى رحلته لكشف التاريخ الحقيقى لهذه الملكة يعتمد كلاوس على ما كتب عنها خلال المائتين عاما اللاحقة على وفاتها، ويعتمد بصورة كبيرة على تاريخ بلوتارخ، وبنيتون المؤرخ المصرى، ولوكان، وديودور، وبرديات يونانية من مصر، وما كتبه الفيلسوف « فيلوستراوس « عن بعض الحوارات الفلسفية التى كانت تشارك فيها كليوباترا أثناء فترة زواجها ووجودها فى روما بصحبة يوليوس قيصر، ثم النقوش الخاصة بكليوباترا على جدران المعابد المصرية .
ومن هذه الكتابات نكتشف أن البعض نسب إليها كتابا مؤلفا عن الزينة وأدوات التجميل، ونسب إليها أيضا كتب فى المقاييس والموازين، والعملات المعدنية، وأمراض النساء، والكيمياء.
اما الكاتب الفرنسى شارل بيلا فقد ذكر فى كتابه المروج الذهبية : كانت حاكمة علامة، تعد من أفضل الفلاسفة المفكرين، وكانت المؤلفة للعديد من الكتب فى السحر والطب ومجالات العلوم الطبيعية، ويقول : نعم كانت كليوباترا واحدة من منظومة الحكام الذين اهتموا بالعلم والعلماء، ولكن يذكر لها أنها زادت عليهم فى أنها كانت هى نفسها عالمة، ويذكر لها نهوضها بفن الهندسة والعمارة بصفة خاصة، حتى تصور البعض أنها مشيدة فنار الإسكندرية فى حين أن المبنى كان مشيدا قبلها بمائتى عام.
كما أنه من خلال المستندات اليونانية يؤكد كلاوس أن كليوباترا كانت تتحدث اليونانية والمصرية بطلاقة، كما كانت ملمة باللغة الأثيوبية واليهودية والفارسية والعربية والسورية والمدرية شعب خليط بين الهنود والفرس
فى ذلك الوقت كانت الإسكندرية محط أنظار العلماء، وخرج منها أسماء شهيرة، فأول من أعلن أن الأرض تدور حول الشمس، وأول من درس ضغط الهواء وعمل أجهزة تعمل بضغط الهواء، وأول من قام بتشريح جثة وفحص الجهاز العصبى للإنسان، وأول من قام بعملية حساب قطر الأرض، وأول من كتب مبادىء علم الحساب كانوا جميعا من علماء الإسكندرية فى ذلك العصر، فضلا عن ذلك فإن الإسكندرية قد جمعت غالبية الأعمال الأدبية الإغريقية وحفظتها وعلقت عليها وحللتها، وكانت مكتبة الإسكندرية تحوى نصف مليون مخطوطا.
أما عن الحالة الاقتصادية لمصر فكانت ممتازة تفوق بمراحل كل بلاد العالم بما فيها روما نفسها، ففى تلك الأثناء كان قيصر روما مثلا يحصل على 40 مليون سيسترسن كضرائب من بلاد غالة كانت تقع بين جنوب فرنسا وشمال إيطاليا، هذا فى الوقت الذى كان بطليموس الثانى عشر والد كليوباترا يحصل من مصر على ضرائب تتراوح بين 12.50 و14 ألف تالنتة، وكانت التالنتة المصرية تساوى 6000 دراخمة، وتعادل 6000 دينار، وتعادل أيضا 24 ألف سيسترات يونانية.
لماذا إذن كانت تبحث كليوباترا عن شخص قوى يدعمها ؟
الزمار وبائع السردين
حاول كلاوس أن يجيب على هذا السؤال وهو يشرح كيف تسلمت كليوباترا الحكم فى جو ملىء بالاضطرابات، فقد كان والدها على ما يبدو عبدا لأهوائه، وقد أطلق عليه السكندريون اسم : بطليموس الزمار لأنه كان يعمل عازفا مع إحدى الفرق الموسيقية، وربما كان زواجه من أم كليوباترا نتاج هذه الفترة من حياته، فلم يعرف أحد من تكون أمها، ويرجح كلاوس أن الأم قد تكون ابنة أحد الكهنة المصريين، ولهذا اعتبرها الرومانيون غير جديرة بالحكم لأن دمها ليس ملكيا خالصا.
و قد بدأت تحدث ثورات قوية ضده لدرجة أنه أخذ كليوباترا وسافر إلى روما حيث كتب وصيته التى تتضمن أن يتم تنصيب كليوباترا وشقيقها بطليموس الثالث عشر حاكمان على الإسكندرية عند وفاته، وأودع الوصية يوليوس قيصر وطلب منه مساندة ولديه فى هذا الأمر.
و عند عودته إلى الإسكندرية كانت برنيكى ابنته الكبرى قد نصبت نفسها ملكة، وحاولت أن تتزوج سريعا حتى يكون توليها الحكم شرعيا، وتزوجت بالفعل شخصا سيئا للغاية كان السكندريون يكرهونه بشدة ويسخرون منه حتى أطلقوا عليه : بائع السردين، وبعودة الأب من روما قام بقتل برنيكى.
و استمرت القلاقل بعد تنصيب كليوباترا وأخيها، فرغم أن عمره كان وقتها 13 عاما إلا أن الرجال المحيطين به استخدموه لعزل كليوباترا، وكونت الملكة المعزولة جيشا من عرب المنطقة الشرقية للوقوف فى وجه شقيقها، ولذلك استماتت كى تصل إلى قصر يوليوس قيصر عندما قدم إلى مصر لتذكره بوصية والدها، وكانت لعبة السجادة التى دخلت بها إلى مقر إقامته، وعندما وجدت منه تعاطفا تمسكت بالفرصة بقوة .
و بمقتل يوليوس قيصر فى روما بعد زواجه منها تهرب عائدة إلى الإسكندرية، ولكنها دون أن تدرى تصبح محط أنظار الرومانيين الذين شاهدوها عن قرب وحضروا صالونها الأدبى الخاص وطمعوا فيها وفى مملكتها أغنى ممالك الإمبراطورية وقتها، ومرة أخرى لا تترك الفرصة تضيع عندما تقابل أنطونيو أحد أقوى رجلين فى الإمبراطورية، وتجد فيه الزوج والحليف الذى يدعمها، وهو ما جعل الحرب ضدهما تستعر بعدما أصبحت الإسكندرية نجما ومركزا للإمبراطورية.
الهزيمة
اتهمت كليوباترا بأنها خذلت أنطونيو فى المعركة الفاصلة بينه وبين أوكتافيوس والمعروفة بمعركة أكتيوم عندما انسحبت بسفنها الستين عائدة إلى الإسكندرية، واضطر هو للانسحاب وراءها تاركا جيشه ينهزم وجنوده تموت، هذه المعركة توقف عندها كلاوس طويلا، وقدم شرحا لما حدث نلخصه فى النقاط التالية :
«1»امتلك أنطونيوس سفنا حربية كبيرة عملاقة تشبه التماثيل صعبة الحركة والدوران، وعلى العكس تماما كانت سفن أوكتافيوس تتمتع بالخفة والمرونة، صحيح استطاعت سفن أنطونيوس أن تحمل الكثبر من الرجال وآلات الحرب والأحجار والقازفات، وتحمل منجانيق وأحجارا كبيرة الحجم، كما كانت بها ميزة أخرى وهى ارتفاعها الشاهق بسبب الأبراج المشيدة فوقها، بل كان أنطونيوس يعتقد أن وابلا من قذائف سفنه تستطيع ]أن تبعثر سفن العدو وتقضى عليها، ولكن على النقيض كانت سفن أوكتافيوس خفيفة تتمتع بسرعة الحركة والمناورة، وهذه الخاصية جعلته يحاول المرور بسرعة بجانب سفن أنطونيوس ويحطم مجاديفها أو عجلة قيادتها أو يصيب جوانبها.
«2» و كما أن لكل حرب مكانا تدار فيه عمليات الحرب، كان لهذه المذبحة البحرية مكان مناسب أيضا تدار منه العمليات بمنطقة أكتيوم، اختار انطونيو مكانا ضحلا ليحول المعركة إلى معركة برية ولكن أوكتافيوس قام بخدعة لسحب الأسطول المصرى إلى عرض البحر وفاجأ الجميع بخطة ناجحة للهجوم.
«3»بعد العملية الاولى التى أتلفوا بها عددا كبيرا من سفن أنطونيوس والتى أصبحت عاجزة عن الحركة، راحت سفن اوكتافيوس تشكل مجموعات صغيرة، تهجم على سفن أنطونيوس، وساعدت الرياح على إشعال النيران فى سفن أنطونيوس ودمرتها.
«4»الانسحاب كان أحد الخيارات المطروحة قيل بداية المعركة فقد اقترح أنطونيوس أن يخوضوا المعركة أيا كانت النتائج، بينما اقترحت كليوباترا أن تقوم بعد بداية المعركة بالانسحاب بسفنها الستين عائدة إلى الإسكندرية ويتبعها أنطونيوس وجزء من القوات التى تستطيع النجاة، فالدخول فى المعركة كان من البداية أشبه بعملية تغطية للانسحاب لإنقاذ مايمكن إنقاذه.
«5»عاد أنطونيو بربع القوات، ولكن بدأت سلسة من المفاجآت التى لم يتوقعها، جزء من الجيش انضم لأوكتافيوس، أصدقاؤه وحلفاؤه توقفوا عن مساعدته وانضموا لعدوه، منع هيرودوت حاكم بيت المقدس من قبله مددا كان قادما إليه، حتى الجنود الذين تم تكريمهم بعد المعركة فى احتفال بلوزيون - بور سعيد حاليا - ومنحهم دروعا من الذهب انضموا إلى عدوه.
«6»قامت كليوباترا بدورها بجمع الأموال من الخزانة وهبات المعابد لإعادة بناء أسطول قوى فى الخليج العربى بعيدا عن العيون، ولكن حاكم سوريا ينضم إلى أوكتافيوس ويقوم بحرق الأسطول الجديد .
وهكذا يكشف كلاوس الغطاء عن دور الملكة فى الأحداث وكيف كانت بعيدة تماما عن فكرة الخيانة والغدر التى حاول الأعداء إلصاقها بها، بل كيف حاولت التحرك وتدبير الأموال وإعادة بناء أسطولها لولا سوء الحظ الذى لحقها .
النهاية
مر عام قبل أن يدخل أوكتافيوس الإسكندرية، وفى يوم دخوله الأراضى المصرية ينتحر أنطونيوس معترفا بأنه سبب الهزيمة، ويسمح أوكتافيوس لكليوباترا بعمل جنازة تليق به.
بعد يومين أقدمت كليوباترا على أولى محاولات الانتحار بالامتناع عن الطعام، ولكن أوكتافيوس هددها بقتل أولادها، فقد كان يرغب فى الحصول على كنوزها التى أخفتها، ثم تعلم بعد ذلك برغبته فى عرضها كأسيرة فى شوارع روما ضمن احتفاليات النصر، تستأذنه فى زيارة قبر أنطونيوس فيأذن لها، وهناك تنفذ خطته فى الانتحار، وتكون آخر كلماته كما يقول بلوتارخ: «من بين آلاف الزفرات التى زفرتها فى حياتى، لم تكن هناك زفرات أشد قسوة علىَ من تلك التى زفرتها فى الفترة القصيرة التى عشتها بعدك.
فى عام 79 بعد الميلاد حدث بركان كبير فى مدينة هيركولانيوم الغارقة الآن قرب شواطىء الإسكندرية، وعثر بعده على بعض لفائف البردى وشقافات من الفخار تروى فى شعر ملحمى عن بطولات حرب مصر، هذا الشعر كتبه شاعر مجهول وقد أورد فيه أن كليوباترا قد وقفت فى السوق تجرى تجارب عن أنواع الموت الممكنة على عدد من المحكوم عليهم بالإعدام، معنى ذلك أن موضوع الانتحار لم يكن محض صدفة بل كان أيضا أحد الاختيارات المطروحة حتى قبل دخول الرومان مصر، هذه العقلية الجبارة كانت تخطط لكل الاحتمالات، حتى مرارة الاحتلال .
لقد جعل المؤرخون من موت كليوباترا لغزا كبيرا، فهناك رواية تقول أنها انتحرت بلواصق سامة، وأخرى تقول انها انتحرت بإبر سامة ،أما الطريقة التى تحظى بشعبية لدى المؤرخين فهى الانتحار بلدغة ثعبان.
و قد حاول أوكتافيوس إنقاذها وأرسل الأطباء لمحاولة امتصاص السم من جسدها ولكن بعد فوات الأوان، ولهذا فإن موكب النصر فى روما الذى سار فى العام التالى لم تعرض فيه كليوباترا ولكن وضعوا بدلا منه صورة لها والثعبان ملتف حول ذراعها .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.