حسين لبيب يحضر حفل تأبين العامري فاروق داخل النادي الأهلي    عام المليار جنيه.. مكافآت كأس العالم للأندية تحفز الأهلي في 2025    10 توصيات في ختام المؤتمر الثالث لمبادرة اسمع واتكلم بمرصد الأزهر    جهاز العبور الجديدة يحرر محاضر لوحدات إسكان اجتماعي مخالفة    «البترول» تواصل تسجيل قراءة عداد الغاز للمنازل لشهر مايو 2024    الخارجية الأمريكية: نراجع شحنات أسلحة أخرى لإسرائيل    بوتين: 90% من المدفوعات في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي تتم بالعملات الوطنية    أحمد موسى : مصر لا تتحمل أي مسؤولية أمنية في غزة    «المحاربين القدماء وضحايا الحرب» تُكرم عدداً من أسر الشهداء والمصابين    جدول امتحانات الصف السادس الابتدائى 2024 بالجيزة .. اعرف التفاصيل    توت عنخ آمون يتوج ب كأس مصر للسيدات    أمطار حتى الإثنين.. الأرصاد السعودية تحذر من بعض الظواهر الجوية    الثقافة جهاز مناعة الوطن    نجوم الفن ينعون والدة كريم عبد العزيز: «ربنا يصبر قلبك»    أولادكم أمانة عرفوهم على ربنا.. خالد الجندى يوجه نصائحه للأباء والأمهات فى برنامج "لعلهم يفقهون"    بعد قرار "أسترازينيكا" سحب لقاح كورونا.. استشاري مناعة يوجه رسالة طمأنة للمصريين (فيديو)    أسعار الأضاحي في مصر 2024 بمنافذ وزارة الزراعة    «اسمع واتكلم».. المحاضرون بمنتدى الأزهر يحذرون الشباب من الاستخدام العشوائي للذكاء الاصطناعي    لفترة ثانية .. معلومات عن سحر السنباطي أمين المجلس القومي للطفولة والأمومة    السجن 5 سنوات لنائب رئيس جهاز مدينة القاهرة الجديدة بتهمة الرشوة    محافظ أسوان: مشروع متكامل للصرف الصحي ب«عزبة الفرن» بتكلفة 30 مليون جنيه    محلل سياسي: «الجنائية الدولية» تتعرض للتهديد لمنع إصدار مذكرة اعتقال لنتنياهو    حسن الرداد يكشف عن انجازات مسيرته الفنية    «فلسطين» تثني على اعتراف جزر البهاما بها كدولة    أمين الفتوى يوضح حكم وضع المرأة "مكياج" عند خروجها من المنزل    «التجارية البرازيلية»: مصر تستحوذ على 63% من صادرات الأغذية العربية للبرازيل    وكيل وزارة الصحة بالشرقية يتفقد مستشفى الصدر والحميات بالزقازيق    رئيسة المنظمة الدولية للهجرة: اللاجئون الروهينجا في بنجلاديش بحاجة إلى ملاجئ آمنة    تقديم رياض أطفال الأزهر 2024 - 2025.. الموعد والشروط    "عليا الوفد" تلغي قرار تجميد عضوية أحمد ونيس    مناقشة تحديات المرأة العاملة في محاضرة لقصور الثقافة بالغربية    دعاء للميت بالاسم.. احرص عليه عند الوقوف أمام قبره    «تويوتا» تخفض توقعات أرباحها خلال العام المالي الحالي    كريستيانو رونالدو يأمر بضم نجم مانشستر يونايتد لصفوف النصر.. والهلال يترقب    «الجيزة التجارية» تخطر منتسبيها بتخفيض الحد الأدنى لقيمة الفاتورة الإلكترونية    «القاهرة الإخبارية» تعرض تقريرا عن غزة: «الاحتلال الإسرائيلي» يسد شريان الحياة    أحدثهم هاني شاكر وريم البارودي.. تفاصيل 4 قضايا تطارد نجوم الفن    11 جثة بسبب ماكينة ري.. قرار قضائي جديد بشأن المتهمين في "مجزرة أبوحزام" بقنا    يوسف زيدان عن «تكوين»: لسنا في عداء مع الأزهر.. ولا تعارض بين التنوير والدين (حوار)    «8 أفعال عليك تجنبها».. «الإفتاء» توضح محظورات الإحرام لحجاج بيت الله    فرقة الحرملك تحيي حفلًا على خشبة المسرح المكشوف بالأوبرا الجمعة    تعرف على التحويلات المرورية لشارع ذاكر حسين بمدينة نصر    رئيس قطاع التكافل ببنك ناصر: حصة الاقتصاد الأخضر السوقية الربحية 6 تريليونات دولار حاليا    تعمد الكذب.. الإفتاء: اليمين الغموس ليس له كفارة إلا التوبة والندم والاستغفار    الزمالك يكشف مفاجآت في قضية خالد بوطيب وإيقاف القيد    ذكرى وفاة فارس السينما.. محطات فنية في حياة أحمد مظهر    صحة المنيا تقدم الخدمات العلاجية ل10 آلاف مواطن فى 8 قوافل طبية    محافظ كفر الشيخ: نقل جميع المرافق المتعارضة مع مسار إنشاء كوبري سخا العلوي    مصرع سيدة صدمها قطار خلال محاولة عبورها السكة الحديد بأبو النمرس    صالح جمعة معلقا على عقوبة إيقافه بالدوري العراقي: «تعرضت لظلم كبير»    لمواليد 8 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    ضبط قضايا اتجار في العملة ب12 مليون جنيه    الصحة: فحص 13 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة    إخماد حريق في شقة وسط الإسكندرية دون إصابات| صور    سيد معوض: الأهلي حقق مكاسب كثيرة من مباراة الاتحاد.. والعشري فاجئ كولر    إعلام فلسطيني: شهيدتان جراء قصف إسرائيلي على خان يونس    «النقل»: تصنيع وتوريد 55 قطارا للخط الأول للمترو بالتعاون مع شركة فرنسية    رئيس إنبي: نحن الأحق بالمشاركة في الكونفدرالية من المصري البورسعيدي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كليوباترا.. أسطورة تنبض بالحياة
نشر في أكتوبر يوم 02 - 09 - 2012

فى السنوات القليلة الماضية عاد اسم كليوباترا يتردد كثيرا، فقد كشف خبراء الآثار الغارقة بالإسكندرية بقايا مدينة كانوب التى أقامت بها كليوباترا حفل استقبال رائعاً .. أسطورياً للقائد الرومانى أنطونيو، وكشفوا أطلال القصر الذى أطلق عليه قصر الأحلام أو قصر التأملات، ذلك القصر الذى كانا يخرجان منه معاً ليمارسا لعبة التخفى و يسيران فى شوارع الإسكندرية لتفقد أحوال الرعية، و من هذا القصر أيضا تسلوا بصيد السمك، وحدث فى بعض الأيام أن خرجت صنارة أنطونيو دائما فارغة، فاتفق مع الصيادين أن يضعوا له السمك فى الصنارة، و تكرر بعدها خروج صنارة أنطونيو و قد تعلق بها عديد من الأسماك الكبيرة، و فطنت كليوباترا للخدعة فطلبت بدورها من الصيادين تعليق سمك مملح، خرجت الصنارة من البحر هذه المرة تهتز مثقلة و بها سردينة مملحة، و عندما رآها أنطونيو انفجر ضاحكا، و لكن الملكة الأنثى الذكية لم تترك له فرصة للإحساس بالهزيمة، و على الفور قالت: دع الصنارة لنا نحن ملوك كانوب و فاروس، أما أنت يا إمبراطور فمجال صيدك هو المدن و الممالك و القارات .
هذا الموقف الطريف العاجل يلخص شخصية وتاريخ كليوباترا جميلة الجميلات سيئة الحظ.
اكتشاف قصرها الغارق سلط عليها الضوء، وطلبت الجمعية الجغرافية الأمريكية عمل معارض خاصة فى عدد من المدن الأمريكية لعرض بعض القطع الأثرية المكتشفة، وتم تسفير القطع المختارة فى مقابل مليون ونصف المليون دولار، ولكن وبعد ثلاث سنوات يكتشفون أن الاتفاق كان غير قانونى، وطالبت محكمة القضاء الإدارى العليا بعودة متعلقات كليوباترا لأن الجمعية الجغرافية الأمريكية هيئة خاصة، فقانون الآثار يمنع التعاون إلا مع حكومات الدول، الآن وزارة الآثار فى موقف لاتحسد عليه، بينما تتسابق دول أخرى لحجز دورها لاستضافة معرض كليوباترا على أراضيها، وتعتبر اليابان هى الدولة رقم 2 بعد الولايات المتحدة .
كليوباترا ذهبت، الإمبراطورة ظهرت، الملكة عادت، كلمات تعبر عن حالة حضور تاريخى تحيط بهذه الملكة من حين لآخر، بل إن أستاذ الآثار الألمانى مانفريد كلاوس يقول: كلمة كليوباترا كانت أول كلمة ترجمت عن الهيروغليفية المنقوشة على إحدى المسلات التى وجدت بمعبد فيلة، وذلك فى العشرين سنة الأولى من القرن العشرين، وكلمة كليوباترا هى كلمة يونانية تعنى : ذات الأب المجيد وتكتب باليونانية (كليوباتور ) .
يسمونها كليوباترا السابعة، وهى آخر ملوك الدولة البطلمية التى أسسها بالإسكندرية الإسكندر الأكبر، مثله .. هزت العالم ودار حولها كلام كثير متناقض، ومثله تولت الحكم فى الثامنة عشرة من عمرها، ومثله عاشت حتى العقد الثالث، وماتت بشكل غامض وتركت وراءها تاريخا مجهولا وأحداثا أسطورية، قصر أحلامها الغارق فى قاع البحر شهد أحلى أيام الحب والملك التى انتهت كلها بالانتحار، اتهمها أعداؤها بالفجور والمجون، ثم أنصفها باحث آثار ألمانى ألف عنها كتابا مهماً يكشف بعضا من تاريخها الذى تم تمزيقة ودهسه عمدا بالأقدام لأن دمها ليس ملكيا خالصا .
عرف العالم الحديث كليوباترا عن طريق تلك الرواية التى ألفها ويليام شكسبير وهي تراجيديا تاريخية طبعت لأول مرة في عام 1623ميلادية .
كليوباترا في هذه المسرحية أحد أهم أدوار النساء في مسرحيات شكسبير، وتلعب دور شخصية سطحية ومتكلفة الأداء، تستفز الجمهور إلى حد الضجر, في نفس الوقت قام شكسبير ببذل الجهد لإبرازها وأنطونيو في صورة مأساوية رومانسية، هذه الملامح المتناقضة أدت إلى انقسام كبير بين ردود فعل النقاد.
أفراح القصر الغارق
الشىء الغريب أن هذه الصورة القبيحة لكليوباترا لم تستطع أن تقنع العامة، الحس الشعبى ظل ينكر هذه الرؤية المجحفة، بل بمجرد الإعلان عن العثور على موقع قصر كليوباترا الغارق بالإسكندرية حضر كثير من الأوربيين لرؤية القصر والتجول به تحت الماء، الطريف أن بعضهم تعلم الغوص خصيصا وأخذ دروسا فى الإسكندرية للقيام بهذه الجولة، إحدى السائحات الألمانيات انبهرت بالموقع ووقعت أيضا فى حب الشاب السكندرى الذى كان يعلمها الغوص، وانتهى الأمر بقيامها بترتيب رحلات سياحية وغوص من أوروبا إلى الإسكندرية لمشاهدة آثار كليوباترا الغارقة، وفى إحدى هذه الرحلات تم عقد زواج الشابة الألمانية على حبيبها المصرى وسط مجموعة من المدعوين الغواصين تحت الماء، واضطر موثق القران لارتداء بدلة الغوص، بينما كانت هناك محطة فضائية مصرية تسجل اللحظات السعيدة ، وتكرر الحدث بعد أيام، ولكن العروس هذه المرة كانت فرنسية .
عالم بجامعة فرانكفورت يقدم
أول بحث أثرى وتاريخى ينصف كليوباترا
سوف يحسب له طلاب ودارسى التاريخ والآثار المصرية القديمة تقديم هذا الكتاب الهام إلى المكتبة العربية، إنه المترجم أشرف نادى أحمد الذى صدر له كتاب : (كليوباترا ) تأليف مانفريد كلاوس، وكلاوس يعمل أستاذا للتاريخ القديم فى جامعة جوتة بفرانكفورت بألمانيا، وله العديد من المؤلفات فى التاريخ القديم والمجتمعات والديانات، وهذه هى المرة الأولى منذ حادثة وفاة كليوباترا الغامضة التى تخرج فيها دراسة علمية حقيقية عن تلك الفترة من التاريخ المصرى، وبذلك يكون الكتاب المترجم والصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب هو أول كتاب علمى يدخل المكتبة العربية بهذا الخصوص، أنا شخصيا تعبت حتى حصلت على نسخة من الكتاب، ولم أكن أتصور أن سوق الكتاب كان متعطشا إلى هذا الحد إلى إصدار يتناول السيرة الحقيقية للملكة كليوباترا.
منذ البداية يشرح لنا كلاوس لماذا قام بهذه الدراسة عن الملكة المصرية، يقول : لقد كانت كليوباترا ظاهرة نادرة بلا مثال، بل إنها والإسكندر الأكبر فرضا نفسيهما على كل أجيال البشر بعدهما .
و فى رحلته لكشف التاريخ الحقيقى لهذه الملكة يعتمد كلاوس على ما كتب عنها خلال المائتين عاما اللاحقة على وفاتها، ويعتمد بصورة كبيرة على تاريخ بلوتارخ، وبنيتون المؤرخ المصرى، ولوكان، وديودور، وبرديات يونانية من مصر، وما كتبه الفيلسوف « فيلوستراوس « عن بعض الحوارات الفلسفية التى كانت تشارك فيها كليوباترا أثناء فترة زواجها ووجودها فى روما بصحبة يوليوس قيصر، ثم النقوش الخاصة بكليوباترا على جدران المعابد المصرية .
ومن هذه الكتابات نكتشف أن البعض نسب إليها كتابا مؤلفا عن الزينة وأدوات التجميل، ونسب إليها أيضا كتب فى المقاييس والموازين، والعملات المعدنية، وأمراض النساء، والكيمياء.
اما الكاتب الفرنسى شارل بيلا فقد ذكر فى كتابه المروج الذهبية : كانت حاكمة علامة، تعد من أفضل الفلاسفة المفكرين، وكانت المؤلفة للعديد من الكتب فى السحر والطب ومجالات العلوم الطبيعية، ويقول : نعم كانت كليوباترا واحدة من منظومة الحكام الذين اهتموا بالعلم والعلماء، ولكن يذكر لها أنها زادت عليهم فى أنها كانت هى نفسها عالمة، ويذكر لها نهوضها بفن الهندسة والعمارة بصفة خاصة، حتى تصور البعض أنها مشيدة فنار الإسكندرية فى حين أن المبنى كان مشيدا قبلها بمائتى عام.
كما أنه من خلال المستندات اليونانية يؤكد كلاوس أن كليوباترا كانت تتحدث اليونانية والمصرية بطلاقة، كما كانت ملمة باللغة الأثيوبية واليهودية والفارسية والعربية والسورية والمدرية شعب خليط بين الهنود والفرس
فى ذلك الوقت كانت الإسكندرية محط أنظار العلماء، وخرج منها أسماء شهيرة، فأول من أعلن أن الأرض تدور حول الشمس، وأول من درس ضغط الهواء وعمل أجهزة تعمل بضغط الهواء، وأول من قام بتشريح جثة وفحص الجهاز العصبى للإنسان، وأول من قام بعملية حساب قطر الأرض، وأول من كتب مبادىء علم الحساب كانوا جميعا من علماء الإسكندرية فى ذلك العصر، فضلا عن ذلك فإن الإسكندرية قد جمعت غالبية الأعمال الأدبية الإغريقية وحفظتها وعلقت عليها وحللتها، وكانت مكتبة الإسكندرية تحوى نصف مليون مخطوطا.
أما عن الحالة الاقتصادية لمصر فكانت ممتازة تفوق بمراحل كل بلاد العالم بما فيها روما نفسها، ففى تلك الأثناء كان قيصر روما مثلا يحصل على 40 مليون سيسترسن كضرائب من بلاد غالة كانت تقع بين جنوب فرنسا وشمال إيطاليا، هذا فى الوقت الذى كان بطليموس الثانى عشر والد كليوباترا يحصل من مصر على ضرائب تتراوح بين 12.50 و14 ألف تالنتة، وكانت التالنتة المصرية تساوى 6000 دراخمة، وتعادل 6000 دينار، وتعادل أيضا 24 ألف سيسترات يونانية.
لماذا إذن كانت تبحث كليوباترا عن شخص قوى يدعمها ؟
الزمار وبائع السردين
حاول كلاوس أن يجيب على هذا السؤال وهو يشرح كيف تسلمت كليوباترا الحكم فى جو ملىء بالاضطرابات، فقد كان والدها على ما يبدو عبدا لأهوائه، وقد أطلق عليه السكندريون اسم : بطليموس الزمار لأنه كان يعمل عازفا مع إحدى الفرق الموسيقية، وربما كان زواجه من أم كليوباترا نتاج هذه الفترة من حياته، فلم يعرف أحد من تكون أمها، ويرجح كلاوس أن الأم قد تكون ابنة أحد الكهنة المصريين، ولهذا اعتبرها الرومانيون غير جديرة بالحكم لأن دمها ليس ملكيا خالصا.
و قد بدأت تحدث ثورات قوية ضده لدرجة أنه أخذ كليوباترا وسافر إلى روما حيث كتب وصيته التى تتضمن أن يتم تنصيب كليوباترا وشقيقها بطليموس الثالث عشر حاكمان على الإسكندرية عند وفاته، وأودع الوصية يوليوس قيصر وطلب منه مساندة ولديه فى هذا الأمر.
و عند عودته إلى الإسكندرية كانت برنيكى ابنته الكبرى قد نصبت نفسها ملكة، وحاولت أن تتزوج سريعا حتى يكون توليها الحكم شرعيا، وتزوجت بالفعل شخصا سيئا للغاية كان السكندريون يكرهونه بشدة ويسخرون منه حتى أطلقوا عليه : بائع السردين، وبعودة الأب من روما قام بقتل برنيكى.
و استمرت القلاقل بعد تنصيب كليوباترا وأخيها، فرغم أن عمره كان وقتها 13 عاما إلا أن الرجال المحيطين به استخدموه لعزل كليوباترا، وكونت الملكة المعزولة جيشا من عرب المنطقة الشرقية للوقوف فى وجه شقيقها، ولذلك استماتت كى تصل إلى قصر يوليوس قيصر عندما قدم إلى مصر لتذكره بوصية والدها، وكانت لعبة السجادة التى دخلت بها إلى مقر إقامته، وعندما وجدت منه تعاطفا تمسكت بالفرصة بقوة .
و بمقتل يوليوس قيصر فى روما بعد زواجه منها تهرب عائدة إلى الإسكندرية، ولكنها دون أن تدرى تصبح محط أنظار الرومانيين الذين شاهدوها عن قرب وحضروا صالونها الأدبى الخاص وطمعوا فيها وفى مملكتها أغنى ممالك الإمبراطورية وقتها، ومرة أخرى لا تترك الفرصة تضيع عندما تقابل أنطونيو أحد أقوى رجلين فى الإمبراطورية، وتجد فيه الزوج والحليف الذى يدعمها، وهو ما جعل الحرب ضدهما تستعر بعدما أصبحت الإسكندرية نجما ومركزا للإمبراطورية.
الهزيمة
اتهمت كليوباترا بأنها خذلت أنطونيو فى المعركة الفاصلة بينه وبين أوكتافيوس والمعروفة بمعركة أكتيوم عندما انسحبت بسفنها الستين عائدة إلى الإسكندرية، واضطر هو للانسحاب وراءها تاركا جيشه ينهزم وجنوده تموت، هذه المعركة توقف عندها كلاوس طويلا، وقدم شرحا لما حدث نلخصه فى النقاط التالية :
«1»امتلك أنطونيوس سفنا حربية كبيرة عملاقة تشبه التماثيل صعبة الحركة والدوران، وعلى العكس تماما كانت سفن أوكتافيوس تتمتع بالخفة والمرونة، صحيح استطاعت سفن أنطونيوس أن تحمل الكثبر من الرجال وآلات الحرب والأحجار والقازفات، وتحمل منجانيق وأحجارا كبيرة الحجم، كما كانت بها ميزة أخرى وهى ارتفاعها الشاهق بسبب الأبراج المشيدة فوقها، بل كان أنطونيوس يعتقد أن وابلا من قذائف سفنه تستطيع ]أن تبعثر سفن العدو وتقضى عليها، ولكن على النقيض كانت سفن أوكتافيوس خفيفة تتمتع بسرعة الحركة والمناورة، وهذه الخاصية جعلته يحاول المرور بسرعة بجانب سفن أنطونيوس ويحطم مجاديفها أو عجلة قيادتها أو يصيب جوانبها.
«2» و كما أن لكل حرب مكانا تدار فيه عمليات الحرب، كان لهذه المذبحة البحرية مكان مناسب أيضا تدار منه العمليات بمنطقة أكتيوم، اختار انطونيو مكانا ضحلا ليحول المعركة إلى معركة برية ولكن أوكتافيوس قام بخدعة لسحب الأسطول المصرى إلى عرض البحر وفاجأ الجميع بخطة ناجحة للهجوم.
«3»بعد العملية الاولى التى أتلفوا بها عددا كبيرا من سفن أنطونيوس والتى أصبحت عاجزة عن الحركة، راحت سفن اوكتافيوس تشكل مجموعات صغيرة، تهجم على سفن أنطونيوس، وساعدت الرياح على إشعال النيران فى سفن أنطونيوس ودمرتها.
«4»الانسحاب كان أحد الخيارات المطروحة قيل بداية المعركة فقد اقترح أنطونيوس أن يخوضوا المعركة أيا كانت النتائج، بينما اقترحت كليوباترا أن تقوم بعد بداية المعركة بالانسحاب بسفنها الستين عائدة إلى الإسكندرية ويتبعها أنطونيوس وجزء من القوات التى تستطيع النجاة، فالدخول فى المعركة كان من البداية أشبه بعملية تغطية للانسحاب لإنقاذ مايمكن إنقاذه.
«5»عاد أنطونيو بربع القوات، ولكن بدأت سلسة من المفاجآت التى لم يتوقعها، جزء من الجيش انضم لأوكتافيوس، أصدقاؤه وحلفاؤه توقفوا عن مساعدته وانضموا لعدوه، منع هيرودوت حاكم بيت المقدس من قبله مددا كان قادما إليه، حتى الجنود الذين تم تكريمهم بعد المعركة فى احتفال بلوزيون - بور سعيد حاليا - ومنحهم دروعا من الذهب انضموا إلى عدوه.
«6»قامت كليوباترا بدورها بجمع الأموال من الخزانة وهبات المعابد لإعادة بناء أسطول قوى فى الخليج العربى بعيدا عن العيون، ولكن حاكم سوريا ينضم إلى أوكتافيوس ويقوم بحرق الأسطول الجديد .
وهكذا يكشف كلاوس الغطاء عن دور الملكة فى الأحداث وكيف كانت بعيدة تماما عن فكرة الخيانة والغدر التى حاول الأعداء إلصاقها بها، بل كيف حاولت التحرك وتدبير الأموال وإعادة بناء أسطولها لولا سوء الحظ الذى لحقها .
النهاية
مر عام قبل أن يدخل أوكتافيوس الإسكندرية، وفى يوم دخوله الأراضى المصرية ينتحر أنطونيوس معترفا بأنه سبب الهزيمة، ويسمح أوكتافيوس لكليوباترا بعمل جنازة تليق به.
بعد يومين أقدمت كليوباترا على أولى محاولات الانتحار بالامتناع عن الطعام، ولكن أوكتافيوس هددها بقتل أولادها، فقد كان يرغب فى الحصول على كنوزها التى أخفتها، ثم تعلم بعد ذلك برغبته فى عرضها كأسيرة فى شوارع روما ضمن احتفاليات النصر، تستأذنه فى زيارة قبر أنطونيوس فيأذن لها، وهناك تنفذ خطته فى الانتحار، وتكون آخر كلماته كما يقول بلوتارخ: «من بين آلاف الزفرات التى زفرتها فى حياتى، لم تكن هناك زفرات أشد قسوة علىَ من تلك التى زفرتها فى الفترة القصيرة التى عشتها بعدك.
فى عام 79 بعد الميلاد حدث بركان كبير فى مدينة هيركولانيوم الغارقة الآن قرب شواطىء الإسكندرية، وعثر بعده على بعض لفائف البردى وشقافات من الفخار تروى فى شعر ملحمى عن بطولات حرب مصر، هذا الشعر كتبه شاعر مجهول وقد أورد فيه أن كليوباترا قد وقفت فى السوق تجرى تجارب عن أنواع الموت الممكنة على عدد من المحكوم عليهم بالإعدام، معنى ذلك أن موضوع الانتحار لم يكن محض صدفة بل كان أيضا أحد الاختيارات المطروحة حتى قبل دخول الرومان مصر، هذه العقلية الجبارة كانت تخطط لكل الاحتمالات، حتى مرارة الاحتلال .
لقد جعل المؤرخون من موت كليوباترا لغزا كبيرا، فهناك رواية تقول أنها انتحرت بلواصق سامة، وأخرى تقول انها انتحرت بإبر سامة ،أما الطريقة التى تحظى بشعبية لدى المؤرخين فهى الانتحار بلدغة ثعبان.
و قد حاول أوكتافيوس إنقاذها وأرسل الأطباء لمحاولة امتصاص السم من جسدها ولكن بعد فوات الأوان، ولهذا فإن موكب النصر فى روما الذى سار فى العام التالى لم تعرض فيه كليوباترا ولكن وضعوا بدلا منه صورة لها والثعبان ملتف حول ذراعها .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.