بعد أن افتتحت الجامعة المصرية رسميا في 21 ديسمبر 1908م . رأي بعض القائمين علي أمرها ضرورة الأخذ بيد المرأة المصرية والارتقاء بها أدبيا وعلميا ، ومن أجل ذلك خصصت الجامعة ابتداء من العام التالي من افتتاحها محاضرات خاصة بالسيدات تشمل تاريخ المرأة علي مر العصور ، ورغم الحذر الشديد في اتخاذ هذه الخطوة خشية غضب المحافظين علي التقاليد ، ومفاجأة الرأي العام بشيء لم يستعد له فإن بعض الصحف المصرية باركت ذلك الاتجاه وهللت له وشجعت علي دراسة العلوم النسائية للنساء موضحة أن النساء المصريات في حاجة كبيرة إلي من يصقل أفكارهن ويقوم اعوجاجهن ويرفع عنهن غشاوة الجهل فطالبت جريدة »الظاهر« بإنشاء جامعة للنساء حتي يتعلمن ما لهن وما عليهن فقالت :»نريدهن متعلمات عارفات بكل ما يجب لهن وعليهن بارعات في تدبير المنزل والنظر في شئون أطفالهن ، فمن شاء إصلاح مصر وترقيتها حقيقة فليجهر معنا بضرورة لزوم جامعة للنساء موضحة أن إصلاح البلاد لا يتم بدون إنشاء مثل هذه الجامعة. وانضمت »اللواء« في مناداتها بإنشاء جامعة للنساء رغم تحفظات مصطفي كامل ،ونتيجة لتشجيع الصحف للجامعة الوليدة علي السير في خطاها نحو تعليم المرأة والبنت المصرية قررت الجامعة إنشاء قسم نسائي بها ومع دخول الجامعة في عام 1910م ، كان عدد البنات اللاتي خاطرن بدخول الجامعة ستة وثمانين ، وكان عدد المصريات منهن خمسًا وثلاثين أما الباقي فكن من جنسيات مختلفة ومنذ تلك اللحظات والحركة النسوية تنمو وتتشعب حتي أصبحت لها أصداء عالية لا يمكن بحال من الأحوال تجاهلها أو غض البصر عن تأثيراتها في الحياة الثقافية والسياسية والاجتماعية بالمجتمع وهي الحركة التي انقسمت حولها الصحف المصرية بين مؤيدين ل ( حقوق المرأة ) ومتحفظين رافضين ورغم اشتراك الأغلبية في إعلان مواقف محددة من هذه القضية فإنهم جميعًا سجلوا ووثقوا بالصورة والكلمة أبطال هذه الحركة النسائية في مصر وكل ما مر أمام أعيننا من مسيرات النضال ضد الاحتلال الأجنبي، والمظاهرات الحاشدة لنساء متشحات بالأغطية السوداء تعلو أصواتهن الوطنية فوق حدود الطبقة الاجتماعية والديانة وجميعهن ساهمن في إشراك المرأة في العمل السياسي ومنحها فرص اعتلاء مناصب القيادة والريادة، وتثقيفها فنيا وسياسيا وثقافيا، حيث أسس بعضهن مؤسسات لجمعيات المرأة أو الطفولة، ومجلات النهضة ، وأخريات حملن راية تعليم المرأة. صور ومشاهد تاريخية وتوثيقية جمعتها الباحثتان هند واصف ونادية واصف في كتاب (بنات النيل) الصادر عن دار نشر الجامعة الأمريكيةبالقاهرة .كانت فيه الصور الفوتوغرافية هي محور وموضوع الكتاب كأول محاولة لتقديم توثيق فوتوغرافي صامت للحركات النسائية المصرية في النصف الأول من القرن العشرين ، وسرد تاريخي مصور لأشخاص محوريين وهامشيين في هذه الحركة وأخري لمظاهرات وحملات انتخابية وأشكال مختلفة من النشاط النسائي ورائدات نسائيات في المجالات المختلفة تغلبن علي التحديات وأثبتن وجودهن قائلات : » اسمعني« ، »اعترف بوجودي« ، » أنا موجودة« »إن رأيي له قيمة» ومن خلال هذه اللقطات المصورة تمكن هذا العمل من استعادة أحداث وشخصيات من ذلك الزمن البعيد بشكل لا تنجح الكلمة المكتوبة في إبرازه وتؤكد هذه المجموعة المصورة علي تباين أشكال كفاح النساء من حيث الأهداف كالحق في التصويت في الانتخابات والترشح لها والتعليم ومشاركة النساء في الكفاح الوطني وكانت هذه الصور قد نشرت سابقًا في مجلات وجرائد رصدت هذه الدور الحيوي ولكنها تخرج علينا الآن لتذكرنا عما آل إليه حال المرأة المصرية من استضعاف واستلاب لحقوقها بوضعها خلف الكواليس، ناهيك عن دعاوي قضائية تطالب بإعادة النظر في سلسلة الحقوق والامتيازات التي حازتها المرأة طوال العقود الثلاثة التي خلت، وإذا كانت القوي السياسية الجديدة تتحمل بدورها جزءا عما يئول إليه حال المرأة المصرية، فالأرجح أن هذه الوضعية لا تعود إلي صعود تيارات يمينية ، بل إلي طبيعة المجتمع والمزاج المحافظ السائد لدي معظم فئاته وشرائحه ومناطقه الجغرافية التي ما زالت محكومة بأطر العصبية والقبلية ذكورية الطابع بالأساس وبالتالي يبقي تفسير البعض في الأوساط الغربية لهذا الأمر باعتباره نتيجة لتصدر الإسلاميين المشهد، واتجاههم إلي تقييد بعض الحقوق والحريات، وفي مقدمتها ما يتعلق بالمرأة خاطئا، ومحاولة للقفز وتشويه صورة تيارات عانت الأمرين من النظام السابق ، لتستمر معهم معاناة المرأة واستضعافها قائمة في ظل ظروف بالغة الصعوبة مشحونة بالقهر والعنف والتحرش والبطالة وتراجع خطوات التمكين والتضمين علي الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي .لهذا يكتسب الكتاب أهميته باعتباره كشف حساب ختامي لحركة نضال المرأة التي بدأت مع مطلع القرن العشرين من أجل تغيير واقعها والمدركات الدائرة حولها وسخرت - في تلك الحقبة المختارة بالكتاب من 1900 1960 كافة قوي التصوير الفوتوغرافي لرصد بطولاتها وصراعاتها، حتي استطاعت تطويعه لأن يصبح هو شهادة تحررها وقدرتها علي التحكم في مجريات مختلف الأمور، فحين قررت هدي شعراوي وسيزا نبراوي خلع الحجاب، قامتا بدعوة الصحافة لنشر صورهن بدافع أن الصور ذات تأثير قوي وفعال يحمل مستويات متنوعة للمعني، وهكذا احتوي الكتاب علي كم هائل من الصور يتم علي أساسها تقسيم الكتاب، حيث تبدأ أبوابه بالمظاهرات، ولعل أولها مسيرة احتفال باكتساب النساء بعض حقوقهن السياسية حاملات صورة أم صابر الشهيدة الأولي في ثورة 1919م مع صورة هدي شعراوي، ثم تتوالي صور النضال المتمثلة مرات في المطالبة بالمساواة وأخري ضد الاحتلال، أو للاحتجاج علي قوانين الأحوال الشخصية. أو بمظاهرات تطالب بالقصاص من الإقطاعيين كشاهندة مقلد أرملة صلاح حسين في قرية كمشيش .وصور لبنات أخريات لتأييد عبد الناصر لمساواته بين الرجل والمرأة في الحقوق السياسة . ويستعرض الباب الثاني - مغادرات - بعض جنازات الرائدات، ثم بابا خاصا بالاحتفالات والصور الجماعية التي تشير إلي الفرحة بالانتصار وتحقيق العديد من الأهداف الصعبة التي نبهتنا إلي أن أحدًا لن يحارب بالنيابة عنها ، فتتعدد موضوعات الصور ما بين تكريم أدبي وثقافي، أو حفلات استقبال لعناصر نسائية من الخارج، أو مهرجانات نسائية دولية، ثم يأتي دور حملات الحقوق السياسية والاعتصامات السلمية والإضراب عن الطعام وتضامن الرأي العام العالمي معهن ووقوف كبار الأدباء والكتاب في صفوفهن كتوفيق الحكيم وجان بول سارتر وسيمون دي بوفوار وصور صراع المرأة مع الحملات الانتخابية في القاهرة والمحافظات، ويلي ذلك المبادرات الجماعية للاتحاد النسائي المصري والعربي بصفة عامة.وموقف بنات النيل من قضية فلسطين ويتناول الكتاب أيضاً صحافة النساء برصد عدد من أغلفة المجلات النسوية التي صدرت منذ عام1948 مثل غلاف مجلة بنت النيل وحواء الجديدة وفتاة الشوق والسيدات والرجال والنهضة النسائية، وهناك أيضا باب خاص بعنوان (في خدمة الوطن) يتضمن صورا لتطوع البنات في المقاومة الشعبية، وتدريب بعضهن علي الإسعافات الأولية، وتوفير الخدمات من تفصيل ملابس للمتطوعين واللاجئين والجرحي وصورا لبنات الهلال الأحمر ومساعدتهن لمنكوبي الملاريا وصورًا لنشاط البنات المسيحيات وجمعية الشابات المسيحية ، وصورا لدور البنات في معسكر اللاجئين الفلسطينيين بالعباسية في أعقاب حرب فلسطين ، أما نسويات فهو جزء كبير يختص ببورتيريهات النساء المحوريات أمثال عائشة التيمورية ، ملك حفني ناصف ، لبيبة هاشم مؤسسة مجلة فتاة الشرق ، الرائدة هدي شعراوي ، سيزا نبراوي ، عزيزة هيكل أول من حضرت حفل استقبال أقامه رئيس فرنسا علي شرف فؤاد الأول بدون أن ترتدي حجابًا ، إيفا حبيب المصري أول بنت مصرية تلتحق بالجامعة الأمريكيةبالقاهرة سنة 1928 م ، نبوية موسي ، وشاهندة مقلد أول امرأة تفوز في انتخابات الاتحاد القومي عن محافظة المنوفية وأخيرا، يختتم الكتاب أبوابه بالرائدات اللاتي أدين أعمالاً لطالما كانت من نصيب الرجل وحده لعدم الاعتراف بقدرة المرأة علي أدائها مثل اعتماد خورشيد أولي عضوات فريق الطيران الآلي بجامعة القاهرة ، والفتيات الكمساريات والمجندات في الجيش وعزيزة أحمد حسين أول مندوبة لمصر لدي الأممالمتحدة ، ونعيمة الأيوبي أول بنت تخرجت في مدرسة الحقوق ، مريم عبد الشهيد من أوائل خريجات كلية الطب بباريس ، زينب فؤاد مؤسسة أول بيوت الأزياء المصرية وصورا لرائدات أخريات في مجالات الغاز والكهرباء والكيمياء والفلسفة وصولا للأدب والصحافة والتمثيل وغيرهن الكثير ، ليستكمل الكتاب عناصر تأريخه لتلك الحقبة في إشارة إلي قدرتهن علي تحدي الكلمة المكتوبة من خلال إهداء إلي كل من أنتج هذه الصور ومن يري نفسه فيها ومن سوف يأتي بالمزيد منها في المستقبل بصرف النظر عن الجنس والديانة والعرق والطبقة ! .