«الخارجية» تنظم ندوة بمناسبة تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان    أسعار الأسماك والخضراوات والدواجن اليوم 19 أكتوبر    المستشار الألماني: الاتحاد الأوروبي ليس له تأثير على أحداث الشرق الأوسط    شرطة نيويورك: متظاهرون كثيرون يشاركون في الاحتجاجات    الفنان ياسر جلال: أنا نائب فرفوش جدًا.. والبدلة والكرافتة لابسها بس علشان الصورة    دعاء الفجر| اللهم جبرًا يتعجب له أهل الأرض وأهل السماء    بعثة الأهلي تصل مطار القاهرة بعد الفوز على إيجل نوار بدوري أبطال إفريقيا (صور)    اليوم، "القضاء الإداري" تبدأ الفصل في الطعون الانتخابية لمرشحي مجلس النواب    السياحة والآثار توضح حقيقة التقدم ببلاغ ضد أحد الصحفيين    خالد الغندور: بيراميدز زعيم القارة الأفريقية بلا منازع واستعاد هيبة دوري الأبطال    بوني يقود إنتر لانتصار ثمين على روما في كلاسيكو الكالتشيو    أسعار البنزين والسولار اليوم الأحد 19 أكتوبر 2025    ليلة من البهجة في الجونة.. نانسي عجرم تشعل الأجواء ويسرا وإلهام شاهين يتفاعلان وكيت بلانشيت تتوج بطلة للإنسانية    أحمد سعد يغادر إلى ألمانيا بطائرته الخاصة استعدادًا لحفله المنتظر    فتح فصل ثانوي مزدوج جديد لتخصص استخلاص وتصنيع الزيوت النباتية في مطروح    وفاة ضابط شرطة في حادث مأساوي على طريق الإسماعيلية الصحراوي    مصرع شخصين وإصابة آخرين إثر حادث تصادم سيارتين فى النزهة    زيلينسكي: ترامب لم يعطني ردًا حاسمًا لصواريخ توماهوك    «العمل العربية» تشارك في الدورة ال72 للجنة الإقليمية بالصحة العالمية    التعليم توضح الفئات المستفيدة من أجهزة التابلت 2025-2026.. من هم؟ (إجراءات وضوابط التسليم)    شبانة: أداء اليمين أمام مجلس الشيوخ مسئولية لخدمة الوطن والمواطن    موعد مباراة منتخب المغرب ضد الأرجنتين في نهائي كأس العالم للشباب والقنوات الناقلة    وزارة السياحة والآثار تنفي التقدّم ببلاغ ضد أحد الصحفيين    رئيس مصلحة الجمارك يتفقد قرية البضائع بمطار القاهرة    توابع زيادة البنزين، ارتفاع جديد في أسعار الجبن الأبيض والرومي والشيدر بالأسواق    نتنياهو يعلن نيته الترشح مجددًا لرئاسة الوزراء في الانتخابات المقبلة    مصرع عروسين اختناقًا بالغاز داخل شقتهما ليلة الزفاف بمدينة بدر    أتلتيكو مدريد ينتصر على أوساسونا بالدوري    نتنياهو: الحرب ستنتهي بعد تنفيذ المرحلة الثانية بما يشمل نزع سلاح حماس    «سيوافقان على الانضمام».. عمرو الحديدي يطالب الأهلي بالتعاقد مع ثنائي بيراميدز    الخارجية الأميركية تزعم نية حماس شن هجوم واسع ضد مواطني غزة وتحذر من انتهاك وقف إطلاق النار    الاحتلال يشن حملة مداهمات واعتقالات في الضفة الغربية    ذات يوم مع زويل    إصابة 10 أشخاص بينهم أطفال في هجوم كلب مسعور بقرية سيلا في الفيوم    رابط المكتبة الإلكترونية لوزارة التعليم 2025-2026.. فيديوهات وتقييمات وكتب دراسية في مكان واحد    شبورة كثيفة وسحب منخفضة.. بيان مهم من الأرصاد الجوية بشأن طقس مطروح    تفاصيل محاكمة المتهمين في قضية خلية مدينة نصر    استعدوا لأشد نوات الشتاء 2026.. الإسكندرية على موعد مع نوة الصليب (أبرز 10 معلومات)    مكافأة على سجله الأسود بخدمة الانقلاب .. قاضى الإعدامات المجرم "عصام فريد" رئيسًا ل"مجلس شيوخ العسكر" ؟!    تراجع عيار 21 الآن بالمصنعية.. سعر الذهب اليوم الأحد بالصاغة بعد الانخفاض الكبير عالميًا    تحالف مصرفى يمول مشروع «Park St. Edition» باستثمارات 16 مليار جنيه    السيسي يوجه بزيادة حجم استثمارات «ميرسك» العالمية في السوق المصرية    وائل جسار: فخور بوجودي في مصر الحبيبة وتحية كبيرة للجيش المصري    منة شلبي: أنا هاوية بأجر محترف وورثت التسامح عن أمي    انجذاب لشخص في محيط عملك.. حظ برج العقرب اليوم 19 أكتوبر    لا تتردد في استخدام حدسك.. حظ برج الدلو اليوم 19 أكتوبر    زيكو: بطولتي الاولى جاءت أمام فريق صعب ودائم الوصول للنهائيات    محمود سعد يكشف دعاء السيدة نفيسة لفك الكرب: جاءتني الألطاف تسعى بالفرج    أحمد ربيع: نحاول عمل كل شيء لإسعاد جماهير الزمالك    لا مزيد من الإحراج.. طرق فعالة للتخلص من رائحة القمامة في المطبخ    الطعام جزء واحد من المشكلة.. مهيجات القولون العصبي (انتبه لها)    فوائد شرب القرفة باللبن في المساء    أخبار 24 ساعة.. زيادة مخصصات تكافل وكرامة بنسبة 22.7% لتصل إلى 54 مليار جنيه    أتلتيكو مدريد يتخطى أوساسونا في الدوري الإسباني    هل يجوز للزوجة أن تأخذ من مال زوجها دون علمه؟.. أمين الفتوى يوضح    توجيهات عاجلة من وكيل صحة الدقهلية لرفع كفاءة مستشفى جمصة المركزي    "الإفتاء" توضح حكم الاحتفال بآل البيت    مواقيت الصلاة اليوم السبت 18 أكتوبر 2025 في محافظة المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



»ديوان اليومي« للشاعرالتونسي مجدي بن عيسي:
الاحتفاء بالبساطة !
نشر في أخبار الأدب يوم 05 - 01 - 2013

الشعر هذا العطر النادر المفعم بالبهجة تجاه اللغة وهي تطلق معانيها في الهواء قولا بالعذوبة.. عذوبة العناصر والتفاصيل والأحلام البسيطة والجمّة والألوان والأمكنة والسيّرة .. هو كلّ هذا وذاك وفق اللحظة ... هذه اللحظة التي تتألق فيها ... إذ يحتفي الشاعر بذاته لذاته وبالآخرين...
نعم.. القصائد فكرة القلب المأخوذ بوجده ووجدانه تقصدا للنّظر بعين القلب لا بعين الوجه.. إنّها متعة القول الذي يضفي علي الوجود تلوينات هي عين الدّهشة ونواحها الخافت... والشعر بهذه النّظرة خروج عن القطيع اللغوي والمألوف والعادي وسفر عبر الدّروب الوعرة بعيدا عن المسالك المطمئنة التي كثيرا ما أخلّت ببريق القصائد وفرادة معادن صورها ونبل معانيها...
هذا هو الشعر.. تشوّف تجاه هذا الكائن في حلّه وترحاله في هذه الحياة حيث لا ينسي الشاعر ينابيعه بعد هذه المكابدة الوجودية والحياتية وعلي عبارة الشاعر الكبير رسول حمزاتوف صاحب داغستان بلدي «بعد هذه الرحّلة الطويلة أذكر جيدا بيتي رغم هذه الدّروب الوعرة«.
نعم القصيدة هي هذه الذاكرة الحادة... ذاكرة الأمكنة والوجع والسّفر والأفعال اليوميّة الباذخة...
في شعرنا التونسي حيّز محمود ضمن هذه الأفكار والرؤي الشعرية وهو ما آل إلي التفاتة بينّة في مستوي الاهتمام والنقد والتعاطي والحضور من قبل الفاعلين في المشهد الشعري العربي حيث عملت القصيدة التونسية الحديثة ولدي عدد مخصوص من الشعراء علي جلب هذا الاهتمام الأمر الذي يجعلنا نذكر كلمة الشاعر العربي الراحل نزار قباني حيث قال ذات مربد شعري: «عدّلوا ساعاتكم علي الشعر التونسي... « كان ذلك في منتصف الثمانينات...
في شعرنا التونسي الآن وهنا علامات فارقة وبوسعي أن أقول إن النقد التونسي لم ينهض إلي الآن بأعباء عدد من التجارب المهمّة وكذلك الأمر بالنسبة لحركة النقد العربيّة مع استثناء أعمال ومجهودات نقدية فردية سعي أصحابها من النقاد والباحثين وأساتذة الجامعات إلي القيام بالواجب تجاه هذا الزهم الإبداعي في مدوّنة الشعر التونسي الحديث...
قاصائد تشبه كاتبها
من هذه التجارب الشعرية ما تستحق الوقوف والتأمّل والبحث بالنّظر للمنجز وفق خصائص الكتابة الفنيّة والوجودية والحياتية...
الشاعر التونسي مجدي بن عيسي.. هو أحد هؤلاء الشعراء أصحاب التجارب الجادة الذين جعلوا لنصوصهم حضورا أحسب أنّه من القيمة بمكان ذلك أنّه أي الشاعر ومنذ مجموعته الشعرية الأولي الحائزة علي جائزة وطنية »احتراق الشذي« قد تخيّر لكتاباته نهجا شعريّا متفرّدا في مستوي النظرة للكتابة وللوجود وللحياة ضمن اشتغالات في اللّغة والصورة الشعرية والشجن المثقل للمعاني.
قصيدة مجدي تشبهه فهو الشاعر الصّموت الممتلئ بفجيعة الكائن، بهواجسه، بشجنه البليغ، بسخريته تجاه تبدّلات الزمان والمكان الحافة بهذا الإنسان بين ألفيتين.. إنها منعته وهو يقلّب المعاني في لحظة فارقة في تمفصل عجيب لآلة الزمن...
شاعر مخلص لقصيدته التي يحضنها بعيدا عن الضجيج المفتعل وآلات النفخ المجانية في مشهدنا الشعري الذي وإن أصابته بعض العاهات فإنّه يظلّ معبّرا
أمتعة الكتاية
في عمومه كما ينبغي عن جودة نصوص يذكر القراء بشغف أصحابها... في قصيدة الشاعر مجدي بن عيسي تجوال رائق في تفاصيل وتجاويف اليومي هذا الذي أفرده بديوان شعري هو آخر أعماله سمّاه «ديوان اليومي عن دار إشراق للنشر وجاء في أكثر من مائة صفحة من الحجم المتوسّط تزينّه لوحة فنية للفنانة التشكيلة البولونية مونيكا دال ريو...
هذا العمل الشعري حام حول خمسة مواضيع هي أمتعة الكتابة، شؤون عائلية، الحرب علي الإرهاب، أعمال الشاعر وألحان مصاحبته...
في نصّ «أواني المطبخ« نقرأ ما يلي :
» لأواني المطبخ أوراح
تستيقظ ليلا
وتجوب البيت
...............
لكأنّي بها الليلة تنشج في صمت
صمت البيت الخالي
صمت الليل
صمت أبٍ
ودّع منذ قليل ابنته
في ثوب العرس إلي بيت الزوج «
لقد صارت القصيدة وطن الشاعر وألوانه الملائمة في هذه التجربة التي تعلي من شأن الشعر في سماء الوجود قولا بالذّات ومدا للأعالي فالكلمات لن تقنع بغير أرواح المعاني تتقصدها نحتا للكينونة في عالم من حرير الخيال.
يقول الشاعر في قصيدة رائقة بعنوان قنّاص الأرواح:
« سأقول للشّعر إذن :
يا سيّد الكلمات أطرد
كلّ روح غرّها إيقاعها
واستسلمت
لرنين أحرفها
وتجلّ في الإيقاع قنّاصا بدائيّا
لأرواح المعاني «
هكذا تهب القصائد أرواحها والمعاني للشاعر مثلما يهبها هو أصواته وأشجانه وأحلامه البسيطة في تناغم وحميميّة فارقة...
نصوص هذا الديوان مثّلت عين الشاعر علي أشيائه الموزّعة من البيت إلي العالم، لذلك فهو يكتبها بروح طفل يلوذ بدفء العناصر ونبل القيم انطلاقا من المنبع الأوّل وصولا إلي الأكوان التي تتقاذفها الأهواء... العولمة التي تريد أن يرتهن عندها الإنسان بعيدا عن قيمه وخصوصياته... الحروب المدمّرة ولا سيما الحرب الشرسة علي الفلسطينيين، كما أنّه لا يعقل بين هذا وذاك دمارات الشعراء ولا سيما مظاهر إفساد الشعر...
يقول في قصيدة حرب استباقيّة :
« الصراصير التي تملأ بيتي كلّ صيف
الصراصير التي ترهب أبنائي وتثني زوجتي
عن دخول المطبخ المأهول بالأعداء
قد آن الأوان
كي أطاردها
في منزل الجيران، في القبو الذي يسكنه البوّاب، في المقهي القريبة، عند
رأس الدرب، قبل دخولها البيت الذي أسكنه
إنّها الحرب علي الإرهاب قبل حدوثه
هذا هو النهج السليم
طوبي لأمريكا إذن
طوبي لمنهجها القويم «
الشاعر مجدي بن عيسي يذهب في قصيدته إلي جوهر الأشياء باحثا عن أسماء الأشياء مجرّدة مثل شعراء الهايكو، فكأنّه يحاور العناصر ويحاولها في مرح هو صميم الشعر باعتبار الشاعر حمّال معانٍ وقنّاص أحلام... إنّها المتعة الباذخة الذي يجترح القارئ ظلالها وهو يتلقّي هذه النصّوص الصادرة عن البساطة والوداعة والبراءات الأولي...
إنّها عوالم الشعر الخالص الذي منه تجارب الهايكويّين الذين جعلوا القصيدة كالفراشة في الجمال والخفّة وفعل الإدهاش... يقول الشاعر في هذا السياق في نصّ » هايكو « :
» الفراشة تلك الملوّنة النزقة
.........
آه لو أنّني
كنت شاعر هايكو
لأنكتبت أنا وهي في القصيدة
حرفين في كلمة «
وفي نصّ «شعراء الهايكو المرحون« نقرأ :
» شعراء الهايكو المرحون
لا تشغلهم
أخيلة ومجازات
بل تكفيهم
أسماء الأشياء مجرّدة لتكون «
الاحتفاء بالبساطة
إنّها فكرة الكتابة الشعريّة المختزلة التي ينظر صاحبها بعين الوجد تجاه الآخرين، وفق القول بالشعر، كحياة قائمة بذاتها، حيث لا مجد لغير الاحتفاء بالبساطة التي هي أصعب افعال الشاعر كما يقول سعدي يوسف.
نعم الشاعر مجدي بن عيسي وفي هذه الرحلة الشعريّة التي استغرقت حوالي ربع قرن، يظلّ صاحب مشروع شعريّ تبرز معالمه من ديوان إلي آخر، ديدنه في ذلك استعادة الأحلام التي غادرت منازلها بعيدا عن كلّ شرور الأرض، وتأمّل «العمر الذي يحيا به في الناس«.
نصل إذن إلي جوهر الرسالة الشعريّة و الجماليّة والوجدانيّة والانسانيّة للشاعر بن عيسي بعيدا وهم الآخرين ...إنّه يمضي بلا مبالاة الفنّان إلي الأعماق كمغامر قديم في أرض الشعر الذي يهبه كلّ شيء...
« لغتي يقين حاسم
وغدي نهار عشته يوما علي
هذي البسيطة. لست وهما
كي يبدّدني الهواء، ولست محض محارب
كي أنتهي برصاصتين... «
شاعر آخر من شعراء تونس الذين نسعد بهم، لجدّيتهم ولفرط حساسيّتهم الشعريّة...وديوان اليومي يأتي ضمن هذا السياق الشعريّ الأخّاذ في بساطته وعمقه وبهجته ونواحه الخافت وتمجيده للنبل في العناصر والأشياء والتفاصيل...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.