في أواسط القرن العشرين، كانت المنتديات الأدبية، والسهرات الثقافية علي المقاهي سمة بارزة من سمات الحياة الفكرية في مدينة القاهرة. وكان جماعة من الشعراء قد اعتادوا في سهراتهم الأدبية أن يتبادلوا الدعابات والمرح، ولا تخلو لياليهم بين حين و آخر- من متطفلين يفسدون عليهم متعتهم، فإذا بهم يوسعون أولئك المتطفلين هجاء وسخرية ونقداً. وكان من أولئك المتطفلين شويعر خفيف الظل اسمه »حسين أفندي محمد«، كان محببًّاً إلي الشعراء لخفة ظله التي تغفر له ركاكة شعره. ولكنه كان شديد الإيمان بأنه شاعر عظيم!! وأنه سيد شعراء عصره ولا فخر ، وقد لقّب نفسه بلقب »البرنس« وهي بالإيطالية تعني الأمير, وذات ليلة من ليالي شهر رمضان، اقترح الشعراء إقامة حفل لمبايعة البرنس »حسين أفندي محمد« أميراً للشعراء بعد أن مر نحو ربع قرن علي وفاة »أحمد شوقي بك« دون أن يخلفه أحد علي إمارة الشعر العربي!! وكان من بين هؤلاء الشعراء: »محمد الأسمر« و »أحمد الكاشف« و»السيد حسن القاياتي« و »محمد الهراوي« و »حسين شفيق المصري« و »كامل كيلاني«...وغيرهم. وقد قال الشاعر »محمد الأسمر« في تلك الحفلة قصيدة في مبايعة أمير الشعراء البرنس "حسين أفندي" جاء فيها: يا أميرَ الشُّعراءْ سيدي فلتهنإِ اليو ( امرؤُ القيس ) علي با و (أبو الطيِّب ) في الدو و (النُّواسيُّ ) و(ها و ( المعريُّ ) لَدي السُّ سيدي رجِّعْ لتا شِعْ حيثُ لا تسمعُكَ الأَر سيدي مولايَ يا مَوْ ثَيًّتَ اللهُ لك (العَر أنتَ أوْلَي باللواءْ مَ بمُلْكِ الأدباء بكَ بعضُ ( الأُمَنَاء)!! لةِ بعضُ الوزراءْ!! رونُ )معاً في النُّدماء؟! دَّةِ يحبو للعَلاء!! رَكَ، واهتِف ما تشاء ضُ، ولا تُصغي السماء لَي جميع الشعراء شَ) وإن كانَ هواءْ!! وقال الأستاذ "أحمد الكاشف": إمارةُ الشعر خُذْها يا حسينُ فقد وأدرك اللقب المضْنَي سواكَ بهِ يا منْ يُدَبِّرُ سلطانًا ومملكة ومن يُحَيِّيه اتباعٌ وحاشية وحسبُكَ اليوم دار الكتب عاصمة من لي بسدتك العليا أُقَبِّلُهَا هذا نصيبي من الفوضي ظَفرتُ به لم يغنني الجد في قول وفي عمل أتي يبايُعكَ الإخوانُ والصُّحَبُ ليطمئنَّ إلي غالي اسمك اللقب وليسَ فيها لهُ بيتٌ ولا نَشب وقد يُقام لهُ التمثال والنُّصُب لدولتيك، وإيواناً كما يجب ودون سدتك الأستار والحجب من بعد ما خانني في غيرها الأدب وقد لعبتُ عسي أن ينفع اللعب!! وقال الأستاذ "محمد الهراوي": إلي العرش فاصعدْ وامض بالأمر واقطعِ وصرّفْ أمور الشعر في الأمة التي فأنت أمير الشعر غير منازع ومُر، وانهَ، وامْنح ما بدالك، وامنعِ تُميتُ رجال الشعر فيها ولا تَعي!! وكل أمير غير شخصك مُدّعِ وقال الأستاذ "السيد حسن القاياتي": يا حسين يا عزيزي يا أميري سد كما ساد صرير شد ما يا أمير الشعر في اللب الغرير أمَّرَ الأقلام في وادي الزئير وقال الشاعر " حسين شفيق المصري": يا حُماةَ القريضِ حولَ البرنس وهل الحكم والإمارة إلا يقرض الشعر مثلما يقرض الفا كان من قبله القريض بجلبا أيها الشاعر الكبير رضينا أصبحَ الشعرُ دولةً ذاتَ كُرْسي لبرنس يُضحي برأي ويُمسي ر حبالا قد تلت من دِمَقْس ب فأضحي ( ببنطلون ) ( وجرس ) ك أميراً، فكنه تفديك نفسي وقال الشاعر" كامل كيلاني": تِه بالإمارة لا تعدل بها بدلاً قد ارتضاكَ حُماةُ الشعر قاطبةً عابوا المقلد في الأشعار ينظمها قلنا "صدقتم. فهاتوا من روائعكم قلنا " أبينوا، خسئتم، لا أبالكم فأجفلوا، ثم قالوا:" ما لمثلكم قد جَدَّدَ العصرُ في وزنٍ وفي لغةٍ رطانةٌ لستَ تدري حينَ تسمعهُا فكن أميراً لهذا العصر مضطلعاً إن يركب الجحشَ شُعرورٌ لغايته وإن يكنْ شعرُهم من سًخْفهِ بصلاً ( مُرْ وادع وانه وسل وأعرض لحضهم وقم بأعبائها - إن شئتها بطلا أميرَهُمْ فلتكنْ في عصرنا مثلا وأنكروا أن يروه نادباً طللا فجمجموا القول مسروقاً ومنتحلا وأفصحوا هبلتكم أمكم هَبَلا أبداعُنا، فرأينا جدهم هزلا فلست تعرفُ شعراً قال أم زجلا!! أقالَ مُحتَفلا أمْ قال مُرتَجلا بثقلهِ واحتملْ أعباءهُ رجلا فما رأيناك إلا راكباً جملا فإن شعرك يحكي الشهدَ و العسَلا تمن وارج كذاك النفي قد كملا) وقال الشاعر الخطاط الشهير "سيد إبراهيم": من حيثُ إنَّ الفنونَ أضحتْ وصارَ أمرُ القريضِ فَوْضي في مركزٍ تاعسٍ خسيسِ وليسَ للشعر من رَئيس وحيث إن البرنسَ أهل قد قرر المحتفون جَمْعاً لذلك المنصبِ الخطيرِ تقليده منصب الأميرِ فيا أميرَ القريض أقدم ومَنْ يُخالف فامنحه عفواً وبدّل الفنَّ من أساسِه وإن تشأ فلتطح براسهْ واقبل إذا شئتَ بعد هذا فقد غدا الفنُّ لا يساوي إمارة الخطّ مُسْتَقِلاّ قلامة الظفر أو أقلاّ والشعر في مصر يا أميري فكن أميراً علي القوافي مستفعلن فاعل فعول فالناس ليست لهم عقولوقال الشاعر" عبد الجواد رمضان ": دَعتْكَ وقد تَوَافَر طالبُوها أميرُ الشعر أنتَ وإن تَغالَي جِياعٌ تاجروا باسم القوافي سأحمي عَرْشَها وأذودُ عنها وهل خُلِقتْ جلالتُها لغيرِي وهل يَحوي العُلاَ إلاَّ بَنُوها وأسرفَ في الدّعاية مُدَّعُوها وقد ربحوا الحياةَ و أخْسَرُوها زعانفَ للرذيلة سَخَّروها وشِعْرِي أمُّها وأنا أبُوها وقال الشاعر" عزيز بشاي ": علي العرش فاجْلس أو علي النجم فاحللِ بلغتَ سماءَ الشعرِ وحدك عالياً وصِرْتَ أمير العرشِ فارفع لواءهُ أميرٌ إذا هزَّ اليراعة أقبلتْ فدونك هذا منزلاً بعد منزلٍ علي الناس فالبس تاجَهُ وتقبَّل علي مصرَ واجلس في الإمارةِ وانجل ملوكُ النُّهَي تسعي إليك وتجتلي وفي نهاية الحفل ألقي أمير الشعراء المزيف قصيدتين اثنتين، وفيما يلي القصيدتان اللتان أنشدهما ( البرنس ) في هذا الحفل الدُّعابي. القصيدة الأولي علي الشعراء قد صرتُ الأميرا أنا ( المتنبي ) في نظمي ونثري وإني للرّئيس بكلِ نادٍ بدار الكتب قد قضيت عمري تلاني الشاعر المتنبي قدما!! لوائي قد سما فوق الثريا له القدح المعلي في المعالي علي الشعراء قد صرتُ الأميرا وإن كنتُ الخَبعْثَنَة الصغيرَا أقول الشعر مختلا فخورا أحاكي الشمس في الدنيا ظهورا نقي الجيب أستاذاً حصورا وجبت قريضهُ سبحاً بحورا له القِدح المُعلَّي هديً ونورا لوائي ما بدا يسمو البدورا علي الشعراء قد صرتُ الأميرا القصيدة الثانية رجال المجد دُمْتُمْ للمعالي فأنتم سادةُ الأدباء طراً فهذي حفلتي بكمُ أقيمتْ أدام الله سعيكمُ إلينا بكم نلت الإمارة في قريضي لشاعركم برنس المجد كونوا برنسكم لكالمتنبي شعرا أدام الله علياكم جميعاً وأبقي أنسكم في كل نادٍ وأحياكم حياة لي وعزاً وأبقاكم طوال العصر حصناً بكم تبدو المواسم وهي تشدو مَدي الأيام في تَحسين حالي!! وأنتم كالفرائد في الجمال برغم حواسدي، آلَ العوالي بحاء قبل ميم قبل دال؟! بكم جزت الأواخر والأوالي له نعم الثِّمال مدي الليالي وفي هذي الإمارة فهو تالي لإحياء المروءة كالخوالي وأجلسكم علي السبع الطوال وأبقاكم لنا دونَ انفصال وجاهاً لي بَدا دونَ الزوال رجَال المجد دمتم للمعالي