من الصعب أن يجتمع الشعر والنقد معا، ويستعصي العدل بينهما، ودائما ما تكون الغلبة لأحدهم علي الآخر، وعند الحديث عن الدكتور يوسف نوفل أستاذ الأدب والنقد بكلية الآداب جامعة عين شمس، الفائز مؤخرا بجائزة "شاعر مكة" عن كتابه "هجرة الطيور من القول إلي التأويل"، نجدنا أمام شاعر غلبه النقد، أو ناقد يهوي الشعر، وبين كتبه النقدية الثلاثين ودواوينه الشعرية الخمسة، "روزاليوسف" التقته وكان هذا الحوار: كيف كان شعورك بالفوز بجائزة "شاعر مكة"؟ - لقد سعدت جدا بحصولي علي هذه الجائزة ولقد حصلت في فترة الستينيات علي خمس جوائز متتالية في الشعر، قبل أن تظهر الأسماء اللامعة اليوم، لأن التحكيم آنذاك كان موضوعيا، أما اليوم فالفساد يسيطر علي الجوائز المصرية للأسف الشديد. "هجرة الطيور من القول إلي التأويل" هو عنوان الكتاب الفائز .. ما مضمون هذا الكتاب؟ - هناك وجهة نظر أقدمها في الكتاب، وهي ضرورة نقد الشاعر لنفسه باستمرار، وأن إبداع العمل الشعري يمر بثلاث مراحل الأولي: مرحلة ما قبل الإبداع الشعري، التي كان يسميها النقاد بالتهيؤ للشعر، أو هائج القريض حيث يكون الشاعر مقيدا بأفكار معينة ثم ينعتق من هذه الأفكار إلي نظم القصيدة، المرحلة الثانية هي مرحلة القول الشعري ذاته، فالقصيدة ليست هي الشكل النهائي الذي تراه أمامك في الديوان، ولكن هناك عذابات اختيار العنوان وصلته بالقصيدة ومدي اهتمام القدماء بالعنوان، عكس ما يظن النقاد المحدثون من أن العنوان مستورد عبر البحر المتوسط، لكن القدماء تحدثوا عنه منذ ألف عام، إلي جانب ما يعانيه الشاعر في إبداع الديوان، وهي مقدمات القصيدة أو الديوان، ثم نصل إلي المرحلة الثالثة وهي التأويل، ولابد من استحضار المرحلتين السابقتين أولا. لماذا غلبت صفة الناقد علي صفة الشاعر؟ - هذا صحيح بالرغم من أن ميلاد الشاعر عندي أسبق من الناقد حيث نشرت أولي قصائدي عام 1958 في جريدة "الشعب"، ودائما أطلق علي نفسي بأني "في الشعر هاو، وفي النقد محترف" وهذه الظاهرة جعلت أحد الباحثين وهو عبد الناصر عيسوي يتحدث عني في هذا الشأن في رسالته عن الشعراء النقاد، وهذه الظاهرة جعلت فاروق شوشة يذكر في برنامجه التليفزيوني "أمسية ثقافية" مشيرا بأصبعه إلي الكتب بأن "هذا جني علي ذاك" أي أن النقد جني علي الشعر، وكتب الشاعر الكبير حسن فتح الباب مقالا بعنوان "جناية الشعر علي الناقد يوسف نوفل"، أما أنا فأري أن إبداع الشعر أفادني نقديا، لأني أري في النص بعين الشاعر ما لا يراه الناقد فقط. البحر له حضور قوي في شعرك ما علاقتك بالبحر؟ - معك حق لأنني أستطيع أن أقول أنني صبي البحر وفتي البحر، وشاب البحر وشيخ البحر في مراحل عمري، فقد ولدت لا أقول علي شاطئ البحر، ولكن ولدت في البحر ونشأت به، حيث عشت وأعيش حياة تمد يدها اليمني إلي شاطئ البحر المتوسط ويدها اليسري إلي شاطئ بحيرة المنزلة، تحت سماء بورسعيد الجميلة. أنت صاحب أول موسوعة في الشعر العربي الحديث، حدثنا عنها؟ - الموسوعة تضم ببلوجرافيا 8000 شاعر عربي منذ ما قبل الحملة الفرنسية وحتي اليوم واستغرق إنجازها أكثر من ربع قرن حين وجدت أن الشعر هوايتي والنقد مهنتي، وتبين لي أنه يصعب علي الباحثين دراسة كثير من الشعراء خصوصا إذا كانوا ينتمون إلي عهود مضت أو من بيئات عربية أخري أو ليسوا في شهرة فائقة واكتشفت أكثر من مهاجر بالإضافة إلي شعراء المهجر التقليديين في الأمريكتين ووجدت شعراء منسيين لم يهتم بهم أحد، ومعظم هؤلاء الشعراء يصعب الحصول علي دواوينهم، فأردت أن أضع بين يدي الباحثين والدارسين القوائم الدقيقة لدواوين الشعراء، بل ما هو أهم من ذلك، وهو قوائم بالمختارات والمجموعات والمطولات علي امتداد العالم العربي من موريتانيا إلي اليمن. ما موقفك من الحداثة الشعرية؟ - في جملة موجزة: أنا مع كل جديد في كل وقت وحين، يضاف إلي ذلك أنني معلم نقد في الجامعات العربية، ومهمتي رصد الظواهر والتيارات والتجديد والتطوير وليس عرض الجمود و"تكفين الأدب في أكفان"، إذن فلنتفق أنني من شيوخ التجديد وأري أنه من الضروري الاطلاع علي كل ما هو حولنا في الفن والأدب وأهمية الاستيعاب والتفهم الدقيق وعدم المحاكاة والنسخ الأعمي الذي يصير مسخا لماذا؟ لأن جميع الآداب العالمية لكل منها شخصيته وبصمته علي مدار التاريخ، إذن أنا مع الحداثة طالما أنها لا تؤدي إلي المسخ والتشويه أنت منحاز لشعر العامية بالرغم من أن البعض ينظرون إليه علي أنه إبداع من الدرجة الثانية.. لماذا؟ - أولا أرجو أن تستبدل كلمة منحاز بكلمة متحمس، فأنا متحمس لشعر العامية الذي هو في الوقت نفسه دفاعا عن الشعر الفصيح الكلاسيكي، لأن الشعر الفصيح المحافظ علي القالب الكلاسيكي انهار في زماننا وضعف علي أيدي شيوخ كبار في السن، تجمدوا في الفن وصاروا متخلفين، ولولا بقية أمل لدي شباب بالنسبة لهم يحاولون إنقاذ الشعر الفصيح الكلاسيكي أمثال: أحمد غراب وعبد اللطيف عبد الحليم وسامح درويش وعبد الجواد طايل وأحمد بخيت، فأنا أقبل القصيدة الفصيحة الكلاسيكية، ولكني أرفض القصيدة الفصيحة النظمية لدي بعض من تقدم بهم السن وتأخر بهم الشعر. وهذا هو سر تحمسي لشعر العامية لأنه يعوضني عن الخسارة التي لحقت بالشعر الفصيح الكلاسيكي.