فؤاد مرسى أجزاء كبيرة من المشكلة مردها إلي الأدباء أنفسهم نشرت أخبار الأدب في الأسبوع قبل الماضي، ملفا بعنوان »ثورة الأدباء في الأقاليم هذه هي مشاكلنا.. وهذه هي مطالبنا.. نريد حلاً«. في هذا الملف تم رصد عدد من السلبيات التي رأها الأدباء من مختلف الأقاليم منها: وجود معوقات مادية وبشرية وأن هناك العديد من القصور والبيوت المغلقة منذ سنوات بدعوي التطوير والتحديث، بالإضافة إلي مشكلات النشر وصعوبته، والمطالبة بتطوير لوائح نوادي الأدب، وكذلك أشار الأدباء إلي أن هناك مناطق في محافظاتهم محرومة من الخدمة الثقافية. وفي هذا العدد يرد الأديب فؤاد مرسي مدير عام الثقافة العامة بهيئة قصور الثقافة علي ما سبق أن أثاره الأدباء. فؤاد مرسي التحقيق المنشور بجريدة أخبار الأدب في عددها الصادر بتاريخ 2 ديسمبر 2012، تحت عنوان ثورة الأدباء في الأقاليم؛ أثار عددا من القضايا الواجب الاشتباك معها من منطلقين، أولهما: أنني واحد من هؤلاء الأدباء، الذين تفتح مشروعهم الإبداعي في ظلال الثقافة الجماهيرية، عبر مناشطها المختلفة في أقاليم مصر، والثاني: أنني واحد من المسئولين عن واحد من هذه المناشط الآن، والحالان يستوجبان الإصغاء الدقيق لكل ما يتعلق بهذا الشأن، أملا في الوصول بالمجتمع إلي حال تتعاظم فيه أدوار الثقافة، باعتبارها القوي الناعمة التي يمكن أن تنهض بالبلاد وفق أساسات متينة، وهو الهدف الذي تتحرك في ضوئه البرامج والخطط التي تعني بها وتقدمها إدارة الثقافة العامة التي أشرف بإدارتها، ولا يفهم من هذا أنني هنا في مقام الدفاع أو التبرير، بل مدفوع بتوضيح مجموعة من الحقائق الغائبة عن المستفيدين من خدمات هذه الإدارة، بما أسهم في ارتباك الرؤي وبناء أحكام مغلوطة فيما يتعلق بها، وفي الآن ذاته راغبا في الدخول في حوار مفتوح نحو تطوير الأداء وتحسين معدلاته. مع ملاحظة أن العديد من النقاط المثارة في التحقيق تخرج عن نطاق هذه المداخلة العاجلة المتعلقة ببعض أجزائه دون الأخري. أول هذه الحقائق هو أننا ننظر إلي أنشطة الإدارة بمنظور المنظومة المتكاملة المتجددة، التي تغذي بعضها البعض ولا تتوقف عن تقييم آلياتها وتقويم مساراتها حال وجوبه. نشاط أندية الأدب أبدأ بنشاط أندية الأدب الذي يعتبر البوابة الرئيسية للنشر الإقليمي بشقيه: مجلات الفروع وإصدارات الكتب، كما أنه قوام المؤتمرات الأدبية بأشكالها الثلاثة: الفرعية والإقليمية والمؤتمر العام، إضافة إلي أن الأدباء والمثقفين الذين يتخرجون من هذه الأندية بعوالم ناضجة ورؤي جديدة وأفكار طازجة هم أنفسهم الذين يحملون مهام التنوير في أقاليمهم، إلي جانب المتخصصين من قطاعات المعرفة الأخري. لذا ننظر إلي أندية الأدب باعتبارها عمود الأساس، الذي لو استقام بنيانه فإن ثماره بالتبعية ستكون ناضجة، لذا قدمنا مشروعا متكاملا منذ أكثر من عام لتقويم أداء الأندية وردها إلي مسارها الطبيعي في اكتشاف المواهب الأدبية ورعايتها وصقل أدواتها وتنميتها ودعم مشروعها، واشتمل المشروع علي تسهيل الإجراءات المالية اللازمة لاستمرار أنشطة الأندية علي مدار العام، دون ربطها بأوقات معينة تتوافر فيها الميزانيات، إلي جانب زيادة ميزانيات الأندية حسب حجم العضوية، وقدمنا في هذا الإطار نماذج استرشادية- يمكن الرجوع إليها بالفروع -، كان من أهم ملامحها العمل بمفهوم الورش الأدبية المتخصصة، وفقا لحاجة الأعضاء وكثافتهم النوعية، وهناك من استجاب وكثيرون لم يستجيبوا، مؤثرين بقاء الأوضاع علي ما هي عليه، دون مبررات مفهومة أو مقنعة، مما جعلنا أغلب الوقت غارقين في ذات المشكلات الصغيرة التي تستهلك الطاقة، دون جدوي كلية، فيما الأهداف الكبري قابعة في عل تنظر إلينا بعين التحدي، وهنا أؤكد أن أجزاء كبيرة من المشكلة مردها إلي الأدباء أنفسهم، فهم الذين يديرون أعمال هذه الأندية من خلال مجالس إداراتها المنتخبة والأمر في شقة الأكبر مرهون بتفاعلهم الحقيقي مع أهداف هذه الأندية وإيمانهم الصادق برسالتها، دون أن يفهم من هذا أننا نتبادل الاتهامات أو نحملهم وحدهم مسئولية تردي الأوضاع، وإنما نحاول تشخيص الوضع كما يقدم نفسه، واضعين في الاعتبار تأهبنا الدائم للحوار وتطوير أدواتنا بما يحقق الصالح العام، وهو ما تعكسه لقاءات الدعم الفني التي تحرص الإدارة علي عقدها مع الأدباء في مؤتمرات الأقاليم وغيرها من اللقاءات التي تجمعنا بهم. أنشطة مؤثرة علي جانب آخر تم استحداث نشاط جديد، هو أندية شعراء البادية، الذي يستهدف خدمة شريحة إبداعية مهمة، عانت طويلا من الإهمال والإقصاء والتهميش، وهي شريحة المبدعين الشعبيين المنتشرين ببوادي مصر، والباحثين المهتمين بالفنون الشفهية، بغية إدماجهم في المشهد الثقافي العام، باعتبار هذه الفنون أحد المكونات الأصيلة للثقافة المصرية، مع إقرار ذات الحقوق والواجبات الراسخة التي يتمتع بها أعضاء أندية الأدب لأعضاء أندية شعراء البادية الوليدة. أما عن الشق الأول من النشر الإقليمي وهو المتعلق بإيقاف المجلات الإقليمية وإصدار المجلات الفرعية، فقد تم استعادة مجلات الفروع بعد تجارب طويلة ثبت من خلالها عدم تمكن أدباء الفروع من الوصول إلي المجلات التي تصدرها الأقاليم الثقافية، وبالتالي لم تكن معبرة عنهم ولا عن أنشطتهم بالقدر المرغوب، وهو ما تسبب في تعثر انتظام صدور بعض المجلات الإقليمية، حدانا في هذا الأمل بأن تسهم المجلات الفرعية في تنشيط الحركة الأدبية بمحافظات مصر كافة، عبر الاشتباك الحميم بالقضايا المحلية والتعبير عن الحراك الثقافي بالمحافظات والاكتشاف المباشر للكتابات الجديدة ودعمها بالنشر، واكتشاف محررين وباحثين ونقاد جدد، وبطريق آخر تعمل علي اجتذاب أعضاء جدد لأندية الأدب، بما يعمل علي تغذية وإثراء المشهد الأدبي المصري عامة، وقد تم زيادة المخصصات المالية لهذه المجلات في العام المالي الحالي، بما يلبي تعاظم الاحتياجات وارتفاع أسعار الطباعة في الأسواق، ويمكن المسئولين عنها من تقديم إصدارات تكسب احترام القارئ العام. الشق الثاني للنشر الإقليمي يتمثل في قيام كل فرع ثقافي بإصدار أربعة كتب سنويا، للموهوبين في مجالات الإبداع كافة، والمهتمين بثقافة المكان، وتطرح هذه الكتب للتوزيع علي جماهير القراء، دون تفرقة في الإجراء المتبع بينها وبين النشر المركزي بالهيئة، إذ من المفروض أن هذا النشاط يخفف الضغط علي النشر المركزي، ويرسخ مفهوم اللامركزية بما يصب في صالح التنمية المحلية، ونعمل دائما من خلال عمليات المتابعة والتقييم المستمرة علي الارتقاء بهذا المشروع وتطويره، وفي حال عثورنا علي عوائق أو مخالفات من أي نوع فإننا لا نتردد في تذليلها واتخاذ الإجراءات المصححة للوضع ورده إلي سياقه الطبيعي. وسواء فيما يتعلق بإصدار المجلات الفرعية أو الكتب، فإن المسئولين المباشرين عن هذا النشاط كذلك - هم الأدباء أنفسهم، من خلال لائحة تضبط الإجراءات وتحدد المسئوليات وآليات التنفيذ، دون أي تدخل من الهيئة سوي في الجانب التنظيمي والتمويلي فقط. دماء جديدة أما عن نشاط المؤتمرات فإنه بناء هرمي يشكل قاعدته المؤتمر الفرعي الذي يعقد كل عامين، لمدة يوم واحد ويعني بمناقشة القضايا الثقافية ذات الطابع المحلي أو للاحتفاء بأحد الأعلام الراحلين الذين كان لهم تأثير الريادة في الثقافة والأدب المصري، من أبناء المكان. ويشكل أوسطه المؤتمر الإقليمي الذي يُعني بدراسة القضايا المتعلقة بالحركة الأدبّية في الإقليم، وتناول الواقع الثقافي فيه علي نطاق أوسع - بالدرس والتحليل. وتنتهي قمته بالمؤتمر العام، وهو التجمع الأدبي السنوي الأكبر الذي يمثل أدباء مصر ويعبر عنهم، ويعكف دائما علي تطوير أدواته حفاظا علي المنجزات التي حققها تاريخيا علي مدار دوراته. وفي مبادرة هي الأولي من نوعها، وسعيا لضخ دماء جديدة في كيان المؤتمر العام، قررت أمانته هذا العام فتح باب المساهمة في المحاور البحثية للمؤتمر أمام الباحثين المصريين من شتي أنحاء مصر وبمختلف فئاتهم وتوجهاتهم، وسواء كانوا أكاديميين أم من خارج الدائرة الأكاديمية، وهو ما يضمن إلي حد كبير الحياد والمنافسة العلمية الشريفة ويمنح الفرصة لاكتشاف وتقديم باحثين جدد لإثراء المشهد الثقافي. وقد شكلت لجنة علمية لتحكيم الأبحاث التي تقدمت وفقا للمعايير العلمية الراسخة، وأسفر عن هذا الإجراء قبول تسعة أبحاث، أغلبها لأسماء جديدة غير معروفة في مجال البحوث الثقافية، مما يعد مكسبا لمجال البحث بشكل عام. كما أنه لأول مرة في تاريخ المؤتمر تقرر أن يقوم كل عضو مرشح من أندية الأدب وكذلك الشخصيات العامة المرشحة من محافظات مصر، بكتابة ورقة ضمن محاور المؤتمر، عملا علي توسيع نطاق المشاركة، وإسهام كل المدعوين في صياغة ملامح العقد الثقافي الجديد الذي يطمح المؤتمرون الخروج به من هذه الدورة، حتي يكون هذا المشروع الطموح مبنيا علي أساس قاعدي متين. نأتي إلي المسابقة الأدبية المركزية، التي شهدت تطورا نوعيا خلال العامين الأخيرين، بعد موافقة الشاعر سعد عبد الرحمن، رئيس الهيئة علي انتهاج مفهوم التخصص في تنظيمها، من خلال تخصيص كل دورة من دوراتها لنوع أدبي بذاته، عملا علي حفز إبداعات هذا النوع ودعم الدراسات المرتبطة به وتوجيه الأنظار إليها، وكانت الدورة الماضية قد خصصت لفن القصة القصيرة، فيما خصصت الدورة الحالية لفن الشعر، وعلي مدار العامين الفائتين تبنت الهيئة طباعة الأعمال الفائزة بجوائز المراكز الأولي في المسابقة، استمرارا لرسالتها في دعم الموهوبين ورعايتهم، وهو هدف أصيل تسعي الهيئة لتحقيقه ضمن رسالتها التنويرية، مما أرفد الحياة الثقافية بنجوم جدد في عالم الإبداع والبحث الأدبي، الأدباء يتولون المهمة ما نريد أن نخلص إليه هو أن شقا عظيما من الأنشطة التي تضطلع بها الإدارة يتولي جوانبها الفنية الأدباء أنفسهم، ولا تتدخل الهيئة هنا أو هناك إلا فيما يتعلق بالشق التنظيمي والتمويلي كما أسلفت، بما يضمن ضبط وانتظام سير الإجراءات وبلوغ الأهداف المرجوة، ومن ثم فإن المسئولية الواقعة علي عاتق الأدباء لا تقل أهمية عن المسئولية الواقعة علي الإدارة إن لم تفقها، فالأمر تحكمه شراكة بيننا، وعلي كل جانب أن يعظم من إمكانات الجانب الآخر ويوظفها في سبيل تحقيق أهدافه بما يحقق المنفعة العامة. ولا بأس من مساءلة الطرفين لبعضهما البعض، دون تحميل طرف بعينه مسئولية التقصير، إرضاء للذات أو تطمينا وانحيازا لها. لدينا مشروع متكامل لتستعيد أندية الأدب مسارها الطبيعي في اكتشاف المواهب