في بداية تعليقي علي مقالة الشاعر والمثقف الكبير، وأخي وصديقي ماجد يوسف، أود أن أذكر الأستاذ مجدي العفيفي رئيس تحرير أخبار الأدب (التي أكن لها كل احترام) أنه من أسباب زيارتي الأولي له تقديم شكري له علي اختيار ماجد يوسف ليكتب مقالة اسبوعية في أخبار الأدب، وأن هذا واجب يحق لماجد يوسف الذي تجاهلته الصحافة المصرية طويلا، وكنت أعتقد أن الخسارة كانت من نصيبها بفقدان قلم مثقف كبير شريف قبل أن يكون شاعرا كبيرا، وشاهدي ما كانت عليه قناة التنوير، وطلبت العدد الصادر في نوفمبر 2012، حيث كنت مدعوا للحديث عن الصحافة في البرنامج الثقافي، وأردت الاشادة بأخبار الأدب. في هذا العدد كانت مقالة ماجد يوسف - هي الأولي التي قرأتها من سلسلة مقالاته - بعنوان (الديمقراطية الثقافية بين الغياب الشائن.. والحضور الشائه) تجاوزت العنوان الذي لم تتح لي ثقافتي تفهمه الي المقال. بعد انتهائي منه، تمنيت لو لم أصادفه، لكن ليس كل ما تتمني تقابل، ولا كل ما لا تتمني يحدث. ونظرا لما احتواه المقال من هجوم علي المؤسسات الثقافية وتوقيت هذا الهجوم، فقررت نقد انتقال ماجد يوسف للمؤسسات الثقافية، ولست أنا في موقع المدافع عن هذه المؤسسات التي تخدم بشكل أو بآخر الثقافة والمبدعين في مصر، فهي لديها رجالها الذين يستطيعون القيام بالدفاع عنها. وفي هذا السياق لا نغض الطرف عن أن ماجد يوسف أحد الذين - وهذا حقه - يصولون ويجولون في لجان وأنشطة هذه المؤسسات التي يهاجمها، ومنذ زمن طويل، كذلك وجوده الآن علي رأس لجنة الشعر بالمجلس الأعلي للثقافة وهو جدير بهذا المنصب، كذلك رئاسته للجنة اختيار الفائز للحصول علي جائزة الدولة التشجيعية في الشعر، وله وللجنة الموقرة عظيم احترامي. هناك ثلاثة محاور رئيسية لهجوم ماجد يوسف علي المؤسسات الثقافية التي يتهمها بأنها (حادت عن الطريق القويم الذي جعلت له وأنشئت من أجله، والذي تم نسيانه في خضم المصالح الذاتية والفوائد الشخصية والسياسات البرانية الزائفة التي حرفت هذه المؤسسة أو تلك عن هدفها الأصلي وغايتها الأساس «أي والله كده» من السطر 20 الي 27. محور الهجوم الأول كان (علي القائمين بأمر هذه المؤسسات أو علي معظهم وتشدقهم الدائم بالديمقراطية وتداول السلطة واحترام الاختلاف والتعدد وحرية التعبير الخ، ولكنهم يقاتلون من أجل البقاء في مناصبهم وكراسيهم المختلفة بكل الوسائل والطرق الممكنة وبعقود متطاولة. هذه فقرة منقولة من المقالة تحدد معالم المحور الأول من الهجوم، ثم يستمر في تأصيل الفكرة، ولكنه لا يشير حتي بدون أسماء الي مؤسسة واحدة يبرهن بها علي فكرته وكأنه يتسامي عن التحديد ولكنه يصل الي التعميم الذي يكاد يدخل كل المؤسسات تحت أحكامه. أخذت أقلب الأمر، مستعرضا جميع من كانوا في الماضي والحاضر، فلم أجد منهم من قضي أكثر من ربع قرن في رئاسة إحدي هذه اللجان إلا الشاعر الكبير أحمد عبدالمعطي حجازي. كلنا نعلم ما حدث عند انتخاب رئيس لجنة الشعر، وكان رئيسها السابق هو الشاعر الكبير أحمد عبدالمعطي حجازي، عندما تحدث الشاعر عاطف عبدالعزيز بكل أدب وتقدير واحترام الي الشاعر الكبير أحمد عبدالمعطي حجازي قبل الترشح لرئاسة اللجنة شارحا أهمية تداول رئاسة اللجنة. عند ذلك تصرف الشاعر الكبير حجازي بقدر قامته معلنا عدم ترشحه لرئاسة اللجنة، وبناء عليه رشح ماجد يوسف نفسه ومعه آخرون، وفاز برئاستها. أولا: كان هذا الحدث منذ عام تقريبا، ولم يناوئك أحد من الفريق الكلاسيكي الذي ذكرته، وتم الأمر بسهولة ويسر وأصبحت رئيس لجنة الشعر الي الآن. ثانيا: تقول عن هذا الرئيس، بصيغة الحاضر، إنه يتربع عليها لأكثر من ربع قرن (الآن). ثالثا: ما الغرض من لمز هذه القامة (الآن) وهو مشغول في نضاله ضد القوي المناهضة للمثقفين والليبراليين كمقاتل شاب شرس لا يخشي في الحق لومة لائم، غير عابيء بما قد يدفعه من ثمن في المستقبل القريب، وها هو قد توقف عن الكتابة في الأهرام والتي استمرت زهاء ربع قرن. أما محور الهجوم الثاني فهو موجه الي (بعض هيئات النشر بوزارة الثقافة التي تخصص سلاسل متعددة، أحيانا شهرية، أو نصف شهرية، أو اسبوعية. وللرد علي هذا المحور أولا: توقفت حائرا أمام كلمتين وهما (فترات سابقة) فهل هذه السلاسل وادانته لها كانت في الماضي أم هي مازالت تصدر الي الآن ومازال ماجد يوسف عند رأيه فيها؟ ثانيا: هذه السلاسل تصدر أعدادها بعد العرض علي لجان تجيزها «أحد المحكمين في سلسلة أصوات أدبية الأستاذ الدكتور عبدالناصر حسن، وهو قامة علمية وأدبية وأخلاقية لا يختلف عليها» ومهما كان رأينا في هذه اللجان لا يعطي الحق للشاعر الكبير ماجد يوسف أن يصف انتاج الشباب المنشور في هذه السلاسل بأن أكثره غث وأقله سمين أو ثمين، هذا لأنه لم يطلع علي كل ولا أغلب ما نشر في هذه السلاسل. وإذا كان له رأي في دواوين شعر نشرت فهذا حقه، لكنه عمم رأيه علي كل الانتاج من قصص ومسرح ونقد. هؤلاء المبدعين الذين غبنوا كثيرا ومازالوا الي الآن وذلك بسبب سطوة أدباء العاصمة وقربهم من المركز «ولا أفهم أن يعارض ماجد يوسف» كذلك يقول (إن الغرض الأصلي منه هو تشجيع الشباب خصوصا في الأقاليم)، فهل من الصواب الاعتراض علي المؤسسات التي تقوم بذلك؟. كان من الأجدر أن نشجع هذا الانتاج، فليس من المطلوب أن يكون كل مبدعينا علي المستوي العظيم الذي عليه شعر ماجد يوسف ولعل من المفيد الاشارة الي ما كتبه اليوت في هذا الشأن عندما يقول ان الكتاب الثانويين يشكلون جماعة وفرادي، وبدرجات متفاوتة جزءا مهما من بيئة الكاتب العظيم، وهم جمهوره الأول ومؤيدوه ونقاده، كذلك أن وظيفة الكتاب الثانويين هي الحفاظ علي استمرارية الأدب وتقديم مجموعة من الكتب قد لا تقرأها بالضرورة الأجيال القادمة، إلا أنها تلعب دورا كبيرا في ايجاد الصلة والربط بين أولئك الكتاب الذين يقرأون باستمرار. كذلك ما كتبه أندريه جيد، والذي يقرر فيه أن الكتاب الثانويين وليس العظماء هم الذين يجعلون دوامة الأدب في موار دائم، حيث يحث انتاجهم النقاد والقراء للادلاء بآرائهم فيما يكتبون. فرفقا بشبابنا من الكتاب، وأنا أفرح كثيرا للنشر لكاتب واحد من الأقاليم أكثر من النشر لعشرة كتاب من العاصمة الذين أيضا يصدر عنهم الغث والثمين. كذلك أرجو أن لا ينسي ماجد يوسف أن إحدي هذه السلاسل (سلسلة الأعمال الكاملة) قد أصدرت الأعمال الكاملة له وهو مستحق بجدارة وهللنا لهذا الاصدار، وفي هذا دلالة علي أن كل المستويات تستفيد من مؤسسة النشر، وبنفس القدر، وهذا حق لها بالرغم من أنها رفضت النشر لإحدي مجموعاتي القصصية التي تقدمت بها لهيئة الكتاب، ولكن هذا لا يثنيني عن الاشادة بها، لاحترامي للجان الفحص، حيث إنهم قضاة لا يجب التهليل لهم اذا كان الحكم في صالحي، والاحتجاح والنقد اذا كان الحكم في غير صالحي. أما المحور الثالث، وهو ثالثة الأثافي وهو الخاص بالنقد اللاذع الذي ساقه ماجد يوسف للجان التفرغ. وقبل أن أقرأ ما كتب عنها، وجدت في صدر هذا المحور العبارة التالية في برواز أسود للفت النظر اليها ولا أعرف هل هذا التأطير وضعه ماجد يوسف أم الصحيفة وكانت العبارة صادمة بشكل كبير (التفرغ والمنح المعطاة للابداع ليست تكايا يا سادة.. أو معونة شتا.. أو جمعية للبر والتكامل الاجتماعي) .لكني قد أفاجئك باسم لامع جدا نقدره جميعا، يرتع في هذه التكايا وغيرها من الأوصاف التي ساقها. هذا المبدع هو الشاعر الكبير ماجد يوسف الذي يتمتع بمعونة الشتاء وجمعية البر علي حد وصفه للسنة الرابعة، وأظن أن لا مانع عنده من اكمال الربع قرن طالبين له من الله طول العمر. ودعني أذكره ببعض الأسماء التي يقدرها - إذا لم يغير رأيه - تتمتع علي حد قوله بهذه المعونة والتي أربأ بها عن أن توصف بهذه الأوصاف غير اللائقة - ولو كان هذا علي سبيل الفكاهة وخفة الدم - ومن الأسماء التي لا تنكر امتيازها وجيه القاضي - الذي أنت من أشد المعجبين بكتابته، كما أنه من المهووسين بشعرك -، والكاتب الرصين محمد الفارس، كذلك في الماضي منهم الشاعر الكبير محمود الشاذلي والذي صدر له ديوان من لجنة التفرغ. لن أزيد في هذا المحور، ولكن أخيرا نضع هجوم ماجد يوسف علي المحك بأن يذكر لنا اسما واحدا ليس له علاقة بالابداع، والذين جلسوا في هذه التكية لسنوات طوال، هم نجوم كبار مثلك أخذوا هذا التفرغ بسيف الحياء. أكرر أنني لست في موضع الدفاع عن هذه المؤسسات، ولي بعض تحفظات عليها، ولكن الساكت عن الحق شيطان أخرس، هذا إذا وفقني الله الي أن يكون ما تكلمت عنه هو الحق. ومع اعتقادي الجازم بسلامة طوية ماجد يوسف، استغرب طرح هذه الاتهامات الآن، والآن فقط، هذا في وجود هجمة شرسة علي الثقافة والمثقفين، ودعاوي ظلامية بإلغاء وزارة الثقافة والمجلس الأعلي حتي يحل محلهما مؤسسة علي هوي الحكام، وبهذا نعطيهم شهادة شاهد من أهلها بفساد وترهل المؤسسات الثقافية. وأخيرا استغرب رد ماجد يوسف علي من عاتبه علي الكتابة في الشأن الثقافي وليس السياسي في مقاله بالعدد التالي بتاريخ 11 نوفمبر بأن لكل كاتب قدراته المعينة وميدان تميزه الخاص وأن كل كاتب وكل انسان (ميسر) مهيأ لما خلق له. فأنا شاهد علي شجاعة ماجد يوسف - وهو الذي يشغل رئيس قناة التنوير ولم يكن موقعه يجعله يماليء أو حتي يسكت علي النظام - فكانت قصائده تفضح النظام بقوة، كذلك مقالاته المكتوبة. أما استضافته لأشرس معارضي النظام في برنامجه الرائع في قناة التنوير، ومنهم الدكتور نبيل عبدالفتاح والذي مد حلقته التي زمنها ساعة الي ساعة ونصف، وغيره من المعارضين. أما أن تقول الآن أنا لست كاتبا سياسيا فهذا التناقض يحتاج الي تعليل، مع اعتقادي أن نقد النظام الحاكم الآن هو فرض عين علي كل من يملك نافذة يتحدث بها الي الجماهير وأنت تملك الآن النافذة العريضة في أخبار الأدب، فلا يمكن أن تقول دع غيري يكتب في هذا.