لن أتحدث عن الهزيمة، لأن الجيش الذي لم تتح له الفرصة العادلة لدخول الحرب، هو نفسه الذي استطاع بعد عدة أيام، أن يثبت للعالم كله أنه لن يفرط في أرضه، وسوف يستردها بالقوة، وكررها الرئيس عبد الناصر في خطاباته »ما أخذ بالقوة لا يُسترد بغير القوة». حدثت الشرارة الأولي لنصر أكتوبر في معركة رأس العش، أول يوليو 1967، وبعد النكسة بأيام قليلة، عندما حاولت بعض الدبابات الإسرائيلية مدعمة بقوة مشاه ميكانيكية، أن تحتل قطاع بور فؤاد، الجزء الوحيد الذي ظل تحت السيطرة المصرية. الرائد سيد الشرقاوي والملازم فتحي عبد الله، أسماء لن تسقط أبداً من ذاكرة البطولة، وقادا المعركة الباسلة، لوقف تقدم القوات الإسرائيلية، وتم تكبيدها خسائر كبيرة، فاضطرت إلي الانسحاب، وظل بور فؤاد تحت السيادة المصرية حتي حرب أكتوبر 1973. أبطال ينجبون أبطالاً، وهم أنفسهم الذين يُطهرون سيناء الآن من بقايا الإرهاب الآثم، فلم يحرروها من إسرائيل ليتركوها للإرهابيين، وسوف تظل مصرية إلي أن يرث الله الأرض وما عليها. رأس العش كانت بداية حرب الاستنزاف، أو معركة الألف يوم كما أطلق عليها الرئيس جمال عبد الناصر، واستلهمت شرارتها الأولي من معركة رأس العش، وأكدت صمود الشعب المصري وقبوله التضحيات، بعد أن استهدفت الغارات الإسرائيلية العمق المصري، وهاجمت الأهداف المدنية. لن نتحدث عن نكسة الأيام الستة، ولكن عن بطولات السنوات الستة، التي لم تغمض فيها للمصريين عيون، وظلت تنتظر يوم النصر، لتمحو آثار الهزيمة، وتسترد الكرامة والكبرياء. حرب الاستنزاف أكدت لإسرائيل أن المصريين لن يتركوا سيناء تحت الاحتلال، ولن يهدأ لهم بال إلا إذا استردوها، فانصبت نيران المدفعية الثقيلة علي مواقع العدو تكبده خسائر جسيمة، كان من الصعب عليه أن يتحملها، وكانت بروفة عملية للعبور العظيم. أسفرت حرب الاستنزاف عن تقييد حركة العدو علي الضفة الشرقية، واستنزافه إلي أقصي مدي، والقيام بعمليات عبور متكررة خلف خطوطه، يتدرب فيها الأبطال علي الحرب الكبري. القادة يحاربون كتفاً بكتف بجوار جنودهم، وكان استشهاد الفريق أول عبد المنعم رياض في جبهة القتال، في قطاع الجيش الثاني الميداني، إنذار شديد اللهجة لإسرائيل، فالحرب قادمة ولن تبخل مصر بخيرة أبناءها، حتي يتم تحرير كامل التراب الوطني. لا نحتفل بالنكسة بل بالانتصار، ولم تكن 5 يونيو سوي معركة في الصراع العربي الإسرائيلي، انتهت بالعبور وتحرير سيناء حرباً وسلماً، والمنتصرون هم الذين يفوزون في غرف التفاوض، بقدر ما يحققوه في جبهات القتال. 5 يونيو 1967، مرت 52 سنة، وما زالت آثارها قائمة وتخيم علي الأجواء في منطقة الشرق الأوسط، وتؤكد أن الاستقرار لن يتم، إلا إذا تحققت الأهداف التي اندلعت من أجلها الحرب، وإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، التي تدخل الثلاجة وتخرج منها، ولكنها لن تموت أبداً، مهما طال الزمن.