ليس منا أحد إلا وقد وقع عليه نوع من أنواع الظلم سواء المادي أو المعنوي أو البدني، وأول شعور يتسارع ليسيطر علي قلب وعقل المظلوم هو شعور الانتقام، حيث يتجسد له أمام عينيه كوحش كاسر ينتظر إشارة البدء لكي يتم مهمته. ونجد عند البعض أن الانتقام يتدرج ليس علي اعتبار حجم الظلم وعِظَم تأثيره، لا، مع أن هذا المفترض أن يكون وفقا لما قاله الشارع؛ المولي عز وجل في كتابه، ولكن حقيقةً وعلي أرض الواقع، نجد الانتقام يتدرج من الدرجات البسيطة إلي المتوسطة إلي الشديدة وفقا للأدوات التي يمتلكها المظلوم ومدي تسخيرها في خدمة قضيته، كالمال والسلطة أو حتي مجرد التلويح باستخدام القوة، وأقصد هنا القوة البدنية، فتسود نظرية البقاء للأقوي، أولي النظريات في التاريخ وعصر ما قبل الحضارات، فيأخذ المظلوم بثأره من الظالم أضعافا مضاعفة. ويؤذيه أذيً بَيّنا فجا وشديدا وليس مساويا لقدر الظلم الذي وقع عليه من جراء ظلمه له، فذاك المظلوم المُنتقم، والذي قرّر أن ينتقم لنفسه من الظالم وأن يتعامل معه بنفسه ويأخذ حقه مستخدما كامل قوته. والانتقام كما قال به المولي يستلزم شروطا لكي يتم، أوردها في كتابه، أول تلك الشروط وأصعبها علي الإطلاق هي المماثلة، فالنفسُ بالنفس والعينُ بالعين والجروح قصاص، والبادئ تأكيدا، هو الأظلم، نعم، قد تلقي فكرة الانتقام قبولاً لدي بعض المظلومين ولكن تبقي معضلة الانتقام من الظالم في صعوبة القدرة علي تحقيق المماثلة، وهي أن تكون العقوبة مساوية تماماً لقدر الضرر الواقع من جرّاء الظلم. حتي في القوانين الوضعية تجد أن لكل جريمة عقوبة محددة لها، فهل وجدت مثلا في قانون وضعي أن السارق يُعدم شنقا؟ لا، لأن الحكمة والمنطق يتطلبان تعيين العقوبة المناسبة لكل جريمة، حتي القانون فرّق بين نوعي الأذي الواقع علي المظلوم أو المجني عليه وأسماهم بالجنحة أو الجناية. وإن تُرك أمر الانتقام بيد المظلوم، هذا أمر صعب علي الإطلاق، فكيف ستستطيع أن تُحدد قدر الأذي الواقع عليك؟ وما يستتبعه من رد فعل مماثل له في تحقيق نفس درجة التأثير؟ كيف لك ذلك؟ وأحذر من أمر هام جدا، أنك وحتي وإن كنت مظلوما وقررت الانتقام ممّن ظلمك، وأحدثت فيه أذي كرد فعل جرّاء ظلمه، وكان هذا الأذي أكبر مما أحدثه فيك، أقصد أن حجم انتقامك أكبر من حجم ظلمه، وقتها انقلب الوضع وتحولت من مظلوم إلي ظالم، وحقّ عليك وعد الله في أن يقتص منك. هل أدركت الآن مدي خطورة أن تنتقم بذاتك لذاتك؟، خطورتها أنك وببساطة لا تدرك حجم الانتقام الذي يلائم حجم الظلم الواقع عليك ودرجة ألمه. فمن رأيي أن تترك أمر إنصافك إلي الله العدل، وتأكد أن إنصافك ليس هو الفضل الوحيد الذي ستلقاه، لا، فَأَجرُك أكبر من مجرد إنصاف أو قصاص إلهي، فالقصاص أولا من الله ثم جزاًء عادلاً عن فترة الألم التي عايشتها وقت أن ظُلمت، وجزاءً آخر يشمل تفضيلك عدم الانتقام من المظلوم وتفويض الله في ذلك، ثم جزاءً عن يقينك بأن الله حتمًا سيَرُدُ إليك حقك، مهما تأخر القصاص أو طال الأمد في الإنصاف.