روى أبو داود في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حائطاً بستان أوحديقة لرجل من الأنصار فإذا به جملٌ فلما رأي النبي صلى الله عليه وسلم حنَ وذرفت عيناه، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فمسح سرته إلى سنناه وجسراه وهما العظمان الناتئان خلف الأذنين فسكن الجمل وقال النبي الرحيم من ربُ صاحب هذا الجمل؟ فجاء فتىً من الأنصار فقال أنا يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم ألا تتق الله في هذه البهيمه التي ملكك الله إياها، إنه شكى إليى أنك تجيعه وتذئبه يعني تتعبه في العمل . في هذه القصة الرائعه التي تفيض إباءً وعزةً ورفضاً للذل والضيم من حيوان أعجم لايعقل ولا ينطق ومع ذلك تمرد على الظلم الواقع عليه من صاحبه وأبى إلا أن يشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ألمَ به من أذى وتعب من جراء ما يقوم به صاحبه إذ أنه يتعبه من كثرة العمل ويشقيه ولا يعطيه أجره ورغم ذلك فهو يجيعه حيث يقلل له الطعام والعلف، إن هذا الجمل الأعجم يعرف أن هذا هو رسول هذه الأمه وأنه رحيم القلب ولذلك يذهب بشكايته إليه، لم يسكت هذا الجمل عن الظلم الواقع عليه بل حاول إزالته بما تحت يده من وسائل اختار أفضلها وأكثرها نجاعه وهي الشكاية إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى يزيل عنه هذا الظلم ويرفع عنه هذا القمع وذلك الجبروت. وكما يقول العلماء في أصول التفسير أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وتنزيلاً لهذه القصه على الواقع والإستفادة بما فيها من عبرة وعظه في زماننا العجيب الغريب هذا نجد أن كثيراً من أصحاب العقول ومن يدعون الفهم والعلم وربما التحضر والمدنية يقع عليهم الظلم الفادح وهم مع ذلك لا ينطقون ولا يتكلمون ويفوضون أمورهم إلى الامبالاه، كل واحد من الناس يبحث عن نفسه ويريد سلامتها وحسب فلا يريد رفع ظلم وقع عليه أو علي غيره حيث يرى القمع والتقتيل والتشريد والتعذيب والاعتقال بغير ذنب لقومٍ أبرياء مالهم من ذنب أو جريرة وما فعلوا أمراً غير مطالبتهم بحقوقهم وتنديدهم بمن ظلمهم وقتل إخوانهم واعتقل أصدقائهم وشرد زملائهم ونكل بهم فأغلق كل نوافذهم التي كانوا من خلالها يظهرون الظلمو ويدفعون بها عن أنفسهم وحرمهم أبسط حقوقهم، ولم يقف الأمر عند هذا الحد المخزي بل ازدات الخسه والنذاله وانحطت الإنسانية أحط الدركات فأصبح هؤلاء حربا على إخوانهم سلما على ظالميهم وبرروا لهم أفعالهم المشينه وقسوا على الضحيه فتتبعوا عوراتهم وصاحوا بها في كل واد وشوهوا صورتهم وشردوا بهم من خلفهم بل وشكروا من قتلهم على فعلته وغنوا له وطبلوا وطالبوا بعدم محاسبته وترقيته وتكريمه، أهذه هي الأخلاق التي علمنا إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ليست هي بالطبع، هل هذه الأفعال متوافقة مع قواعد الولاء والبرآء والنصرة والإباء والصدع بالحق في وجه الطغاة والظالمين ومواقف العلماء المصلحين في الأزمان السالفة والتي علمنا إياها مشايخنا حفظهم الله؟ فما هكذا تورد الإبل. ففي قصتنا هذه نرى الحيوان الأعجم يتمرد على الظلم ويستعمل الوسيلة التي يمكن أن يستعملها فيشكو إلى النبي كثرة العمل وقلة العلف فيزيل النبي عنه ما ألمَ به من ظلم وقهر ويوصي صاحبه أن يطعمه وأن لا يحمله فوق طاقته من عمل وهذا هو جزاء الصابرين المناضلين أنه في نهاية المطاف ومهما ازداد عليهم الكرب وعظم الخطب أن ينصرهم الله عزل وجل ويفرج ما بهم من غم ويزيل ما أصابهم ظلم. فحريٌ بنا أن نتعلم ذلك الدرس القوي من هذا الحيوان رافضين للظلم دافعين له بكل ما نملك من وسائل سلميه موافقه للهدي النبوي ولما فعله السلف الصالح حتى نكون صادقين أمام أنفسنا متوافقين مع ما تعلمناه من كتب الأولين ودروس الاحقين وأن يكون العلم النظري في الكتب والمراجع موافق للعمل التطبيقي في الواقع المُعاش، نسأل الله تعالى أن يعجل بنصرة المظلومين وأن ينتقم من الظالمين والمجرمين.