أكاد أجزم أنه لايوجد نائب واحد من النواب الذين رفعوا أياديهم بالموافقة داخل المجلس علي مايسمي بقانون »الشركات العائدة من الخصخصة» قد تمعن في حيثيات الأحكام التي قضت ببطلان سبع صفقات فاسدة لبيع شركات القطاع العام. ولكن يقينا أن الكل اكتفي بقراءة المذكرة الإيضاحية للقانون والتي تعد مثالا علي تغيير مسار تلك القضية الشائكة. من كونها قضية فساد مكتملة الأركان بأحكام نهائية، تكاد تعلن فيها المحكمة عن أسماء مرتكبي الفساد، ومكانتهم، وأدوارهم، إلي نزاع بين الدولة وبعض المستثمرين الذين لاذنب لهم. وطبقا للمذكرة فإن الطرفين لايريدان الإزعاج من قضايا تحكيم دولي، ضد محاولات القضاء إسترداد حقوق الدولة. في وقت لاتتواني فيه الحكومة عن توفير نوم هادئ، ومناخ مريح للمستثمرين. ولمن يتسع صدره وعقله لمعرفة تفاصيل الملف نبدأ من نهايته عائدين للبدايات. الآن تهرول الحكومة، ويوافق مجلس النواب علي قانون، يجيز بدلا من تطبيق أحكام بطلان بيع الشركات وعودتها للدولة، أن تتولي لجنتين منصوص عليها في قانون الإستثمار تسوية النزاع بين الحكومة وبين المستثمرين. بحيث يتم الأتفاق علي كيفية تنفيذ الأحكام في شأن الشركات التي تصرفت فيها الدولة، سواء بالإلغاء أو البطلان. مما يفضي غالبا إلي تعويض المستثمرين للحكومة بقيمة مالية يتم التراضي عليها، ويفوزون هم بالصفقة. وهو ما يتناقض تماما مع منطوق الأحكام التي رأت أن فساد تلك الصفقات يستدعي البطلان، وتشغيل الشركات. وهذا هو السيناريو المعد سلفا كما يبدو علي الأقل من الاجتماعات والتصريحات التي تصدر من المهيمنين علي شركة النيل لحليج الأقطان. والتي يفصحون فيها عن نية متفق عليها مع الحكومة، حتي قبل صدور ذلك القانون (الغطاء التشريعي) بالفوز بالشركة، بما تشمله من مليون و100 ألف متر مربع بعضها علي النيل، وفي أماكن يقدر سعر المتر فيها بآلاف الجنيهات، وتقديم تعويض للحكومة. وتصر الحكومة الحالية علي إصدار ذلك القانون، بعد أن وجدت ضالتها في فتوي من الجمعية العمومية للفتوي والتشريع بمجلس الدولة في 2014 بإستحالة تنفيذ الأحكام. بينما تجاهلت تماما حكما تاليا لمحكمة القضاء الإداري في 2016 (وليس فتوي) ردا علي دعوي أقامتها الشركة القابضة تطلب تفسيرا لحكم بطلان بيع أسهم النيل لحليج الأقطان. فما كان من المحكمة إلا أن أصدرت حكما »بإن حكم البطلان صدر واضحا جليا لا لبس فيه، ولا غموض علي نحو ينأي به أن يكون في حاجة إلي تفسير». ولكن أعجب ما في هذا الملف أن الحكومة لم يعنها علي الإطلاق كون شركة النيل التي كانت تملك محالج من دمنهور إلي المنيا، قد تحولت إلي مجرد مساحات أراض فضاء، بعد أن تم تخريب المعدات وغلق المصانع. وبالتالي لن يزعجها أن تمتلئ الصحف قريبا بإعلانات عن مزادات لبيع أراض لإقامة أبراج علي مواقع كانت ذات يوم تعج بالعمال والأقطان.