«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انفراد: قصائد ومسرحية جديدة لمجدي الجابري
نشر في أخبار الأدب يوم 17 - 05 - 2019


سفينة أمل بدون شراع
في 22 مايو 1999 قرر مجدي الجابري، الذي كان يغطُّ في ظلام غيبوبة عميقة أن يستسلم، وأعلن الأطباء أنه لن يفتح عينيه مرة أخري. مرت عشرون عاماً علي رحيله لكنه مع هذا ما يزال جديراً بإثارة الدهشة. ترك خلفه كثيراً من الدواوين والكتب، أكدت تفرده كشاعر طليعي، وأيضاً كباحث وناقد ومسرحي. كانت لديه أحلام ضخمة للأدب لكنَّ الحياة - التي آلمته وعذَّبته وقهرته كثيراً - قررت ألا تمنحه ولو قليلاً من الضوء، بل كتبت نهايته المأساوية.
استطاع الجابري بما أنجزه، في الفترة القصيرة التي عاشها، أن يغيِّر شيئاً من المزاج السائد والمستقر في الذائقة الشعرية، وهو لم يصل إلي قناعته عن قصيدة »اليومي والعابر»‬ إلا بعد أن جرَّب كثيراً، وقد بدأ من الأوزان، حيث كتب قصائد التفعيلة، ومنها ما ظل حبيس أجندة لسنوات في شقة »‬أرض اللواء»، إحدي الشقق التي كانت شاهدة علي معاناته المستمرة وعدم استقراره أو شعوره بالأمان، وهذه القصائد غير المنشورة، ورغم أنها تعود إلي عام 83، إلا أنها تكشف، علي بساطتها، القفزة الواسعة التي حققتها تجربته ذات الطموح الباذخ، في دواوينه التي نُشرت بعد ذلك، سواء في حياته أو بعد رحيله.
وقد سخر مجدي، في تلك القصائد المكتوبة منذ 36 عاماً من الأنماط، رغم أنها موزونة: »‬فاكرة إن الشعر تفعيلة وبحر، والصور متلفقة من صُنع عقل، والحصيلة م المشاعر نص صفر، لسه فاكرة الشعر ده قالب وشكل»، والشاعر الذي كتب العامية السابقة ببراعة، هو الشاعر نفسه الذي كتب الفصحي بنفس التمكن والإجادة: »‬قد نجهل كنية شيء ما، لكن.. حين نقامر بالإحساس أو التفكير، نتوحد فيه». في هذا البستان تنفرد »‬أخبار الأدب» بنشر قصائد جديدة لمجدي الجابري، وكذلك مسرحية من فصل واحد، ومعها صور ضوئية بخط يده، وبطاقته الشخصية، وكارنيه العمل الخاص به في هيئة قصور الثقافة، وكذلك صور تجمعه بحبيبته وزوجته الكاتبة صفاء عبدالمنعم، وأيضاً حكايات عنه، حكايات تكشف جانباً من تلك الرحلة الممتعة والشاقة والمخيفة التي عاشها وكابدها واحد من أهم الشعراء المصريين.
»‬أخبار الأدب» حصلت علي أجندة شعرية للجابري تعود إلي عام 83: أوراق »‬أرض اللواء»
قابلتُ مجدي الجابري مرتين، الأولي في أحد شهور عام 96 في هيئة قصور الثقافة، سلمت عليه فابتسم لي، وشعرت أنني أتطلع إلي أحد وجوه الفيوم، وبدت أسنانه البنية الكالحة مثل سور من أخشاب قديمة غير منتظمة، والمرة الثانية كانت أثناء تلقيه العلاج الكيماوي، في أحد المستشفيات. كان يجلس علي طرف السرير، بينما تحاول زوجته الكاتبة صفاء عبدالمنعم أن تقنعه بتناول شيء ما، لكنه كان يهز وجهه، بمعني أن لا عليكِ، وينظر لي مُرحباً ومبتسماً نفس الابتسامة القديمة، كأنني ضيف عليه في بيته العامر. مات مجدي وتبقي لي من هذا اللقاء صورة لا تفارقني، صورة تجمع تلك الزوجة المحبة والمخلصة، وذلك الشخص الواهن الذي بدا الورم واضحاً - أو هكذا خُيل لي - في زوره، واستسلامه البالغ لمصيره، وطفلتين تلهوان بالقرب منه، هاميس، (7 سنوات)، لا تعرف أنه لن يكون بمقدورها، مرة أخري، أن تندفع كطلقة، كما كان يحلو لها، مرتمية في حضنه، وميّ (عام وبضعة شهور)، وكان ضجيجها المرح يزعج الموت. كنت أشعر بوجوده الثقيل والمخيف في الغرفة.
كانت هذه لحظة الفراق، لكن ماذا عن لحظة البداية؟ كيف كانت الشرارة الأولي التي خلقت هذه الأسرة الجميلة المنكوبة؟
الإجابة قادتنا إلي تكوين صورة دقيقة لحياته وحتي وفاته، وقادتنا كذلك إلي شقة »‬أرض اللواء» حيث عثرنا علي أوراقه المهمة.
تعرفت صفاء علي مجدي لأول مرة في الثمانينيات، حوالي سنة 83، بالتوازي مع كتابة قصائد البدايات، وكان ذلك في مركز شباب المنشية الجديدة بشبرا الخيمة، حيث كانت تنعقد ندوة أسبوعية، كل يوم ثلاثاء، وكان تحضرها في ذلك الوقت مجموعة من الشباب، وقد جاء مجدي بصحبة الشاعر محمود الحلواني، بعد تعارفهما في رحلة معسكر شباب بالإسكندرية، وصارا صديقين منذ ذلك الحين، ويومها ألقي قصيدة كانت غريبة عما يكتبه رواد الندوة، في لغتها، »‬كانت مدهشة ومربكة»، تقول صفاء عبدالمنعم وتضيف: »‬لدرجة أنها أعجبت البعض بحذر، ورفضها البعض الآخر». لم يكررها مجدي، انقطع تماماً، ربما لعدم الترحاب الجيد بقصيدته، إذ أنها تخالف السائد والمستقر، تعلق صفاء: »‬أذكر ردود الفعل المختلفة وقتها حول القصيدة، لقد تصاعدت همهمات البعض، كانت بعض العيون تنطق بالإعجاب لكن ذلك لم يُترجم إلي كلام واضح، وبالتالي يبدو أن مجدي اتخذ قراراً بعدم العودة، غير أنه لم يقطع علاقته بصديقه محمود الحلواني، الطيب والهادئ، والذي ربما يشبه مرآة حقيقية له. كانا متوائمين للغاية، ولم يفرق بينهما سوي الموت، وهكذا تكون الصداقة الحقيقية».
عاد الجابري للظهور مرة أخري في مجال صفاء، ظهر مثلاً أثناء مناقشة مجموعة قصصية لها في قصر ثقافة شبرا الخيمة، وخلال تلك الفترة كان قد تعرف علي مجموعة جديدة من الأدباء في ندوة الغوري، وغيرها من الندوات التي كانت صفاء لا تعرفها، وتأكدت من أن خريطة أصدقائه تمددت بعد ثلاث سنوات علي واقعة ندوة مركز الشباب، أي في 86، عام انتفاضة الأمن المركزي، فقد جاء بصحبة الكاتبة ابتهال سالم عند صديقتها سهير المصادفة، بعدها أقيمت ندوة في نادي بهتيم الرياضي، وأصبح واحداً من روادها، تقول: »‬داوم علي تلك الندوة، وتعرف علي مجموعة أكبر من شباب بهتيم، وصار له أصدقاء كثر هناك».
مجدي لم يلفت انتباه صفاء كثيراً خلال تلك الأعوام الثلاثة، واستمر الأمر لعام رابع، أي حتي 87، كانت لقاءاتهما عارضة، ولم تكن تراه خارج قاعات الندوات، لكنها شيئاً فشيئاً بدأت تحفظ ملامحه، وطريقته في الكلام، وفي إلقاء القصائد، وأصبحت تعرف أصدقاءه، وتلحظ التطور في علاقتهم، وذاكرتها لا تسعفها في ذكر كل الأسماء التي عرفها سواء في بهتيم أو شبرا الخيمة، لكنها علي سبيل المثال تعدد بعض الأسماء، سمير فوزي، صبحي شحاتة، سيد الوكيل، عربي أبوسنة، سعيد شعيب، محمود الحلواني، وهناك بالطبع كثيرون هجروا الكتابة وأخذتهم مشاغل الحياة، وبالتالي انطمست ملامحهم في ذاكرتها بعد كل هذه السنوات.
صديقها سمير فوزي نصحها بالمرور والمشاركة في ندوة محمد جبريل، ومقرها بجريدة المساء في مبني دار التحرير القديم، ذهبت صفاء إلي هناك وأعجبتها، وبالتالي واظبتْ علي الحضور كل يوم أربعاء من الساعة 3 ظهرا حتي 6 مساء، وقد تعرفت علي مجموعة كبيرة من الأدباء الشباب، ومنهم يسري حسان، ومسعود شومان، ومؤمن حسن، تقول: »‬كانت ندوة ثرية وفيها روح ديمقراطية حقيقية، كنا نطرح أراءنا بشكل حر وبدون أن نخشي شيئاً، فقد كان الأستاذ محمد جبريل متعه الله بالصحة والعافية لا يتدخل إطلاقاً سوي في إدارة الجلسة، ويستمع باهتمام شديد إلي رأي الشباب حتي لو كان ضد هذه الأفكار، ولو اخترت سمة مناسبة للتعبير عن هذه الندوة فهي: حرية التعبير، وحرية الكتابة، وحقيقي هذه الندوة ساهمت في بناء الكثيرين فكرياً وثقافياً، وأنا واحدة منهم».
بدأ مجدي يتقرب من صفاء، وصفاء راقها الأمر، وكانا يخرجان من ندوة المساء ويذهبان إلي نادي الغورية بقصر ثقافة الغوري، مع شلة كبيرة، طاهر البرنبالي، ناجي شعيب، يسري حسان، ومحمد الحسيني، وكثيرين جداً، من أبناء جيل الثمانينيات، كانوا يجلسون كذلك علي مقهي البستان، وأصبح لهذه المجموعة وجود يومي وانضم إليهم إبراهيم داود، وإبراهيم عبد الفتاح، وحسن رياض، وأسامة شهاب، ومجدي السعيد، وفي البستان تعرفت صفاء، وهي علي بُعد سنتيمترات من مجدي، إلي إبراهيم فهمي، وإبراهيم فتحي، وأنور كامل، وسناء المصري، وأروي صالح، وإيمان مرسال، وياسر الزيات، وصادق شرشر.
تحكي صفاء: »‬وفي يوم من الأيام كنا بندوة بهتيم، وطلب مني أن نلتقي علي انفراد، وكان ذلك يحدث لأول مرة، أن يطلب هذا الطلب، كنا في ليلة رأس السنة عام 87، أي أن اللقاء سوف يكون في 1يناير 1988، الساعة 10 صباحاً علي محطة أتوبيس 26 بالمظلات».
وكانت المفاجأة.
انتظرتْ صفاء ساعتين كاملتين في محطة الأتوبيس، وشعرت بغرابة الموقف، وربما سخافته، فلم يحدث أن انتظرت أحداً هكذا لمدة طويلة، ثم إن هذا الأمر ينم عن استهتار بشكل ما، وبما أنها كانت تعيش، وقتها، في المطرية، قررت العودة إلي البيت، نهضت في تمام الساعة 12 ظهراً واستقلت باص المطرية. كانت قد فقدت كل أمل في حضوره، ولامت نفسها بقسوة علي موافقتها منذ البداية علي اللقاء.
ولكن علي طريقة الأفلام المصرية القديمة لاح الأمل بمجرد تحرك الباص، فقد لمحته بذقنه الطويل، وشعره المهوَّش، و»‬شنطته اللي علي كتفه»، وخطوته المرتبكة، والسيجارة في فمه، يسير الهويني بالقرب من محطة الأتوبيس، ويتلفت حوله باحثاً عنها: »‬مجدي لم يرني، لأنه ذهب باتجاه ترعة الإسماعيلية، واتخذتُ القرار في لحظة وقررت النزول من الباص، ولم أعرف لماذا فعلت ذلك، بعد أن دفعت الأجرة، ووقف الباص أمامه تماماً، نظر إليَّ بهدوء، واستمع إلي تأنيبي الغاضب ولومي القاسي، علي انتظاري لمدة ساعتين لجنابه، لكنه اعتذر بشدة، وبأدب جم، وقال ببساطة إنه كان سهران ليلة رأس السنة عند صديقه مجاهد الطيب في عين شمس، وسامحتُه، وذهبت معه رغم أنني لم أسامح أحداً من قبل بهذه السرعة، فأنا شخص غضوب، شديدة الصمت، ولا أنتظر أحداً».
وبعد أن انقشعت عنها غيمة الغضب سألته: إلي أين نذهب؟
وقال لها: »‬لا أعرف، ليس لديَّ مكان معين، لكن عندي رغبة كبيرة في الحديث معك».
واقترحت عليه أن يذهبا إلي نقابة المعلمين في برج القاهرة، علي اعتبار أنها عضوة فيها، وأكدت له أنه مكان ساحر، وأنه توجد كافتيريا جميلة بالدور الثاني، تطل علي النيل، أمام حديقة الأندلس مباشرة، ووافق فوراً، فيبدو أنه لم تكن لديه خطط بديلة، واستقلا أتوبيس 26 من المظلات إلي التحرير، وعبرا كوبري قصر النيل، ووصلا إلي النقابة، وعند الباب، أقدمت صفاء علي شيء غريب بالنسبة لمجدي، فقد فوجئ بها، كما تحكي، تضع يدها في يده بكل ثقة وجرأة، لكنه فهم الأمر بسرعة، كانت تريد من موظف الاستقبال أن يسمح له بالدخول معها، خاصة وأنه سألها بلهجة حازمة: علي فين يا أستاذة؟ وردت بثقة وقوة حتي لا تثير ريبته: أنا عضوة في النقابة، وده خطيبي، عندك مانع؟
يومها أفسح لها الرجل الطريق، وقال بكل أدب: »‬اتفضلي يا أستاذة»، وصعدا معاً إلي الطابق الثاني، وجلسا في الكافتيريا المطلة علي نهر النيل وحديقة الأندلس: »‬جلستُ أمام الإله حابي كي يكون شاهداً، وطلبتُ فطوراً ملوكياً، وشاياً، ثم اعتذرت له عن جرأتي في وضع يدي في يده أمام موظف الاستقبال لكي يسمح لنا بالدخول، قلتُ له: آسفة جداً. كان لازم اعمل كدا، عشان تعرف تدخل معي بكل ثقة واحترام، لأنك مش عضو في النقابة، وممنوع الدخول لغير الأعضاء، وضحك ضحكة بسيطة طيبة، لن أنساها، ضحكة ليست ماكرة أو خادعة، أو تتلون حسب الموقف، ضحكة رأيتها صافية نابعة من القلب، وقال لي بكل بساطة وهدوء، وكأنه يريد أن يكفِّر عن ذنبه، بإبقائي منتظرة ساعتين: عادي، مفيش أي مشكلة»، وتُعلق: »‬قلت في سري يا الله، كيف لرجل في هذا المجتمع الذكوري، المليء بالخيبات، والعنطظة الفارغة، أن يقول لفتاة مثلي ناضجة، وتعي ما تفعله تماماً بكل ثقة: عادي، يا الله كثيراً».
بدأ يحكي لها عن تاريخه الشخصي منذ أن وُلد، ونجا من مذبحة الموت الذي كان يخطف أخوته الصغار، خاصة الذكور، كان أول ولد تُكتب له الحياة، وأخبرها كذلك أن له أختاً تكبره بعشر سنوات كاملة، ومتزوجة، وعندها طفلان، وله أخ أصغر في كلية الهندسة جامعة القاهرة، وأخت تصغره بعشر سنوات أيضاً.
ظل يحكي ويحكي، وهي تصغي في صمت.
حكي كأنه يقدم تقريراً مفصلاً عن حياته منذ الميلاد وحتي اللحظة التي يجلسان فيها، حكي كيف توفي والده، وتركه وهو في الصف الرابع الابتدائي بمدرسة المقداد.
ثم ضحك بهدوء شديد وقال ببساطته: »‬علي فكرة أختي الصُغيّرة اسمها صفاء، وانا بحبها جداً وبعتبرها بنتي، لأن أبويا مات وهي طفلة صغيرة». كان هناك الكثير من الألم في حكاياته، ويبدو أنه خُلق ليتألم، ومع هذا لم يكن وجهه مرآة لما يشعر به أبداً.
وظلا هكذا طوال اليوم، هو يحكي، ويدخن بشراهة، وهي تستمع له بإيماءة من رأسها أو تعبير يعني أنها تفهم ما يقول. تعلق: »‬كان عذب الحديث، يأخذك، ويغرسك في عالمه، كأنك تراه في الماضي وكأنك عشت معه حياته لحظة بلحظة، طيب بشكل مفرط، ليست لديه عنجهية الشباب، ولا غرور الشعراء وتكبرهم، ويأخذك بسحر حديثه، وجمال صحبته، الذي يفوق جماله، بشعره الكستنائي الناعم، وعينيه اللتين تشبهان بحر العسل الصافي، وطوله الفارع. كان جميلاً في هذا اليوم أكثر مما يجب. هادئ، بشوش، وعندما سألته: لماذا أنا تحديداً من اخترتها رغم أنه لا يوجد حوار مشترك بيننا؟ صمت لحظة، كأنه فوجئ بالسؤال، بينما كنتُ أنتظر الإجابة الشافية، ثم قال بكل هدوء: معرفش. فيه حاجة بتدفعني تجاهك دفع».
كانت تتحدث عن شخص آخر غير الذي تعكسه قصائد دواوينه »‬أغسطس»، و»‬بالظبط وكأنه حصل»، و»‬عيل بيصطاد الحواديت»، و»‬الحياة مش بروفة» فهل كان شخصاً رومانسياً؟ تجيب: »‬نعم. كان رومانسياً إلي أبعد الحدود خاصة معي، أعتقد كان يحبني بجنون مدفوع إليه، وهو لا يعرف لماذا؟ هادئ، متواضع، لا يفرض ذكورته أو رأيه عليّ، كنا نتناقش دائماً، الحوار بيننا كان الوسيلة الوحيدة المهمة عنده، وكانت لديه جملة عظيمة عندما كنا نختلف في الرأي أو علي أي شيء: يا تقنعيني، يا اقنعك. هذا كان أسلوبه دائماً، وكانت لديه درجة عالية من السمو والصدق الروحي والخلقي، ولم يتدخل في اختياراتي، حتي ولو كان الأمر يتعلق بالأصدقاء، ولا ينهرني حتي لو أخطأت. كان يصمت، ويتركني لأكتشف خطأي بنفسي. كانت هناك أمور تتكشف لي في طبيعته، فمثلاً إذا رآني أقف مع صديق نتحدث، كان لا يغضب، ولا يسألني عن ماذا نتحدث، كان لا يثور. وكنتُ أحب فيه هذه الطريقة، رقي التفكير، وعدم سوء الظن، الذي يحول حياة البعض إلي جحيم خانق. لم يعاملني إطلاقاً كجسد يجب مواراته عن الأعين، ولكن كنتُ بالنسبة له نداً، شخصية وثقافة وكتابة وعلماً ومعرفة. أنا شخص عاقل لي ما له، وعليّ ما عليه. لي مطلق الحرية في الكتابة والاختيارات. كنتُ أشعر معه بالحرية المسؤولة، وأنني سعيدة، ولا ينقصني شيء رغم أنه كان لا يملك مالاً كثيراً، لأنه في ذلك الحين كان لا يعمل، وأصبحنا نذهب إلي الندوات معاً، وصار أصدقائي أصدقاءه، واتسعت رقعة المعرفة، وتشعبت الأحاديث بيننا إلي الفن والسياسة والثقافة والكتابة ..إلخ».
كان مجدي يرسل إلي صفاء خطابات بشكل دوري. تقول: »‬في البداية كانت خطابات محبة، ثم تحولت إلي طرح هواجس فلسفية وحياتية، كنتُ أقرأ الخطاب ثم نتناقش فيه بعد ذلك، ونتطرق من موضوع إلي موضوع، وبدا كأنه يفكر بالورقة والقلم، ولن أنسي موقفاً أغضبه بعض الشيء، وكتب ذلك في رسالة مطولة، كنا في طريقنا إلي مقهي السكرية في الحسين، وعندما رأي بائع بطاطا، اشتري منه بجنيه كاملاً، فأعطاه البائع أكثر من قطعة كبيرة، وطلب مني أن آكل معه من هذه البطاطا الساخنة اللذيذة (بنار الفرن) كما يقولون، وأنا رفضت، ثم أخذت بعد ذلك قطعة صغيرة عندما شعرت بغضبه. كان يحب أن أقتسم معه جميع الأشياء التي يحبها، وغضبه سببه أنه يقدس المشاركة، كان يريدني أن أعيش نفس الحالة التي يعيشها، ولكن كانت لديَّ رغبات أخري، وربما أُفضّل أشياء أو طعاماً عن طعام آخر».
وتضيف: »‬مرة أخري ناقشني مثلاً في شراء الصيني وأواني الطهي والثلاجة وغيرها، وغضب مني لأنني لم آخذ رأيه في تلك الأشياء، رغم أنني اشتريتها قبل أن نلتقي، مثل جميع البنات، وحاولت إقناعه عبثاً بأنها موجودة في بيتنا منذ سنوات طويلة، وصعب تركها أو بيعها مرة أخري، خصوصاً وأنني البنت الوحيدة في البيت، وسألته: لمن أتركها؟ كنتُ أشعر أحياناً أنه يُقحم نفسه في كل شيء، ولكني بعد ذلك أصبحت لا أغضب منه، واعتدنا أن يطرح كل منا وجهة نظره، وعلي الآخر أن يتقبل ما يشاء».
تذكر صفاء جيداً يوم جاء لخطبتها في البيت، كانت أمها رافضة الموضوع تماماً، كيف ترتبط برجل لا يعمل، وليس لديه دخل ثابت؟ كانت صفاء مُدرّسة، وعندها راتب ثابت، وتحدت الجميع، بحسب حكايتها، ووافق أبوها بعد إصرارها البالغ، مع أنه، يا للغرابة، تقدم لخطبتها شخص كامل (جاهز من مجاميعه) في نفس اليوم، وأخبرتها أمها أنه مهندس وعنده شقة، وسيدفع مهراً جيداً، وقد جاء قبل مجدي بساعات، ولكن صفاء رفضته. تقول: »‬كان يريد الزواج من أجل الزواج، ورفضتُ كثيرين لهذا السبب، كنتُ دائماً أقول لهم: أريد أن أتزوج رجلاً لا يفكر في الزواج إلا عندما يراني ويعرفني، وكانوا يضحكون علي أفكاري الخائبة، ويضحكون أكثر إذا بالغت في قولي، وقلتُ أريد رجلاً لن يتزوج غيري إذا رفضت الارتباط به. وقد كان، وجاء مجدي وقال لي هذه الجملة، كأنه سمعها مني عندما قلتها لهم: أنا لن أتزوج غيرك، ولم أفكر في الزواج إلا عندما عرفتك، وقلت لأبي بقوة وشجاعة كبيرة أمام الجميع: بابا فيه شاب متقدم لي، وهو مش بيشتغل، ومعندوش دخل ثابت، وهو شاعر، وأنا موافقة».
يومها ضحك أبوها، وصمت لحظة، ثم سألها: »‬انتي موافقة؟» فأجابت: »‬أيوه».
فقال: »‬خلاص وأنا كمان»!
وقد كان، أقاموا حفلة صغيرة فوق سطوح بيتهم في المطرية، وحضر جميع الأصدقاء، والأهل، وكانت ليلة جميلة.
بحسب علاء خالد فإن »‬مجدي الجابري منذ ديوانه (أغسطس)، وهناك غموض صوفي في شعره، لا يُفسَّر إلا بأنه أحد تعقيدات الذات المثقفة التي تسعي لفك رموزها والإحاطة بالكون عبر تجربة إنسانية كبيرة، وهي سمة المناخ الذي كان سائداً في مصر منذ الستينيات. حاول مجدي أن يوفق بين انحيازه للناس بالمفهوم الكبير الإنساني، الذين ارتبطت حياته بهم، وفردانيته، كشاعر، كمتأمل، كبرجوازي. أصبح البحث في الوجود، في الموت، في أصل الإنسان، والتفتيش في الخبايا الإنسانية للمدينة الكبيرة، هو ما يطمح إليه شعر العامية وقتها، بعد حضور نموذج فذ مثل صلاح جاهين، أدخل للعامية المصرية إحساس القصيدة، ومعها أدخل الهموم الوجودية للمثقف الحديث، وبدون أن يستدعي نموذج وأفكار طبقة معينة في شعره، وإنما خلق آخر عابراً للطبقات»، وكلام علاء وقراءاتي لقصائده دفعتني إلي سؤالها.. حكاياتك عنه تقول إنه كان شخصاً في الحياة وآخر في الكتابة، بسيط كإنسان، ولديه طموح غير محدود في الشعر، فهل هناك تناقض ما؟ تجيب: »‬لا. مجدي الجابري كان شخصاً متسقاً مع ذاته. شخصاً هادئاً وناعماً ومتسامحاً جداً، ومحباً للحياة والناس، وأنت تتحدث معه، تشعر أنكَ أمام ملاك أو رجل صوفي، زاهد، ليس لديه أطماع، أو أحقاد، متسامح لأقصي درجات التسامح، لديه أخلاق حميدة مدهشة، وعندما يتحدث في أي موضوع، تشعر أنك أمام رجل موسوعي، عالم مخضرم، عليم ببواطن الأمور، صاحب نبوءات»، وتضيف: »‬لن تصدقني إذا قلت لكَ، أنه تنبأ مبكراً بما يحدث الآن في المنطقة العربية، وتوقع قيام ثورات، وسقوط رؤساء من قبل أن يحدث ذلك لأنه توفي عام 99، ومنذ يومين كنتُ في زيارة إلي عمتي، في حي المطرية، حيث تعيش هناك إلي الآن، وقالت لأولادها، وأولادي: لقد تنبأ مجدي الجابري منذ سنين طويلة بما يحدث الآن، وكأنه نبي. مجدي الشاعر هو مجدي الإنسان، وليست لديه ازدواجية البعض، وكان لا يغضب من أحد مهما فعل، ولا يغير من نجاح أحد، وكان متسامحاً لدرجة مذهلة».
في بداية زواجهما سكنا في سنهور القبلية بالفيوم، كان عند مجدي وأسرته بيت جميل هناك، استقرا فيه لمدة أسبوع واحد فقط، وبسبب انقطاع المياه المتواصل، والكهرباء، أغلقا البيت وعادا إلي القاهرة، إلي حجرتها في بيت أبيها وسريرها الصغير، كان من الصعب أن ينتقلا إلي محافظة أخري، لأن امتحانات الملاحق كانت علي الأبواب، وظلت صفاء في مدرستها بمنطقة مسطرد، وهكذا عاشا عاماً كاملاً في هذه الحجرة بالمطرية وسط أسرتها: »‬كانت من أروع السنوات التي عشناها، فقد أصبح أخاً وصديقاً للجميع»، بعدها قام الاثنان ببناء شقة صغيرة مساحتها 42 متر تقريباً، عبارة عن حجرة وصالة ومطبخ وحمام، فوق السطح، وعاشا فيها لمدة 8 سنوات تقريباً من عام 89 حتي عام 95، في هذه الفترة كانت أحلامه أن يكتب شعراً مختلفاً عن السابق، وجميلاً، وهو كان يعشق أشعار صلاح جاهين، وسيد حجاب تحديداً في شعر العامية، وكانت لديه تجاربه الفصيحة، والأجندة التي وجدناها في كراكيب شقة »‬أرض اللواء» وتضم قصائد غير منشورة له، كان يؤجل النظر فيها إلي حين، لكنه كان دائم الحديث عنها.
ما الذي كانت تعنيه بالنسبة له فكرة الأبوة؟ تقول: »‬مجدي كان عكسي تماماً، أنا كنتُ رافضة إنجاب طفل لمدة خمس سنوات علي الأقل، حتي نستطيع أن نربيه كما نحلم، خصوصاً وأن الدخل كان ضعيفاً، وكانت هناك بعض الديون بعد البناء، يجب تسديدها، كنت مقتنعة بأن ظروف الحياة لا تسمح بوجود طفل، وإذا حدث وجاء فبالتأكيد سيصبح عبئاً علينا، ونحن نعيش بالكاد في هذه العلبة الصغيرة جداً، كانت إمكانياتنا بسيطة، يادوب عايشين، وحرام أن نظلم طفلاً معنا في ظل هذه الظروف، خاصة أنني كنتُ أعمل مُدرّسة، وأعطي دروساً، وأذهب إلي الندوات، وأقرأ وأكتب».
هذه الشقة الصغيرة، مع ذلك، كانت تشهد ندوة أسبوعية، كل يوم جمعة، كانت ندوة مغلقة علي مجموعة من الأصدقاء، شحاتة العريان، مجاهد الطيب، محمد بهنسي، مصطفي عباس، ومجدي وصفاء طبعاً، ولكن كل شهر كانا يقيمان ندوة موسعة »‬سوبر» يحضرها كثير من الأصدقاء، يناقشان فيها بعض القضايا، أو أحد الكتب الصادرة لبعض الأصدقاء. ناقشا علي سبيل المثال، وكما تقول، كتاب لسناء المصري، وديوان لإيمان مرسال، ومجموعة قصص لمنتصر القفاش، وغيرها، وأحياناً كانا يناقشان مسودات أيضاً.
وفي عام 1990، قبل غزو العراق للكويت بقليل (حرب الخليج الأولي) كان قد صدر لمجدي ديوانه الأول »‬أغسطس» وصدر لها ديوان قصص »‬تلك القاهرة تغريني بسيقانها العارية» طبعة محدودة، 500 نسخة، عن سلسلة »‬إصدارات مصرية»، وكان يشرف عليها عبد العزيز جمال الدين، وفي ظل الرغبة في اللمعان أدبياً، كانت فكرة الأمومة غائبة بالكامل عندها، أما هو فأصبح يفكر فيها بشدة، وبشكل ملح، تعلق صفاء: »‬ولا أعرف لماذا حتي الآن؟! كان بداخله هاجس قوي يدفعه دفعاً للإنجاب، هاجس غامض وغريب، تزامن مع معاناته من كثرة التدخين، وقد نصحة الطبيب في إحدي المرات بالتقليل، كان مدخناً شرهاً، لا يترك السيجارة من يده، كان يدخن 100 سيجارة في اليوم، وأحياناً أكثر».
وُلدت الابنة الأولي هاميس عام 92 يوم عيد ميلاد أمها صفاء في 27 ديسمبر 1992، وكان سعيداً للغاية بشكل لا يُصدق، لدرجة أنه بعد ولادتها بساعات، وبعد عودة صفاء من المستشفي إلي البيت، أحضر تورتة كبيرة، واحتفلا مع الأسرة، بعيد ميلاد الأم، وعيد ميلاد المولودة الصغيرة، التي تبلغ من العمر ساعات. تعود صفاء للحكي: »‬عشنا سعداء بالمولودة الجميلة، وفي عام 97 جاءت مي، ولقد سمَّاها (مي) علي اسم مي زيادة، وقد فوجئت بهذا الاسم الجميل ولم أعترض عليه».
تتذكر صفاء بعض المصاعب التي واجهاها معاً وكيف تغلبا عليها.
أولها أنه كان لا يعمل، وهي تخرج من البيت بانتظام، بما أنها تعمل، وفي ظل جلوسه في البيت، أصبح ذلك يسبب له إحراجاً أمام أهلها، رغم أن صفاء لم تكن تبالي بذلك، إذ أنها كانت مقتنعة بما فعلته، كان الزواج به قرارها وكان عليها أن تتحمل نتيجة اختيارها. تحكي: »‬بعد فترة عرض عليه الصديق محمود الحلواني أن يقوم بفتح كشك لبيع الكتب القديمة في بهتيم، وقال له الحلواني إن هذا الكشك ملك لأخيه وهو مغلق الآن، وبالفعل افتتحناه ووضعنا به بعض الكتب القديمة، وبعض قصص الأطفال، وقام والد محمود بشراء بعض الحلوي، ووضعها علي الأرفف مساهمة منه، ولكن الوضع لم يستمر طويلاً، خاصة وأن الكتب نفدت، ولم يكن هناك بديل لها».
وثانيها أن مجدي عمل مصححاً ومحرراً ل»‬الديسك» في مجلة »‬الإذاعة والتليفزيون» بصحبة الشاعر ياسر الزيات، ولكنه لم يستمر طويلاً في ذلك العمل بسبب موضوع نُشر بالمجلة. تقول: »‬لا أتذكر الموضوع بالضبط، ولكن ما يؤلمني هو أنه تمت التضحية بمجدي الجابري». بعدها بقليل عمل في الهيئة العامة لقصور الثقافة (تعيين القوي العاملة) بناء علي خطاب ترشيح حصل عليه من الهيئة في عهد حسين مهران،
ثم حصل علي تفرغ دراسي لمدة عامين، بعد التحاقه بمعهد الفنون الشعبية، ثم عمل في »‬أطلس الفولكلور» مع الدكتور صلاح الراوي.
العقبة الثالثة، وهي الأهم والخطيرة، كانت عام 95 عندما تركا بيتهما في المطرية وأجَّرا شقة في منطقة »‬أرض اللواء» بالجيزة.
كان إيجارها 100 جنيه في الشهر أكبر من مرتب أحدهما، وكان عليهما أن يعيشا بمرتب، ويدفعان المرتب الآخر إيجاراً، وهكذا وجدا نفسيهما أمام أزمة مالية كبيرة: »‬لكننا تغلبنا عليها عندما حصلتُ علي تفرغ من وزارة الثقافة لمدة عام واحد فقط، بعد أن أصبحت هناك طفلتان تحتاجان إلي رعاية وغذاء، لكن مع الأسف عندما تقدمت، مجدداً، للحصول علي تفرغ لمدة عام آخر رفضوا طلبي، وتقدم مجدي الجابري هو وصديقه مسعود شومان بدورهما للحصول علي تفرغ ورفضوا طلبهما أيضاً».
حزن مجدي لذلك كثيراً، لأنه كان يريد أن يستريح من عبء العمل في الأطلس، ويتخلص من عهدة المكتبة التي أُسندت إليه عنوة، وعلي غير إرادته، كان لا يحب فكرة الموظف العادي، ولا الوظيفة الروتينية، وبالتالي دخل في نوبة اكتئاب حادة، إذ كان شعوره بالظلم فادحاً، كان يشعر بأنه يحرث في البحر، ولا يجد التقدير المناسب، وتفاقم إحساسه بالحزن بعد أن تقدم إلي جائزة الدولة التشجيعية، ولم يحصل عليها، لم يرغب في شهرة من وراء هذه الجائزة، وإنما الحصول علي المال كي يساهم في مصاريف البيت ويخفف عن زوجته الكاتبة بعض الأعباء، خاصة في وجود طفلتين في احتياج إلي أمهما. تقول: »‬كان كل شيء يتداعي، توقفت عن الدروس الخصوصية، بسبب بُعد المسافة بين البيت في أرض اللواء عن طلاب المطرية الذين لا أعرف غيرهم، ووجود طفلتين تحتاجان إلي رعاية أكثر من ذي قبل».
ما المواقف الإنسانية التي ميزته؟ تقول: »‬دون غرور أو فضح للخاص.. مجدي الجابري كان شخصية فريدة من نوعها، اعتقد البعض أنه ضعيف، أو سلبي، أو ربما عديم الشخصية، أو متساهل زيادة عن اللزوم، أو متسامح بشكل مبالَغ فيه مع أشخاص لا يستحقون، أشخاص استغلوا طيبته وكرم خُلقه، لكن هذا كان معدنه فعلاً، مجدي كان يفضل الآخرين علي نفسه، حتي بالقليل الذي كان يملكه، وكان يحب الجميع علي اختلافهم، وطريقة تفكيرهم، ولم يفكر يوماً أن يهين أحداً حتي لو غضب منه، أو تعمد الآخر إغضابه، ولن أبالغ حين أقول إنه كان ملاكاً له أجنحة يرفرف بها علي الآخرين، لأنه كان كذلك بالفعل، وكل من اقتربوا منه كثيراً لمسوا ذلك بعمق. كان يحجز الغضب في خزان بداخله، وبالتالي كان الخزان يمتلئ ويفور ويضغط عليه، ويسبب له غصة كبيرة، ولكنه كان قادراً علي النسيان والتسامح وتجاوز الأذي وتفريغ الغضب، وبالتالي كان يعود إلي طبيعته الهادئة ويمضي حياته كما اعتادها».
تتذكر صفاء كثيراً من المواقف الطريفة سواء كانت طرفاً فيها أو سمعتها منه. مرة ذهب مع مجموعة من أصدقائه إلي الفيوم، وسهروا عنده في البيت هناك، وكل منهم قرأ قصيدة، وكل منهم عقَّب بشكل سخيف علي قصيدة الآخر، وفي آخر الليل كل اثنين تعاركا مع بعضهما، كانت ليلة عصيبة بالنسبة لمجدي، الذي بذل مجهودات خارقة حتي يفض تلك المعارك الثنائية التي بدت كأنها ستستمر للأبد، لكن الموقف الصعب تحول إلي موقف ضاحك وهو يحكيه لها.
مرة أخري كان يسهر عند بعض الأصدقاء في شبرا الخيمة، وبعد السهرة، ذهب إلي محطة الأتوبيس في المظلات، وفتش جيوبه ولم يجد فيها ولا مليم، فسار من هناك حتي منزلهم في »‬أم المصريين»، ووصل إلي البيت قرب آذان الفجر، بعد أن تم توقيفه في كمين في منتصف السكة، وسأله ضابط »‬رايح فين؟ وجي منين؟ وماشي بالليل ليه؟»، ولأنه كان صادقاً قال إنه قادم من المظلات، وبدت المسافة ضخمة للغاية بالنسبة لمن يسأله، فعاد الضابط ليسأله: »‬وليه مشيت المسافة دي كلها؟! ولسه هتمشي كل ده؟!»، ولم يستطع مجدي أن يستمر في سرد الحقائق أكثر من هذا، بسبب إحراجه البالغ، فالأتوبيس في ذلك الوقت كان بقرش صاغ، وخجل أن يستقله، ويخبر المحصل أنه لا يملك ثمن التذكرة، وهكذا قرر المشي كل هذه المسافة، حوالي 6 ساعات كاملة.
لم يكن عملُ مجدي في مجال الأطلس بالهيئة العامة لقصور الثقافة بعيداً عن الإبداع، عكس صفاء المُدرّسة، كان زملاؤها بعيدين عن الكتابة، أما زملاؤه فقد صاروا أصدقاء له لأنهم أدباء، وتقول إن كتابة الشعر الفصيح والمسرحية تمثل مرحلة انتقالية مهمة في حياته، خاصة أثناء فترة الدراسة، ولكن كتابة العامية عنده كان لها بُعد فلسفي. تعلق: »‬كان يكتبها وكأنه يفكر بالفصحي لا العامية، حتي قامت حرب الخليج، وكتب ديوانه (عيل بيصطاد الحواديت) بقصائده البسيطة، ويعتبر هذا أول ديوان نثر بالعامية المصرية، ومجدي يعتبر رائد شعر نثر العامية، وكان يكتب اليومي والمعاش، ويتمني أن يصل شعره إلي رجل الشارع البسيط».
من هم أقرب أصدقائه له؟ وماذا عنت له الصداقة؟ تقول: »‬بالنسبة للطيبة والمحبة القلبية كان الشاعر محمود الحلواني، الأقرب لهذه المنطقة، أما في التفكير والفلسفة والنقد والقصيدة بمفهومها المختلف كان (الشاعر) شحاتة العريان، وبالنسبة للعمل في الأطلس والمعهد كان الشاعر مسعود شومان، وفي الصحافة وخفة الظل وابن البلد كان الشاعر يسري حسان، وهناك أصدقاء كثيرون جداً، اكتسبهم من ندوات ومناطق مختلفة».
جاءت اللحظة الصعبة علي الجميع، لحظة معرفة مجدي بالمرض الخبيث. بدأت الحكاية في شهر رمضان عام 1998، اشتري سمكاً جاهزاً، وكان معه صديقه مسعود شومان، وبعد الإفطار غادر مسعود، وكذلك ذهب مجدي إلي العمل في قاعة منف بالعجوزة، وعندما عاد كان منهكاً، ويسعل بشدة ويتقيأ، وعندما سألته صفاء: »‬مالك؟» قال لها بوهن: »‬يظهر إن السمك مسموم»، فضحكت بمزيج من التعجب والخوف، وحاولت أن تطمئنه وربما أرادت طمأنة نفسها قائلة: »‬كلنا أكلنا من السمك، أنا وانت والبنات ومسعود، ومحصلناش حاجة، ممكن يكون عندك برد»، وظل علي هذا الحال لمدة أيام، عندما يأكل يكح بشدة، حتي يتقيأ كل ما في جوفه، وذهب إلي الطبيب في مستشفي »‬أم المصريين»، وظلوا يحللون بصاقه شهراً كاملاً، وحولوه إلي معهد الأورام بعد النتيجة الإيجابية، وفي المعهد أجريت له تحاليل جديدة، أثبتت إصابته بورم في الرئة حجمه (1 سم) ويجب أن يأخذ جرعة (كيماوي) وفي هذا اليوم ذهب معه كثيرون، مسعود شومان، ويسري حسان، ومحمود الحلواني، وشحاتة العريان، وغيرهم، تقول صفاء: »‬وقع المفاجأة علي الجميع كان صعباً ومؤذياً، ولكنهم وقفوا معه جميعاً موقفاً بطولياً، ولن أنسي لهم ذلك أبداً».
تتذكر صفاء بألم الأيام الأخيرة. في البداية كان مجدي يقاوم بكل شجاعة وبسالة نادرة، وكان يتعامل مع الموضوع باعتباره نزهة مع المرض، أو تجربة مع الخطر، وخاصة الجسد، ولكنه حزن بشدة عندما بدأ المرض يزحف علي باقي الجسد، وانتشر في المخ والكبد وأماكن أخري، هنا استسلم بشكل كامل وفقد الأمل في الشفاء، ولم يكمل جرعة الكيماوي المقررة له، وتوفي بعد شهرين من دخوله المعهد.
أسألها: »‬ما وصيته لك؟»، وتجيب: »‬لم يوصني بشيء محدد، ولكنه قال لي كلمة واحدة، قبل أن يدخل في مرحلة الغيبوبة التي ظل داخلها لمدة يومين، قال لي: أنتِ حرة».
قصائد العامية
فلسفة جنين حان وقت ولادته
مسافر ع الضنا... والرحلة إجباري
تباريح الأسي لحني.. وموالي
وصوت القطر بيمزق في وجداني
بيصرخ في زمان اللحظة..
بيروي في ودن الحلم
والسكة.. بدايتها أنانية
وراكب إنت في سبنسة تتخفي..
في وش الأب
وتأشيرة عشان أركب..
في قطر الذل عنوانه
ودخانه.. أماني بتحلموا بيها
.. بتمضيها.. بقسوة عشت تخفيها
ورا زيف الحنان والغش
وحان وقت السفر.. وارحل
ينبتة زرعتها بإيدي
يا حتة لحمة من جسمي
بتتفلسف.. بلاش تكفر
وفلسفتك بإيه هتفيد
كمان ساعة تكون راكب مع الركاب
في قطر الرحلة يا كبدي
تكون في الدنيا عكازي
وإيد بتشد فوق إيدي
وتاه وسط الزحام.. وصوته راح يضحك
.. وبيشارك في نصب الزفة ع السكة
وزغرودة وغنيوة تبكي دم
وكام خرقة تكون تابوت لحرية
وفي الصالة اللي مليانة..
بكام مليون شبح راكب علي عجلة..
تدور بالعكس
وقع قرص الدفا..
ومات شعاع الشمس..
وجف الدفء والمعني
في بحر اتجمدت فيه الحياة
بقي تلج..
وصارت شمس أحلامهم
بتشرق من سما النني
تغيب في الرمش
برغم أن الخطا ع الدرب تتكسر
ورغم الطعم في بق الحياة بقي مر
لازم أنسي دفا بيتي
لازم أرحل
ولازم يا زمان الراحة تنساني
ولازم يا مكان الراحة تنساني
بلاش تبكي يا بيت الضل والمأمن
علي ساكن صبح مطرود
هامش
يا قطر الذل اسمعني
أنا قطعت تأشيرتي
مانش يا قاسي هاسمعلك
مانش هاركب
عشان ما اقطعش تأشيرة ركوب
في القطر لغيري
إذا ما دارت العجلة..
وجه يومها عليّ الدور
علشان ألبس قناع الأب
واداري القسوة خلف الوش
وأزيد ركاب في رحلة قسوة تعدادهم
بتأشيرة
أمنيات شاب مصري 1
ألف نخلة جوه قلبي
فاس محبة لكل زارع
والعرق ده طعمه سكر
فوق جبين ابن المصانع
والصبايا لونها أسمر
واخدة م الأرض الملامح
اسلبوني كل عمري
بس سيبوا لي الجوارح
لاجل أحس بأرضي لمَّا
تزرع الإخلاص ويطرح
في النفوس إصرار وهمة
في المكان ميت ألف مطرح
يتسع لولاد بلدنا
الغني ويَّا الفقير
نرفع الحب رايتنا
يحتكم فينا الضمير
نفسي أكون شمعة تنور
مش لنفسي بل لغيري
نفسي.. نفسي.. يا ريتني أقدر
لاجل ما يرتاح ضميري
نفسي ألقي الكل واحد
والسفينة شراعها عمري
قالوا مين ده اللي بيحلم
قلت إني شاب مصري
الحصاد يوليو 1983
يا بني يا فجر مريض
الليل ابوك مظلوم
دا حنا خدم وعبيد
في الدنيا مالنا لزوم
ساعة ما جيت يا ابني
نفضت لك حضني
وفرشت لك قلبي
بالضي وبحبي
والشمس صحيتها
من بدري من بيتها
قالت لي إيه مالك
قلت لها عقبالك
قاللي الزمن إنك
يا ليل زمانك راح
راح المرض عنك
بنور هنا وصباح
ضحك الغبي قلبي
وصدق القولة
سلم وشاورلي
وعملنا هليلة
وبدرت بذرة فجر
وقعدت استني
ورويتها مية عمر
والعمر اتمني
كان الزفاف أملي
يوم الحصاد كان عيد
وحصدت من هبلي
انت يافجر مريض
سيف الشاطر أغسطس 1983
كنت باشوفه
كان بينازع فوق الفرش.. الضعف.. الموت
كنت باشوفه
يونس غصب عنه عايش داخل بطن الحوت
لكن راسم سكة بكرة فوق الكف
رغم انه ع الكف التاني شايل روحه
كنت باشوفه
بيصحي الشمس اللي مقرفص في عينيها الضي
من عهد الفرعون الطيب إخناتون
كنت باشوفه
فاتح حضن الحلم اللي بقاله ييجي مليون عام
مسكوك ع الخوف
كنت باشوفه
كانت بذرة بكرة بيزرعها في جليد اليأس
الممنوع م الشوف
كان يتمني تطرح قمره تعانق شمس في صبح وليل
كان يتمني يطلع م القمقم بكره شايل سيفه
زي ما قالت ستي اللي مكلبش في ديل فستانها القرن الماضي
إن الشاطر مزق قلب الصمت.. الغول
بعد ما كان السيف هيصدي
لكن مات الشاطر بدري
قبل ما تطرح بذرة بكرة
وبقيت كل جهودك ذكري
يا سيزيف
لكن فوق الصخرة اتحفرت آخر كلمة
نفسي في بكرة
فيه الشمس بتحضن قمره
فيه الحب بيقتل غول.
كنت ساعتها لسه صغير
قد الفجر الطالع لسه
قلت ساعتها
هوه أبويا يا ناس اتجنن
يبدر بذرة بكرة في تلج
وبيرويها بمية دمع.
كنت ساعتها لسه في ليل الملح.. وليل الشمع
وعروسه بتخرمها أمي في وشي
وبتحرقها وبتقوللي بص في نورها
وترقيني سبع مرات
وبتفرك في الكعب رمادها.. وترسم بصباعها
فوق الرسغ وفوق القورة ليَّا مقص.
كنت ساعتها:
لسه باشوف الشمس بعيدة
من خرم الغربال الضيق
كنت في بيتي الواسع جداً
ساكن جنبي في نفس الدور اللي مافيش غيره
سكينه وكراسة فاضية وقلم مبري
كانت أمي بتهمس لي في ودني.. وبتقوللي
الدنيا يابني كوكتيل.. أو بانوراما
وسمعت كلامها..
نمت وكل الناس بتدور حواليه في ليل وشموع
أصل أنا كنت يا إخناتون
ويا سيزيف
كل حصاد القمر في جرني
يا دوب أسبوع
أمنيات شاب مصري 2
أمنيات شاب مصري 2
لو كل رافع علم خلا الضمير ساري
راح يبقي طرح الألم مفعول أمل ساري
لو كل ماسك قلم خلا مداده شعور
الانتماء هيعم يفرد جناحه نور
لو نبتدي نطهر كل القلوب م الشر
شمس الخلود تظهر يكتب شعاعها مصر
لو نبتدي نزرع في قلوبنا بذرة حب
نلقي الأمل فرع بارك ثماره الرب
أنا هبتدي بنفسي ياريت تكون زيي
أصلي أنا مصري من حبها زيي
كل اللي بتمناه تبقي الديانة مصر
لو قبطي أو مسلم كله فروع من أصل
سبتمبر 1983
سفينة أمل بدون شراع مايو 1983
1
بريشة الأسي.. ولون السواد
.. وفكرة غريبة
فكرة لحد من صناعة لا شيء
زماننا رسمنا
ومن غير معالم ومن غير حدود
خطوط سيريالية بدون انتهاء
... بدون انتماء
وميت ألف لوحة لمعني الضياع
.. وصورة سفينة ناقصها الشراع
ورحلة غريب
ما بين كل أهله..
بيشعر بإنه... سفير العدم
يسافر في دمعة ندم ع اللي راح
ويرجع في دمعة أسف ع اللي جاي
وينسي ملامحه في وسط الجراح.
2
في لحظة بداية..
ياريتها ما جات
في يوم ما افتكرنا.. رجعنا نسينا..
حقيقة زماننا
نسينا اللي فات
وكان غصب عنّا نوينا السفر
.. ولكن لفين..
زماننا اللي يعرف
وسلمنا قشة لريح الاغتراب
ورحلة طويلة..
وكام ألف ميل
ووسط الطريق.. تركنا الدليل
فقهقه زماننا بصوت انتصار
.. صنعت اللا شيء..
زرعت السراب..
واجني يا إنسي
لبسنا دموعنا ستين ألف توب
.. وجبنا الدروب
لنرصد ثمار الزمان.. السراب
وصوت انتهائنا بيدبح بلابل رافضة النواح
.. ويعلن ممالك في وسط الخراب
في وسط الجراح
بتحكمها بومة وكلب وغراب.
****
3
وبرضه يا صحبي تقوللي انتظر
تقول ع الغمامة سحابة أمل
وضلمة نفوسنا بشاير قمر
(ويوم) وليل الخطيئة هيولد المني
فاكرني يا صحبي هصدق غبي
انسي يا صحبي وقوم يللا ضيع
وسلم سفينتك لموج القدر.
4
وجاني الجواب
وتهمة بإني فقدت العيون..
ونور البصيرة..
وبعت الضمير ما بين السطور
.. ولكن يا صحبي حروفي حقيقة
شافتها حروفك فهربت وطارت..
ومن غير رجوع
نصيحة يا صحبي يا غاوي خداع
يا لابس لا شيء.. وعايش في حلم
ده صدق المشاعر في معني الألم
لما يا صحبي تبيع الخداع
تبقي ساعتها تمسك قلم.
3 مشاهد من مسرحية
تستحق أن توصف بالغباء
مشهد غبي 1
في حين كانت سما الدنيا بتفردع البشر جناحات
وحين كان الآوان أحضان
رأيت الليل بينفض م النهار إيده
ويدلق في صدور الناس سموم الخوف من المجهول..
وم المعروف
وفوق السكة مطروح النهار منزوع عيون الشوف
وكان يومها وليد الحلم فوق باب الزمن مصلوب..
كما حسدوه
وغنوة لبكرة مصرورة في منديله أمل مكبوت
وكانت ع الطريق أشلاء
بتتعكز علي أنات بينخر في كيانها الموت
وكان الصوت.. كما خنجر
بيطعنيِّ.. يقطعني..
يبعتر دمعتي مني..
يقسمها لكام مليون خلية حس جوايه
وكانت أمي حبلانه بكلمة لأ
ومستنيه يوم تيجي يا عيد الطلق
ولف الخيط علي البكرة
خنقني صوت أماني ذَلَّها المنديل
تناديني..
- تقوللي سَلِّم الدفة
- معدشي للطريق ده دليل
- ده موج انت ما هوش قده..
- تعوم ضده
- معادتش هناك مرسي
- معادتش هناك ألوان
- زمان كروهات
- طريق كروهات
- يموتوا الناس إذا حسوا
- إذا شافوا..
- إذا حاولوا يكونوا لسان..
وأنا لسايه ضد الموجة أصارعها.. تصارعني
ينتصر الضياع يمه
يا أمي ابنك الإنسان
وأنا يمه من الدوامة بابعت لك..
تأشير السفر ليك.. طريقها شفت بعنيه
زمانها لسه في التكوين..
بلاش يمَّه
ولساكي تقولي لأ
- أموت لكني متخلاش عن المبدأ
- أموت لكني مبعشي ضمير
ده أصله الموت ماهوش يمه..
في إن النفس يطلع ميرجعشي
ماهوش يمه في سكة قبر
ده أنا يمه رأيت الموت.. بيتداري
في وش الموجة في الأنَّة وفي المنديل
هامش
زمان ياريته ما يرجع
وإن شاءت وعاد ثاني
ياريتني يومها أكون ابنك
.. أكون إنسان
مشهد غبي2
إحنا دموع الكون
لسانه بنسافر
في خط سير كافر
واحنا في رحلتنا
وقلوبنا دفتنا
ولد التمني مد
خنق التمني جزر
لسه بنبكي القوت
رغم اننا كالدود
ساكنين رحم وتابوت
لسه بنسكن خوف
لسه بنبكي الشوف
والبوم في ليل الحس
ساكن قلوبنا عش
فارد جناحه موت
لابس زماننا وش
لسه قناديلنا
(لو) ضيها والزيت
ديننا (إذا) و (ياريت)
أما شعورنا يموت
إن قاد شموع بكره
إن عاز يكون فكره
أسفي علي بكره
إن جه كما امبارح
يسخر من الإحساس
من صوت ضمير الهمس
لما بيقتل خوف
غارس شجر ذله
هنموت إذا كلنا
أو نمنا في ضله
سؤال سبتمبر 1983
واتأخر ضي الشمس اللي مسافر من عهد ما كان الكون بيحس
عن وقت رضاعة البذرة.. الطفل.. الخط الفاصل بين الطلق وبين النعش
والأرض ماعادت يمه بيضحك في جوفها الخير
ولا عادت مية قلتنا ننفع في السكة سبيل
وسافرت في دمك واخد السكة قياسة
وسافرتي في دمك واخدة السكة برضه قياسة
ولبسنا توب القلب اللي اتمرد علي سجن العقل وسجانه غرقان في سكوت
وسافرنا سؤال فوق كل وشوش الناس اللي لابسين العقل تابوت
ليه الدودة في بطن السمكة
ليه السمكة في بطن الحوت

واتمخض أول نص من المشوار
عن لوحة بيقولوا راسمها فنان مغمور
مضمون اللوحة إن الأرض بتطرح نور
بيقول البذرة فيها را ح تطرح لو رعيناها
الخيط الأول للتفسير
ومسكت اللوحة لقيتها شوية انفعالات
مش ممكن من غير الشمس
راح تطرح ولا ذرة حل
لوحة رواها.. كل العالم .. بدموع وآهات

وسافرت في دمك واخد السكة يمه قياسة
وسافرتي في دمي واخدة السكة برضه قياسة
وسافرنا برضه يمه سؤال
ليه الدودة في بطن السمكة
ليه السمكة في بطن الحوت
ليه الضي اتأخر عنَّا
واتمحض آخر نص من المشوار
عن واحد م القرن الفاني
ساكن كهف العلم المتطلسم بالتفكير
من عهد الشيخ اللي اسمه تاريخ
وكتب رده فوق ورقة مليانة شروخ
كان الرد كسوف وخسوف وطلاسم لابسة توب المصطلحات
لما سألناه عن تفسير
ليه الدودة في بطن السمكة..
ليه السمكة في بطن الحوت
سابني وسابك..
وشغل نفسه في التأريخ

لكن قبل سقوط الورقة الباقية
قبل المية ما تتمرد يمه علي قرص الساقية
نزل الراكب ضهر الرخ
كان شاعر سافر لمَّا شاف علي جسر الكون
غول الشرخ
واتنفس يمه سؤالنا الشاعر
تمتم وكلامه في سره بيفسر في سؤالنا الساير
وإن الشمس أكيد راح تطلع.. لو طهرنا الليل م الخوف
لو غذينا الحوت بالحب
مش ممكن راح ياكل سمكة عادمة الشوف
والسمكة لو كان لها قلب
مش ممكن راح تاكل دودة خانتها ظروف
قصائد الفصحي
ضدان لا يأتلفان
21 سبتمبر 1983
والفجر برأس الليلْ
فكرٌ شفويٌ صِرفْ
أشعلت الارجيل الأزليّْ
ألقيتُ الكلمات الموروثة حرفاً تلو الحرفْ
ألقيتُ الحرفَ الرابضة فوق السطر اللامعلوم
قرباناً للزمن الليليّ اللونْ..
الأسفلتيِّ الملمح والسيماء
أحرقتُ رؤوس الاجدادْ
أمسيتُ دماراً لا يرضي قوتاً غير الشعر.. النثر.. العلم.. الحكمة
ودعوتُ زماني للسمرِ
»‬اشهق.. اسحب نفساً
ولنضحك يا زمن سوياً
وعلي من مات ال.....»
يا هذا اللائم فِعلي.. صَهْ
اخفضْ من صَوتِك كي لا يسمعْ
كُنْ لي أُذناً
وسأهمسُ كلَّ السِّرْ:
»‬مازلت صغيراً يا ولدي
لو قست العمرَ الإنسانيّ
بالأعمار الزمنية
سيقهقه في ليل الجرح الناجم عن إحساسٍ بالنقصْ
عملاقُ اللاَ عُمر
يا صاح
كي أكسب بعض الجولاتْ
قَد صِرتُ لبعض البعض من العمر المحسوب
بوتقة صُهرت فيها الأفكار الإنسانية
كي أسبُك منها تمثالاُ أو أيقونة
لأعلقها فوق الصدر الزمني
- هذا الجاهل كلَّ الأشياء
إلا المادة والملموس
كي يصفح عني بعض الوقت
أو يركلني - من بعد البصق علي وجهي -
فأزوي في كهف الذاكرة قليلاً
لأُدبِّر شركا آخر غير الشعر.. النثر.. العلم .. الحكمة
فقديماً قالوا في الأسفار:
- (يا عائم ضد الموج العاليّ
لا تركب آخر موجة عقل
فالشط الآمن لا يصل إليه إلا المعتوه
كن معتوهاً.. تنجو
تصل
ولتشرب جُل خمور الزمن الثمل
فالبيت الآمن في هذا الجانب
هو بيت البغي
فلتحيا ثملاً بعض العُمر
إن كنت تريد العيش بهذا البيت
إن كنت تريد العيش
إن كنت
إن.........»
يا بيت البغي
قُل لي..
ولتصدقني القول
أين المزلاجُ، المترنِّح خلف الباب
فلتفتح لي
إني أعلنتُ خُضوعي للزمن المالك
إني أشعلتُ الأرجيل الأزليّ
ألقيتُ الكلمات الموروثة حرفاً تلو الحرف
ألقيتُ الحرف الرابض فوق السطر اللا معلوم
إني أحرقتُ رؤوس الأجداد
قربانا ل.......
- صه.. يا هذا
إني أغلقتُ الباب الأوحد دونك
فلترجع من حيث أتيت
وسألت لماذا؟
ردَّت رأسٌ من جوف النار تموت هناك
- يا خاسر كل الأشياء
إن الإنسان.. والبيت الزمنيّ
ضدان لا يأتلفان
ولادة
30 سبتمبر 1983
مولودٌ قبل نهاية آخر شوط بثوينات
والقابلةُ.. في تصميم حاد
أن تكتب فوق الورقة اسما
أن تستر كُلَّ القادم في اسم..
يرفض اسمي أن يسطر
يرفض جسدي أن يستر
يكبر صوتي.. يعلو.. أصرخ
تتركني في (الغربال) وترحل
...
في الوقت (المستقطع) من زمن القهر..
أرحَل
مُمتطياً مَتن رغيف الرمق الجاف
فأجده خريفيَّ القسمات
بتبَّخر مني ماء الجذر
وتُفتح كلُّ ثغور الأوراق العلوية والسفلية..
قسراً
تتبَّخر أحلام الصوت... البيت.. العيش.. الماء
أزدردُ الملح
أتبعثره - عند ظهور القمر الأعمي في خارطة العالم والأشياء -
أشلاء تنفر من أشلاء
يصرخ نبتٌ.. طفلٌ
-»‬إن الكون يباب»
يُفرخ بيض الرُّخ بصدر الأرض
قاريء كف..
قارئ مندَل
يُعلن كاهن بيت الرخ
- »‬أن الصبح وليد الليل»
أُعلن:
(أن الصبار المُر
لا يطرح قِشدة)
تتخفَّي الشمس بثوب »‬القرش»
وتخرج خِلسة
يُحشر ثمة حلم.. ملح بين الضرس وبين الناب
أزهو تيهاً
أشعلُ في الجهر لُفافة تبغ..
وأدخنها
ألقي الباقي منها.. وعود ثقاب
في وجه الرُّخ الليلي الملمح..
الأسفلتي القسمات
يَفترُّ الثغر اللا محدود
عن لقطة استخفاف:
»‬أتقايض
كسرةُ خبز.. عتبةُ بيت.. شربةُ ماء
ومقابل هذا
أسحق هذا الحلم - الملح.. الرابض بين الضرس وبين الناب»
أأبي
تسقط من شجرة عمري ورقة
فأعود وأشعل في السر لُفافة تبغ
أسحبُ حزناً
ألقيها في وجه الوجه الرابض في المرآة
وأعدُّ العمر المنقضي
ببقايا لُفافات التبغ المنثورة
عبر الحارات الحُبلي
بالطفل الضيف.
عُذراً يا بلهاء
أكتوبر 1983
1
عُذراً.. عُذراً.. يا بلهاء
إني أخلفتُ الموعد عن عمدٍ
لا نسيان
ما جدوي تكرار الكلمة
ما جدوي تكرار الحركة
ما جدوي الماء
فزمان العالم جدب
لا ينبت فيه الإنسان
2
من بين الخصلات المُرساة فوق شواطئ نهر العُمر
كم سافرتُ بالعين وبالإحساس وبالفكرْ
لكني أرجع دوماً مهزوماً
فالمنظر نفس المنظر يتكرر
والمنطق دوما مقلوب
3
عاصرتُ الريح الحُبلي بالتدمير
مذ كانت في مهد الكون
نسمة صيف
عاصرتُ الجرح النازف عُمراً عُمراً
مُذ كان النصل..
حبَّة قمح
عاصرتُ الدمع الآكل عين الأم
مُذ كان الطفل جنيناً
لم يبلغ بعد.. عُمر الطرح
فعرفتُ بأن الثقب الكائن بالباب الموصد..
سُد
لحظة أدرك أن المفتاح..
لم يُصنع بعد
تداعيات الأمس البعيد
27 يناير 1984
غافلتُ العُمر المشدود بقرص الساقية الدائر..
عكس الحلم
من قمقم موتي - الأول - أخرجت الرأس..
ثم انسابت باقي الأعضاء وراحت تتنفس..
صعداء البعث
أرضاً غير الأرض
وطأت قدمايا
كانت نصفين..
جُبت
لم ألق قارات.. بلدان.. مُدنا..
وتحسستُ بطون النصفين خجلاً
فدُهشت
لا يوجد ما ينبئ عن حَملٍ أسود
لا توجد أي بشارات عن مولد آخر موت
وسألت الواقف في منتصف المعبر
لم يبد جواباً غير الإيماءة نحوي
وتصاعد ممتطياً متن الريح
...
الأرض النصفان صارت كُلاً واحد
وانهار المعبر
ففهمتُ القصد
ورجعتُ لأبحث عن قُمقُم موتي الأول
فوجدتُ القُمقُم لكن..
قد استأجره عمرٌ آخر.
نقوشٌ علي وجه الأهرام
فبراير 1984
1
قد نجهلُ كُنية شيء ما
لكن..
حين نقامر بالإحساس أو التفكير..
نتوحد فيه
جزءٌ منه هو الإحساس بطعم شُواء وُزع في غيبة..
ميزان العدل
»‬كم اشتم الفقراء روائح أشياء لم يدروا نكهتها»
جزءٌ منه هو الإصغاء لصوت الغربان.. الريح الأمشيرية
.. حين تجلجل في فلوات الأذن الموسيقية
»‬كم عفَّر وجه المتسول أمشير اللامساواة»
من وقتٍ كان الحائط للمتسول خيمة أمن
وتمدد ظل الحائط في طرقات النفس المنكسرة
(وتزأبق)
مكارٌ هذا الحائط لا تفضِ إليه بخوفك
»‬هذا السر المنفضح»
لا مكمن للسر.. الصدر
مرآة للمكنونات كلُّ عيون الخوف
فلتسرق - يا متسول شيئاً من مقتنيات الاجداد
من بيت العدل
أو اقضي العُمر المتبقي في غزل رداء الاستسلام
»‬قالو في أسفار العهد الغابر
في مخطوطات التاريخ:
قد يطرح سيفٌ ظلاً
قد يبني مُدناً
قد يعزف لحناً لمساواة».
2
أي مغترباً في ذات الموت
زمن الجلباب الأوحد فوق الجسد
وعمامات الرأس المتسخة
(واللبدات) المهترئة
والقلب الأبيض..
تحت أساسات عمارات السادة.. دِيس
»‬إن تملك ما يشري.. تَسُد
دُفِن بأعمدة الإسفاف اليومي
وجرائد تعلن عن إتمام زفاف في صالات.. الرقص
.. الجنس.. الفترينات الحُبلي بالعصر الرنَّان
الأحصنة العربية حين تصير أداة للكسب السهل
»‬بِعت الخامات لقاتل جَدَّك
منها كرسي الحكم الفكري صُنِع».
3
عذراء من عدة آلاف أو أكثر من سنوات الميزان
جاء زمان الهتك
يا أهرام الجد الأبله
»‬إن ارتبت بمن توهبه التركة
بددها.. هذا أولي».
- أو لم تسمع صوت الجد
- بلي
»‬أيهدهد طفلاً عربياً.. جندي تتري
أيصون الهكسوس كلام الله».
المسرحية بدون عنوان
المكان: خشبة مسرح قبل رفع الستارة
الزمان: قبل العرض بدقائق
مشهد (1)
الممثل وحيدا علي خشبة المسرح في مواجهة الجمهور، أمام الستارة المغلقة، والإضاءة تحاصر الممثل وتتعقبه في تحركاته وباقي المسرح مظلم.
الممثل: مساء الخير
اسمحولي أعرفكم بنفسي.. أنا الممثل »‬س».. بعد الاختبارات اللي أجرتها اللجنة المكونة من المؤلف والمخرج والشاعر كاتب الأغاني والملحن ومهندسين الديكور والإضاءة والأدباء والإكسسوارات وعدد من الصحفيين وقع الاختيار عليّ من بين 93 وجه جديد عشان أمثل الدور اللي هتشوفوه.. بعد دقايق من دلوقتي، ولأن مسرحنا مسرح شعري تجريبي.
(لاحظوا أنه بقي من حقي أني أقول »‬مسرحنا» وأعتبر نفسي أنا اللي منضم حديثا.. واحد من الأعضاء المسئولين عن هذا المسرح العريق، يعني لي ما للفرقة وعليّ ما عليها).
باقول لأن مسرحنا مسرح شعري تجريبي فمن حق أي عضو في العرض أنه يعمل اللي عايزه طالما ما هيخِّلش بالخطوط العريضة اللي اتفقنا عليها وعشان كده استخدمت أنا الحق ده في اني أدردش معاكم - انتوا اللي ما اتاخدش رأيكم في اللي اتفقنا عليه - في أحاسيسي وانطباعاتي عن المسرحية ورأيكم فيها اللي بيه يمكن اقدر اقرب أدائي للدور بتاعي من استجاباتكم، يعني علي سبيل المثال اعرف إيه اللي يضحكم وإيه اللي يبكيكم، مش علشان اعمله بالظبط، لكن علشان اتحرر أكثر من كوني علي خشبة مسرح وبامثل وانتوا عليكم انكم تستقبلوا وبس وانتوا مرتاحين ع الكراسي الجلد، ويمكن جايين صدفة، أو غصب عنكم أو حتي بمزاجكم، بس أكيد فيه بينا شَعره زي وتر لازم يتشد بنعومة وقوة، لكن بحذر، علشان لما المسه جوايا، يرن جواكم، أو لما تشدوه جواكم أحس به جوايا فأشده يرن. وإلا لا هيبقي لا مسرح ولا شعري. يمكن تجريبي صحيح بس التجريب بالشكل ده هيبقي تخريب في معمل مقفول عليه حُرَّاس جوايا وجواكو وجوَّا بقية أعضاء الفرقة.
اتفقنا
(واحد من الجمهور يتحدث وهو في مكانه)
متفرج: لأ. لسه.
اسمح لي، كلامك وجيه، لكن فيه حاجتين عايز أناقشك فيهم.
الممثل: اتفضل، ممكن تطلع هنا جنبي، وتتكلم براحتك.
متفرج: لأ طبعا. ما هي دي الحاجة الأولي اللي عايز أناقشها.. المكان يا صاحبي، المكان المختلف له كلام مختلف.
الممثل: ازاي؟ هل تقصد إني مكاني علي خشبة المسرح ممثل يعني، بيفرض حدود ، تختلف عن الحدود اللي بيفرضها مكانك كمتفرج.
متفرج: ده بالتأكيد، لكن مش مسألة الدور بس؟ فيه كمان الشخصية المرسومة في خطوطها العريضة، يلزمك تملاها تفاصيل، يعني نعمل لها لحم ودم، واللحم والدم ده ليه زمان ومكان بيكون فيه، وبياخد تاريخ شخصي في تكوينه من يوم ما اتولدت لحد النهاردة، من أول مانزلت من بطن أمك، كان ليل.. نهار.. ضهر.. عصر، كان فيه أصوات حواليك، نوعها، درجتها، والدماء اللي كانت موجودة، نزلت في بيت ولا في مستشفي ولا في طريق ولا في غيط ولا علي مينا أو مركب، كان فيه حمار ينهق ولا أب راجع من الشُغْل وبيسب ويلعن، فيروز بتغني ولا حنفية بتنقَّط ولاَّ مكنه كهربا بتزمجر ولا عيال بيفرقعو بمب، كان الشباك مفتوح ولاَّ موارب، ولا مقفول شيشه وقزازه ولا مفيش شباك خالص، والشباك بحديد ولا بسلك.
(متفرج آخر يشترك في الحوار من مكانه أيضاً)
متفرج 2: كان براد الشاي ع النار، وباسمي الوردة »‬....» حبيبتي العمران بالوحدة وباليأس، وباسمي سرير العرق الطازة مدق وخير علي مدخل جسم حبيبتي قعدت، عيّل متشوش حسه، ومشبوك في الطيارة الورق اللي معدِّية الناحية التانية، ديل جلابيته، رفيت الحبل، اختلط اليانسون الفاير بتراب حوش المدرسة المبلول ف يناير بعصير القصب المكبوب ع البدلة السمني في عيد الكحك، اتسك الشباك، وخش يعصر شوقه لشفايف تانية يكون شوكها أقل وورقها أدبل والمتزاحمين تحت ريحتها عرايا تماماً م الخوف والقسوة ومن شُبهة ترقيع الوردة بالحزن الخافت علي يوم بيعدِّي وف الروح شوق للشاي بيعلِّي الطيارة الورق اللي بتصغر ويبلل فرش سرير الوحدة وهدوم النايمين الطايفين علي موج يأس، ف يناير أقسي الأعصاب العريانة في روح حبيبين فاجأتهم رغبة ف فصل الجسدين، فقامو صبُّوا الشاي المغلي ف روحهم، واتغّطو بتنضيف الشقة ولم الغسيل المنشور.
أبرز أعضائها أحمد الشهاوي وشحاتة العريان
اكتشاف: حركة 83 في الشعر العامي والفصيح
في ثلاث ورقات كان هناك حلم لم يكتمل، حلم جماعة أدبية وُلدت عام 83، ولم يُجهد أعضاؤها أنفسهم في اختيار اسم آخر لها، واكتفوا بعام التكوين كأبرز إشارة إليها »‬حركة 83 في الشعر العامي والفصيح»، وقد تكونت، بحسب ما دونه مجدي الجابري، في أجندته في 23 أكتوبر 1983، وليس معروفاً متي تبخَّر الحلم، لكن يبدو أن الجماعة ماتت سريعاً، كما أن الحال تفرقت بالشعراء خلال الأعوام التالية واختلفت درجات قربهم من مجدي الجابري.
تحت عنوان »‬ندوة 1»، ذكر الجابري الأعضاء المؤسسين، وهم إبراهيم عبدالفتاح، شحاتة العريان، مجدي الجابري، مجدي السعيد، أحمد إسماعيل، سيد مجاهد، أحمد الشهاوي، أسامة شهاب، حسن محمد رياض، وقد حضر في هذا اليوم، يوم التأسيس، 23 أكتوبر 83، إبراهيم عبدالفتاح، أحمد اسماعيل، شحاتة العريان، مجدي الجابري، وضيفان هما »‬علاء – بهجت».
موضوع الندوة الأولي كان »‬الغموض في القصيدة الحديثة»، ومكتوب بالنص أنه:
»‬تمت مناقشة مقال للشاعر وليد منير نشر في مجلة إبداع حول هذه النقطة أو القضية المثارة في الأوساط الأدبية وقد خرجنا من هذه المناقشة بعدة نقاط نوجزها فيما يلي:
القصيدة الحديثة مغامرة.. وإبحار في مجهول.
الصورة الشعرية كائن ذو كينونته الخاصة وعالمه المتفرد وليست أداة للشرح.. بل تساهم في البنية العامة للقصيدة.
القصيدة مخطط مرن ينبثق من العاطفة الضبابية في نفس الشاعر وتُصاغ في الأصوات والصور.
القصيدة لا بد أن يكون لها منظوران هما:
1- الإرضاء الشعوري والكياني »‬رأي إليوت»
2- الحضور الاجتماعي.
القصيدة تكون بلا معني (رأي بيركسون).
وفي هذه النقطة تم الاتفاق علي ضرورة أن يبتعد معني القصيدة عن المباشرة والسقوط»، وفي مجمل هذا التصور لم تبتعد الجماعة عن أفكار السبعينيين تماماً، ولا عن التصورات السائدة وقتها للشعر.
أما الندوة الثانية فقد حضرها، حسب الأوراق، إبراهيم عبدالفتاح، مجدي السعيد، أحمد الشهاوي، مجدي الجابري، سيد مجاهد، شحاتة العريان، وأحمد إسماعيل، وشادية الصباحي، وكان موضوعها »‬متابعة للموضوع السابق مع فتح باب الاستماع لبعض الأعمال الشخصية»، ثم الانتقال منه الي تمهيد لموضوع الندوة السابقة وهو »‬موضوع الغرض.. شعر جيل السبعينيات»، كما تمت مناقشة الشكل العام للجمعية والاتفاق مبدئياً علي تكوين مكتبة خاصة بها وصندوق، فضلاً عن ضرورة أن يحضر كل عضو تصوره عن الشكل الأمثل للجمعية أو الحركة بعد البحث والتمحيص.
رائد الموجة الرابعة
شعبان يوسف
عندما صدر ديوان »‬كلمة سلام» عام 1955 للشاعر الشاب صلاح جاهين، وكان قد بلغ الخامسة والعشرين، أقام الدنيا ولم يقعدها، وهناك إشارة في صدر الديوان إلي أنه يمثل »‬قصائد شعبية»، وقدّم له الشاعر الأيديولوجي والملتزم محمد كمال عبد الحليم، وأفصح عن أن هذا الشاعر كان يكتب قصائده لمقاومة الإنجليز عام 1946، وأثار الديوان حفيظة الأذواق التي كانت قد استراحت لسفينتي العملاقين بيرم التونسي وبديع خيري، وحولهما محمد عبد المنعم »‬أبو بثينة»، وحسين شفيق المصري وغيرهما.
تلك العواصف سرعان ما تغيرت أمام الموهبتين الطبيعيتين (فؤاد حداد وصلاح جاهين)، واللتين كانتا تطوراً ضرورياً، وكأنهما لزوم ما يلزم دون أي افتعال، وكتب آنذاك نقاد وكتّاب من أطياف فكرية وسياسية مختلفة ومتباينة، بل متناقضة، واكتشف كل من هؤلاء مساحته التي تعبّر عنه، فتحي غانم وأحمد بهاء الدين وحسن فؤاد وغيرهم، واتفق جميعهم علي أن هذه الكتابة استطاعت أن تتجاوز كتابة بيرم التونسي وبديع خيري، رغم عظمة ما قدمه هذا ال عظيمان، لأن هذه الكتابة رغم أنها تحمل همّاً سياسياً واجتماعياً، وتكمن في تضاعيفها أبعاد تشبه الرسائل الموجهة، إلا أن موهبة »‬جاهين» علي وجه الخصوص في ذلك الوقت، قفزت بيُسر علي فكرة الأدوار السياسية والاجتماعية والفكرية التي كانت تُعدّ سلفاً للشعر، ودخلت الكتابة إلي مساحات جمالية وبنائية غير مطروقة من قبل، وسرعان ما تحولت الدفة لصالح الشاعرين، حتي أشبعا أذواق الناس بالتجربة الشعرية الجديدة، وكانت تجربة »‬جاهين/ حداد» تمثّل الموجة الثانية بعد تجارب »‬بيرم/ بديع» العميقة، والتي شغلت ما يقرب من أربعة عقود، منذ أن نشر بيرم قصيدته »‬المجلس البلدي» عام 1917 في جريدة »‬الأهالي» السكندرية.
إذن كانت القرينة الأساسية التي منحت »‬جاهين/ حداد» فضل وإمكانية ومساحة الريادة، تكمن في تلك الأبعاد الفنية والجمالية والتركيبية واللغوية والبنائية، قبل المعاني والأهداف والرسائل المبثوثة داخل النصوص، وللأسف كان النقاد مشغولين بمتابعة صلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطي حجازي وغيرهما، »‬شعراء الفصحي»، دون الشعراء الذين كتبوا باللهجة الدارجة، وأطلقوا علي هذا النوع من الكتابة »‬شعر العامية» ظلماً وعدواناً، وهذه التسمية المقيتة، هي التي جعلت النظرة إلي هذا الشعر، نظرة شبه متدنية وجارحة، وكأن من يكتبونه أقل قيمة من شعراء »‬الفصحي»، ممن يكتبون بلغة »‬القرآن»، والسلف العربي الصالح.
وانتبه الناقد سيد خميس في مطلع عقد الستينيات لهذا المنزلق، فأسس داراً للنشر، وسمَّاها »‬دار ابن عروس»، وخصّص إصداراتها للشعراء الشباب، الذين قدّموا طفرة جديدة في التجربة الشعرية، واستطاعوا أن يخطفوا الأبصار والانتباه إلي مشاريعهم الوليدة، وكان أبرز هؤلاء عبد الرحمن الأبنودي، وسيد حجاب، ونشرت دار ابن عروس ديوان »‬الأرض والعيال» للأبنودي عام 1964، بدراسة نقدية رصينة ورائدة لسيد خميس، وكذلك نشرت ديوان »‬صيّاد وجنيّة» لسيد حجاب عام 1966، بكلمة نقدية للشاعر العراقي عبد الوهاب البياتي. كانت كلمة دالة تكشف نظرة خاصة حول من أُطلق عليهم »‬شعراء العامية»، كتب البياتي: »‬سيد حجاب من شعراء الطليعة القلائل الذين كتبوا بلغة الشعب البسيطة، واستطاعوا أن يخترقوا جدار الصوت، لينفذوا إلي جوهر الأشياء الصغيرة المتلألئة...»، ورغم هذا المديح المريح، إلا أن البياتي يصرّ علي أن لغة حجاب، هي اللغة البسيطة التي يستخدمها الشعب، ويجعلها تختلف عن اللغة النخبوية والأرستقراطية التي يستخدمها هو ورفاقه من شعراء »‬الفصحي»!
طالت المقدمة قليلاً قبل أن أصل إلي مجدي الجابري، والذي نشر ديوانه المختلف »‬أغسطس» عام 1990، ليلعب الدور ذاته الذي لعبته دواوين جاهين وحداد وحجاب والأبنودي ومجدي نجيب سابقاً، فإذا كان حداد وجاهين، رائدي الموجة الثانية، وحجاب والأبنودي ونجيب شغلا الموجة الثالثة، فمجدي الجابري يمثّل »‬رأس الحربة» في تجربة الجيل الرابع، تلك الحربة التي مثلها الشعراء يسري حسان ومسعود شومان ومحمود الحلواني ومحمد عبد المعطي وغيرهم، علي اعتبار أن تجربة مجدي ورفاقه، تجربة تمثّل تطوراً نوعياً للأجيال الثلاثة الماضية، وتعاقباً جيلياً ملحوظاً، لما حواه ديوانه الأول »‬أغسطس» من تشكيلات جمالية حادة وواضحة وحاسمة.
القصائد محاولة جريئة في تجاوز الحالة الغنائية الرقيقة والناعمة التي كانت تسود سابقاً، تلك المحاولة لا تكمن في المعاني، والأفكار، والعاطفة، بقدر ما تكمن في الصدمة التي تحدثها القصائد، مع ملاحظة أن »‬سرسوباً» شعرياً خفيفاً كاد يتسلل إلي القصائد من تجربة سيد حجاب، فشعر سيد حجاب كان هو المرشح ليترك ظلّه بقوة علي الأجيال التي خلفته، فنجد أنه يبدأ ديوانه ذاكراً البحر، والصيادين، وندهة الأب التي كانت تمد أطيافها بغزارة في قصائد سيد حجاب، يقول مجدي في »‬قصيدة للبحر»:
(دمي ماهوش ضدّي..
ومش معايا
...
حدّ التوتر مش مسافة..
بين شعر صدر الموج
وبين نهود البحر
...
ضعف المحار حين ما اترمي ع الشط..
يدخّلني : أبيض حليب.
والّا رغاوي الهياج؟ّ
...
فاتحت وش الصيادين،
حُفر الوشوش مليانة ملح،
شوكة بساريه،
شاش بكارة،
كف فاضي
ضلّ هلب.
...
"البحر متعافي
والموج حدّاف
الشط رمله إبر
مغروزة في كتافي
...
آهين وآه يابا
الميه دي ديابة
بتحوم حواليني..).
وبعيداً عن ذلك الأثر المعجمي الخفيف لسيد حجاب، والذي سعي الشاعر الجابري للجدل معه، لا تكراره، ولا الخضوع لهيمنته، رغم أن طيف سيد حجاب كثيف ومتسلل في تجارب كثيرة من شعراء الحقبة الرابعة وما قبلها، إلا أن موهبة الجابري »‬الواعية»، جعلت من ذلك الطيف، ضيفاً فقط، مجرد ضيف في بيته المؤسس علي أعمدة جمالية قوية، ومتينة، وذات عمق يخصّه، من ثم أصبح ذلك الطيف يطلّ برقة، وبعذوبة، ودون ذلك، كان صاحب البيت له كل الصلاحيات الخاصة في ترتيب وتركيب لغته وبنائها وإرسال جميع المعاني التي جاءت ناعمة ومستوعبة، بعيداً عما سبقها في الحلقات الشعرية السابقة.
ففي القصيدة التي أهداها إلي »‬مجدي الجابري وإبراهيم أصلان»، وهي قصيدة »‬أوراق ضد الزمن»، سنلاحظ مبدئياً أن الإهداء ذاته جريء في منحيين، الأول في أنه يهديها لنفسه، أما الثاني فهو أنه قرن نفسه بالعظيم إبراهيم أصلان، فضلاً عن العنوان الذي يفصح عن حالة تمرد ومشاكسة، أما المتن، فيتجاوز التمرد والاحتجاج والمشاكسة، ويقف علي أبواب ثورة في »‬الشكل، والجماليات، والبناء":
(ورقة »‬1"
آه ياخليفة رقصتي.. باش الوتر
إن يوم نزلت البارد الواسع..
فقوللّي.
...
حملك/ بدن شفاف
العضم/ ودهب
...
-مرحب.
كريم قاصد....
خلّي مداسك
دحنا يزيدنا الشرف
.... قيدي الكانون....
واشوي لنا كوزين دره
مرحب
( الناس لبعضيها/ بيوت
والحدايات/ بيت ال...
- شايك.
مرحب.
...........
شعر البنات خايف
ل يقصقصه البرق المفاجئ
- ما تلتجيش لصدر نضاّح بالدبول
( علي طرف منديل السما واقف...
نويت أقفز
- كفي ماهوش سكة لقا
( الشمس/ بقعة دم من جرح اللمون.
كان العرق/ منديل
ف إيد البنت ف الكوشة).
بالطبع لا مجال للغوص عميقاً في طموحات مجدي الجابري، لكننا سنشعر وسندرك المساحة الحرّة التجريبية التي كان يتحرك، وتطورت فيما بعد حتي ديوانه »‬الحياة مش بروفة»، وبالتأكيد ألهمت العمليات الفنية التي أنجزها الجابري في قصائده، رفاقه في تلك الموجة الرابعة التي تحتاج لدرس عميق ما يزال مفقوداً وغائباً، ومن ثم أستطيع أن أقول إن تجربته في ملابساتها، تشبه تجربة الشاعر علي قنديل الذي رحل في عمر مبكر للغاية، ولكنه كان قد قدّم، علي المستوي التقني، تجارب لا نهاية لإدراك جمالياتها المفرطة، وتظل تجربتا الشاعرين »‬قنديل/ الجابري» بمثابة فتوحات شعرية واسعة وعميقة وخاصة للغاية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.