فاجأتني الشاعرة الجميلة الرقيقة شعرا ومقاما وحضورا.. التي اسمها نهى قنديل.. وأنا سارح وحدي في ملكوت الله.. وأمامي نهر النيل العظيم صانع مصر وباني مصر.. وصانع الإنسان والمكان.. قبل الزمان بزمان.. وفي يدي «سميطة» مستديرة مثل شباك الحبايب وقطع جبن قديمة من «زلعة خالتي بهانة» سيدة الزمن الجميل.. بعيدا بفكري وحالي وخيالي عن هم الخلق وبلاوي الزمان وفراق الأحباب ومقالب الصحاب ونكد الزوجات.. تربت علي كتفي وتقول لي بنظرة عتاب قبل الكلام: قوللي يا صاحبي.. لساك مطحون في الدنيا دي..؟ لسه الحلم الحلو..؟ بعيد عن ايدك.. وانت بتجري بسرعة عليه.. كل ما سكة بتفتح.. فجأة بتتقفل، سكك الدنيا من حواليه.. أمال الناس اللي بتخرج.. من جوه الدايرة ها البت يا صاحبي.. بتعمل إيه! هي مازالت تحدثني شعرا عاميا مرسلا بسيطا ينبض بالحياة: قوللي يا صاحبي..لساه السكر بيحلي.. الناس بتقول لي.. السكر بيسكر طعم الأيام.. ويخليك تسكر.. أمال سكرنا اللي حدانا.. ليه بيمرر.. حتي المية.. واللون بيعكر.. أنا نفسي يا عالم، أدوق الحلو اللي في بالي.. لو حتي هبطل أتفكر قلت لها مقاطعا: هو فين بس السكر الأيام دي يا ست الستات.. ده الكيلو دلوقتي بقي بالشئ الفلانى! قالت كأنها لم تسمعني: قوللي يا صاحبي.. لساها الناس بتصرخ.. أنا كنت زمان فاكرة لما ها أصرخ.. كل الناس راح تلحقني.. بس أنا قلت أصبر للآخر.. وأكيد فيه حد ها يسمعني.. فجأة لقيت الصوت ينحاش.. والناس عمالة بتجرحني.. قلت لها مقاطعا: الناس تايهة في دنيا تانية!
هي مازالت تشدو شعرا عاميا في أذني: قوللي يا صاحبي.. لساك بتحس بألم الناس.. أنا مش عارف أفضل طيب.. واللا الأحسن أكون مكار.. لما باحس بجرح الناس.. ألقي دموع العين تحتار.. أنا مش قادر أمسح دمعة.. كان أهل المغني زمان عاقلين.. ها نروح فين.. يا زمان مجانين؟.. .......... .......... جلست إلي جواري علي الكنبة الرخام وتناولت من يدي سميطة وحبة ملح ودقة.. وقالت لي وهي تواصل أبيات موالها الذي يسبح في هموم الخلق مطحونين أو شبعانين محبين أم حاسدين حاقدين قوللي يا صاحبي.. جربتش مرة طعم الغربة.. والبيت مفروض إنه لأهلك.. أنا عشت الغربة يا صاحبي سنين.. في عيون عمرها مابتشتاق لك.. لو تسمح لي.. أنصب خيمة.. وألجأ للنبض اللي في قلبك.. قلت لها: يوه.. ما اقسي الغربة في ديارك!
مازالت نهي قنديل تحدثني وأنا سارح في ملكوت الله.. قوللي لي يا صاحبي.. لساها حداكو حيطان..؟ ها البت ها تعمل إيه.. لو تلقي حيطان بيتكم فجأة مافيش..؟ د أنا كل أما أقفل بابي ولا شباكي.. لأجل الناس ماتشوفنيش.. ألقاهم جوة وبرة ومن حواليه.. لو مرة هاهج.. ماتحوشنيش..!
قوللي يا صاحبي.. لساك بتعدي الجسر يوماتي.. أنا واقف ع الجسر بتاعي.. من كام سنة.. مش عارف أعدي.. قمت رسمت في كراستي.. جسر أزرق.. وكتبت بالأحمر «عدي».. كل ما اعوز أهرب من حزني.. أفتح أوراقي.. واعدي وحدي.. .......... .......... قلت للعزيزة الشاعرة نها قنديل: والله مصر كلها وضعت علي صدرها شارة حداد! قالت: ليه كفا الله الشر! قلت: لقد فقدنا جنودا أبطالا في معركة الشرف دفاعا عن تراب الوطن في سيناء.. قالت هي بطريقتها وأسلوبها شعرا يسبح في دنيا الخيال: قوللي لي يا صاحبي.. لساهم كل الشهدا متبسمين.. لساه الدم بيروي الأرض.. بريحة المسك والعنبر.. لساها عيونهم في عنيكم.. أحلي من الشهد والسكر.. امتي هاييجي معادنا معاهم.. نفرح وياهم بالجنة ونتحرر..
قوللي يا صاحبي.. لسة علي الحيطة نتيجة.. قوم وقطع ورقها قوام.. والغي سنين الهوان.. وافتح باب الحقيقة.. المعركة علي البيبان.. دا أنت اللي كنت واقف.. ع الجبهة ديدبان..
قوللي يا صاحبي.. لساها أم الشهيد بتحكي عليه.. لساها بتسأل.. ليه الدم الغالي بيرخص.. طب مين يصبر قلب أم.. كل لحظة تنده.. يا ابني نايم بعدي.. في حضن مين..؟ كان نفسي أشوفك وألمحك.. وتحني عيني.. يا زينة شباب العالمين.. .......... .......... لم تهدأ نهي قنديل.. بل تابعت كلماتها وسط سيل من الدموع والنيل يجري تحت أنظارنا والعالم يسمع ويري: قوللي لي يا صاحبي.. تعرفشي تقول لي أنا مين.. أنا جندي في جيشك يا بلادي.. أنا أرض وشجرة.. وزهرة ومية وطين.. مسقية بدم الشهدا.. دانيال وياسين.. أنا حتة من الجنة.. تطرح ورداية ورياحين.. تتنسم ريحة الياسمين.. وبكرة هافرح قلب حزين.. ظالماه الدنيا وكله حنين.. أنا ظابط.. ومهندس.. وطبيب.. أنا عامل وصنايعي.. أنا واد كسيب.. أنا وقت السلم يا بلدي.. أحلي حبيب.. أنا كاتب ومصور.. رسام.. فنان.. أنا مطرب وممثل.. وأعزف ألحان.. أنا شيخ في الجامع.. يقرأ القرآن.. أنا راهب في كنيسة.. وإنسان.. أنا عاشق.. مجنون بترابك.. أنا الأول.. في طابور أحبابك.. دليني.. ناديني.. وقولي.. احميني.. وأنا أرد بدمي.. يا نور عيني.. د أنا زارع فدادينك حنية.. بس إنتي إديني.. الحب والحرية.. واللقمة آكلها.. هنية.. وكرامة في أرضك.. يا بهية.. .......... .......... أمامنا النهر العظيم.. كم من مياه كتيرة جرت.. ومياه أكتر سوف تجري وتجري وتجري لتروي عطشا وتسقي زرعا وتربي ابنا.. وترسم خريطة الحضارة لكل البشر؟ نها قنديل تسألني علي طريقتها شعرا عاميا ظريفا معبرا غاية التعبير.. سلسا غاية السلاسة كأنه نسمة هواء في ليلة صيف: قوللي لي يا صاحبي.. لساك في حبال الهوا دايب.. لو ما انتش أد الحب يا صاحبي.. كان مين قال لك لازم تعشق.. كام كلمة حافظهم بتقولهم.. دا الصادق في الحب بيغرق.. بص لحالي.. وبطل تمسك في الحبل الدايب.. لأحسن قلبك يولع يتحرق..
قوللي يا صاحبي.. لساها الناس بتغني قديم.. أنا أصلى سألت.. لما هأحب.. أنا هأعشق مين.. قالوا استني اسمع لحليم.. واسأل ليه عشان بعيونه حزين.. .......... .......... نهى قنديل ارهقتني بحبها لمصر والناس والنيل والنبل في الخصال.. والصدق في النزال.. نزال الحب والوعد والحق والاخلاص.. هي تقول لي ولكل خلق الله.. المحبين منهم: قوللي يا صاحبي.. لسه الناس بترسم قلبين..؟ أرسم قلبين ع الشجرة.. وسهم.. فجأة القلب الطيب.. مات م الخوف.. أتاريني عايش في الوهم.. يا ريتني مسحت بسرعة.. كل وشوش الناس الخاينة.. ................... .................. قوللي يا صاحبي.. لسة ماحدش رد عليك.. أنا أول قلبي ما دمع.. رد حبيبي وقال لي: أنا شايفك.. أنا أول عيني ماجت في عنيك.. باحلف بالله.. أنا حاسك.. اوعاك تكتم آهة في قلبك.. د أنا من رسم حروفك عارفك.. قوللي يا صاحبي.. لسه أصحابك فاكرينك.. بالحلو أنا فاكر أصحابي.. ونفسي ترجع أيامنا ولا تفوت.. وأعيش علشانهم عمر بحاله.. د أنا بعدي بيساوي الموت.. كام سنة باعد غصب عني.. وكل كلامي.. دموع وسكوت.. قوللي لي يا صاحبي.. لساها الناس تقرا جرايد.. طب مين لساه بيصدق.. وعد الناس المرتاحة.. مين يفتح سجن المظلوم.. دا العدل نسايم طراحة..
قوللي يا صاحبي.. كام سنة تقدر تتحمل.. وازاي القلب الأخضر.. يكبر ويشيخ.. لما يبات مهموم وحاسس انه مظلوم قلت في سري دون صوت: الحمد لله الشباب المحبوس خلف الجدران بدأت أفواجهم باوامر من الرئيس.. تخرج إلي النور وتظلهم أشجار الطريق. .......... .......... قبل أن تمضي لحال سبيلها قالت لي وشمس الغروب تنسحب من المشهد كله.. تاركة لون الشفق الأحمر سابحا فوق مياه النهر العظيم قالت لي نها قنديل: قوللي يا صاحبي.. لساك فاكر مصر دي مين.. مصر دي حتة من الجنة.. وربنا قالها في القرآن.. مصر عليها ربي تجلي.. وللأنبياء أم الأوطان.. وجندها خير جنود الأرض.. ومحروسة بوعد الرحمن.. .......... .......... تصفيق حاد.. ليس مني ولكنه جمع من طلبة وطالبات الجامعة كان يا دوب خارجا إلي الشط من نزهة نيلية.. سمعوا أحلي كلام ثم قالوا في صوت واحد: الله يا ست الستات كمان والنبي كمان{ ! Email:[email protected] ------------------------------------------------------- مصر دي حتة من الجنة.. وربنا قالها في القرآن.. مصر عليها ربي تجلي.. وللأنبياء أم الأوطان.. وجندها خير جنود الأرض.. ومحروسة بوعد الرحمن..