برغم أن أهم ما يصدر من كتب باللغة العربية الآن، ومنذ فترة غير قليلة، هي الكتب المترجمة، وبرغم أن المترجمين باتوا يحظون بقدر من الثناء ولفت الأنظار وربما »النجومية» ما كان أسلافهم الأقربون ليحلموا بمثله أو ببعض منه، فإن وضع المترجم المادي علي الأقل لا يعكس شيئا من ذلك. فالمترجم لا يعامَل علي الإطلاق باعتباره مالكا لترجمته، صاحبا للنص العربي الذي أنتجه. هو أقرب إلي صنايعي، فني ترجمة، حرفي يؤجر عن مهمة، ثم تنقطع علاقته إلي الأبد بالمنتج الذي ينتجه. يبيع المترجم الترجمة للناشر لفترة محددة، أقلها خمس سنوات، وتصل في بعض العقود الجائرة إلي أربعة أمثال ذلك وربما أكثر. بلا نسبة للمترجم من المبيعات، بلا مقابل مادي عند تجديد العقد، وأغلب عقود الناشرين مع المترجمين تنص علي تجديد العقد تلقائيا، لكنها لا تنص إلا نادرا للغاية علي مقابل لهذا التجديد. ناهيك عن دور نشر تنكر علي المترجم أن يوضع اسمه علي غلاف كتابه، أو تفرض عليه محررا ينظر في ترجمته وهو لم يترجم في حياته إلا في امتحان الثانوية العامة، أو دور أخري لا تقبل كتابا مترجما ما لم يراجعه شخص حاصل علي دكتوراه وإن لم تكن له دراية بالترجمة. هذا فضلا عن دور النشر الكثيرة التي يقوم عليها نصابون حقيقيون، يتلقون آلاف الدولارات دعما من الخارج، موجها للترجمة، فلا ينال المترجم منها شيئا، بل ولا يعلم عنها شيئا. وما هذه إلا نماذج تخطر لي الآن من المهازل التي يتعامل معها المترجم كل يوم. قد يبدو الناشر هنا هو شيطان المترجم، هو شيلوك الطامع في رطل من لحمه مع كل كتاب، ومع أنه كذلك في كثير من الحالات، لكن الحقيقة أن عدو المترجم الحقيقي هو القارئ. بوسع أي مترجم جيد أن يرفض الأجر الظالم والمعاملة الظالمة من أي ناشر، بوسعه أن يفاوضه من موقع القوة، لولا وجود القارئ الجاهل الذي يدعم الناشر ضد المترجم . لو أن القارئ يرفض الترجمات الرديئة والمعيبة والمتعجلة، لو أنه يمتنع عن شراء ترجمات المبتدئين والدخلاء والهواة، لما استطاع ناشر أن يفرض شروطه المجحفة علي مترجم جيد. لكن بسبب بعض القراء الجهلة ممن يشترون أي ترجمة، تستطيع دار أن تصدر عشرات الروايات المترجمة مستعينة بطلبة أو خريجين جدد يحتاجون في أحسن الحالات إلي تدريب طويل علي الترجمة. وبسبب هؤلاء القراء يندر الآن أن تجد من يترجم إلا الروايات. وبسببهم، لا يبالي أغلب الناشرين بعرض مخطوطات الترجمة قبل النشر علي مصححين يضبطونها نحوا وصرفا وإملاء. وبسبب القراء الجهلة يتحول غير المترجمين إلي مترجمين، فمترجمين كبار، فمراجعين، فمأساة تامة الأركان... ويتحول النصابون إلي ناشرين فناشرين أثرياء فمسئولين في لجان تخطط للعمل الثقافي، فكارثة. وهكذا، بسبب القراء الجهلة، نتحول جميعا بمرور الوقت إلي قراء جهلة. والحل في تقديري ليس إلا مظلة من القوانين، تحدد السعر العادل للترجمة أولا، وتحدد حق المترجم (والكاتب عموما) في كل نسخة تباع من كتاب له، وتفرض علي الناشر وعلي المطبعة رقابة تضمن الشفافية في عدد المطبوع وعدد المبيع من النسخ. نحن بحاجة أيضا إلي ما يشبه جهاز حماية المستهلك نلجأ إليه كلما دفعنا عشرات بل مئات الجنيهات في كتاب ثم تبين أنه لا يحقق معايير الكتاب الجيد. نحن ببساطة بحاجة إلي قانون، وسيادة للقانون، وطبعا، كما نعلم جميعا، سنظل في مصر إلي الأبد بحاجة إلي القانون وسيادة القانون.