لو احتكمنا إلي الظاهر، ستبدو الترجمة من اللغات الأجنبية إلي العربية مزدهرة بدرجة ملحوظة مقارنةً بالماضي، فعدد العناوين المترجمة سنويًا في ازدياد وكثير منها مترجم عن اللغة الأصلية مباشرةً ورقعة اللغات المترجم عنها اتسعت، بحيث باتت تشمل لغات كانت مهمشة في السابق من دور النشر العربية. لكن لو دققنا في التفاصيل، سنكتشف نواقص ومشكلات عديدة، ولا أقصد هنا المشكلات القديمة الخاصة بغياب التنسيق بين دور النشر والهيئات المسؤولة عن الترجمة، ما يؤدي إلي ظهور أكثر من ترجمة للعنوان الواحد في بعض الأحيان، بل ما يعنيني هو أن معايير الاختيار تغيرت، وتراجع مستوي كثير من الأعمال المختارة كثيرًا عمّا اعتدناه. فمع كل عيوب الترجمة إلي العربية في العقود السابقة، كان هناك عُرف مفاده أن الاحتكام ينبغي أن يكون لمعايير أدبية وفنية في الأساس، حتي إن اختلفنا مع ذائقة هذا الناشر أو ذاك، كانت العادة أن الناشرين يختارون بناءً علي معايير يتوقعون أنها سوف تجذب القراء، من قبيل أهمية العمل أو شهرة كاتبه أو حتي الجوائز المرموقة التي حصل عليها. الآن، ومع كثرة منح دعم الترجمة، التي تقدمها معظم دول العالم للتعريف بآدابها، بات الفيصل في تحمس الناشرين لترجمة كتاب بعينه هو: هل هناك منحة لترجمته أم لا؟! ثمة بالطبع كتب جيدة ترجمتها مدعومة، لكن في مقابلها سوف نجد كتبًا عادية أو ربما ضحلة تُترجم فقط لوجود دعم مادي لترجمتها. يحدث كثيرًا الآن أن يقترح مترجم علي ناشر ما عنوانًا معينًا، فيرد الناشر أنه سوف ينشره فقط في حالة وجود دعم للترجمة. لا أحد يمكنه لوم الناشرين بسبب رغبتهم في الربح المادي في ظل ظروف اقتصادية صعبة وقوانين لا تدعم صناعة النشر بدرجة كافية، لكن من الممكن المواءمة بين الرغبة في الربح والحرص علي اختيار عناوين مهمة تضيف ترجمتها إلي المكتبة العربية، وهناك بالفعل بين الناشرين من ينجح في هذا، لكنهم للأسف حالات فردية وسط طوفان يميل إلي الاختيارات العشوائية والاعتماد علي الكم وليس الكيف. ويكفي للتأكد من هذا، إلقاء نظرة مدققة علي أجنحة دور النشر المصرية والعربية في معرض القاهرة الدولي للكتاب المقام حاليًا، والذي خصصنا »بستان الكتب» في هذا الشهر لتسليط الضوء علي عدد من الإصدارات الحديثة المتوفرة في المعرض.