»وفي ظل الموجات العاتية من الكذب والخداع والتضليل، سقطت العديد من الدول وتشردت العديد من الشعوب،...، واصبحت سوريا وليبيا واليمن مجرد اطلال ممزقة، تتنازعها عصابات ارهابية وميليشيات مسلحة». في يقيني اننا لانكشف عن مفاجأة، ولا نزيح الستار عن اشياء مجهولة أو مخفية، إذا ما قلنا أن العالم ملئ بالعجائب والغرائب والمتناقضات والأكاذيب ايضا،..، ففي الوقت الذي يرفع فيه البعض لواء الشعارات الرائعة والمبادئ السامية، ويعلنون بكل ثقة وتأكيد تمسكهم بها والتزامهم الذي لايحيد عنها، سلوكا ومنهجا لحياتهم وتصرفاتهم ومعاملاتهم مع الحياة والناس. اذا بهم في الحقيقة والواقع لايفعلون ذلك ولايقومون به، ولكنهم يتعاملون مع هذه الشعارات بكونها لباس الضرورة ولزوم الحاجة لمظهر خادع، يوفر لهم ما يحتاجونه من انطباع وأثر مطلوب لتحقيق مصالحهم والوصول لأهدافهم. وفي هذا السياق نري انماطا كثيرة ونوعيات متعددة من البشر، يتقمصون شخصيات وصفات مخالفة لما هم عليه بالفعل،..، بل وقد تكون مناقضة تماما لشخصياتهم الحقيقية، ومضادة لها علي طول الخط ولاتتوافق علي الاطلاق مع صفاتهم الذاتية،..، فنري اللص يدعي الشرف، والجبان يصف نفسه بالشجاعة، والمنافق يتغني بالصدق، والفاسق يلبس لباس الورع والتقوي،..، وهكذا. زيف.. وخداع واذا كان هذا قائما وموجودا للأسف في الحياة العامة وبين البشر العاديين في كافة المجتمعات الانسانية بطول وعرض العالم، فإنه بالقطع اكثر فجاجة وظهورا في عالم السياسة، حيث المصالح تحكم وتتحكم في الجميع،..، إلا من رحم ربي. وفي هذا الإطار، نجد أن حجم وكثرة واتساع وتعدد العجائب والغرائب في عالم السياسة كثيرة جدا، وهي لكثرتها لم تعد في نظر الجميع عجيبة أو غريبة، بل اصبحت فعلا متوقعا بل ومنتظرا ايضا،..، أما المتناقضات والاكاذيب في هذا العالم، فهي الأكثر انتشارا ورواجا. وإذا ما نظرنا إلي الواقع السائد علي الساحة السياسية،..، ليس الآن فقط، بل منذ زمن طويل يعود الي نشأة الدول والممالك والحكام والسياسيين، نجد أنه بات مألوفا ان يتحدث هؤلاء أو بعضهم علي الأقل، عن الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان، ثم نراهم للأسف يفعلون غير ذلك تماما،..، حيث نراهم يستخدمون هذه المباديء السامية والكلمات الرنانة مطايا لتحقيق اغراض أخري، والوصول لمآرب بعيدة كل البعد عن حزمة الشعارات الملتهبة التي يرفعونها. وهناك في كل زمان وفي كل مكان اكثر من دليل دامغ علي هذا السلوك الملتوي، في نظر الأسوياء الطيبين وذوي النيات الحسنة والمقاصد النبيلة، الذين اعتادوا علي أخذ كل ما يقال علي محمل الصدق، دون فرز أو تمحيص. عنف.. وفوضي ولعل أكثر الأمثلة الدالة علي ذلك ما حاق بالمنطقة العربية كلها، جراء ما جري وما كان في الاحداث التي وقعت في 2011، وما تلاها من أعوام عجاف، وما جري فيها من عنف وفوضي ودمار وخراب، تحت شعارات زائفة ومسميات كاذبة، صدقها البعض وانساق وراءها البعض الآخر، دون ادراك للكم الهائل من الخداع والتضليل الذي تحتويه هذه الشعارات وتلك المسميات، ودون أن ينتبهوا الي الهاوية التي يساقون اليها، ودون الالتفات الي الشرك الذي يندفعون نحوه دون رؤية أو بصيرة. وفي ظل الموجات العاتية من الكذب والخداع والتضليل، سقطت العديد من الدول وتشرذمت وتشردت العديد من الشعوب، واصبحت سوريا وليبيا واليمن أثرا من بعد عين، ومجرد اطلال ممزقة تتنازعها قوات أجنبية وميليشيات وعصابات ارهابية، بعد ان كانت دولا ذات سيادة، قبل ان تحيق بها مؤامرة الدمار الكبري في 2011. عام البؤس وإذا ما عدنا بالذاكرة الي الوراء قليلا، وحاولنا معا العودة الي ذلك الذي أحاط بالمنطقة كلها في هذا العام البائس بالنسبة للعرب 2011، والذي يستحق بالفعل هذا الاسم وتلك التسمية، نظرا لما تسبب فيه من بؤس للعديد من الدول والشعوب العربية، في ظل المؤامرة التي كانت قد حيكت واكتملت خطوطها وأهدافها في ليل شديد السواد، بين قوي الشر الاقليمية والدولية، التي رأت ضرورة تغيير الخريطة العربية التي كانت سائدة ومستقرة منذ الحرب العالمية الثانية وحتي الأمس القريب، وبين جماعات وقوي الظلام والضلال والارهاب والتكفير الاقليمية وتنظيمها الدولي، التي رأت في التآمر الفرصة المتاحة للتمكين والسيطرة علي كراسي السلطة والحكم في المنطقة كلها، وعموم العالم العربي بامتداده من المحيط غربا وحتي الخليج شرقا، مستغلة في ذلك قدرا كبيرا من الغفلة وسوء الإدارة والحكم وانتشار حالة مرضية من الضعف القومي العام في كثير من البلاد العربية، بالاضافة الي قدر ليس بالقليل من الغفلة وعدم التنبه والإدراك لحقيقة طبيعة واهداف هذه الجماعات، وخطورتها علي الدولة الوطنية، ورغبتها المخفية والكامنة في تحطيم واسقاط الدول والقبض علي مصائر الشعوب. تحالف إجرامي وفي ظل هذا التحالف المؤثم والإجرامي، اتفق الطرفان علي السعي أولا لإسقاط الدولة المصرية باعتبارها جوهرة التاج العربي والدرع الحامي للشعوب العربية والسيف الذي لابد من تحطيمه أو إسقاطه أو نزعه حتي يمكن التهام العالم العربي من بعده وفي غيبته. هكذا.. كان التصور، وهكذا كانت المؤامرة وعلي هذا النسق جرت الاحداث متسارعة قبل نهاية يناير من العام 2011،..، وجري ما جري من متوالية العنف والفوضي الإجرامية غير الخلاقة، التي نشروها في ارجاء مصر، وأغرقوا فيها كل شوارع وحواري وأزقة المحروسة وكل المحافظات والمدن والقري بطول البلاد وعرضها،..، ولكن الله كان لهم بالمرصاد، وتنبه الشعب إلي سوء ما يفعلون وأدرك بوعيه التاريخي ضلال مايقولون وكذب مايدعون، وسواد ما يضمرون من شر للوطن والدولة،..، فكانت ارادة الشعب وهبته القوية ضدهم ورفضه الكامل لوجودهم، وثورته العارمة عليهم واصراره علي الخلاص منهم،..، ومطالبته لجيش الشعب بتنفيذ هذه الارادة، والانتصار للشعب.. وهو ماكان بالفعل. الخروج العظيم ولو تمهلنا قليلا في استرجاعنا للماضي القريب، وتوقفنا مليا أمام ما جري في تلك اللحظات الفارقة من حياة مصر في يوم الثلاثين من يونيو 2013 لوجدنا انفسنا في مواجهة حدث جلل بكل ما تعنيه الكلمة من معني. وللحقيقة والتاريخ فإن ما جري في مصرلم يكن مسبوقا من قبل في حياة الشعوب والدول وايضا الجيوش، حيث لم يشهد التاريخ من قبل خروجا بهذا الحجم وذلك الحشد من الملايين من ابناء شعب من الشعوب، الي شوارع وميادين وازقة ودروب كافة المدن والقري بطول وعرض وطنهم ودولتهم، للتعبير عن رأيهم والاعلان عن قرارهم الممثل لإرادتهم الحرة في اي شأن من الشئون أو أي أمر من أمور دنياهم وشئون حياتهم. لذا نقول بكل الوضوح ان ما شهدته مصر في يوم الثلاثين من يونيو عام 2013، من خروج هائل وحاشد للملايين من أفراد شعبها، بكل فئاته واعماره ومستوياتهم الاجتماعية والثقافية سيظل حدثا مشهودا في تاريخ الأمة المصرية،..، وايضاسيظل رد فعل الجيش المصري وامتثاله الأمين وانحيازه الكامل لإرادة الشعب، حدثا فريدا في تاريخ الجيوش، ومثالا حيا علي الانتماء الكامل من هذا الجيش لشعبه ووطنه ودولته، وتعبيرا صحيحا عن ولائه المطلق للشعب وتنفيذه الدائم لإرادته الحرة، في الخلاص من حكم أسود، كان يسعي بكل الخسة، والجهل وسوء القصد وفساد الطوية، الي السقوط بالوطن والدولة في غياهب الفوضي والعنف والضياع والتفكك والحرب الأهلية والانقسام. مخطط الشر وانطلاقا من ذلك، نقول أن ما شهدته مصر والمنطقة، من احداث ووقائع طوال السنوات القليلة الماضية وحتي الآن، وما نجم عنها من تفاعلات وتطورات، وما أدت اليه من نتائج، كانت ولاتزال في اطار مواجهة ذلك المخطط الساعي لتغيير خريطة المنطقة كلها، في ظل ذلك التحالف البغيض، بين قوي الشر الاقليمية والدولية، وجماعات التطرف والارهاب المحلية والاقليمية وتنظيمها الدولي، للسيطرة علي المنطقة العربية كلها تحت وهم امكانية اعادة الزمن الي الوراء، وعودة دولة الخلافة مرة أخري من غياهب التاريخ. والقراءة الموضوعية للاحداث التي شهدتها المنطقة من حولنا، تؤكد بما لايدع مجالا للشك بأن ما جري وما حدث لم يكن من قبيل الصدفة علي الاطلاق، بل انه جري في اطار هذا المخطط المعد مسبقا ومع سبق الاصرار والترصد. بل اننا لانتجاوز الواقع اذا ما قلنا، ان هذا المخطط كان جاهزا للتنفيذ قبل وقوعه بعدة سنوات، وكان واضعوه والمخططون له ينتظرون ويتحينون الفرصة لبدء التنفيذ. وعلي من يتشكك في ذلك، ان يعود لتصفح وقراءة الاوراق والابحاث والتصريحات الصادرة عن الادارة الامريكية، في فترة الرئيس الامريكي »بوش الابن» وما اعلنته وزيرة الخارجية »كوندي ليزا رايس» في ذلك الوقت، قبل واثناء وبعد الغزو الامريكي للعراق، حول الفوضي الخلاقة وولادة الشرق الاوسط الجديد، علي انقاض الانهيارات والتدمير الذي من المقرر أن يصيب المنطقة العربية كلها. قراءة موضوعية ولكني احسب في ذات الوقت ان القراءة الموضوعية تتطلب منا أن نؤكد علي أمر بالغ الأهمية، وهو أن التخطيط المسبق لإحداث تدمير شامل أو تغيير شامل للوضع العربي الذي كان قائما، واستبداله بوضع آخر يتوافق مع الرؤية الأمريكية.. لاينفي ولايلغي علي الاطلاق، ان ماجري وما حدث ما كان له ان يحدث أو يجري دون وقائع وظروف اقليمية ومحلية أدت اليه وساعدت علي حدوثه،...، ودفعت لوقوعه.