1 جاء العيد، بالطبع تعرف كيف يفرح الأطفال بالعيد، حينها ت كانت في العاشرة تقريباً، قبل أن يذهب والدها إلي صلاة العيد، بسطت كفها الصغير أمامه مطالبة بالعيدية، تفكر في الألعاب التي ستشتريها، والحلوي التي تشتهيها، لم يخطر في بالها أنه يفترض هو من يبادر بذلك، ثم يقبلها مثلاً، طفلة لم ترِ سوي فرحتها، تخيل أن نظر والدها بعبوس نحوها، أدخل كفه الضخم في جيب جلبابه، أمسك حافظة نقوده ووضع بها خمسة وسبعين قرشاً!! ذلك في عام 2003ماذا تحقق هذه القروش لتلك الصغيرة؟ وممن تطلب؟ قالت أنها تريد المزيد، تركها وخرج، قابضة القروش وقلبها منقبض وبكت. منحتها والدتها خمسة جنيهات كاملة، رجتها أن تمسح دموعها، وتقضي يوم العيد بفرح، مشطت شعر صغيرتها كما تحب، التقت بصديقاتها، ذهبن إلي المقابر فتلك عادة القري في كل عيد، هناك وجدت ت والدها بين الرجال، يعطي طفلاً من أبناء القرية ثلاثة جنيهات كاملة! اقتربت وسمعت آخر ما قاله والدها: -. .. لله، فأبوه رجل فقير. رد الرجل الواقف في قبالته: - بارك الله فيك يا حاج، ت ازيك يا بنت الغالي. هكذا صاح عندما رآها علي بعد خطوتين منهما، سلمت عليه، واستغلت الفرصة قائلة: - نسيت تديني العيدية يا بابا. بدا مبتسماً ومنحها ثلاثة جنيهات، أخذتها بقلب محطم، شعرت بأن الأموال ليست لها، بل من أجل نظرة الرجل الواقف بجوارها. 2 ت تلميذة مجتهدة جداً، تعرف الطالبة التي تبكي نقصان درجة أو نصف درجة عن النتائج النهائية أنها ت بالضبط، كما تعرف نجعها بسيط ومعدم تقريباً، أندهش المدرسون بنجاح ت، لم تدرِ هي في حينها، وحتي الآن أنا لا أعرف لماذا قوبل اجتهادها بتلك الطريقة المحطمة؟ التحقت بالصف الأول الإبتدائي وهي حافظة للحروف والأرقام، وتكتب بعض الكلمات القصيرة، في الصف الثالث طلب منها المدرس ص أن تخرج إلي السبورة، قامت بفخر وأمسكت الطابشور، صدمت لما طلبه قال اكتبي: اللؤلؤ يتلألأ. ثم ضحك بخبث من حيرتها. كتبت ذات التسع سنوات ال بخط صغير، تردد بالهمس بالكلمات محاولة الوصول إلي الحروف الصحيحة كما أخبرتها والدتها، لكن دون جدوي، قال المدرس حتي يزيد ارتباكها: - ح تعرفي تكتبيها ولا أجيب لك حد من سنة تانية؟ ابتلعت ريقها، دخل مدرس التربية الدينية كانت معاملته جيدة، تمنت أن ينهي هذا الموقف، تهجي حروف الكلمات المطلوبة بصوته الخشن: ال..ل..ؤ..ل..ؤ ي..ت..ل..أ..ل..أ رأت في عيني ص لمعة غريبة ولم تستوعبها. بينما أنا بنضجي حالياً أفكر لماذا وضع نفسه نداً لتلك الطفلة؟ اجتهادها لماذا كان يستفزه؟ تعرف يا صديقي لم يكتفِ بهذا الموقف بل بعدها بشهور، كانت ت تقف مع صديقتها علي حافة الدرج، تخيل ماذا فعل أزاحها بقدمه، وقعت بالطبع وتدحرجت علي الدرج حتي نهايته، بكت بحرقة، بأي ذنب ضربت؟ جميعنا لا نعرف! في المنزل أخبرت والدتها كان والدها مسافراً في رحلة علاجية، لجأت الوالدة إلي عمها، في الصباح كان معها في المدرسة يصيح ويتشاجر ويسأل عن هذه الهمجية والعنف والعجيب أنه لأنجب تلميذة في المدرسة! اعتذر مدير المدرسة، وكان ص غائباً، أخبر عمها أن في حالة تقديم شكوي إلي الإدارة التعليمية سيتضرر المدرس ولديه أسرة وأطفال، هدأ العم ومرر كفه علي رأس ت وطلب منها الذهاب إلي فصلها، ذهبت والشعور بالغصة لم يذهب. مدرسة ت تشمل الإبتدائية والإعدادية، حين تخرجت في الإعدادية بتفوق كالعادة، كان ص موجوداً، طلبت التحدث إليه، وافق بابتسامته السمجة. - فاكر يا أستاذ، لما كنت في تالتة ابتدائي وأنت وقعتني علي السلم من غير سبب، أنا مش مسامحاك من ساعتها، ولأني ماقدرش اوقعك كمان، ح اقول لربنا في الآخرة عشان يأخد حقي، شوف ح تكفر عن غلطتك إزاي، أن... عجزت عن استكمال حديثها، فتحت عينيها أكثر حتي لا تسقط دموعها. ارتبك المدرس وقال أنه فخور بها ولم يكن متعمداً في ذلك. مضت قبل أن ينهي حديثه، ومسحت وجهها بظهر كفها، تعجبت صديقتها من تلك الجرأة، قاطعتها ت بقول:" ده أقل من حقي". بعد سنوات من تلك الواقعة ت صارت كاتبة يا عزيزي، هل حكايتي تشعرك بالملل؟ أسمع هذه النقطة من أجلي الآن، أتي مراسل إحدي القنوات الفضائية الشهيرة لإجراء تحقيق عن ت وبيئتها، كما توقعت وذهبا إلي مدرستها، الغريب في الأمر أن معظم المدرسين كما هم، ممتاز يا صديقي ص معهم كما ظننت، تحدث المراسل مع بعضهم ولعبت ت مع الأطفال، اصطفوا حول بعضهم لأخذ صورة جماعية، ص واقف علي بعد مترين تقريباً، ناداه المراسل حتي ينضم إليهم، أقدم بخطوة أو خطوتين، صاحت ت: لا مش عاوزاه في الصورة. - مش المدرس بتاعك ت. - أيوه، وذكري وحشة مش حابة افتكرها. تعرق وأحرج ص وصعد الدرج الذي أسقط ت من فوقه من سنوات. شعرت ت بالخفة وضحكت وذهبت الغصة أخيراً.