أثبتت الدراسات والبحوث العلمية التي تمت في عدد من الدول النامية أن هناك علاقة وثيقة بين التغذية وقدرة التلاميذ علي التركيز والاستيعاب والتحصيل في المراحل الدراسية المختلفة وأن نسبة من حالات الرسوب ترجع إلي حد كبير إلي سوء التغذية مما استدعي وضع سياسات غذائية تم ربطها بالعملية التعليمية في المرحلة المدرسية من الحضانة إلي الثانوي وهي المرحلة التي يكون فيها التلاميذ في حالة نمو جسماني وعقلي بالإضافة إلي أنها أيضاً مرحلة تشتد فيها الحركة والنشاط وهو ما يتطلب طاقة مصدرها الوحيد هو الغذاء السليم الذي يحتوي بالضرورة علي عناصر البناء بالإضافة إلي عناصر الوقاية حيث أنها أيضاً مرحلة يتعرض فيها التلاميذ للأمراض المعدية نتيجة التجمع في الفصول أي أنها فئة عمرية تمر بمرحلة حساسة لدرجة كبيرة يجب رعايتها بدقة شديدة لتجنب المضاعفات التي تنشأ نتيجة سوء التغذية ومنها تأخر النمو الجسماني والعقلي وقلة التركيز والإرهاق وضعف القدرة الإنتاجية... الخ، بالإضافة إلي أنه في حالة الإناث أمهات المستقبل تؤثر بعض مضاعفات سوء التغذية كالأنيميا مثلاً ليس عليهن فقط بل علي الجيل التالي. هناك دراسات عديدة تمت في مصر علي تلاميذ المرحلة الابتدائية باستخدام مؤشرات النقص الغذائي المتعارف عليها، أوضحت أن متوسط الأوزان يقل عن مثيله في الدول المتقدمة وكذلك الطول بالإضافة إلي الإصابة بالأنيميا وغير ذلك من مضاعفات النقص الغذائي يلزم التصدي لها وهو ما أثار ضرورة وضع سياسة غذائية وربطها بالعملية التعليمية وكذلك ربطها بظروف كل محافظة. وفعلاً بدأت الدولة في تنفيذ بعض البرامج تحت عنوان »التغذية المدرسية». كانت أغلب هذه البرامج تعتمد أساساً علي مشروعات ومعونات مقدمة من جهات ومنظمات دولية تعمل في هذا المجال. تعثرت هذه البرامج إلي حد كبير مما أدي إلي الوضع الحالي الذي يحتاج إلي إعادة النظر وتبني سياسة غذائية وطنية تأخذ في الاعتبار جميع الأبعاد والمقومات ذات الصلة. إن إغفال التغذية المدرسية يعتبر بمثابة مخاطرة لها آثار سلبية كبيرة. فبالإضافة لما تقدم ذكره من مخاطر صحية فإن هناك بعداً اقتصادياً يتمثل في خسارة الدولة بما ضاع من موازنة التعليم نتيجة لرسوب التلاميذ وإعادة السنة الدراسية ومن موازنة وزارة الصحة نظير مواجهة الخدمات الصحية، هذا بالإضافة إلي الخسارة الأكثر حدة التي تتمثل في فقدان نسبة من طاقة بشرية لو تم إعدادها بالصورة المرجوة سيعود ذلك بالإيجاب علي عملية التنمية وتقدمها.. يحتاج الأمر إلي وضع إستراتيجية شاملة تربط سياسات التغذية بالسياسات التعليمية واعتبار التغذية عنصراً أساسياً من عناصر العملية التعليمية يعتمد أساساً في تمويل برامجه علي موازنة الدولة وليس علي مصادر تمويل غير دائمة. وفي سبيل تحقيق سياسة غذائية رشيدة يحتاج الأمر إلي الاستمرار في قياس معدَّلات النمو الجسماني والعقلي لتلاميذ المدارس باستخدام المؤشرات العلمية المتعارف عليها دولياً. كما يجب تحديد نوع الوجبة المقدمة للتلاميذ بدقة شديدة لضمان احتوائها علي العناصر اللازمة بما يتناسب والفئة العمرية من ناحية ومن الظروف الصحية لتلاميذ كل منطقة في أقاليم الجمهورية من الناحية الأخري، والأخذ في الاعتبار الفرق بين الإطعام والتغذية...فالتغذية هي إمداد الجسم بالاحتياجات الفعلية للعناصر الغذائية اللازمة، أما الإطعام هو الامتلاء دون النظر إلي مكونات الطعام. إن برنامج التغذية المدرسية ليس بالمهمة السهلة فهو يشمل عدة أنشطة منها أنشطة إعداد الوجبات بالمواصفات الدقيقة وأنشطة أخري لتوصيل هذه الوجبات إلي المدارس بالإضافة إلي أهم هذه الأنشطة وهو ضمان توزيعها علي التلاميذ وهو ما يستدعي وضع نظام محكم تحت إدارة رشيدة، ولعله من الضروري أن تكون هناك جهة واحدة مسئولة عن تنفيذ هذا البرنامج حتي لا تتناثر المسئولية بين عدة جهات.. إن برنامج التغذية المدرسية ليس ترفاً بل هو عنصر هام من عناصر العملية التعليمية يهدف إلي تحسين معدلات النمو الجسماني للتلاميذ ورفع مستوي الادراك والتركيز والفهم والتحصيل، وهو ما يتيح تعظيم الاستفادة من العملية التعليمية ويشكل ضماناً لنجاحها.