ثروت عكاشة في مكتبته كنوز كثيرة متاحة الآن أمام زوار دار الكتب بباب الخلق، ليس فقط المصاحف والبرديات والمخطوطات النادرة، بل مجموعة من المكتبات الخاصة بأفراد لهم مسيرتهم المتفردة في الثقافة المصرية والإنسانية، ومن هؤلاء د. ثروت عكاشة وزير الثقافة الأسبق، الذي منحت أسرته منذ أعوام دار الكتب جزءا من مكتبته، التي تم توزيعها علي ثلاثة أماكن: دار الكتب، مكتبة الإسكندرية، المكتبة المركزية بجامعة القاهرة. ففي الصالة الأساسية لدار الكتب بباب الخلق، توجد حاليا هذه المكتبة، التي تعد بمثابة مكتبة متكاملة، تحوي إصدارات في مختلف أنواع المعارف والفنون، بما يؤكد التكوين الرفيع لهذا الموسوعي، الذي لعب أدوارا كبيرة في مسيرة الثقافة المصرية، فهو واحد من البنائين العظام الذين أسهموا بجهدهم في تشييد البنية التحتية للثقافة المصرية، وتكشف هذه المكتبة عن سر هذا التفرد. في هذه الأيام تمر الذكري السابعة لرحيله في 27 فبراير 2012، وفي هذه الذكري نستعيد مجموعة من قيم استنارته وتوهجه، وقراءة مضمون هذه المكتبة، يساعدنا علي التقرب بعمق من فهم هذه الشخصية، الممتدة العطاء طيلة حياتها، هذا العطاء الذي يرتكز علي قيم كثيرة، منها بجانب الاعتزاز بالنفس، السعي إلي تعليم الآخرين، لاسيما الأجيال الشابة، وكذلك تذكيرهم بتاريخهم بلا محاولة لتجميل هذا التاريخ، بل بسرد الحقائق، وربما تكون مقدمته لكتاب »إنسان العصر يتوج رمسيس.. مسيرة الحملة الدولية لإنقاذ آثار النوبة» وهو الكتاب الذي أصدره المجلس الأعلي للآثار في عام 2008، بتصدير للدكتور زاهي حواس، وبمقدمة للدكتور ثروت عكاشة كتبها في 18 فبراير 2007، وكان عمره وقتها يقترب من ال 86 عاما، وفي هذه المقدمة يتوجه للشباب ليتعرفوا علي الجهد الكبير الذي بذل في سبيل الحفاظ علي آثارنا وتاريخنا وحضارتنا، فقد جاءت هذه المقدمة وثيقة في حد ذاتها عن واحدة من أهم المجهودات الصادقة التي بذلها ثروت عكاشة في خدمة الثقافة، فيكتب: »في عهد حكومة ثورة يوليو المجيدة، كانت لوزارة الثقافة المصرية جهود ذات شأن في ترسيخ كيان الثقافة المصرية علي أسس ودعائم متينة، ولعل أبرز هذه الجهود وأبقاها، هو انطلاق الحملة الدولية لإنقاذ آثار النوبة من الغرق في مياه السد العالي.. تلك الحملة التي كانت باكورة التعاون الدولي في منظمة اليونسكو الدولية. في هذا الكتاب أسجل بكل أمانة دوري، بل دور وزارة الثقافة المصرية بأكملها، أسجل تلك الحملة الخالدة ودفعها قدما حتي بلغت هدفها المنشود، ولم تدفعني إلي هذا السجل رغبة في الثقافة أو استجلاب الثناء، إنما دفعتني إليه حقيقة نية صادقة في تعريف الأجيال الجديدة الناشئة من بني الوطن، والتي لم تعاصر تلك الأيام، بإنجازات وطنية فريدة، يشرفون بها، لاسيما وأن كثيرا ممن شاركوا في هذا الإنجاز الضخم سواء كانوا مصريين أو أجانب، لم يعنوا بكتابة تاريخ أحداث هذا المشروع الجليل، قد رأيت مؤخرا أن أعيد إصدار كتابي هذا في طبعة ثانية منقحة وموثقة بالصور والشهادات، بعد ثلاثين عاما من صدور طبعته الأولي، وقد كنت أدمجته من قبل في سيرتي المسماة »مذكراتي في السياسة والثقافة» ولكن لما اقتضت الضرورة طبعه مستقلا، فقد أعدت فصله علي هذا النحو لنشره من جديد في كتاب قائم بذاته، بغرض إبراز الحقيقة، التي سعت بعض النفوس إلي تشويهها بدافع من عوامل نفسية ناقصة، كما أضفت إليه فصلا آخر عن جهودي في إنقاذ مدينة فينيسيا، بعد أن هددتها الأخطار وأنذرت بهلاكها، وذلك ليعلم الجميع أن مصر التي امتدت إليها الأيدي ذات يوم، لتنقذ آثارنا، كانت علي أتم استعداد لترد الجميل في أي وقت، يتاح لها أن تفعل ذلك». لم يكن هذا الكتاب بهذه المقدمة التي تختزل صفات عكاشة من قوة في العمل الإداري، وإلمام بتفاصيله ورغبة صادقه في توثيقه من مختلف النواحي، والعمل دائما علي رفع شأن البلاد، هي فقط التي جعلتني أشعر بوجود عكاشة القوي في المكان، بل لحسن حظي تمكنت من الاطلاع علي خط يده، وذلك خلال تصفحي لكتاب »ابن عربي .. حياته ومذهبه» ل أسين بلاثيوس، ترجمه عن الأسبانية عبد الرحمن بدوي، عندما وجدته يكتب تعليقات في هوامش هذا الكتاب، وربما يكون الكتاب الوحيد في المكتبة الذي وجدت فيه تعليقات ووضع خطوطا تحت جمل بعينها، فمن التعليقات التي كتبها في ص 148، تعليقا علي هذه الفقرة: »ولهذا التطهير ثلاث مراتب عند ابن عربي وهي: 1- تزكية النفس، 2- تصفية القلب، 3- تحلية الروح وللوصول إلي المرتبة الأولي لابد من التوبة وقهر الهواء، وللوصول إلي المرتبة الثانية لابد من الخلوة والذكر، وللوصول إلي المرتبة الثالثة يكفي الإيمان الصوفي، الذي يفتح أبواب الروح للإلهامات العلوية»، وقد كتب عكاشة في الهامش: 1- التوبة، 2- خلوة الذكر، 3- إيمان صوفي. تستطيع أن تقسم هذه المكتبة إلي قسمين أساسيين، القسم الأول يضم مؤلفاته، لاسيما كتبه الهامة في مجال الفنون: الفن البيزنطي، الفن الصيني، الفن المصري القديم، الفن الروماني، فنون عصر النهضة، موسوعة الفنون الإسلامية، مارك شاجال، وكذلك كتبه القيم الجمالية في العمارة الإسلامية، تحقيق كتاب المعارف لابن قتيبة، المسرح المصري القديم ومذكراتي في السياسة والثقافة. أما القسم الثاني فيحوي الكتب التي اقتناها خلال مسيرته، وتعكس مدي موسوعيته، وقراءته في مختلف المجالات، ومن هذه الكتب: الأعمال الكاملة ل أحمد شوقي، الأعمال الكاملة ل نجيب محفوظ، سلسلة أعمال الفكر العالمي، سلسلة مؤلفات عبد الوهاب المسيري ومنها موسوعة »اليهود واليهودية والصهيونية»، و»الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ»، »بصراحة عن عبد الناصر .. حوار مع محمد حسنين هيكل» فؤاد مظهر، »فؤاد الأول.. المعلوم والمجهول» د.يونان لبيب رزق، »تاريخ الفكر المصري الحديث» د.لويس عوض، »حكاية المؤسسة» جمال الغيطاني، »العلم والشعر» تأليف أ. أ. ريتشاردز، ترجمة د. مصطفي بدوي، راجعه د. سهير القلماوي، سلسلة مطبوعات »كتابي»، مؤلفات د. شوقي ضيف، وكذلك الكتاب الذي أصدرته عنه دار سعاد الصباح بعنوان »وردة في عروة الفارس النبيل»، وفيه مجموعة من الدراسات عن مسيرته ورحلته في العمل العام. وفي هذا القسم الثاني نجد مجموعة من الكتب، حرص مؤلفوها علي إهدائها لصاحب »مذكراتي في السياسة والثقافة»، ففي 2 / 3 / 1966 يهديه الفيلسوف المصري الراحل د. عبد الرحمن بدوي ترجمته لكتاب »ابن عربي.. حياته ومذهبه» ل أسين بلاثيوس، فيكتب له بدوي: »إلي سيادة الدكتور ثروت عكاشة.. مع أصدق إعجابي وتقديري لأدبه المتميز وثقافته الرفيعة.. عبد الرحمن بدوي»، وهنا يركز بدوي علي الصفات الأساسية لعكاشة وهو تميزه في المجال الإبداعي والتكوين الثقافي لرجل تخرج في الكلية الحربية في عام 1939، ثم يحصل بعدها بسنوات، وتحديدا في عام 1951 علي دبلوم الصحافة من كلية الآداب جامعة فؤاد الأول، ودرجة الدكتوراه في الأدب من جامعة السربون بفرنسا 1960، أثناء شغله منصب وزير الثقافة في فترة ولايته الأولي »1958 1962». ويعود ثروت عكاشة مرة ثانية وزيرا للثقافة، عندما اختاره الرئيس جمال عبد الناصر ليكون وزيرا للثقافة ونائبا لرئيس مجلس الوزراء في الفترة »1966 1970»، وخلالها يهديه د.بطرس بطرس غالي كتابه »أزمة الدبلوماسية العربية» فيكتب له في يونيو 1968: »إلي الدكتور ثروت عكاشة.. وزير الثقافة.. مع أصدق الاحترام والتحية». وقد جمعهما معا مجلس الوزراء، وذلك عندما اختير د. عبد الوهاب البرلسي ليكون وزيرا للتعليم العالي في عام 1968، وكان وقتها ثروت عكاشة وزيرا للثقافة ونائبا للرئيس مجلس الوزراء، لذا يهديه كتابه »كنت وزيرا مع عبد الناصر» بقوله: »أخي الفاضل ثروت عكاشة، تحية طيبة وبعد، فقد فكرت في العام الماضي أن أكتب سيرة ذاتية بكل ما فيها من أحداث، فكان هذا الكتاب، الذي أهديه إليك راجيا قبوله». أما الأديب الكبير جمال الغيطاني، الذي جمعه بالدكتور ثروت عكاشة علاقات كبيرة، فيصفه بضمير الوطن الثقافي، في إشارة إلي ما يتمتع به من سمعة طيبة بين المثقفين علي وجه الخصوص، باعتباره صاحب إنجازات لا تخطئها العين في وزارة الثقافة، هذه الإنجازات التي كتب عنها عكاشة مجلدا ضخما وهو »مذكراتي في السياسة والثقافة»، وكان جيل الغيطاني ممن شاهدوا هذه الإنجازات علي أرض الواقع، فيكتب له علي رائعته »سفر البنيان»: »إلي ضمير الوطن الثقافي.. إلي أستاذنا ثروت عكاشة.. محبة دائمة ومودة إلي الأبد.. 28 / 11 / 1947». وعلي كتابه »غذاء المملكة.. دراسات في الأدب والثقافة» الصادر في كتاب الثقافة الجديدة، يكتب الروائي الكبير الراحل خيري شلبي: »إلي الرائد الأعظم للثقافة المصرية المعاصرة»، وقد استخدم شلبي »الأعظم» للدلالة علي مدي المكانة التي يتمتع بها عكاشة وسط أجيال مختلفة للثقافة المصرية، أدركت بعمق أهمية ومغزي أن يكون لدينا وزيرا للثقافة علي طراز ثروت عكاشة. كان وقتها يشغل رئيس قطاع الفنون التشكيلية، عندما أصدر الفنان التشكيلي الكبير أحمد نوار، كتابه »نوار عين الصقر» بمقدمة للواء عبد المنعم خليل، وتحرير د. سليمان العطار، وهو يدور حول القصص المختلفة التي تكمن وراء قنص نوار لعدد من الإسرائيليين، أثناء تجنيده في القوات المسلحة في فترة حرب الاستنزاف، وقد أهدي الدكتور عكاشة بهذا الإهداء: »إلي الأستاذ الدكتور الكاتب الكبير/ ثروت عكاشة.. بكل الإعزاز والتقدير والفخر أهديك كتابي هذا الذي يحمل جزءا غاليا من حياتي.. مع احترامي أحمد نوار 12 / 11 / 2002». ونيابة عن والدها تهدي د. آمال حلمي سلام كتاب والدها »فاروق .. وتصحيح التاريخ.. ما له وما عليه» الذي كتبت له المقدمة وقامت بإعداده، فيجيئ الإهداء: »إلي الأستاذ الكبير ثروت عكاشة.. فارس السيف والقلم، كما لقبه والدي.. مع خالص تقديري وأطيب تمنياتي. د. آمال حلمي سلام 14 / 4 / 2008». أما الفنان فريد فاضل، فيعرف مدي تعلق ثروت عكاشة بالنوبة، بل يعلم مدي ارتباطه أيضا - بالكتاب الذي يهديه إليه، فقد شجعه كثيرا علي إصداره، وهو ما حمله الإهداء من تقدير لقيمة ومكانة عكاشة، فدون فاضل علي كتابه »البحث عن النوبة»: »إلي رمز الثقافة في مصر الدكتور ثروت عكاشة، الذي كان تشجيعه لي أكبر حافز علي إنجاز لوحات وكتاب النوبة، أهدي عملي هذا راجيا لك وافر الصحة والسعادة وكل عام وأنتم بخير المخلص فريد فاضل». وعلي »هامش الرحلة» يهديه الدكتور أبو الغار كتابه بقوله: »الدكتور ثروت عكاشة مع خالص تقديري»، بينما يكتب له السفير جمال الدين منصور في إهداء كتابه »ثورة الجيش المصري.. وثائق الإعداد والتمهيد 1945 - 1952»: » إلي السيد الأخ الفاضل الدكتور ثروت عكاشة، مع فائق تقديري واعتزازي». الدكتور ثروت عكاشة صاحبة مسيرة طويلة في العمل العام، فقد عين رئيسا لتحرير مجلة التحرير 1952 1953، ثم ملحقا عسكريا بالسفارة المصرية ببرن ثم باريس ومدريد (1953- 1956) ثم سفيرا لمصر في روما (1957 1958) وزيرا للثقافة (1958- 1962)، رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي المصري (1962- 1966)، ونائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الثقافة (1966 1970).