الوكالة الدولية للطاقة الذرية تنفي وقوع ضرر بمواقع نووية إيرانية    طائرات الاحتلال تشن غارتين على شمال قطاع غزة    الوكالة الدولية للطاقة الذرية تؤكد عدم وقوع ضرر بمواقع نووية إيرانية    أفلام من كان وتورنتو وكليرمون فيران في مهرجان الإسكندرية للفيلم القصيرة 10    موضوع خطبة الجمعة اليوم بمساجد الأوقاف.. تعرف عليه    سعر الدولار بالبنوك أمام الجنيه اليوم الجمعة 19-4-2024 في مصر    عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الجمعة 19-4-2024 بالصاغة    رضا عبد العال: إخفاء الكرات بمباراة القمة كان في صالح الأهلي    الأهلي يختتم استعداداته اليوم لمواجهة مازيمبي الكونغولي    أخبار الأهلي : موقف مفاجئ من كولر مع موديست قبل مباراة الأهلي ومازيمبي    تشكيل يوفنتوس أمام كالياري في الدوري الإيطالي    أحمد شوبير يوجه رسالة غامضة عبر فيسبوك.. ما هي    الاستعلام عن الحالة الصحية ل9 أشخاص أصيبوا في انقلاب سيارة بالطريق الصحراوي    تشريح جثمان فتاه لقيت مصرعها إثر تناولها مادة سامة بأوسيم    تفاصيل الحالة المرورية في محافظات القاهرة الكبري.. الجمعة 19 أبريل    ضبط محاولة تهريب كمية من «الحشيش والماريجوانا» بحوزة بلجيكي بمطار الغردقة    أسعار البيض والفراخ في الأقصر اليوم الجمعة 19 أبريل 2024    "ستاندرد آند بورز" ‬تخفض تصنيف إسرائيل طويل الأجل إلى A+ على خلفية المخاطر الجيوسياسية    أحمد كريمة: مفيش حاجة اسمها دار إسلام وكفر.. البشرية جمعاء تأمن بأمن الله    صندوق النقد الدولي يزف بشرى سارة عن اقتصاد الدول منخفضة الدخل (فيديو)    رغم الإنذارين.. سبب مثير وراء عدم طرد ايميليانو مارتينيز امام ليل    بعد عبور عقبة وست هام.. ليفركوزن يُسجل اسمه في سجلات التاريخ برقم قياسي    مخرج «العتاولة»: الجزء الثاني من المسلسل سيكون أقوى بكتير    بعد تعليمات الوزير.. ما مواصفات امتحانات الثانوية العامة 2024؟    شريحة منع الحمل: الوسيلة الفعالة للتنظيم الأسري وصحة المرأة    طلب إحاطة في البرلمان لإجبار أصحاب المخابز على خفض أسعار "الخبز السياحي"    سوزان نجم الدين تتصدر تريند إكس بعد ظهورها مع «مساء dmc»    تقارير أمريكية تكشف موعد اجتياح رفح الفلسطينية    فاروق جويدة يحذر من «فوضى الفتاوى» وينتقد توزيع الجنة والنار: ليست اختصاص البشر    حظك اليوم برج العذراء الجمعة 19-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    هدي الإتربي: أحمد السقا وشه حلو على كل اللى بيشتغل معاه    مسؤول أمريكي: إسرائيل شنت ضربات جوية داخل إيران | فيديو    وعد وهنوفي بيه، الحكومة تحدد موعد إنهاء تخفيف أحمال الكهرباء (فيديو)    منهم شم النسيم وعيد العمال.. 13 يوم إجازة مدفوعة الأجر في مايو 2024 للموظفين (تفاصيل)    البابا تواضروس خلال إطلاق وثيقة «مخاطر زواج الأقارب»: 10 آلاف مرض يسببه زواج الأقارب    متحدث الحكومة: دعم إضافي للصناعات ذات المكون المحلي.. ونستهدف زيادة الصادرات 17% سنويا    محمود عاشور يفتح النار على رئيس لجنة الحكام.. ويكشف كواليس إيقافه    انهيار منزل من طابقين بالطوب اللبن بقنا    تعديل ترتيب الأب.. محامية بالنقض تكشف مقترحات تعديلات قانون الرؤية الجديد    #شاطئ_غزة يتصدر على (اكس) .. ومغردون: فرحة فلسطينية بدير البلح وحسرة صهيونية في "زيكيم"    والد شاب يعاني من ضمور عضلات يناشد وزير الصحة علاج نجله (فيديو)    انطلاق برنامج لقاء الجمعة للأطفال بالمساجد الكبرى الجمعة    الإفتاء تحسم الجدل بشأن الاحتفال ب شم النسيم    الجامعة العربية توصي مجلس الأمن بالاعتراف بمجلس الأمن وضمها لعضوية المنظمة الدولية    خبير عسكري: هجوم إسرائيل على إيران في لبنان أو العراق لا يعتبر ردًا على طهران    أحمد الطاهري يروي كواليس لقاءه مع عبد الله كمال في مؤسسة روز اليوسف    سكرتير المنيا يشارك في مراسم تجليس الأنبا توماس أسقفا لدير البهنسا ببني مزار    وزير الخارجية الأسبق يكشف عن نقاط مهمة لحل القضية الفلسطينية    دعاء السفر كتابة: اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السّفَرِ    دعاء للمريض في ساعة استجابة يوم الجمعة.. من أفضل الأوقات    بسبب معاكسة شقيقته.. المشدد 10 سنوات لمتهم شرع في قتل آخر بالمرج    إصابة 4 أشخاص فى انقلاب سيارة على الطريق الإقليمى بالمنوفية    طريقة عمل الدجاج سويت اند ساور    نبيل فهمي يكشف كيف تتعامل مصر مع دول الجوار    شعبة الخضر والفاكهة: إتاحة المنتجات بالأسواق ساهمت في تخفيض الأسعار    دعاء الضيق: بوابة الصبر والأمل في أوقات الاختناق    أخبار 24 ساعة.. مساعد وزير التموين: الفترة القادمة ستشهد استقرارا فى الأسعار    فحص 1332 مواطنا في قافلة طبية بقرية أبو سعادة الكبرى بدمياط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصياد الصغير من أدب الطفل الصيني


السيد خان واسع
الصدر طيب القلب
تسوقهما خطواتهما علي الطريق المؤدية إلي حديقة الحكمة، يتقدمان في صمت نحو القصر، يسير دالو في المقدمة ومن خلفه تمشي والدته. وما إن وصلا إلي بوابة حديقة الحكمة، حتي وقع نظرهما علي الحكيم الأعمي يجلس هنالك في مكانه المعهود. وعندما مرت الأم وابنها بجواره، شرع الأخير في التحدث قائلًا: »يابني، ورطت نفسك بمشكلة، أليس كذلك؟»‬ قالها وهو ينظر إلي صندوقه الخشبي، دون أن يرفع رأسه، حتي بدا وكأنه يحدث نفسه. »‬لا تقلق يابني، ما عليك إلا أن تعترف بخطئك. السيد خان رجل نبيل، حليم، واسع الصدر، ولن يقبل عوضًا».
وهمت والدة دالو أن تذهب وتتحدث إلي الحكيم، إلا أنها لم تجد ما تقوله. في حين هز الحكيم صندوقه الخشبي بين كفيه هزتين، ولم يسمع أحدهم إلا صوت رنات عصا الخيزران التي تراقصت داخل الصندوق. ثم لوح الأعمي بيده دون أن ينطق بكلمة.
صحب دالو والدته إلي بوابة قصر السيد خان، دقت الأم الجرس، فاختبأ دالو خلفها، وتعالت مع رنات الجرس دقاتُ قلب وجل بين أضلعه. وفُتحت البوابة، فتحتها العمة باو. وظهرت السيدة خان من خلفها بوجهها البشوش، وبصوت هادئ سألت والدة دالو: »‬أهلا بكِ، عمنْ تبحثين؟»
»‬أنا ولي أمر الطفل دالو، لقد أخطأ ابني وكسر لوح رخام نفيس بمنزلكم اليوم، فجئت للاعتذار.» قالتها الأم وهي تسحب دالو من خلفها ليصبح في مواجهة السيدة خان مباشرة. وقف دالو بجوار والدته منكس الرأس، ولم يجرؤ أن يرفع ناظريه في عيني السيدة خان.
في تلك اللحظة، أسرعت خان بينغتينغ تجاه البوابة ومن خلفها كان يقف رجل في منتصف العمر، نحيف، طويل القامة. كان هذا هو السيد خان والد بينغتينغ. نظر إلي دالو، ثم أحني رأسه تحية للوالدة، وقد بدا الهدوء والطيبة علي ملامحه القوية.
»‬لن نتحدث هكذا عند الباب، تفضلوا بالدخول.»‬قالها السيد خان وهو يشير بيده داعيًا دالو ووالدته ليتفضلا بالدخول. ثم صحبهما إلي صالة الاستقبال.
لاحظ دالو أن الطاولة المصنوعة من الخشب الأحمر لازالت في مكانها المعهود، غير أن حطام لوح الرخام الذي كان مبعثرًا في أرجاء المكان تم إزالته تمامًا. وبقيَّ إطار لوح الرخام فارغًا فوق الطاولة. جلست الأم في منتصف صالة الاستقبال، فوقع بصرها هي الأخري علي الإطار الفارغ، وقد بدت مرتبكة وهي تبدأ الحديث قائلةً: »‬بهذه الدرجة من الاستهتار ورط ابني نفسه اليوم بالمشاكل».
»‬ولهذا جئتِ لتقديم الاعتذار، لكن هل تظنين أن الاعتذار يكفي؟ »‬قالتها السيدة خان وابتسامتها المعهودة لم تفارق وجهها.
»‬رمقت والدة دالو ابنها بنظرة، قبل أن تأخذ نفسًا لترد قائلةً: »‬الإعتذار وحده لا يكفي، فإذا ما سَبَبَّ الصغار المشاكل، كان علي ذويهم أن يتحملوا المسئولية، فانظري ما هو التعويض المناسب، وسندفعه».
تبادل كل من السيد والسيدة خان النظرات، دون أن يقولا شيئًا.
نكس دالو رأسه، واستعاد جملة خو جونغ نيان، تلك الجملة التي ظلت تقرع مسامعه: لو أردت أن تعوض ثمنها فستدفع فيها كل ما تملك... فبسبب تهوري أُغرم والدايّ هذا المبلغ الكبير، ما العمل إن تحتم عليهما دفع قيمة لوح الرخام... شعر دالو بتأنيب الضمير، وبدا نادمًا علي ما بدر منه، امتلأت عيناه بالدموع، وهو يحاول جاهدًا أن يتمالك نفسه ويمنعها من أن تتساقط فوق وجنتيه لكن دون جدوي، فنكس رأسه أكثر، وستر عينيه بيده خشية أن تراه خان بينغتينغ يبكي.
لكنها كانت قد لاحظت دموعه بالفعل، فأخذت تشد من أزره وبصوت هادئ قالت: »‬ومنْ قال أننا نريد عوضًا؟».
نعم، لم يتحدث أحد عن التعويض. أكدت السيدة خان كلام ابنتها، وقد لاحظت تأثر دالو، فسحبت منديلا وأرادت أن تمسح دموعه، لكنه تفادي يدها مبتعدًا. ضحكت السيدة خان وهي تقول: »‬أنت صبي، لا تكن خجولا هكذا.» ثم استدارت لتواجه والدة دالو قائلةً: »‬ لقد حكت لي بينغتينغ تفاصيل الحادث، فلا تلومي الصبي، فإنه لم يفعل ذلك عن عمد. هو صبي علي كل حال، يميل للحركة واللعب، وقد يورط الصغار أنفسهم أحيانًا في المشاكل، هذا أمر شائع الحدوث».
ردت والدة دالو: »‬دالو مستهتر مثير للمتاعب، لقد ضربه والده للتو جزاءً له علي فعلته، وكيف لا نؤدبه بعد أن كسر شيئًا نفيسًا؟» .
تدخلت بينغتينغ قائلةً: »‬لكن الذنب ذنبي أنا، فأنا منْ أخبر دالو أن الجانب الأخر للوح الرخام مزخرف برسوم ونقوش فريدة، ولولا ذلك لما نزل هو أسفل الطاولة ليحاول قلب لوح الرخام لمشاهدة الرسوم، فهو خطئي أنا!».
وفي تلك اللحظة تحركت شفتا السيد خان الذي ظل يستمع إلي الجميع في صمت منذ بداية الحديث، وبملامح هادئة، تعتليها بسمة حانية قال: »‬كل شئ في هذا العالم له أجل مكتوب، فإذا ما حان أجله، انتهي من الوجود لا محالة. ولقد قُدِرَ أن يكون اليوم هو أجل هذا اللوح، وما حدث كان قدرًا لامفر منه».
نزلت كلمات السيد خان بردًا وسلامًا علي قلب دالو، فاطمأن واستأنس، عبارات السيد خان جعلت هذا الأمر الجلل يبدو وكأنه حادثًا طبيعيًا قدريًا. استطرد السيد خان كلامه العجيب بعد أن أطلق ضحكة قائلًا لوالدة دالو: »‬المعلمة وانغ، لا يمكنك أن تُلقي باللوم علي ابنك، إنما اللوم كله علي اللوح الرخامي، لقد كان ثقيلًا جدًا، أثقل من أن يتحمله ظهر طفل».
وأردف السيد خان وهو يضحك ويربت علي ظهر دالو قائلًا: »‬انتظر حتي تكبر قليلًا، ويشتد عودك، عندها سيكون بمقدورك رفع مثله وأكثر».
هدأ الجميع بعدما سمعوا كلام السيد خان، حتي والدة دالو التي كست ملامحها مسحة الحزن والغضب، ها هي تستبدلها أخيرًا ببسمة، وإن كانت بسمتها ممزوجة بشئ من الحرج، فلم تجد ردًا مناسبًا ترد به علي كلام السيد خان. أما عن دالو الذي لم يكن منذ برهة قادرًا علي أن يتمالك نفسه أو يحبس شلال الدموع المنهمر من عينيه، تراه وقد هدأت ملامحه، فقد بددت كلمات السيد خان كل ما كان بقلبه من قلق وخوف.
ولما همَ كلٍ من دالو ووالدته بالاستئذان للمغادرة، وقف دالو في منتصف صالة الاستقبال يحملق من جديد، فقد جعل ينظر إلي الدولاب الخشبي ذو الواجهة الزجاجية، حيث كان التمثالان لايزالان ثابتان في مكانهما، فكان تمثال الصياد الصغير اللطيف لازال ينظر إليه ويضحك، وكذلك سمكة الشبوط العملاقة وكأنها تلوح إليه بذيلها لتلقي عليه التحية. دفعت الأم دالو وهي تقول: »‬لماذا تسَمرت في مكانك كلوح من الخشب! هيا فلتقل وداعًا للسيد والسيدة خان».
عندها حاولت بينغتينغ أن تكتم ضحكتها، لاحظ والدها ذلك فسألها: »‬ما الذي يضحكك يا صغيرتي؟» أجابت بينغتينغ: »‬ما أن يقع بصره علي التمثالين، حتي يحملق فيهم». فهز السيد خان رأسه متفهمًا وقال: »‬آه، يبدو أنه القدر من جديد».
استأذن دالو ووالدته للانصراف، فصحبهما السيد خان وابنته إلي الباب، وقبل خروجهما من بوابة المنزل، ربت السيد خان علي كتف دالو وقال بلهجة جادة: »‬لم ينتهِ الأمر بعد، وعليك أن تدفع الثمن».
انتفض دالو، ورفع رأسه ينظر إلي السيد خان بعينين حائرتين، ولم يدرك دالو مغزي كلام السيد خان، وأي »‬ثمن» يريده أن يدفع. كما بدا علي وجه الأم القلق وتلاشت بسمتها.
»‬تلك الطاولة التي كُسرت تحتاج للإصلاح، عليك أن تأتي غدًا للمساعدة». قالها السيد خان وقد استبدل تلك الجدية المرسومة علي وجهه بإبتسامة ماكرة.
»‬حسنًا، يمكنني المساعدة في نشر الخشب ودق المسامير، سأتي غدًا بكل تأكيد!» أجاب دالو في عجالة. ثم التفت إلي بينغتينغ، فرأها لا تزال تحاول أن تخفي ضحكتها.
لاحظ السيد خان القلق والحيرة التي علت وجه والدة دالو، فقال موضحًا: »‬كنت أمازحه فحسب، أعرف أنه لا يعمل في النجارة، كل ما في الأمر أنني لاحظت أن ابنك مولع بالفنون، فرأيت أن يأتي إلينا غدًا، وسأحاول أن أنمي عنده هذا الجانب قليلًا».
بينما وقف الجميع عند الباب يتجاذبون أطراف الحديث، لاحظ دالو شخصًا يمر من أمام البوابة، إنه خو جونغ نيان، ثم دخل الأخير من البوابة، قبل أن يتوقف قليلا، ثم أنحني وقال باحترام: »‬أهلا سيد خان، لقد عدت للمنزل».
نظر السيد خان إلي خو جونغ نيان وأومأ إليه برأسه. لاحظ دالو أيضًا أن خو جونغ نيان لا يهتم إلا بالسيد خان، وكأنه لا يري غيره. وفي تلك اللحظة تحول خو جونغ نيان، ذلك الرجل الذي لا يغيث ملهوفًا بل يشمت به ويفضح أمره، تحول فجأة إلي شخص أخر يختلف تمامًا عن ذلك الذي يعرفه دالو.
وبعد أن تبادل كل من السيد خان وخو جونغ نيان التحية، ذهب الأخير في عجالة، مفارقًا البوابة المهيبة لقصر السيد خان، ليتوجه إلي غرفة صغيرة بجوار القصر.
وعند مغادرتهما حديقة الحكمة، كان الحكيم قد غادر مكانه وعاد إلي بيته. وقالت الأم: »‬لقد صدق الحكيم. لقد كان السيد خان واسع الصدر دمث الخلق، وزوجته السيدة خان أيضًا امرأة مهذبة مثقفة، تعاملوا معنا بكل لطف. يالهما من زوجين رائعين».
وكذلك خان بينغتينغ، هي أيضًا طيبة ودودة، عندما وقع الحادث، لم تلومني ولو بكلمة، بل سامحتني، وساعدتني وما أن سمع دالو والدته تثني علي السيد والسيدة خان، حتي بادر هو بمدح بينغتينغ.
»‬نعم بكل تأكيد، فهذا الشبل من ذاك الأسد».
لم يشغل حديث الأم دالو عن التفكير في خو شينغباو ووالده، ذلك الرجل الذي لا يغيث ملهوفًا بل يشي به. والذي تحول عندما رأي السيد خان إلي شخصًا آخر، مما أثار دهشة دالو.
رفع دالو رأسه وأخذ يتأمل صفحة السماء الزرقاء العالية، فرأي سحابتان تتعانقان في لوحة جميلة، وكأنهما اثنتين من السفن الشراعية ذات اللون الأبيض الفاتن، يتمايلان في بحر أزرق شاسع.
سر الصياد الصغير
بعد ظهر اليوم التالي، وبينما كان دالو يستعد للذهاب إلي قصر السيد خان، جاءته أخته الصغيرة جيوانجيوان ترجوه أن يصحبها معه. وكان دالو في المعتاد لا يوافق أن يصحب أي من إخوته إلي القصر، لكنه ما إن تذكر ما فعلته بالأمس لأجله، وصدق مشاعرها، حتي رق قلبه لها فاستجاب لطلبها. وفي الطريق، أوضح لهاتعليمات محددة عليها أن تلتزم بها أثناء الزيارة: »‬سأصحبك معي لكن بشرط، عليكِ ألا تثيري الفوضي أوتعبثي بأي شئ».
اطمئن، سأكون مطيعة، ولن أغضبك قالت وهي تقفز فرحًا.
وعند بوابة حديقة الحكمة، رأي دالو الحكيم مرة أخري يجلس بمكانه المعهود، غارق في التفكير بعينين مغمضتين. أمسك دالو بيد جيوانجيوان، وتقدم إلي داخل الحديقة. دق الجرس، فتحت بينغتينغ الباب، لقد كانت في انتظاره، لكنها تفاجأت بجيوانجيوان. حَيَّتهاجيوانجيوان بكل لطف ونادتها ب »‬أختي الكبيرة». امسكت بينغتينغ بيد الصغيرة وصحبتها في سرور إلي داخل البيت. ولما كانت بينغتينغ وحيدة والديها ليس لديها إخوة علي الاطلاق، فراحت تغبط دالو كونه لديه إخوة لطفاء.
وكان السيد خان يجلس في صالة الاستقبال يحتسي الشاي، ممسكًا بيده مروحة مزخرفة برسوم طيور وزهور ملونة بديعة. وما أن رأي دالو يتقدم تجاهه، حتي أغلق مروحته، ووقف يحيه مبتسمًا: »‬ أهلا أيها النجار الصغير، تعال لتساعدنا في إصلاح الطاولة، هياتقدم لتلقي نظرة».
وقف دالو بمنتصف الصالة في خجل، في حين راحت جيوان جيوان تتصرف بعفوية وحرية، وتساءلت بصوت مسموع: »‬أخي ليس نجارا،فكيف له أن يصلح هذه الطاولة؟».
أحنت بينغتينغ جسدها، وهمست في أذن جيوانجيوان قائلةً: »‬أبي يمازحه فقط، لا تأخذي الأمر علي محمل الجد» أنهت جملتها، ثم ساعدت جيوانجيوان لتجلس فوق أحد المقاعد بصالة الاستقبال، وجاءت العمة باو تحمل بين يديها طبقا به بعض قطع البطيخ، وضعته أمام جيوانجيوان، كما جاءت لهابينغتينغ إليها ببعض الكتب المصورة، كانت الكتب مليئة بصور بديعة لأنهار، وجبال، ونباتات، وطيور، وشخصيات تاريخية. وكانت هذه هي المرة الأولي التي تري فيها جيوانجيوان كتب مصورة جيدة الطباعة ورائعة كهذه الكتاب، فانكبت عليها تتصفحها بنهم.
لاحظ دالو أن الطاولة القديمة لم يعد لها أي أثر، وقد تم استبدالها بطاولة أخري مستديرة، قوائمها الأربعة مزينة بنقوش وزخارف جميلة، مصنوعة من نفس نوع خشب الطاولة القديمة. وقد أخبرت بينغتينغ دالو بأن الطاولة الخشبية المربعة يتم اصلاحها حاليًا بأحد ورش الأثاث.
»‬بينغتينغ، هيا اصحبيه إلي حجرة المكتب، ليلقي نظرة». رأي السيد خان دالو يقف مذهولا كعادته، فطلب منها أن تصحبه،ثم سبقهما إلي حجرة المكتب المجاورة لصالة الاستقبال.
دخل دالو مع بينغتينغ في صحبة السيد خان حجرة المكتب. كانت الحجرة واسعة، قد ثُبِتَ علي جدرانها الأربعة رفوف من الخشب الأحمر، وعلي الرفوف تري كتبًا، والعديد من التحف مختلفة الأشكال والألون، مزهريات، وعلب مفعمة بعبق الماضي البعيد. كل تلك التحف الفريدة جمعها السيد خان علي مدار سنوات طويلة. وقال السيد خان: لدي هنا الكثير من التحف التي ترجع إلي عصر أسرتي تشينغ وخان وما بعدهما. فهذه الحجرة متحفًا للقطع الفريدة من الخزف الصيني. وكان دالو مطلعًا علي تاريخ الأسرت الصينية القديمة وشغوفًا به، أسرات تشينغ، خان، وي، جين، سوي، تانغ، سونغ، يوان، مينغ، تشينغ، يرجع تاريخ تلك التحف لأكثر من ألفي عام، وقد أثارت تلك التحف التي ترجع إلي عصور مختلفة اهتمام دالو. ولما لاحظ السيد خان إنبهاره بها، أخذ يعرفه بتاريخها كما لو كان يتحدث إلي شخص بالغ.
وبدأ بعلبة خزفية ملونة، عليها نقش لسمكتين باللون الأسود، وسأله: »‬هل تعلم إلي أي زمن يرجع تاريخ هذه التحفة؟» فكر دالو قليلًا قبل أن يجيب قائلًا: »‬حوالي ألف عام». ضحك السيد خان ثم قال: »‬ليست حديثة إلي هذه الدرجة، فلتخمن من جديد». حك دالو رأسه، ثم قال: »‬ألفا عام؟» هز السيد خان رأسه نافيًا، ثم اتسعت حدقتا عينيه وهو يحملق إلي تلك العلبة، وكأنه يحدث نفسه قائلًا: »‬بل خمسة آلاف، عمرها خمسة آلاف عام»
خمسة آلاف عام؟ تفاجأ دالو، وانتفض جسده، مستحيل، كيف كان العالم قبل خمسة آلاف عام؟ علبة خزفية إذا مسها أحدهم بيده لكسرها في التو، تظل باقية كما هي إلي عصرنا هذا، دون أن يمسها سوء،ياله من أمر مستحيل؟
تقدم السيد خان خطوتين للأمام، ليقف بجوار أحد الرفوف، وُضِعت فوقه قطعة خزفية خضراء اللون، نقش عليها العديد من الزخارف والرسوم الدقيقة، لها بريق رائع الجمال. لمس السيد خان تلك النقوش البهية، وهو يوضح لدالو قائلًا: »‬وهذه من عصر أسرة خان الغربية، يرجع تاريخها إلي ألفي عام».
وعلي رف آخر، وُضِعت مجموعة من المزهريات والعلب والأواني الخزفية مختلفة الأشكال والألوان. قالت بينغتينغ لدالو،أما هذه القطع فتنتمي لعصر أسرة سونغ. فذُهل دالو حين اكتشف أن بينغتينغ تعرف الكثير عن هذه التحف الخزفية، قبل أن تشير إلي تلك التحف الخزفية الموضوعة علي الرف الخشبي ثم تردف قائلةً: »‬هناك خمسة أنواع من الأواني الخزفية قد تميزت بها منحوتات عصر أسرة سونغ، تجدها كلها موجودة هنا أمامك».
»‬وما هي هذه الأنواع الخمس؟» كانت هذه هي المرة الأولي التي يسمع دالو هذه المعلومة، فأراد أن يعرف أكثر فسألها.
»‬رو ياو، جوان ياو، جه ياو، دياوياو، دينغياو»1 قالت بينغتينغ موضحةً، وكأنها تسرد جزءًا من كتاب، أو تتحدث عن معلومات متداولة. »‬تلك هي الأنواع الخمسة المعروفة، وأهمها أواني روياو».
لم يفهم دالو كثيرا مما قالت بينغتينغ، لكنه كان يعرف جيدًا أن علوم الخزف الصيني القديم واسعة. وأن السيد خان خبيرًا في هذا العلم، وهي إلي جانب أبيها تسمع وتري، حتي تعلمت منه الكثير.
أشارت بينغتينغ إلي رف ثالث، وقد رأي دالو أعلاه طبقًا بلون السماء الصافية، وبصوت هادئ قالت له: »‬أما هذا الطبق فهو من نوع الروياو، وهومن القطع النادرة».
»‬يوجد منه قطع معدودة في كل من القصر الإمبراطوري، والمتحف البريطاني، فعدد التحف الخزفية من النوع روياوالموجودة في العالم كله لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة. لذلك فهي نادرة ومميزة جدًا». قال السيد خان موضحًا، بينما كان يقف في زاوية الحجرة.
أراد دالو أن يتأمل تلك التحفة النادرة، فاقترب من الرف الزجاجي التي كانت موضوعة أعلاه، وجعل ينظر إليها متفحصًا. فرأي طبقًا ذا لون أزرق فاتح يبرق تحت الضوء، وقد بدا وكأنه مصنوع من اليشم لا الخزف، ولكن لم يردالو شيئًا مميزًا في هذا الطبق، فقال في نفسه صدق من قال: »‬الشئ يُقَدَر بندرته».
ورغم أن تلك القطع الخزفية قد أثارت اهتمام دالو، إلا أنها لم تنسه أبدًا تمثال الصياد الصغير الذي استحوذ علي تفكيره. وبعد أن أنهي دالو جولته في أرجاء المكتب العامر بألوان التحف، لم يستطع أن يكبح جماح فضوله، فانفلت لسانه يسأل: »‬وماذا عن الصياد الصغير والحسناء، أقصد التمثالين الموجودين بالدولاب ذي الواجهة الزجاجية بالخارج؟ لقد صنعا ببراعة ودقة متناهية، فكم عمرهما؟».
»‬آه يالك من خبير!»ابتسم السيد خان، ثم مسح علي رأس دالو، قبل أن يردف قائلًا: »‬بالرغم من أن تاريخ التمثالين لا يتجاوز الأربعمائة عام، إلا أنهما فعلا من التحف النادرة علي مستوي العالم».
أربعمائة عام! يالها من حقبة زمنية مديدة، لكن تلك الفترة الزمنية الطويلة قد بدت في ثنايا حديث السيد خان كأربعة أيام لاأكثر.
صحبت بينغتينغ دالو من جديد لتعود به إلي صالة الاستقبال، ولحق بهما السيد خان. وقف الجميع أمام دولاب صالة الاستقبال، يتأملون تمثالي الصياد الصغير والحسناء.
أخبر السيد خان دالو بأن التمثالين من تحف مدينة ده خوا بمقاطعة فوجيان، لذلك يطلق عليهما اسم »‬خزف ده خوا». بينما يُعرف خزف ده خوافي الغرب باسم »‬البياض الصيني، أو بياض العاج».وقد وصل خزف ده خوا إلي الغرب في مطلع عصر أسرة يوان، وقد وجد الغربيون تلك التحف الخزفية في بياض العاج، براقة جميلة، فأعجبوا بها أيما إعجاب، واعتقدوا بأنها أجمل تحف خزفية علي مستوي العالم، كما تم عرض خزف ده خوا الصيني في العديد من قصور ملوك أوروبا، ونظر إليه الأوربيون كأنه من التحف النادرة التي تحمل عبق الشرق.
»‬هل تعرف فيكتور هوغو؟» سأل السيد خان دالو.
لقد قرأ دالو رواية »‬البؤساء» ويعلم جيدًا أن مؤلف هذا العمل الأدبي هو فيكتور هوغو، وفي العام الماضي، اشتري دالو من مكتبة الكتب المستعملة، رواية قديمة لنفس الكاتب، كان قد كتبها في شبابه تحمل عنوان »‬الحب الكبير»‬وهي من أكثر الأعمال الروائية التي هام بها دالو، إلا أنه لم يتبين إذا ما كان السيد خان يقصد فيكتور هوغو ذلك الكاتب الفرنسي المشهور، أم غيره، فسأله قائلًا: أتقصد الكاتب الفرنسي المعروف، صاحب رواية »‬الحب الكبير»؟
»‬الحب الكبير» ! قالها السيد خان في ذهول، ثم أردف قائلًا: »‬النسخة الفرنسية من هذا العمل تحمل اسم بطل الرواية، وهو عبد أسود عُرف بالشهامة والشجاعة، قليل من الصينين قرأ هذه الرواية، وماذا قرأت له أيضًا؟».
ابتسم دالو ورد قائلًا: »‬البؤساء»!
»‬ياه، قرأت البؤساء أيضًا، عظيم، عظيم... نعم إنه هو فيكتور هوغو الذي قصدته». ربت السيد خان علي كتف دالو وتبسم قائلًا: »‬يبدو أنك تحب القراءة، وقرأت عددا لا بأس به من الكتب، عظيم، عظيم».
وما علاقة فيكتور هوغو بخزف ده خوا؟ تساءل دالو متعجبًا.
»‬بينما كنت شابًا، أدرس بفرنسا، كنت عادة ما أزور فيكتور هوغو بمنزله، وكانت صالة الاستقبال بمنزل فيكتور هوغو زاخرة بألوان المعروضات والتحف، جميعها تحف فنية صينية، وكانت تماثيل ده خوا المفضلة لديه، وعلي رأسها تمثال لحسناء تمسك بيدها زهرة لوتس، وتمثال آخر يجسد شيخ متسول». نظر السيد خان إلي دالو وجعل يتأمله وكأنه يري نفسه في صباه. »‬فيكتور هوغو كان يري أن هذين التمثالين هما أروع وأجمل ما يملك من تحف، كان يعرضهما بمكان بارز في صالة الاستقبال، فكانا أول ما تقع عليه عيناه حين يلج إلي بيته أو يخرج منه، لا أدري كيف حصل عليهما، قد يكونا هدية من أحد أصدقاءه، وقد يكون اشتراهما بنفسه، فهو كاتب عظيم، ذو نظرة ثاقبة».
كان دالو يستمع إلي كلام السيد خان، وكأنه يستمع إلي قصة من وحي الخيال، فكيف تصل تحف ده خوا الخزفية إلي صالة استقبال منزل فيكتور هوغو؟ ولكن علي أية حال، السيد خان رجل صادق، ولن يختلق مثل هذا الأمر، ومن المؤكد أنه زار فيكتو هوغو كما قال.
»‬علي أية حال، تمثالا ده خوا اللذان كان يملكهما فيكتور هوغو، لا يمكن أن يقارنا بهذين التمثالين».بينما كان السيد خان يتحدث، كان يفتح الواجهة الزجاجية للدولاب، وبكلتا يديه امسك تمثال الصياد الصغير بروية وتأن، وراح يمسح علي وجه التمثال بإحدي يديه،ويداعب بالأخري السمكة، وتبسم وكأنه يخاطب التمثال: »‬ما أجملك، أنت كنز حقيقي ياصغيري. لو رأك فيكتور هوغو، لهام بك عشقًا».
»‬ولما رأت بينغتينغ أباها متيمًا بالتمثال إلي هذا الحد، انفجرت ضاحكةً وهي تقول، هذا الصياد الصغير ليس ابنك لتقول له ياصغيري، إنه مجرد تمثال».
رد السيد خان قائلًا: »‬بل كأحد أبنائي، كل القطع التي جمعتها بمنزلي بمثابة ابنائي، أعرف أعمارها، ومكان ميلادها، تاريخها وحكاياتها».
حسنًا، هلا قصصت علينا حكاية الصياد الصغير من فضلك؟»‬بينما كانت جيوانجيوان تستمع إلي حديثهم وهي بالقرب منهم، ألقت بسؤالها إلي السيد خان. أراد دالو أن يوبخها، فقد شعر أنها لم تلتزم بالعهد الذي قطعته علي نفسها، وها هي قد بدأت تتحدث بشكل عشوائي وقد تثير الفوضي، إلا أن سؤالها كان يراود ذهن دالو أيضًا، فبدلا من أن يلومها، جعل ينظر إلي وجه السيد خان، منتظرًا الإجابة علي سؤال جيوانجيوان.
أعاد السيد خان التمثال الذي كان بين يديه ببطء إلي مكانه، ثم أغلق الدولاب بحرص ولطف.
»‬حسنًا، سأخبركم بقصة الصياد الصغير». جلس السيد خان علي الطاولة المستديرة، والتف حوله كل من بين تينغ ودالو، حتي الصغيرة جيوانجيوان، أسرعت لتجد لها مكانًا بينهم، وأنصت الجميع إلي السيد خان.
»‬تعرفون جيدًا أن مدينة ده خوا تقع في مقاطعة فوجيان، التي اشتهرت بصناعة تحف الخزف الصيني الأبيض بشكل عام، وبنحت التماثيل الخزفية علي وجه الخصوص. وفي عصر أسرة مينغ، ظهر أحد الرواد الكبار في نحت التماثيل من الخزف الصيني الأبيض، وكان معلمًا لأجيال من بعده، إنه السيدخه تشاو تزونغ، الذي تميزت أعماله بالدقة والجودة العالية،وكانت منحوتاته سواء كانت تماثيل لبشر أو لحيوانات، تحفا فنية فريدة، حتي ذاع صيته في ذلك العصر، وأصبحت منحوتاته من التحف النادرة، وارتفع ثمنها حتي صارت أغلي من الذهب، وستجدوا في المتحف الوطني تحف من صنع يديه، جميعها كنوز ساحرة الجمال. كما تعرض أعماله ببعض المتاحف في أوروبا وأمريكا، فهو فنان عالمي معروف». قام السيد خان عن مقعده وبدأ يقترب من التمثال وأضاف: تمثال الحسناء من صنع ذلك الفنان
العظيم.
»‬آه»أطلق دالو صرخة من شدة الدهشة والذهول. وقال في نفسه لا عجب في أن تلك المنحوتات أروع وأجمل بكثير من شبيهاتها الموجودة بالمتاحف، ذلك لأنها من صنع ذلك الفنان العظيم.
»‬انظر إلي الخطوط علي جسم التمثال، وكيف تبدو طبيعية وكأنها لوحة لوو داو تزه».
»‬ومن يكون وو داو تزه؟» سأل دالو، فكان كلما صادف أمرًا يصعب عليه فهمه يسأل عنه.
»‬إنه رسام معروف في الصين القديمة، كان رسامًا موهوبًا وقد أطلق عليه اسم كبير الرسامين. وقد أثارت لوحة له بعنوان »‬لوحة الملائكة السبع وثمانون» إعجاب العالم أجمع.»‬أجاب السيد خان».
ضحك السيد خان ثم أردف قائلًا: »‬يا إلهي، وكأنهما كانا يعرفان بعضهما، لكن هذه المعرفة مستحيلة، فوو داو تزه من عصر أسرة تانغ (618-907)، وخه تشاو زونغ من عصر أسرة مينغ (1368-1644)، لكن وو داو تزه هو الأسبق، فلابد أن خه تشاو زونغ هو الذي أعجب بأعماله وتأثر به».
»‬وهل الصياد الصغير من أعمال خه تشاو زونغ؟» سأل دالو مرة أخري.
»‬سؤال جيد». التفت السيد خان بشكل مفاجئ، وكأنه يخفي سرًا. لم يجب السيد خان علي سؤاله بل وجه له سؤالًا جديدا: »‬قل لي يادالو، كيف أصبح خه تشاو زونغ فنانًا كبيرا، وكيف لإبداعاته أن تحقق كل هذه النجاح؟».
لم يعرف دالو الإجابة وبدا عليه الوجوم للحظات. فأجابت بينغتينغ بدلا منه: »‬لأن خه تشاو زونغ كان موهوبًا، صحيح؟».
هز السيد خان رأسه موافقًا وقال: »‬بالطبع خه تشاو زونغ كان موهوبًا، كان أذكي من أقرانه، وكان يتمتع بمهارة فنية عالية. لكن الأهم من ذلك، أنه كان له معلمًا عظيمًا، علمه ودربه حتي أتقن هذا النوع من الفنون».
»‬ومنْ هو معلمه؟» رفعت جيوانجيوان صوتها تسأل، ثم أكملت: »‬إن كان خه تشاو زونغ معلمًا، فلابد أن يكون معلمه أستاذ الأساتذة علي الإطلاق».
ضحك السيد خان من رد الصغيرة جيوانجيوان، ثم أردف قائلًا: »‬بالفعل، صدقتِ ياصغيرتي، هو »‬أستاذ الأساتذة»، لكن للأسف التاريخ لم يسجل اسمه، ويُذكر أن مهارته كانت تفوق الخيال، ولم يكن ينافسه أحد في نحت التماثيل من الخزف الصيني. ولقد قدم تلميذه خه تشاو زونغ إلي العالم، لكنه لم يترك الكثير من الأعمال الفنية، ولا أدري ما السبب، كل ما تركه من أعمال، وفقًا لما أعلم، قطعة واحدة فحسب».
»‬إذن فلا ريب أن تلك المنحوتة الفريدة كنز بكل ما تحمله الكلمة. تري أين هي تلك التحفة الفنية الفريدة؟».
ضحك السيد خان بصوت مسموع، ورمي بنظرة تجاه الواجهة الزجاجية، لتستقر تلك النظرة علي تمثال الصياد الصغير.
نظر دالو إلي تمثال الصياد الصغير المستقر خلف الواجهة الزجاجية، فرأي التمثال وكأنه ينظر إليه ويبتسم، وقد ارتسمت علي ملامحه روح الدعابة، حتي السمكة علي سطح التمثال راحت تضحك لدالو، وتساءل دالو، هل هذا هو العمل الفني الوحيد الذي تركه مُعلم خه تشاو زونغ؟».
»‬نعم، هو بعينه هذا التمثال الماثل أمامكم.»‬رد السيد خان.
لم يتمالك دالو نفسه، وتقدم حتي التصق تقريبا بالواجهة الزجاجية للدولاب، وجعل يتأمل ذلك التمثال صاحب التاريخ العريق والمميز، والذي هو من صنع فنان بارع.
»‬وكيف عرفت أن هذا التمثال من صنع أستاذ الأساتذة؟» سأل دالو السيد خان.
»‬سؤال جيد». قال السيد خان، ثم وقف وفتح الدولاب، وبدأ بتمثال الحسناء، أخذه بين يديه وقربه إلي صدره، ثم رفعه إلي أعلي، وجعل دالو ينظر إلي قاعدة التمثال، نظر دالو إلي قاعدة التمثال، فإذا به يري ختم محفور عليها علي شكل ثمرة قرع، وبدخل الختم نقشت ثلاثة كلمات:خه تشاو زونغ.
أعاد السيد خان تمثال الحسناء إلي مكانه بالدولاب، ثم أتي بتمثال الصياد الصغير، وجعل دالو ينظر إلي قاعدته، فإذا به يري ختم خه تشاو زونغ من جديد وأعلي الختم جملة من ستة رموز من اللغة الصينة القديمة، تعني: »‬هذا التمثال من صنع مُعلمي».
»‬أرأيتم، هذه هي حكاية تمثال الصياد الصغير، إنه سر الصياد الصغير». قالها السيد خان وهو يعيد التمثال بلطف إلي مكانه، قبل أن يغلق الدولاب.
تسمر دالو في مكانه وهو يتأمل تمثال الصياد الصغير خلف الواجهة الزجاجية، شعر بأن التمثال قد طرأ عليه تغيرًا لم يكن واضحًا من قبل، تحت أشعة الضوء التي ألقت بظلالها عليه، ازداد التمثال تألقًا وجمالًا، وكأن التمثال ينظر إليه ويقول: »‬هل تعرفت عليّ الآن؟».
هم دالو بالعودة لبيته، فخرج السيد خان من مكتبه، وأشار له أن يتقدم نحوه، فعاد دالو ليدخل معه إلي حجرة المكتب من جديد. وفي منتصف الحجرة تقريبًا، كان يستقر مكتب السيد خان، مكتب ضخم مصنوع من الخشب الأحمر مفعم بعبق الماضي. وعلي المكتب، يوجد عدد من المجلدات، يمكنك أن تتبين من النظرة الأولي أنها تحف وكنوز، ومن بينها مجلد طُبع علي غلافه »‬تاريخ الفن العالمي»، وبينما كان السيد خان يقف أمام رف الكتب يختار كتابًا، لم يستطع دالو أن يمنع يديه من أن تمتدا إلي كتاب »‬تاريخ الفن العالمي» الموجود فوق المكتب، فتح الكتاب وأخذ يتصفحه، وانهمك دالو حتي غرق بين صفحات الكتاب إلي أن وصل إلي صور لمنحوتات وتماثيل إغريقية معروفة...
»‬آه، يبدو أنك تهتم بهذه النوعية من الكتب أيضًا!» بينما كان دالو منهمكً في تصفح الكتاب، فإذا بصوت السيد خان يباغته من خلفه. أغلق دالو الكتاب، ثم شبك أصابع يديه معًا في خجل.
»‬إنه كتاب أجنبي، إن الأجانب يعتقدون بأن إبدعاتهم الفنية هي الأفضل علي الإطلاق، لكن الحقيقة أننا لو قارناها بالفن الصيني لوجدنا أن الفنانين الصينيين ليسوا أقل إبداعًا منهم». قالها السيد خان وهو يربت علي كتف دالو، ثم أردف قائلًا: »‬لو أردت أن تطالع الكتاب، فسأعيره إليك في وقت لاحق، أما اليوم فسأعطيك رواية جديدة لفيكتور هوغو».
كان السيد خان يمسك بين يديه كتابًا سميكًا، كان قد أخرجه لتوه من بعد طول بحث من بين كتب المكتبة، وضع السيد خان الكتاب بين يدي دالو، وقال مبتسمًا: »‬هذا كتاب »‬أحدب نوتردام» لفيكتور هوغو، أحد أفضل أعماله، بإمكانك أن تستعيرها».
أخذ دالو الكتاب بيده، وأمسك بالأخري يد جيوانجيوان، وودع السيد خان، قبل أن ينصرف الأخير إلي المكتب لينهمك في مطالعة كتبه. حينها طلت السيدة خان من الطابق العلوي وقالت والابتسامة تعلو وجهها: »‬هل سيغادر الضيف سريعًا هكذا، حسنًا،لتخرجي معه لوداعه يابينغتينغ».
وما إن رأت جيوانجيوان السيدة خان، حتي قالت بصوت مرتفع: »‬أهلا بالسيدة خان، إلي اللقاء».وما أن وقع نظر السيدة خان علي الصغيرة جيوانجيوان، حتي ابتسمت لها ابتسامة عريضة، وأشارت إلي الصغيرة أن تصعد إليها، ارتبكت الصغيرة ولم تعرف كيف تتصرف، فأخذت بينغتينغ بيدها وصعدت بها الدرج حتي أوصلتها إلي السيدة خان. وبعد برهة نزلت الصغيرة تحمل بيدها علبة صغيرة ملونة.
صحبت بينغتينغ الصغيرة جيوانجيوان ودالو إلي بوابة القصر لتودعهما، ثم اغلقت الباب ودخلت، حينها بدي علي وجهها علامات التأثر، وقالت بصوت هامس: »‬قلما يكشف أبي لضيوفه عن مقتنياته الخزفية، يبدو وكأنه يحظيك باهتمام
خاص!».
وما إن ابتعدا عن بوابة القصر، حتي رفعت جيوانجيوان العلبة الملونة التي أهدتها إياها السيدة خان بين يديها لكي يراها أخاها، وأخبرته بأن العلبة ممتلئة بالحلوي الملونة اللذيذة.
»‬ما ألطف السيدة خان! لقد طلبت مني أن أزورها مرة أخري لكي أمرح معهم. »‬قالت جيوانجيوان بسعادة وهي تقبض بكفيها علي العلبة الملونة.
وأثناء سيرهما، صادف دالو خو شينغباو الذي كان يلعب بحديقة بيت عائلة خان. وما أن رأي خو شينغباو دالو وجيوانجيوان حتي سألهما متعجبًا: »‬ما الذي أتي بكما إلي هنا؟ هل طلب منكما السيد خان تعويضًا لكسر الطاولة؟».
»‬منْ قال لك أنه بحاجة إلي التعويض؟ لقد رأينا عندهم كنوزًا وتحف ثمينة». لم تنتظر جيوانجيوان أن يرد دالو، فردت هي بصوت عال.
ولم يكن دالو يرغب في أن يطيل الحديث مع خو شينغباو، فسحب أخته من يدها وواصلا السير. فاستوقفهم خو شينغباو من جديد قائلًا: »‬طالما جئتما فلا داعي للاستعجال، ودعونا نلعب سويًا في الحديقة». قاطعه صوت أجش يخرج من الغرفة الصغيرة المجاورة »‬شينغباو، هيا تعالي بسرعة!» ولم يكن بإمكان الأطفال الثلاثة تمميز ما إن كان هذا الصوت لرجل أم امرأة. مما جعل شينغباو يشعر بشئ من الخوف،فاسرع إلي داخل تلك الغرفة الصغيرة. وكانت تلك الغرفة الصغيرة مليئة بالصخب والضوضاء، فقد كان لخو شينغباو ثلاثة أخوة أصغر منه، ولد وبنتان، وكانت تلك العائلة الكبيرة تعيش بداخل حجرتين صغيرتين في إحدي زوايا القصر الفسيح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.