يخلط الفنان الصعيدي وجدانه بأصالته وحسه الفني النادر.. وبأنامل من الذهب يسابق الزمن لوضع اللمسات المصحوبة بالهمسات المخلصة لتمثال أو إناء ويعزف مستلهما روح المخلص النادر المهندس حسن فتحي الموهوب والإنسان رائد عمارة الفقراء علي ألواح الطين صورة وسيمفونية لفنان مبدع يبهر بها آلاف السائحين. هناك وعلي بعد30 كيلومترا جنوبقنا وتحديدا في مركز قوص تقع عاصمة الخزف والتي تعد أهم القري التي ذاع صيتها عالميا لامتلاكها أهم مصنع للخزف وهو ذو طراز فريد من نوعه, ويأتي إليها الزوار من جميع أنحاء العالم لاقتناء القطع الفخارية المزخرفة بأشكال من التراث المصري الأثير, تقديرا واعتزازا بموهبة الفنان المصري الذي يتمتع برؤية بها قدر كبير من الإبداع لا يوصف. الأهرام المسائي شاركت أصحاب المواهب والفنانين فرحتهم بخروج تحف فنية للنور بعد الانتهاء من مراحلها النهائية.. ووسط آلاف من القطع والتحف الفنية الفريدة ذات الألوان والأشكال الزاهية والمتفردة وقف رياض حبيشي, أحد مؤسسي مصنع الخزف, وأحد العاملين بالمصنع, ليقول: إن قرية جراجوس إحدي قري محافظة قنا, التي كانت تهتم مثل غيرها بالزراعة, حتي قدم إليها الأب الفرنسي استيفان ديمونجلوفييه اليسوعي, ورغب في أن يكون بالقرية مصنع صغير لصناعة الفخاز والخزف والسجاد المطرز بأشكال البيئة الصعيدية في عام1954, وكلف المهندس المعماري حسن فتحي بتصميم مصنع للخزف بجراجوس, والذي تمكن من إنشاء مبان علي شكل قباب فريدة من نوعها في التصميم المعماري. وتابع حبيشي أن ديمونجلوفييه استقدم ابن أخيه مسيو لوبير ديمونجلوفييه من فرنسا والذي كان يمتلك مصنعا لصناعة الخزف في فرنسا, خصيصا لتدريب شباب القرية علي صناعة الخزف, وتعليمهم أسرار الفخار, كما استقدم الأب أكرمان اليسوعي لتعليم فتيات القرية صناعة السجاد اليدوي, لافتا إلي أن المصنع بدأ العمل في عام1955 وهو التاريخ الذي احترف فيه بعض شباب القرية صناعة الخزف علي الفخار والسجاد, وكان عدد العاملين حينها5 أشخاص. ويوضح فواز سيدهم سيفين, أقدم فنان بالمصنع, وعضو عامل بنقابة التشكيليين, أن المصنوعات التي نقوم بتشكيلها هي تكملة لعظمة المصريين القدماء في تاريخ النحت والرسم علي الطين الأسواني الأحمر الغني بأكسيد الحديد الذي كان يستخدمه في صناعة أوانيهم واحتياجاتهم الفخارية.. وأكمل سيفين: مصنع الخزف تتعدد منتجاته من أوان ومصنوعات فخارية وسجاد حائط جميعها مطرز بأشكال البيئة المصرية الصعيدية والتي أدهشت كل من وقعت عينه عليها. ويسجل سجل كبار الزوار لمصنع الخزف هناك في راجوس زيارات منذ زمن بعيد وقريب وان كان أبرز الزائرين التي لم ينسها فنانو الخزف زيارة ملك وملكة السويد عام1986, والعديد من سفراء الدول كسفير دولة الفاتيكان الذي يعتز بهذه الصناعة ويضعها في مكتبه ومنزله, كما زاره الشاعر عبد الرحمن الأبنودي, والوزير فاروق حسني, والفنانة فاتن حمامة, وغيرهم, بالإضافة إلي الزيارات المتعددة من طلاب وطلبة الجماعات لاسيما طلاب كليتي الفنون الجميلة والتربية النوعية نظرا لارتباطهما بدراساتهم. ولكل ما سبق وضعت قرية جراجوس علي الخريطة السياحية بعد أن ذاع صيتها في فرنسا علي يد الوفود السياحية التي دعاها الأب استيفان لزيارة المصنع, وبدأ إنتاج المصنع يظهر للعالمية تدريجيا وأصبحت الأفواج السياحية تقدم علي شراء منتجاته, وبعدها أصبح المصنع تابعا للغرفة التجارية في الأقصر, ليتم إدراجه ضمن البرنامج السياحي للأفواج السياحية, فأصبح السياح بعد زيارتهم الأقصر يتوجهون لزيارة مصنع الخزف بجراجوس, ويشاهدون التحف والمشغولات المصرية ويقومون بشراء المصنوعات الفخارية وسجاد الحائط لتزيين منازلهم وأماكن عملهم بهذا الفن المصري الفريد من نوعه. وعن مراحل التصنيع حدثنا إسحاق يوسف, فنان تشكيلي بالمصنع, عن مراحل إنتاج الفخار والذي يمر بعدة مراحل.. قائلا: المرحلة الأولي: تشمل جلب الطينة الحمراء من أسوان علي شكل أحجار, وتجهيزها في أحواض بها مياه لمدة شهر للحصول علي الطينة, واستخراجها, وتجفيف المياه من الطين عن طريق أوعية صغيرة توجد في الأحواض, وتترك حتي تجف وتتماسك. وأضاف أن المرحلة الثانية يتم خلالها وضع الطين المستخرج من المياه في مخزن لحفظه, ويوضع بعد ذلك في آلة تسمي المصطبة لتشكيله علي هيئة أواني ومصنوعات فخارية, وتوضع داخل غرفة تسمي الثلاجة والتي تقل درجة حرارتها عن درجة الحرارة الخارجية10 درجات حتي تجف بشكل بطيء.. نحو15 يوما في الصيف, وشهر في الشتاء, منوها أنها إذا وضعت في درجة الحرارة الخارجية تنفجر.. أما المرحلة الثالثة فيتم استخراج الطين من الثلاجة إلي الفرن للحريق لمدة8 ساعات حتي نحصل علي درجة حرارة تقدر من900 ل1000 درجة مئوية.. وقال إن المرحلة الرابعة يتم خلالها نقل المنتجات من الفرن بعد أن تقل درجة حرارته لمرحلة رش البويا والرسم, ثم يدخل الفرن مرة أخري لتثبيت الرسومات والألوان, مشيرا إلي أن الطين الأسواني لا يثبت به اللون سوي بالحرارة, منوها أن المصنع يستخدم ألوانا غير ضارة علي صحة الإنسان. وتركنا قلعة الخزف في جراجوس ولا يزال المبدعون يواصلون عملهم من أجل إنتاج عشرات القطع الفنية الجميلة رغم قلة الدخل إلا أنهم حريصون علي أن الإبداع ولو مقابل جنيهات صغيرة وودعتنا تلك اللمعة في عيونهم والتي تقول لنا إن الإبداع ليس له ثمن.