لا شك في صحة المقولة الشهيرة »وراء كل رجل عظيم امرأة»، فالمرأة هي المُلهِمة الأولي للأديب والمبدع، وهي مَن تلعب الدور الأهم في تطوره و نجاحه. و لعل المرأة المحبَّة هي أهم دافع لدي الأديب في حياته. »يا مليكتي... أنت النموذج الأروع والأطهر». هكذا وصف الشاعر الروسي العظيم الكسندر بوشكين زوجته ناتاليا جونشاروفا، التي أصبحت بالنسبة له بمثابة إشعاع السعادة و النور، الذي يملأ حياته. أحب الشاعر ناتاليا حُبًّا جارفًا، و لم يكن يستطيع العيش دونها يومًا واحدًا. و قد تزوجا في عام 1831، و عاشا السنوات الأولي في سعادة غامرة، وكانت ناتاليا تقدم المساعدة لزوجها في نسخ أشعاره، و التفاوض مع دور النشر و المجلات. و خلال ستة أعوام من الزواج أنجبت ناتاليا 4 أطفال، و اهتمت بشؤون عائلتها، و رغم ثرائها وجمالها تجنبت الظهور في البلاط والمجتمعات الراقية، وعاشت لأسرتها. إلا أن بعض كارهي الشاعر العظيم أرادوا أن يوجهوا إليه الطعنات مستغلين جمال الزوجة، وتسبب ذلك في حادثة مقتله الشهيرة. وبعد مقتله في عام 1837 ظلت ناتاليا ترتدي ملابس الحداد 7 أعوام، وظلت ترفض الزواج و ترعي أولادها. وعانت كثيرًا، و أدمنت علي التدخين، وانعزلت تمامًا. و بعد مضي 7 سنوات، و بضغط من المحيطين اضطرت للزواج من جنرال بالجيش الروسي،أحبها وأحب أولادها كثيرًا. و توفيت في عام 1863، و كان معها في اللحظات الأخيرة من حياتها الكاتب الروسي الشهير فلاديمير دال، و هو الشخص نفسه الذي كان مع بوشكين في آخر لحظات حياته. وعاشت صوفيا أندريفنا زوجة للكاتب الكبير ليف تولستوي منذ عام 1862، و حتي وفاته في عام 1910م، و تعد نموذجًا مثاليًّا، يوضح دور الزوجة الكبير في حياة الأديب. فبجانب رعايتها لشئون المنزل ببراعة قامت صوفيا بتدوين مذكرات زوجها بخط يديها، كما كانت تنسخ مؤلفاته، و رغم أنها أنجبت 13 طفلاً فإنها قامت بنسخ مؤلفات تولستوي الضخمة مرات عديدة في أثناء عمل زوجها. و قد منحت صوفيا زوجها تولستوي نصف قرن من حياتها، و يري بعض النقَّاد أنها تعتبر بمثابة مؤلِّف مشارك لتولستوي في الكثير من أعماله، فقد قامت بنسخ رواية »الحرب والسلام» وحدها سبع مرات، و نجحت في الوقت نفسه في عملها كأم، كما كانت تتفاوض مع دور النشر، و كانت تحمي زوجها من مضايقات المعجبين بأدبه، و تذود عنه بكل قوة. وتزوَّج فيودور دوستويفسكي من زوجته آنا سنيتكينا (1846-1918)، وهي بعدُ صغيرة في الحادية والعشرين من عمرها. و كان زواجهما عن حبٍّ جارف وعميق . و كانت أيضًا زوجة مثالية، رغم أنها كانت تصغر زوجها بأكثر من عشرين عامًا . وعاونت آنا زوجها كثيرًا في المسائل التي تتعلق بطباعة كتبه. وبعد أن أصبحت أرملة، و هي بعد في الخامسة و الثلاثين من عمرها كرَّست سنوات طويلة لكتابة مذكراتها عن حياة زوجها. وبدأت علاقة تشيخوف بالممثلة المسرحية الشهيرة أولجا كنيبير في عام 1900، أي قبل أربعة أعوام من وفاته. و كللت بالزواج في منتصف عام 1901م. كانا منفصلين تقريبًا، لأن تشيخوف كان يعي أنه يموت، و يبدو أنه تزوج منها لعلمه أنها ستكون زوجة تحفظ اسمه بعد وفاته، وتجتهد لتخليد ذكراه. وبالفعل عاشت أولجا لنصف قرن بعد وفاة الكاتب، و اجتهدت في نشر أعماله و لتخليد ذكراه. بقيت أولجا وفية لتشيخوف حتي وفاتها، و كانت دائمًا تقول إن حبها لزوجها هو حب حياتها، و لا تتخيل رجلاً آخر في حياتها غيره. تُوفيت أولجا في عام 1959 عن 91 عامًا، و دفنت بالمقبرة نفسها التي دُفن فيها زوجها الحبيب. و يُعتبر زواج الشاعر سيرجي يسينين من أيزيدورا دونكان (1877-1927)، من أكثر الزيجات شهرة و غرابة في الأدب الروسي في القرن العشرين، حيث لم يكن الشاعر يتقن الإنجليزية إلا أن الباليرينا الشهيرة استطاعت بحركاتها علي المسرح من التعبير عن حبِّها له، وهو يري أن ذلك غير كافٍ للحياة سويًّا. و لم يرُق للشاعر لعب دور الزوج الشاب للراقصة الشهيرة ؛ إلا أن ايزيدورا كانت تقدِّر زوجها كثيرًا و تكنُّ له حبًّا كبيرًا، و ساعدته في العلاج من مرض الاكتئاب و اصطحبته إلي الأطباء، لكن زواجهما لم يطل، كما لم تطل حياتهما بعد الطلاق أيضًا. وظلت ايزيدورا تبكي حبيبها طويلاً بعد وفاته، و لم تتحدث قط عن الخلافات التي نشبت بينهما في السنوات الأخيرة بسبب مرضه النفسي، و إدمانه علي الشراب، و تهديده المستمر بالانتحار، كما كانت تري أن كل هذا لا قيمة له بجانب الموهبة الفذَّة للشاعر الروسي العظيم و مشاعرها القوية تجاهه. و بعد أن انتحر الشاعر شنقًا في غرفته بأحد الفنادق، لم تمض سوي أعوام قليلة حتي توفيت هي أيضًا في حادثة سيارة. و هناك شكوك حول إمكانية أن تكون هي أيضًا قد انتحرت، حيث عُثر علي إيشارب أحمر تشابكت أطرافه في عجلة السيارة و طرفه الآخر ربط بطوق حول رقبة ايزيدورا. و كانت عادة ترتديه عندما ترقص مع حبيبها يسينين، و عندما كانت ترقص له. كما كانت الشاعرة الروسية الشهيرة آنا أخماتوفا زوجة مثالية، و عونًا كبيرًا لزوجها الأديب الروسي الشهر نيقولاي جوموليوف، و قد استمر زواجهما طيلة ثماني سنوات، في الفترة بين عامَي 1910 -1918م، وقد تحدث الشاعر جوموليوف عنها في خطاباته التي أرسل بها من الجبهة. وتزوج الكاتب الروسي الشهير ميخائيل بولجاكوف من يلينا نيرينبورج شيلوفسكايا في عام 1932، و عاشت معه حتي وفاته في عام 1940. و يري النقاد أن شخصية »مارجريتا» في روايته الشهيرة »المعلم ومارجريتا» هي الأقرب الي زوجته. تخلت يلينا عن زواجها بقائد كبير في الجيش لتتزوج من بولجاكوف، و لم تتخلَّ عنه في الفترات الصعبة التي عاني فيها من الفقر و التضييق. و قامت بإعادة نسخ كتاباته، و كتابة يومياته، وكانت تتولي مسئولية إبرام العقود مع المسارح لعرض أعماله، وناضلت من أجل نشر روايته الشهيرة طيلة عشرين عامًا. مثال آخر علي دور المرأة في دفع ودعم زوجها المبدع، يتمثل في ناتاليا سفيتلوفا زوجة أديب نوبل الشهير الكسندر سولجنتسين، و يرجع الفضل لها في كتابة سيرته كاملة، والتعريف به للعالم، كما عملت أثناء حياته سكرتيرة له، و تقاسمت معه أيامًا صعبة كثيرة، و أهمها العيش في المنفي، و بعد أن تُوفي سولجنتسين بقيت وفية له و لذكراه، و قدمت نموذجًا لما يجب أن تكون عليه زوجة المبدع. و هي اليوم تشرف بنفسها علي الاستعدادات لتنظيم مؤتمر دولي كبير في ذكري مرور 100 عام علي ميلاده. وهكذا نلحظ الدور الكبير والمهم الذي لعبته المرأة في حياة أدباء روسيا الكبار؛ حتي إنه يبدو من الصعب تصور عظمة حياة هؤلاء وغيرهم من المبدعين، لولا وجود المرأة الداعمة، و المؤازرة، و المثابرة والمُلهِمة. أستاذ و رئيس قسم اللغة الروسية بكلية الألسن