في كل مرة أسمع فيها أحدهم يرثي الصحافة الورقية ويتوقع لها أن تنقرض كالديناصورات، ويتحدث بأسي عن القراء الذين انصرفوا عنها وعن توزيعها الذي تدني ، لا أجد حاضرا في ذهني سوي (وجهات نظر) تلك المجلة التي يتذكرها عشاق القراءة ، وكنا ندفع فيها عشرة جنيهات كاملة يوم كانت مبلغا معتبرا ، ونحملها بحماس ونقرأها بشغف ولا نندم علي ما دفعناه ، يكفي أنها كانت تحمل مقالا مطولا بتوقيع هيكل. وقراءة هيكل بالنسبة لي كانت (فرضا)، ففي أول عملي بالكتابة دلني أستاذي الجليل رجاء النقاش علي عشرة كتّاب رأي أن قراءتهم فرض عين علي كل من اختار الكتابة مهنة ، فهم أصحاب أجمل الأساليب وأجمل الصياغات وأرشق العبارات ، وكان الأستاذ هيكل من هؤلاء العشرة العظام بل في القلب منهم ، فقرأته صاغرا في البداية، ولم يترك لي رجاء النقاش فرصة للمراوغة ، فقد كان يسلفني من مكتبته كتابا بكتاب عليّ أن أقرأه في أيام محددة وأعود إليه لأسلمه الكتاب ونتناقش فيه ويعطيني التالي ، وهي تجربة مؤسسة أفادتني كثيرا وعميقا وقعت في سحر هيكل ، بأسلوبه المتفرد وصياغته البليغة وقدرته المدهشة علي السرد والعرض وروعة جمله بالإضافة إلي هذا الكم المذهل من المعلومات والحكايات.. والنرجسية الأنيقة ! ويظل محمد حسنين هيكل حالة استثنائية وفريدة في تاريخ الصحافة والسياسة في مصر .. حقق الرجل من الشهرة والمجد والنجاح ما يستحيل تكراره.. عاش هيكل تجربة حياة طويلة ثرية جعلت منه الصحفي الأول مصريا وعربيا في القرن العشرين.. ومثل هيكل لا يعرف الغياب ولا الرحيل، بل يزيده الغياب بريقا ما يجعله أقرب إلي الأساطير.. وعلي أعتاب ذكراه الثانية نستعيد هيكل: الذكري والمعني والفكرة.. نستعيده من خلال شهادات خاصة لمجموعة ممن عرفوه وعملوا بجانبه وارتبطوا به مهنيا وإنسانيا ولديهم الجديد الذي يحكونه ويضيفونه.. عن هيكل الحاضر دوما نقدم هذه الشهادات والحكايات.