تاريخه أعرق من تاريخ بعض الدول، وتأثيره في ضمير أمته أعظم كثيرًا من حجم حضور بلدان صيِّاحة تصطنع الضجيج، ولا تقدم ناتجًا نافعًا، سوي هدم القائم، وبعثرة المنتظم، فمعرض القاهرة الدولي للكتاب الذي استقبلنا نسمات دورته الذهبية منذ ساعات هو أحد ملامح التفوق الحضاري المصري، وقد حفر عميقًا في الوجدان العربي، بحيث يندر ألا يكون له أثر ما لدي أي مثقف قارئ بالعربية، وعلي منواله نسج الأشقاء في معارضهم المتطورة للكتب، محتذين خبرات معرضنا، وملامح تجربته العريقة التي يتفوق حصادها الخير علي حصيلة بعض الدويلات الصاخبة التي لم تقدم إلي محيطها سوي الدمار والخراب، علي الأقل حاول معرضنا - منذ انطلاقه عام 1969 - أن يكون بشيرًا للثقافة الراقية، وسفيرًا للمعرفة البناءة، لذا يتبوأ معرض الكتاب مكانة مرموقة في نفسي ونفس كل قارئ جاد بالعربية، تدعونا دائما إلي الحرص عليه، وتدفعنا علي مر دوراته إلي تشجيعه وانتقاد سلبياته وأخطاء رحلته، فهو ملمح من ملامح عراقة مصرنا، ودليل علي أنها ليست مجرد صيغ بلاغية ترددها الأغنيات الحماسية، بل هو واقع وتاريخ، وللأسف أتذكر أن بعض بلطجية الأقلام، ومنهم ذلك الملوث الذي هو اسم علي غير مسمي، هاجم معرض الكتاب منذ سنوات قلائل، وسن قلمه المسموم لتشويهه، لسبب غير موضوعي بالمرة، فقد كان لديه مطلب شخصي عند رئيس إحدي مؤسساتنا الثقافية القومية، ويبدو أن المسئول تأخر عن تلبيته، أو امتنع عن تنفيذه، فشن »الموتور» حملة شرسة علي معرض الكتاب وقتها، وهذا الملوث هو مجرد مثال صارخ لنماذج وضيعة كثيرة شائهة تسمم أجواء ثقافتنا، وتعكر أفق صناعة الوعي الحقيقي، وهؤلاء لا يعرفون معني التجرد والإخلاص، فقد تكرر مشهد التهجم علي معرض الكتاب في يوبيله الذهبي قبل افتتاح دورته الجديدة بفترة وجيزة، لأن نفس هذا الموتور كان يرغب في مغنم فلم تمنحه له إحدي مؤسساتنا الثقافية القومية، فهاج وماج وتصور أن الساحة نهب مستباح له ولأمثاله من أهل »السبوبة» الملوثين، ولكن المعرض مضي في طريقه، فنرجو له التوفيق في دورة يوبيله الذهبي امتنانا لعراقة تاريخه، وريادة تجربته، ولكن ذلك لا يعني أننا لن ننتقد أي سلبيات قد تطفو، أو نقاط ضعف قد تبدو، وإنما سيجيئ نقدنا عن موضوعية وإخلاص، لا عن جشع وطمع ووضاعة!