لا أدري إن كانت مزحة أم حقيقة، أن الرئيس السادات كان ذاهباً إلي مقر الحكم في سيارة الرئيس عبد الناصر، وعندما توقف السائق واستفسر أين أمضي؟ سأله السادات: أين كان يذهب عبد الناصر؟.. قال: ندخل شمال، فرد السادات: إدي إشارة شمال وادخل يمين. المقصود هو »لخبطة» الآخرين وتشتيت انتباههم. وفعلاً كان السادات كذلك، سياسته المعروفة ب »الصدمات الكهربائية». كان من الصعب أن يحكم السادات برجال عبد الناصر، وكانوا كارهين له ومتربصين لقراراته وتصرفاته، فتخلص منهم فيما أسماه »ثورة 15 مايو»، بينما اعتبرها الناصريون »انقلاب».. ولكن تهيأ الطريق أمام السادات، لينفذ سياساته، وكانت الضربة القوية التي عززت قبضته القوية علي الحكم. كان جريئاً و»داهية» ولا تعلم خطوته القادمة. وقبل حرب أكتوبر بأيام أمر بمنح بعض ضباط وجنود الجيش أجازات، وأمر بالإفراج عن بعض الطلاب والسياسيين المسجونين، ووجه الإعلام بتبني قضايا ترفيهية توحي بالاسترخاء. ثم كانت صدمته الكهربائية الكبري في اتباع خطة »خداع استراتيجي»، مهما قالوا عنها أو عن أن العدو كان يعرف، أو أن جواسيس أبلغوا إسرائيل بالموعد.. فالمفاجأة التي أصابت إسرائيل بالشلل التام، تثبت عكس ذلك تماماً. ولأنه سبق عصره، فقد أدرك أن الانتصار الكامل علي إسرائيل مستحيل، ولن تسمح القوي الكبري بذلك، بما فيها الاتحاد السوفيتي، اتخذ قراره التاريخي بقبول وقف إطلاق النار، وقال جملته الشهيرة »مقدرش أحارب أمريكا». كان حريصاً علي التمسك بالنصر الذي حققه، وواعياً بأن موازين القوي ليست في صالحه، وأن السوفييت الذين بخلوا بالسلاح، لن يسعفوه أمام تزويد إسرائيل بأسلحة ومعدات لم يستخدمها الجيش الأمريكي نفسه، فقرر أن يستكمل تحرير الأرض بالسلام، فليست هناك حرب لا تنتهي في غرف التفاوض. واجه السادات حرباً ضروساً من لوبي المناضلين في الداخل والخارج، ووصلت الاتهامات إلي حد الخيانة والتفريط في القضية، لكنه ظل صامداً لأنه يعلم جيداً أن التاريخ سيصدر حكماً عادلاً ونزيهاً. وكان قراره بزيارة القدس صدمة أخري مدوية، عندما اشتد حوله الحصار، والعمل علي تجويع شعبه وتحريضه علي التظاهر مثلما حدث في 18 و19 يناير.. وهنا قرر الزعيم أن يستكمل معركة السلام، ليبدأ حرباً أخري في البناء والتنمية، وكان مفاوضاً عنيداً لم يفرط في شبر من الأرض، ووضع القضية الفلسطينية علي مائدة التفاوض، لكنهم خذلوه. هل كانت مصر تتحمل حالة اللا حرب واللا سلم عشرات السنين، بينما يعاني المصريون من تبعات الحروب وآثارها.. وهل يحتمل المصريون استمرار احتلال سيناء أكثر من ذلك؟ الأحداث أنصفت السادات وأعادت اعتباره، وأثبتت أن حكمته البالغة، كانت طوق النجاة، وكثيرون يندمون الآن، لأنهم لم يركبوا الطائرة مع السادات. لكن.. لكل زعيم غلطة.. وغلطته الثقة المفرطة في الإخوان المسلمين إبان توليه الحكم، والإفراج عنهم والسماح لهم بالعمل السياسي، فأذاقوا البلاد كئوساً مرَّة، وخانوا الزعيم الذي أطلق سراحهم ولم يحفظوا جميله. في خطبة شهيرة اعترف السادات أنه كان غلطان، وأنه لا فرق بين الإخوان والجماعات المسلحة، »كلهم زي بعض»، وأدرك أنه لا عهد لهم ولا أمان، وأنهم وراء كل حوادث العنف التي وقعت بالبلاد، بعد أن أعادوا إحياء جناحهم العسكري، وأطلقوا عليه الجماعة الإسلامية. وانفلت زمام الأمور بعد أحداث الزاوية الحمراء في يونيو 1981، وكانت إسرائيل تهدد بعدم استكمال الانسحاب من سيناء.. فجاءت قرارات 5 سبتمبر واعتقل السادات أكثر من 1500 شخصية من كل ألوان الطيف السياسي والديني. وتدحرجت كرات النار بسرعة، حتي وقوع حادث المنصة، واغتيال الزعيم، في ذكري يوم النصر.