حل الثنائيات المتعارضة بين: بين العمامة والقبعة بين التوهج والانطفاء بين الدين والديناميت بين التفكير والتكفير 1 جلسنا نرتشف القهوة .. قهوة بلون الليل الطويل ،الذي لا يريد ان يلفظ انفاسه الاخيرة والمتأخرة بسبب البكاء علي اللبن المسكوب، والوقوف نواحا علي أطلال الأمس ،ودماء الكلمات وأحشاؤها علي مائدة الحوار الذي كان يمضغنا ويشربنا.. ويتطاير ويتناثر.. ويرفعنا ولا يخفض جناحه, حتي للعيون التي في طرفها »حول« سياسي واجتماعي وحضاري.. ! أكان لا بد أن يحدث ما حدث لنا علي مدي الستين عاما الأخيرة في طريقنا المصري ومشوارنا العربي ومشروعنا القومي؟ أكان لا بد أن نحمل الصخرة »صخرة سيزيف« الي أعلي الجبل ثم نسقط بها، ثم نصعد.. ونسقط ونصعد.. ونهبط الي قاع الجب ليلتقطنا بعض السيارة او.. لا، وان التقطونا باعونا بثمن بخس »دولارات« معدودات؟! أكان لا بد أن يموت نصفنا.. ويبيض دمنا.؟ أكان لا بد أن تذبل شجرة أملنا.. ويذوي طموحنا؟. أكان لا بد أن يتجمد حلمنا.. وينزوي في قصر مرصود، و يمكث في كهف موصود، ويلبث في جب مفقود؟ أكان لا بد ان تتعرض هويتنا للاهتزاز والابتزاز.. ؟ وان يتهدد خصوصيتنا الاغتيال والاعتقال.. ؟! أكان لا بد من تفريقنا وتمزيقنا.. وتفريعنا وتقريعنا..؟! أكان لابد أن نمتد بالعرض.. في عالم لايعترف الا بالطول والارتفاع.. والقلع والاقلاع؟! إن»البُديّة« : مهلكة. و»العندية« : مستهلكة!! 2 إذا كانت حاجتنا إلي التثوير شديدة، فإن حاجتنا إلي التنوير أشد، وفي المسافة المتحركة بين الحالة الثورية والهالة التنويرية، لابد من أن نلغي الشقاق والانشقاق بين الثنائيات المتعارضة بين: الاهتزاز والابتزاز ..بين العمامة والقبعة ..بين التوهج والانطفاء..بين المواجهة والأقنعة..بين الدين والديناميت.. بين التفكير والتكفير.. بين الجمود والتحرر،بين منابر العلم وعشوائيات الفكر.. بين سيولة المجتمع وإسالة دمائه.. أوضاعنا معروفة، وأحوالنا مكشوفة، وأوجاعنا لا تستدعي المزيد من التشخيص، كفانا انكشافا.. نحن نحتاج إضاءات ساطعة من أهل الذكر والإختصاص للإقلاع نحو المستقبل، نريد إشعال مصابيح جديدة للتنوير والإستنارة، النفق طويل، والزيت شحيح، والشمعة باهتة، والضوء خافت، والتعثر وارد، وإن كانت الإرادة بلا حدود، فمن يشعل المصباح؟ من يرسل النور؟ هذا ما نسعي إليه، إنطلاقا من تفتيت اللحظة الراهنة وتفكيك عقدتها، وإن بدت عصية ومتأبية، حتي نتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر الثوري. من أجل ذلك.. نستقطر الفكر الذي يطرح بنية أساسية وتأسيسية ينبني عليها كل ما يقيم عمارة المجتمع الجديد، حتي يتوازن المعني والمبني، وتتوازي المعادلة المجتمعية الهادرة من الفعل الثوري الذي لا يقبل القسمة ولا يعترف بالإنشطار، أو يفترض ذلك. ولن تتحقق إلا بإستثارة الجدل الإيجابي وإثارة المسكوت عنه، وبالتخلص من التباسات الواقع السياسي والاجتماعي، لإستبقاء الجوهري والأصيل. ما أحوجنا إلي القراءة الثقافية الكاشفة للمشهد الراهن، بقدر إحتياجنا الي القراءة الواعية التي تكشف المواقع الاستراتيجية في هذا الواقع الذي تختلط فيه الأوراق.. إلا قليلا، ولا يقتدر عليها إلا حملة مصابيح التنوير ومشاعل الإستنارة، لإحتواء الحقيقة الزائغة والملتبسة بالأمشاج والأخلاط السياسية والدينية والاجتماعية والثقافية والحياتية، فتغيم الرؤي بين أيدينا، ولا عزاء إلا لدي المشتغلين بالفكر الجاد، والباحثين عن الصورة الأشمل الأعم وتفكيكها وصولا إلي نقطة ضوء في النفق الذي لا أقول مظلم، ولكنه ضبابي وغامض أكثر من اللازم. 3 مائة عام من الدوران في فلك البحث عن الذات، فلا بحثنا استمر، ولا ذاتنا قابلناها.. اجهاض للأحلام واسقاط للأيام، ضياع وتوهان في عصر الاستعارة.. تجريب وتغريب وتعليب.. ولانزال نجرب ونعيد ونزيد فيما تركه لنا رموز التنوير والاستنارة !.مائة عام من الدوران في فلك البحث عن الذات، فلا بحثنا استمر، ولا ذاتنا قابلناها.. اجهاض للأحلام واسقاط للأيام، ضياع وتوهان في عصر الاستعارة.. تجريب وتغريب وتعليب.. ولانزال نجرب ونعيد ونزيد فيما تركه لنا رموز التنوير والاستنارة . نفس القضايا التي طرحوها وبحثوها وارتضوا حلولها حسب ارضيتهم المعرفية والعرفية، نطرحها نحن في الآن في بداية القرن، والأدهي اننا لانعثر علي حل، نتدثر بعباءات الكناية والتشبيه والتورية، ونتواري خلف أستار الظروف الزمانية والمكانية. لا نزال نتقاتل ونتخاصم: هل نكون مع الغرب ام مع الشرق؟ هل نندفع الي أوروبا ام نكتفي بتراثنا، هل نتمسك بالأصالة، ام نأخذ بالمعاصرة؟ نتيه ونتوه! ونضفر عجزنا بثقافة الأسئلة.. ونلف وندور في دائرة مغلقة.. نفتح الباب أم نغلقه..؟ أم نواربه..؟ أم نواريه الظلام.. ؟ أم نسد الباب الذي يأتي منه الريح فنريح ونستريح؟ العالم من حولنا يتحرك نحو الغد بسرعة الضوء، ونحن لانزال نردد قول الشاعر الجاهلي امرئ القيس قبل ألف وخمسمائة عام أو يزيد: »قفا نبك من ذكري حبيب ومنزل«. 4 في بدايات القرن الماضي طرح حملة مشاعل التنوير كل القضايا التي لانزال نتهافت حولها.. بعضنا في البداية انجرف نحو الحضارة الغربية المعاصرة التي خطفت البصر، وبرقت في العيون، وانبهر ذلك الفريق بأضوائها مثل القروي الساذج الذي بهرته أضواء المدينة.. وراح يموج ويتلاطم مع معطياتها ويشرب افرازاتها.. ويغرف من بحيراتها حتي الثمالة.. وأفاق علي الصدمة الكبري في تلك الحضارة بنشوب الحربين العالميتين الأولي والثانية ومن؟ من أبناء الحضارة أنفسهم!! والفريق الثاني طلب اللجوء الي التراث.. الي الماضي بكل ما فيه من غرائب وشوائب، غير مبال بالعواقب، ارتد الي الأيام الغابرة.. وطلب اللجوء الي القديم بما له وما عليه.. وسجن نفسه في غرفة، هواؤها لا يساعد الشهيق والزفير.. ولا يحدث تفاعلات ولا انفعالات وبالتالي فلا فعل ولا رد فعل.. وطال المكوث والسجن في تلك الغرفة المغلقة والضيقة.. فكان التنفس حشرجة!! وجاء الطريق الثالث (الاشتراكي) ليحقق التوازن بين الاتجاهين مع بداية الخمسينات، وظهور المد القومي وانطلاق حركات التحرر.. وأمجاد يا عرب أمجاد!! وكانت (الانتصارات) ثم (الانكسارات) ثم ال (بين بين) وهكذا نحن دائما.. أصحاب نظرية ال(بين بين) أو الرقص علي السلم.. ويتعب الرقص.. ويتعب السلم.. ونحن لانتعب!! إن الكثير منا يدعي أن له فكرا تقدميا، لكنه مشدود بألف خيط الي الوراء.. ليس هذا فقط، بل ويسعي بما أوتي من قوة فكر وعضلات، الي شد الآخرين وجذب الأبرياء الي خيوطه العنكبوتية ويتعامل ويتجاهل أن أوهن الخيوط خيط العنكبوت! 5 من المسئول عن قطع التيار التنويري والاستناري بيننا وبين المصادر التي يفترض انها أعمدتنا؟ هل الخطأ فيهم.. ام فينا؟ سؤالي ليس بمحكمة .. وتساؤلي ليس بمحاكمة .. لكني واحد من الأحفاد مربوط في خيوط الاجداد، ومن حقي ان اسأل وأتساءل ما الذي يحدث لي وانا في مطالع هذا القرن العجيب ، الذي يعتبر اخطر قرون البشرية وأكثرها عمرانا للأرض .. بغض النظر عن ايحابيات العمران من سلبياته فهو عمران وتعمير واستعمار وعمارة (مع ملاحظة الظلال البغيضة التي تلقي بها كلمة »استعمار« ويفترض انها من العمار والإعمار، لا من الاستبداد، وامتصاص الدماء) مائة عام من التنوير..اذن فالمنطق يقول اننا مستنيرون ولدينا مصابيحنا الفكرية.. واننا مشتعلون ومتوهجون وناريون ونورانيون.. أليس كذلك؟! لا .. ليس كذلك!! والا.. قولوا لي : ما هذا التخبط والعشوائية اللتان نصول بهما ونجول في حلبة هذا العصر.. بل في هذا السياق ينطرح السؤال: في اي عصر من التاريخ نحن نعيش؟ هل هو عصر التساؤلات الكبري ولا أحد يملك الاجابة لأنه عصر المواطن العالمي، أم هو نحن نعيش عصر الحيرة والبلبلة التي تحيط بنا من كل جانب، أم نحن نعيش عدة عصور لا عصر واحد، أم أنه عصر الارتباك ولملمة الذات ، عصر المحافظة علي البقاء، أم أن هناك عدة عصور والمهم تحديدك التاريخي ؟ هذا التباعد في التساؤل ..وهذا التشتت في الرؤي .. يؤكد اننا غير قادرين علي رؤية الواقع وبالتالي غير قادرين علي معرفة في اية مرحلة من التاريخ نعيش ؟ لأن ذلك يجعلنا نقوم بأدوار اجيال ولت ..فنحبس انفسنا في غرفة القديم ، ونلعب أدوار اجيال قادمة فنلهث في شارع العصر، ومن ثم فالاجابة الصحيحة التي نسعي اليها تجعلنا نلعب دورنا الحقيقي علي مسرح الحياة . ان متغيراتنا أكثر من ثوابتنا، بل ان ثوابتنا ترادف الجمود والتجمد والتحجر والتصلب، اين الفأر الجريء الذي يعلق الجرس في رقبة القط؟ الي متي نظل نهرب من جلنا.. في جلدنا.. ومن نفسنا في نفسنا؟ من فضلك شاركني الخطاب.. فالسؤال نصف الجواب، لعلنا يوما نفيق في الطريق.. ولعلنا يوما نثوب ونتوب ونؤوب.. حاول فأنا مثلك أحاول، والحياة محاولة.. أليس كذلك ؟! نفسي الأمارة بالشعر: اذكريني ... كلما لامست روحكِ أنوارُ الجلالْ واذكريني كلما«آنست نارا» واذكريني كلما قلت«امكثوا» كلما جن عليك الليل شمسا وضحاها واذكريني كلما طاف عليكِ.. طائف يحمل مني ذبذبات الشوق في قلب تغشاه الجمالْ..! انفذي فيّ بسلطان، وبالعهد تحلي ابرقي .. إن براق الروح ممدود بموجات«التجلي» واعرجي بي.. إنما لمعراج موصول بأسباب«التخلي» أطلقي روحك في روحي ، افتحي فالفتح قد صار مبينا واختراقي في احتراق.. وبقائي في فنائي