تقدم الدول وتطورها مرتبط دائما بمدي قوتها في البحث العلمي والابتكار، وأصبحت الدول تتنافس في معارك العقول والابداع وليس المعارك بشكلها التقليدي، وخلال العصر الحالي الذي يتميز بالقفزات البحثية والتكنولوجية الهائلة أصبح دعم المخترعين والمبتكرين أمرا ضروريا للحاق بالتطور الكبير الذي يشهده العالم. خطوات كبيرة تحاول الدولة من خلالها دعم شباب المخترعين تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، لبناء طريق مصر المستقبل، وهنا يأتي الدور الأبرز لأكاديمية البحث العلمي التابعة لوزارة التعليم العالي، والتي تختص بشكل أساسي باحتضان المبتكرين والمبدعين وتقديم الدعم لهم، أجرت »الأخبار» حوارا مع د. محمود صقر رئيس أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، الذي يحمل علي كتفيه مسئولية البحث العلمي ويحاول رغم الإمكانيات المحدودة أن يوفر مناخا جيدا للابتكار ودعم النوابغ حتي يصل بأفكارهم إلي أرض الواقع. 170 منحة سنويا لشباب المبدعين وأكثر من 58 فكرة أصبحت شركات في البداية ما عدد الباحثين في مصر؟ عدد الباحثين يصل إلي 130 ألف باحث وهم الحاصلون علي درجة الدكتوراة موزعين بالجامعات والمراكز والمعاهد البحثية، والغالبية العظمي منهم والتي تتعدي الثلثين موجودون في الجامعات، والباقي في المراكز البحثية ومراكز التطوير الموجودة في القطاع الخاص أو مراكز البحوث الموجودة في الوزارات الأخري. هل تري ان تلك النسبة كافية لخدمة البحث العلمي؟ النسبة تعد الأعلي في الدول العربية، فأحد المؤشرات لقياس قوة الدولة هو عدد الباحثين لكل مليون نسمة من السكان، في عدد من الدول العربية يتراوح هذا القياس من 300 باحث لكل مليون نسمة إلي 500 باحث، ولكن في مصر يصل ذلك المؤشر إلي 1000 باحث لكل مليون نسمة من السكان وهي النسبة الأعلي بالدول العربية، ولكن علي مستوي العالم تصل بعض الدول لعدد من 2000 إلي 4000 باحث لكل مليون نسمة. ما البرامج التي تقدمها أكاديمية البحث العلمي للشباب المبتكر؟ نقدم مجموعة من البرامج والمنح والدعم للشباب المخترعين والباحثين، أولا الطلاب في مرحلة التعليم قبل الجامعي من المرحلة الابتدائية وحتي الثانوية في مختلف المدارس، حيث ندعم مشروعات التخرج لطلاب التعليم الفني وطلاب مدارس المتفوقين، كما نقدم برنامج »جامعة الطفل» الهدف منه تقديم تعليم ابداعي ومبتكر للتلاميذ بالتعاون مع الجامعات المصرية، كل جامعة تقوم باستضافة عدد من الطلاب حسب قدراتها من 100 إلي 1000 طالب، وتقوم الجامعة بدعم كل طالب بمبلغ 1000 جنيه، فمثلا اذا استضافت جامعة 500 طالب تقوم الاكاديمية بدعمها ب 500 ألف جنيه، الجامعة تستخدم هذا التمويل في تنفيذ برنامج تعليمي ابداعي طبقاً للمعايير الدولية يضم عددا من المقررات الدراسية في المواد العلمية المختلفة، وتقوم الجامعات بفتح المعامل حتي يستطيع الطالب ممارسة التجارب عملياً مما يمنح الطفل الابتكار والابداع والتجربة. لا يوجد الكثير علي علم ببرنامج جامعة الطفل، هل يوجد اقبال عليه؟ الاقبال كبير جداً، فعندما نفتح باب التقدم لبرنامج جامعة الطفل، نغلق بعد 15 دقيقة بسبب كثافة الاقبال والحصول علي العدد المستهدف، كما ان البرنامج يعلم الطفل كيف يختار المادة او التخصص الذي يحبه بعيداً عن الأسرة والتنسيق وغيرها، فالطالب يدرس المواد التي يحبها فقط، ويقوم الطالب بالتقديم عبر موقع الكتروني جامعة الطفل ويدخل بياناته، وبعد ذلك يختار التخصص والجامعة التي يريد الدراسة بها، وهو يمنح الطالب ميزة اختيار الجامعة والتخصص الذي يحبه. ماذا يدرس الطفل خلال البرنامج؟ يتم توزيع الطلاب وفقاً لاختياراتهم وتبدأ الدراسة في ايام الاجازات جمعة وسبت ونصف العام وحضور المحاضرات والمعامل وفي نهاية البرنامج يقومون بعمل مشروعات تخرج، وبعد ذلك يعرضون تلك المشاريع والابتكارات في معرض القاهرة الدولي للابتكار في نوفمبر من كل عام في جناح خاص بجامعة الطفل داخل المعرض. ما عدد الاطفال الذين استفادوا من جامعة الطفل؟ برنامج جامعة الطفل حقق نجاحا كبيرا خلال 3 سنوات، ووصل عدد الطلاب خريجي البرنامج الي 15 ألف طالب مستفيد من البرنامج، هذا العام نخطط لعمل مؤتمر علمي دولي للطفل، وسيكون من تنظيم خريجي البرنامج. بعض الاطفال يظهرون عبقرية كبيرة في مجال معين، كيف يتم التعامل معهم؟ نظام التعليم الحالي التقليدي قد يكون عائقاً امام الأطفال الذين يمتلكون عبقرية في تخصص معين، ولا يتيح النظام الحالي اختصار السنوات الدراسية كما يحدث في الخارج، ولذلك وافق البرلمان بشكل مبدئي علي انشاء صندوق رعاية النوابغ والموهوبين من الأطفال، وهو يتيح الاستفادة من الاطفال النوابغ ودعمهم بشكل غير تقليدي. وما برامج دعم الطلاب في مرحلة التعليم الجامعي؟ نقدم برنامج »بدايتي» وهو يهدف لدعم مشروعات التخرج لشباب الجامعات، فخطة الدولة هي تدريب خريجي الجامعات علي ريادة الأعمال والشركات الصغيرة والمتوسطة والابتكار، وفي نفس الوقت طلاب الكليات العملية لديهم مشاريع تخرج ونحن نري أن مشاريع التخرج هي فرصة ذهبية للاستثمار بها، لان القائمين عليها شباب لديهم حماس وابتكار وقدرة علي العطاء وعلاقات قوية، ودائما مشاريع التخرج تمولها أسر الطلاب ولكن بسبب الظروف الاقتصادية يمكن أن يكون للشاب فكرة مبتكرة ولكن لا تستطيع الاسرة تحمل تكاليفها، وهنا يأتي دور الاكاديمية التي تقوم بتمويل مشروع التخرج بعد الدراسة واختيارها بناء علي احتياجات الدولة مثل التكنولوجيا وترشيد المياه وتدوير المخلفات وغيرها من قطاعات، ويتراوح التمويل بين 15 ألفا وحتي 75 ألف جنيه للمشروع الواحد، ندعم سنوياً 350 مشروعا، كل مشروع يشارك فيه 10 طلاب، فتقريباً ندعم سنوياً 3500 طالب من الكليات العملية، ويصل التمويل سنوياً لتلك المشروعات إلي 11 مليون جنيه تقريباً. وماذا عن الشباب بعد الجامعة ممن يريد الاستمرار في البحث العلمي؟ هناك العديد من الشباب المبتكرين من الخريجين لم يعينوا في الجامعات ولكنهم يمتلكون أفكارا جيدة ويريدون الاستمرار في الابحاث، وهنا يأتي دور الاكاديمية من خلال برنامج علماء الجيل القادم، وهو عبارة عن منح نقدمها الأكاديمية لأوائل الخريجين علي مستوي الجامعات المصرية ونقدم سنوياً من 150 إلي 170 منحة قيمة المنحة 100 الف جنيه، وذلك البرنامج يكلفنا من 15 إلي 17 مليون جنيه، المنحة تغطي مكافأة شهرية 2000 جنيه للباحث لمدة 30 شهرا المدة الكافية للحصول علي الماجيستير، و40 الف جنيه لشراء المستلزمات البحثية حتي يستطيع اجراء بحثة، وأن 90% ممن يحصلون علي تلك المنحة يعملون بعد ذلك في الجامعات والمراكز البحثية. وكيف يتم التعامل مع الشباب الخريجين ممن ليسوا من أوائل الجامعات؟ الشباب الذي يمتلك فكرة مشروع يوجد برنامج تابع للاكاديمية باسم الحاضنات التكنولوجية »انطلاق»، وهو برنامج يدعم أي فكرة قائمة علي أساس علمي، ويقوم الشباب بتقديم فكرته في »الحاضنة» حسب التخصص والتي لديها 17 فرعا بالمحافظات بالتعاون مع الجامعات والمراكز البحثية والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني، ويقوم البرنامج باحتضان الفكرة غير المكتملة وتحويلها إلي فكرة متكاملة وشركة ناشئة تنافس في السوق ونقدم للشاب الدعم الفني والاقتصادي، وتكلف تلك الحاضنة اكاديمية البحث العلمي من 150 ألفا إلي 200 ألف جنيه للمشروع، ونحن نحتضن حالياً 85 فكرة، ندعمهم ب 28 مليون جنيه، تخرج منهم 58 شركة اصبحت في السوق. وهل تساعد الاكاديمية المخترعين في تسويق ابحاثهم؟ العالم كله يتجه للتسويق أون لاين من خلال التسويق الالكتروني، ولذلك قامت الاكاديمية بتأسيس »بنك الابتكار المصري» علي الانترنت ومسجل باسم اكاديمية البحث العلمي كعلامة تجارية، وهو من المشاريع الجديدة التي اطلقتها الاكاديمية بناء علي تعليمات الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال مؤتمر الشباب الذي انعقد بجامعة القاهرة، وستجد داخل الموقع الالكتروني العديد من العناصر منها سوق الابتكار والذي يعرض الابتكارات الجديدة التي يمكن الاستثمار بها وتكون الاكاديمية وسيطا بين المستثمر والباحث حتي يكون هناك مصداقية وضمان للحقوق، ويمكن للمخترع عرض اختراعه بناء علي ادخال بيانات محددة، كما يمكن المستثمر من استعراض الاختراعات الجديدة التي يمكن الاستثمار فيها بعد تسجيل بياناته. ما ميزانية البحث العلمي في مصر؟ الميزانية من الدخل القومي تعادل 18 مليار جنيه، موزعة علي كافة وزارات الدولة من خلال مراكز التطوير والبحوث التابعة للوزارات وغيرها، النسبة التي تخص وزارة التعليم العالي والبحث العلمي مليار جنيه تقريباً، الذي يخص أكاديمية البحث العلمي حوالي 250 مليون جنيه وهي الميزانية التي نصرف منها علي انشطة الاكاديمية. إلي أين وصلنا في مؤشر الابتكار العالمي؟ نحن قفزنا بشكل كبير في المؤشر ووصلنا للمركز 94 وكنا في المركز 105 عام 2016، وهذا المؤشر يؤثر بشكل عام علي الدولة، لانه مؤشر مركب فهو يقيس كافة العوامل المؤثرة علي بيئة الابتكار من الاستقرار السياسي والاقتصادي والتعليم والبنية التحتية وغيرها من عوامل مؤثرة.