في دنيا المناصب الرفيعة هناك من يضيف له المنصب مكانة وسلطة ونفوذًا ومن يضيف إلي المنصب بصمات مؤثرة، صادقة، باقية، لا ينساها الناس حتي بعد أن يغادر صاحب المقام الرفيع منصبه. الوزيرة نبيلة مكرم من النوعية الثانية كما أراها وأتابع إنجازاتها المهمة عن بعد. لذلك فليس غريبًا أن تبقي وزيرة الهجرة وشئون المصريين بالخارج في أكثر من تغيير وزاري منذ أن تولت المنصب وأعادت إنشاء الوزارة في 19 ديسمبر 2015. كانت الوزارة ملغاة، منسية منذ عشرين عامًا، وتم تحويلها إلي إدارة تابعة لوزارة القوي العاملة. أي أنها وضعت رؤية كاملة شاملة من الصفر لوزارة تهتم بشئون المصريين بالخارج وتربطهم بالوطن الأم، كما تستفيد بوجودهم كمواطنين مصريين في كل بلاد الدنيا لدعم اقتصاد مصر وتمثيلها بأفضل صورة. منذ تولت منصبها تقوم برحلات مكوكية إلي كل البلاد التي يعيش بها جاليات مصرية، تلتقي بهم، تستمع إليهم، تشجعهم علي المشاركة السياسية في صنع مستقبل مصر، في ذهنها عدة أهداف أولها زرع الثقة في المواطنين بالخارج بحكومتهم وبالوزارة الجديدة. كما نجحت في جمع أبناء الجاليات المصرية بعد عقد العديد من المؤتمرات معهم أهمها "مصر تستطيع" التي جمعت فيه العديد من الرموز المصرية في الخارج، وعملت علي حل العديد من المشكلات التي تواجه المصريين في دول الخارج. زارت الدكتورة نبيلة مكرم الأردن، الكويت، السعودية، البحرين، السودان، الإمارات، أستراليا، إيطاليا، الولاياتالمتحدةالأمريكية، وغيرها وركزت في لقاءاتها مع المصريين هناك علي ضرورة زيادة نسب المشاركة السياسية للمصريين في الخارج عن طريق تشجيعهم للمشاركة الانتخابية ومتابعة الحالات التي تواجه مشكلات في الغربة، كما ساهمت في الترويج لشهادة بلادي وهي وعاء ادخاري استثماري للمصريين في الخارج وشهادات دولارية بأسعار مناسبة رغم أن حملة الترويج للشهادات لم تقرر لها أي ميزانية. عملت الوزيرة أيضًا علي إنشاء قاعدة بيانات للمصريين في الخارج رغم وجود العديد من الصعاب لتحقيق ذلك علي رأسها عدم تعاون المواطنين وعدم ثقتهم بالغرض من جمع معلومات شخصية عنهم. هيكلة الوزارة من جديد والعمل بميزانية محدودة كان تحديًا كبيرًا واجهته بشجاعة وحماس، في ظل عدم وجود هيكل راسخ وميزانية محددة. أما الشيء الذي أبهرني حقًا في أداء الوزيرة نبيلة مكرم فهو ما فعلته لربط أبناء الجاليات المصرية الأرمنية ببلدهم الثاني مصر، وذلك من خلال فاعليات أهمها مبادرة "إحنا المصريين الأرمن" التي أطلقتها وزارة الهجرة للاحتفاء بالجالية الأرمينية في مصر في سبتمبر الماضي، وتتضمن عددًا من الأحداث الثقافية والفنية وكذلك زيارات لبعض الأماكن الدينية والتعليمية التي كانت بمثابة شاهد علي إقامة الجالية الأرمينية في مصر، مثل بعض الكنائس والمدرسة الأرمينية في هليوبوليس، وبعض الأماكن في الإسكندرية. رافقت نبيلة وزير شئون المغتربين الأرميني، مخيتار هيرابتيان، للقاء الجالية الأرمينية بالإسكندرية في زيارة المستشفي الأميري حيث يتبرع أبناء الجالية للمستشفي تعبيرا عن حبهم لوطنهم الثاني مصر. تميزت مصر طوال تاريخها العريض كونها حاضنة »كوزموبوليتانية» لحوض البحر المتوسط، هذه الميزة التي أعطتها غني ثقافيًا غير محدود وتفاعلًا كبيرًا مع الحضارات والشعوب المختلفة، وهو الأمر الذي تعيه جيداً الوزيرة نبيلة مكرم وتحرص علي تزكيته وإثرائه، وأن تعود مصر لعهود التنوير التي أفرزت فنًا وأدبًا ومعمارًا وتراثًا مازلنا نقف أمامه بكل إعجاب وحب وأمل في أن نجد من يضع نصب عينيه استعادته. وجاءت فكرتها البراقة بتكريم أبناء الجاليات لتكون مصر هي أول دولة في العالم تكرم الجاليات المقيمة علي أرضها خلال أسبوع »العودة للجذور» والذي حضره الرئيس السيسي ورئيسا اليونان وقبرص، وأيضاً أكثر من 150 من اليونانيين والقبارصة المصريين الذين أتوا من كل دول العالم. مثلت نبيلة مكرم مصر في عدة دول كديبلوماسية قبل توليها الوزارة منها البرازيل، والولاياتالمتحدة، ودبي، وتميزت في السلك الدبلوماسي تخرجت عام 1991 في كلية سياسة واقتصاد بتقدير جيد جدًّا، ودرست في مدرسة سانت جان أنتيد في الإسكندرية.