أسعار الأسماك واللحوم اليوم 24 أبريل    «الجمهورية»: الاحتفال بيوم الأرض يتزامن مع جهود مصر لأجل أمن واستقرار المنطقة بأسرها    النشرة الصباحية من «المصري اليوم».. انخفاض الذهب و48 ساعة قاسية في الطقس والكونجرس يوافق على مساعدات لإسرائيل    «زراعة الإسكندرية»: ذروة حصاد القمح الأسبوع المقبل.. وإنتاجية الفدان تصل ل18 أردبًا هذا العام    نمو الطلب على إنتاج أيه إس إم إنترناشونال الهولندية لمعدات تصنيع الرقائق    الصين تعارض إدراج تايوان في مشروع قانون مساعدات أقره الكونجرس الأمريكي    إسرائيل تشكر «الشيوخ الأمريكي» على إقراره المساعدة العسكرية    مفوض أوروبي يطالب بدعم أونروا بسبب الأوضاع في غزة    موعد مباراة الحسم بين الأهلي ومازيمبي في دوري أبطال إفريقيا والقناة الناقلة والمعلق    هل يكون الشوط الأخير؟.. الأهلي يفاجئ علي معلول    قبل 8 مايو.. ما شروط الأعذار المرضية قبل بدء امتحانات نهاية العام 2024؟    مطالبات بفتح تحقيق دولي بشأن المقابر الجماعية المكتشفة في غزة    مصطفى الفقي: مصر ضلع مباشر قي القضية الفلسطينية    الكونجرس يقر مشروع قانون يحظر «تيك توك» بالولايات المتحدة    طقس اليوم.. شديد الحرارة نهارا مائل للحرارة ليلا والعظمى بالقاهرة 41    عاجل - يسكمل اقتحامه غرب جنين.. قوات الاحتلال داخل بلدة سيلة الظهر وقرية الفندقومية    موازنة النواب: تخصيص اعتمادات لتعيين 80 ألف معلم و30 ألفا بالقطاع الطبي    اليوم، فتح متحف السكة الحديد مجانا للجمهور احتفالا بذكرى تحرير سيناء    بعد وصفه بالزعيم الصغير .. من هم أحفاد عادل إمام؟ (تفاصيل)    قناة «CBC» تطلق برنامج «سيرة ومسيرة» الخميس المقبل    خطر تحت أقدامنا    مصطفى الفقي: كثيرون ظلموا جمال عبد الناصر في معالجة القضية الفلسطينية    نتائج مباريات ربع نهائي بطولة الجونة الدولية للاسكواش البلاتينية PSA 2024    إصابة العروس ووفاة صديقتها.. زفة عروسين تتحول لجنازة في كفر الشيخ    رئيس البنك الأهلي: «الكيمياء مع اللاعبين السر وراء مغادرة حلمي طولان»    موعد مباراة ليفربول وإيفرتون في الدوري الإنجليزي والقنوات الناقلة    أيمن يونس: «زيزو» هو الزمالك.. وأنا من أقنعت شيكابالا بالتجديد    حظك اليوم وتوقعات الأبراج الأربعاء 24/4/2024 على الصعيد المهني والعاطفي والصحي    بقيادة عمرو سلامة.. المتحدة تطلق أكبر تجارب أداء لاكتشاف الوجوه الجديدة (تفاصيل)    موعد مباراة مانشستر يونايتد وشيفيلد في الدوري الإنجليزي والقناة الناقلة    من أمام مكتب (UN) بالمعادي.. اعتقال 16 ناشطا طالبوا بحماية نساء فلسطين والسودان    مسئول أمريكي: خطر المجاعة «شديد جدًا» في غزة خصوصًا بشمال القطاع    إعلام عبري: مخاوف من إصدار الجنائية الدولية أوامر اعتقال لمسؤولين بينهم نتنياهو    نشرة التوك شو| انخفاض جديد فى أسعار السلع الفترة المقبلة.. وهذا آخر موعد لمبادرة سيارات المصريين بالخارج    3 أشهر .. غلق طريق المحاجر لتنفيذ محور طلعت حرب بالقاهرة الجديدة    أداة جديدة للذكاء الاصطناعي تحول الصور والمقاطع الصوتية إلى وجه ناطق    القبض على المتهمين بإشعال منزل بأسيوط بعد شائعة بناءه كنيسة دون ترخيص    مصرع سائق سقط أسفل عجلات قطار على محطة فرشوط بقنا    تونس.. قرار بإطلاق اسم غزة على جامع بكل ولاية    فريد زهران: دعوة الرئيس للحوار الوطني ساهمت في حدوث انفراجة بالعمل السياسي    بالأسماء.. محافظ كفر الشيخ يصدر حركة تنقلات بين رؤساء القرى في بيلا    تعيين أحمد بدرة مساعدًا لرئيس حزب العدل لتنمية الصعيد    الأزهر يجري تعديلات في مواعيد امتحانات صفوف النقل بالمرحلة الثانوية    ما حكم تحميل كتاب له حقوق ملكية من الانترنت بدون مقابل؟ الأزهر يجيب    ‏هل الطلاق الشفهي يقع.. أزهري يجيب    هل يجوز طلب الرقية الشرعية من الصالحين؟.. الإفتاء تحسم الجدل    حكم تنويع طبقة الصوت والترنيم في قراءة القرآن.. دار الإفتاء ترد    رغم فوائدها.. تناول الخضروات يكون مضرا في هذه الحالات    أجمل مسجات تهنئة شم النسيم 2024 للاصدقاء والعائلة    عصام زكريا: القضية الفلسطينية حضرت بقوة في دراما رمضان عبر مسلسل مليحة    «رب ضارة نافعة»..أحمد عبد العزيز يلتقي بشاب انفعل عليه في عزاء شيرين سيف النصر    تنخفض 360 جنيهًا بالصاغة.. أسعار الذهب في مصر اليوم الأربعاء 24 إبريل 2024    قد تشكل تهديدًا للبشرية.. اكتشاف بكتيريا جديدة على متن محطة الفضاء الدولية    طريقة عمل الجبنة القديمة في المنزل.. اعرفي سر الطعم    كم مرة يمكن إعادة استخدام زجاجة المياه البلاستيكية؟.. تساعد على نمو البكتيريا    موعد مباريات اليوم الأربعاء 24 أبريل 2024| إنفوجراف    مع ارتفاع درجات الحرارة.. دعاء الحر للاستعاذة من جهنم (ردده الآن)    عاجل- هؤلاء ممنوعون من النزول..نصائح هامة لمواجهة موجة الحر الشديدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جبرا إبراهيم جبرا
نشر في أخبار الأدب يوم 06 - 10 - 2018

اثنان أدخلا الرواية الفلسطينية بوابة الإبداع : غسان كنفاني، وجبرا إبراهيم جبرا.كانا رائدين في مجال السرد الروائي، ونقلا الرواية الفلسطينية من العفوية والهواية الي الاحتراف الواعي، والتجديد وامتلاك العناصر الفنية.
أدخلا الرواية الفلسطينية بوابة الإبداع، وأدخلاها المشهد الثقافي العربي والإنساني ،وترجمت معظم أعمالهما إلي اللغات الحيّة.
لقد ربطتني بهما صداقة حميمة، صداقة غسان كنفاني لم تطل إذ اغتيل من قبل جهاز الموساد الإسرائيلي في بيروت عام 1972 بعد عامين من تعرّفي عليه ، وكنت في بداية مشواري الأدبي، أمّا جبرا فقد امتدت بيننا الصداقة منذ سبعينات القرن الماضي الي حين وفاته عام 1994.
وفي هذا المقال سأتحدّث عن جبرا إبراهيم جبرا، وفي مقال قادم سأتحدّث عن غسان.
جبرا إبراهيم جبرا من مواليد مدينة بيت لحم عام 1920، وتلقي دراسته في القدس، ثم أكمل دراسته بعد النكبة في بريطانيا والولايات المتحدة، وعاش في المنفي، وتحديدا في العراق، وعمل أستاذا جامعيا، وانغمس في الحركة الثقافية العراقية التي كانت تشهد حركة تجديد في مجالات الشعر علي يد نازك الملائكة وبدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي وفي مجال الفن التشكيلي والنحت علي يد جواد سليم وفائق حسن وغيرهم، وتفاعل مع الثقافة العراقية والعربية، واستطاع أن ينجز مشروعه الثقافي موظفا موهبته ومهارته وأن يحافظ علي هويته وخصوصيته الفلسطينية.
عبّأ جبرا الحياة الثقافية العربية بعطاء متدفق لا ينقطع في مختلف مجالات الآداب والفنون، وكان واحدا ممن حملوا لواء التجديد، وانفتحوا علي تيارات الحداثة. فهو الشاعر الذي كان من رواد الشعر الحر، وكان حاضرا في طليعة مدرسة مجلة شعر ، وإن كان له موقف مختلف من قصيدة النثر، وهو المترجم القدير الذي ترجم معظم أعمال شكسبير، والذي ترجم أيضا رواية وليم فوكر (الصخب والعنف) التي تأثّر بها جيل من الأدباء العرب.
تعرفت عليه لدي زياراتي لبغداد في النصف الثاني من السبعينات، وكان يدعوني ويدعو كبار الأدباء إلي بيته علي عشاء يتحوّل إلي ندوة ثقافية مفتوحة، ومن أولئك المدعوين كان صديقنا المشترك عبد الرحمن منيف الذي كان وقتها مقيما في بغداد، وكان منيف في ذلك الوقت قد أصدر بضع روايات أهمّها رواية (شرق المتوسط ) التي تحدثت عن القمع والتعذيب في السجون العربية وكان لها صدي في الأوساط الأدبية.
كان جبرا كريما ودودا، وكنّا بعد تأسيس اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين نبحث عن الكفاءات الفلسطينية واستقطابها للاستفادة من خبراتها في تعزيز المشهد الثقافي الفلسطيني، وكان جبرا يحتفظ لنا بالود دون أن يسعي إلي الانضمام الي عضوية هيئات الاتحاد، وكانت تربطنا صلات بعائلته، وطالما شكت زوجته الطيّبة من الفوضي التي تحدثها كتبه والتي ضاقت بها مكتبته وامتدت الي غرفة المعيشة وصالون الضيوف ومختلف الغرف والممرات.
تعرفت عليه آنذاك في مرحلة الشباب المبكر كأديب فلسطيني واعد، وكان قد قرأ لي عملين، الأول رواية: نجران تحت الصفر، والثاني قصة : تلك المرأة الوردة.
قلت ان جبرا كان ودودا، وأضيف إنه كان خفيف الظل وخفيف الدم، ويميل في جلساته الي خلق جو حميم من خلال الطرفة وسرد الذكريات والحكايا الطريفة، واذكر هنا انه لم يتخل عن دعوتنا علي وليمة غداء أو عشاء في بيته علي الرغم من السنوات العجاف التي مرت بها العراق عندما حوصرت وهبط سعر الدينار العراقي أمام العملات الصعبة إلي الحضيض.
كان في أواخر أيامه يعيش من راتبه التقاعدي الذي كان يكفيه عندما كان الدينار العراقي يساوي ما يقارب ثلاثة دولارات، ولكن بعد أن هبطت قيمة الدينار هبوطا مريعا لم يعد هذا الراتب يكفيه، واذكر أنّه دعاني مع أصدقاء وكتاب آخرين الي بيته علي حفل عشاء، في تلك الأيام الصعبة لدي زيارتي لبغداد، وغمرنا بلطفه وكرمه وأحاديثه البهيجة، ومن خلال الحديث عرفنا أنه بلغ العوز والحاجة واضطرّ إلي بيع سيّارته .
قال لنا إنّه عندما استشار أحد معارفه المتخصص في بيع السيارات، أشار عليه بأن يفككها ويبيع قطعها لتجّار الخردة، مما سيكسبه مبلغا اكبر من المبلغ الذي سيدفع له فيما اذا باعها كما هي.
وبروحه المرحة قال إنه فككها فعلا، وصار يبيع كل قطعة علي انفراد كلما احتاج النقود لتستمر الحياة.
مرة يبيع الأبواب، ومرة يبيع الموتور، ومرة يبيع المقود ..الخ.
وفي هذا الجو الطريف سأله أحدهم:- وماذا بعت من أجل نفقات هذه الوليمة الفاخرة ؟
فأجاب وهو يضحك ضحكة ساحرة: من أجل هذه الوليمة بعت عجلات السيارة.
كان قلبه متعلقا بفلسطين، في مدينة بيت لحم، في البلدة القديمة حيث ولد هذا الفلسطيني المسيحي من طائفة السريان الأرثوذكس، قريبا من كنيسة المهد.
كتب عنها سيرة ذاتية في كتابه (البئر الأولي)، عن طفولته وأسرته الفقيرة، وعن ذكرياته في ذلك البيت الفقير، البيت الدافيء بحنو الأم ورعاية الأب.
كان يعتبر العراق الذي عاش فيه بعد النكبة حتي وفاته وطنه الثاني، لكنّ وطنه الأول الذي يسكن القلب والروح والوجدان هو فلسطين، فلسطين التي كتب عنها دقّات قلبه ورعشات حنينه الشعر والقصص والروايات.
لم يعمل بالسياسة، ولم ينضم الي حزب أو فصيل، كان شخصيّة مستقلة، وكان يعتبر منظمة التحرير خيمته ووطنه المعنوي.
تعرّف علي ياسر عرفات في بغداد، وكان عرفات يحرص علي لقاء الشخصيات الاجتماعية والثقافية الفلسطينية المقيمة في العراق.
كان عرفات حريصا علي صداقة جبرا، ففلسطين بلد التنوع الثقافي والديني، وكان عرفات يعتبر وجود العنصر المسيحي في ألحركة الوطنية الفلسطينية يثري هذا التنوع ويعزز الوحدة الوطنية، وكان عندما يتحدث عن القدس أو بيت لحم يؤكد علي المقدسات المسيحية والإسلامية، ويحرص علي وجود العنصر المسيحي في مختلف أطر منظمة التحرير.ومن الطرائف التي نتداولها أنّ الزعيم عرفات عرض علي جبرا عضوية المجلس الوطني (برلمان الشعب الفلسطيني) عام 1987 في دورة المجلس التوحيدي الذي عقد في الجزائر ليكون رئيسا لهذا المجلس كونه مثقفا وأديبا وشخصية اعتبارية بارزة. وكانت تلك سابقة أراد منها عرفات الذي يتقن إدارة العمل السياسي تثبيت العنصر المسيحي في الحركة الوطنية، وإرسال رسالة للعالم المسيحي بأن فلسطين هي مسري محمد صلي الله عليه وسلم و مهد المسيح عليه السلام.
اعتذر جبرا إبراهيم جبرا للزعيم عرفات عن هذا العرض بكل ما يملكه من كياسة ودماثة، وقال للرئيس عرفات إنه قد تجاوز الستين من العمر، ومن الأجدر برئاسة المجلس الوطني واحد من جيل الشباب.
ومن المفارقة أنّ المجلس قد انعقد، وانتخب بدعم من عرفات الشيخ عبد الحميد السائح الذي كان في سن الثمانين من العمر.
ولم يعيّن واحدا من جيل الشباب.
كان جبرا يعمل بالسياسة بوسائل أخري، كان يخدم وطنه فلسطين من خلال الثقافة،هذه القوة الناعمة التي حافظت وعززت الهوية الفلسطينية، وأوصلت عدالتها الي عمق الرأي العام العالمي من خلال كتبه التي ترجمت الي معظم لغات العالم.
حقق جبرا كما محمود درويش مشروعه الثقافي، وصنع معه ومع أجيال من المبدعين الفلسطينيين حقيقة مؤكدة وهي أنّ الثقافة كانت ولا تزال جزءًا لا يتجزأ من المشروع الوطني الفلسطيني الذي يكافح من أجل العودة وتقرير المصير، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.