نظم المركز الإعلامي والثقافي الفلسطيني بالقاهرة ندوة عن الكاتب والسياسي الفلسطيني الراحل غسان كنفاني المولود بعكا عام 1936، واغتيل في بيروت في 8 يوليو 1972 علي يد المخابرات الإسرائيلية، شارك فيها الناقد الأردني الجنسية الفلسطيني المولد فيصل دراج، والمخرج توفيق صالح، وأدارتها الفنانة التشكيلية الفلسطينية لطيفة يوسف. تحدث فيصل دراج فقال: جمع غسان كنفاني بين السياسة والكتابة ليس بالمعني البسيط الذي يعني دمج السياسة في رواية، ولكنه كان يهدف إلي إيجاد قارئ فلسطيني مندمج في فكر قضيته، كان غسان كاتبا متعددا، كتب المسرحية والقصة القصيرة والرواية ودراسات عن الأدب الصهيوني والفلسطيني، ولم تأتي أهمية أعماله من الكم، ولكن كما قال عنه يوسف إدريس: غسان صاحب قصة متميزة أضاف نوعيا للقصة الفلسطينية والعربية، وفي مجال الرواية تعد رواية رجال في الشمس العمل الأول الذي عبر عن معني المأساة الفلسطينية، بالإضافة إلي رواية المتشائل سعيد بن أبي النجس لإميل حبيبي، وروايتي الضوء الأزرق وسأكون بين اللوز للأديب الراحل حسين البرغوثي. لخص غسان مفارقة الثورة الفلسطينية 1936 - 1939 في دراسته التاريخية التي رصد فيها أن 91٪ ممن شاركوا في الثورة من الفلاحين، و3٪ من فقراء المدن، وما تبقي ينتمون إلي سوريا ولبنان، في جملة موجزة: من يقاتل لا يقود، ومن يقود لا يقاتل. وأضاف دراج: يعد غسان مؤسس النثر الفلسطيني الحديث، كما قال محمود درويش، ورغم أن جبرا إبراهيم جبرا قد سبقه في ذلك فإنه كان يسعي إلي التجديد ونقد الواقع وخلق قارئ فلسطيني جديد. وكان يردد دائما أن الوطن ليس مجموعة ذكريات، وإذا كان الإنسان عاجزا عن اختيار ميلاده، فهو غير عاجز عن اختيار موته، وقد مارس هذه الجملة حتي النهاية، لأنه اختار الموت الذي يريده. وأكمل: كان غسان مسكونا بفكرة العار، والهروب من فلسطين، والخجل من انتمائه لشعب آثر الفرار من وطنه للعمل في دول الخليج للعودة بأموال النفط ليعيش في رغد بعد ذلك، وكان يري أن علي شعبه أن يموت ليتطهروا من الإثم الذي وقعوا فيه، ولم يكن يؤمن بأن الإشكالية في الصراع الفلسطيني الصهيوني ليست في ضراوة العدو الصهيوني، بقدر ما هي في بلادة الشعب العربي، ومن هنا جاءت عدمية غسان، وهو كيف نحرر فلسطين في ظل شرط عربي مطلق لا يسمح بتحرير أي شيء. وفي نهاية حديثه عبر دراج عن دهشته لاعتقاد الفلسطينيين أن هويتهم شبه كاملة ومنجزة، وهذا غير صحيح، في حين أن الهوية الصهيونية متحققة لأن الصهيوني قدم مشروعا صهيونيا وقاتل من أجله وانتصر، فهويته هي انتصاره. وتحدث المخرج توفيق صالح قائلا: تعرفت علي غسان كنفاني عن طريق الكاتب الراحل أحمد بهاء الدين، كان مبدعا كبيرا ويستبصر الأحداث وكان يعرف أن الفلسطينيين لن يخرجوا من هزيمتهم إلا بعد فترة طويلة، وقد حاولنا إخراج فيلم المخدوعون المأخوذ عن رواية رجال في الشمس عام 1963، ولم نستطع إخراج الفيلم في مصر، وكنت أعيش في سوريا، وكانت الأحداث تتطور بشكل مخيف حتي وقعت كارثة يونيو 1967، فطرحت الفكرة مرة أخري، وأعدت كتابة السيناريو، وعندما أخرجت الفيلم جعلت الناس تقرع الخزان، وعندما اعترض غسان قلت له: أنت تري الفلسطيني وقد هزم وترك نفسه للموت، أما أنا فأري التاريخ الفلسطيني يتغير، وبالفعل بدأت المقاومة المسلحة في الظهور، وطرق الفلسطينيون فعلا علي الخزان، لأنهم أدركوا أنه لا مفر ولا بديل من الرجوع لأوطانهم واستنشاق هوائه، وقد بدأت الفيلم ببيت لمحمود درويش يقول فيه: من ليس له وطن، ليس له قبر. أما المستشار الثقافي الفلسطيني محمد خالد الأزعر فقال: الأدب الفلسطيني له حضوره علي الساحة الثقافية العربية، وبعد 45 عاما من قرع الخزانات لا زلنا نبحث عن الفلسطيني النزيه، وقد أنسن غسان الفلسطيني فلم ينحط بمنزلته، ولم يرفعه إلي درجة الملائكية، وهذه هي الطبيعة البشرية، وستظل حياة غسان ممتدة وأدبه باقيا، والصهيونية كانت لها رؤية بدليل أنها عجلت باستئصال غسان مبكرا بكمية هائلة من المتفجرات، وكانوا يرصدون ما الذي يمكن أن يؤثر في الأجيال الفلسطينية، وهم بذلك أعطوه زمنا آخر ممتدا، ربما لم يتم الالتفات إليه لو لم يمت بهذه الطريقة البشعة.