لا أحد يعرف حتي الآن التفاصيل الكاملة حول حجب جائزة نوبل وأسبابها، وما خرج من مزاعم التحرش والفساد التي شابت تلك الجائزة العريقة لم يكن سوي بيان مقتضب أصدرته الأكاديمية السويدية حينها، والتي تديرها نخبة أدبية مرموقة يُطلق عليها »الثمانية عشر»، وجدوا أنفسهم في حالة من الفوضي، بعد أن كانوا النخبة الأدبية الأكثر أهمية في العالم؛ الصفوة المنتخبين مدي الحياة، الذين ظلوا لسنوات يمارسون طقوسا مقدسة أهمها الالتقاء كل خميس علي مائدة العشاء في مطعمهم العريق الواقع في قلب مدينة استكهولم في نفس المكان الذي يقام به حفل الجائزة السنوي وينتظره العالم كل عام لإعلان اسم الفائز في احتفالية تتلألأ بين جنباتها الأضواء. »هذا العام لن يكون هناك أي جائزة أو احتفال في نوفمبر القادم، بعد أن كشفت الصحف السويدية أن زوج إحدي عضوات الأكاديمية متهم بارتكابه سلسلة من التحرشات الجنسية، زُعم أنها وقعت علي مدي العشرين عاما الماضية، وهو جان كلود أرنولت المصوِّر الفوتوغرافي المتزوج من الشاعرة والأكاديمية كاتارينا فروستنسون، التي تم توجيه اتهام ضدها وضد زوجها بإساءة استخدام أموال الأكاديمية، وهو ما أنكره أمولت ورفضت زوجته التعليق». هكذا بدأ أندرو براون، الحاصل علي جائزة أورويل سنة 2009 عن كتابة »السيد في اليوتوبيا»، مقاله في الجارديان، مشيرا إلي أن تلك الأحداث أصابت الأكاديمية بالشلل التام بسبب الفضيحة التي أعقبتها سلسلة من عمليات الطرد والإقصاء والاستقالات، حيث انسحب ستة من الثمانية عشر بعد مداولات، وأُجبِر اثنان علي القيام بذلك، في حين أن القواعد والقوانين الخاصة بالأكاديمية تفرض وجوب حضور 12 عضوا لانتخاب أي أعضاء جدد، ولا يمكن اتخاذ أي قرارات هامة قبل ذلك، بالتالي فإن وجود 10 أعضاء فقط لا يمكن معه اتخاذ أي قرارات هامة أو انتخاب أعضاء جدد. وفقا لأحد أعضاء الأكاديمية العليا، الذي رفض ذكر اسمه، فإن المسئول عن الانحلال الأخلاقي للمؤسسة من خلال »قيم متعسفة ومتعالية ومتعجرفة» هو الناقد والمؤرخ هوراس إنجدال أمين عام الأكاديمية سابقا، فهو صديق مقرب من أرنولت المتهم، ووصفه الأمين العام الحالي بأنه الأسوأ في تاريخ الأكاديمية. اندلعت الفضيحة عندما نشرت صحيفة »داجنس نيهيتر» اليومية في ستوكهولم شهادات 18 امرأة تعرضن للتحرش أو الإستغلال من قِبل أرنولت، ورغم كونهن مجهولات، إلا أنه كان مستحيلا تجاهل هذا الكم، خاصة أن من بينهن حالتين وصلتا إلي حد تعرضهما للاغتصاب. ما حوّل الأمر إلي فضيحة عالمية علي نطاق واسع هو الكشف عن انبعاث الفساد من قلب الأكاديمية السويدية، حيث قيل إن معظم الاعتداءات حدثت في شقق مملوكة للأكاديمية في ستوكهولموباريس، بالإضافة إلي أن أرنولت وفروستنسون تربّحا لسنوات من نادي للفنون تدعمه الأكاديمية، يمتلكانه ويديرانه سويا، كما وُجِّه اتهام لفروستنسون بتسريب أسماء الفائزين بجائزة نوبل لأرنولت، الذي وضع رهانات كبيرة عليهم في باريس. ومن جانبه صرّح بيورن هورينج - محامي أرنولت - لصحيفة إكسبريس، أن موكله كان مضطربا، وأن إجباره علي تقديم استقالته خطأ فادح، فهو بريء من تلك المزاعم. بعد وقت قصير من وقوع الفضيحة، أعلنت أمين عام الأكاديمية سارة دانيوس أنها شخصيا تعرضت للتحرش الجنسي من قِبل أرنولت، وأنها استعانت بفريق من المحامين لمحاولة طرد فروستنسون من الأكاديمية. علي الجانب الآخر يدافع عن أرنولت محامون أقوياء؛ علي رأسهم صديقه المقرّب إنجدال الذي قام بحملة لطرد دانيوس، وفي مقال نُشِر في صحيفة إكسبريس استنكر إنجدال سوقية خصومه بالأكاديمية ووصفهم ب »زمرة من الخاسرين السيئين تآمروا لجرح وإذلال كاتارينا فروستنسون». وسط كل هذا تنحت امرأتان، واستقال أعضاء بما فيه الكفاية دعما لدانيوس، فأصبحت الأكاديمية غير قادرة علي المضي قدما بفاعلية لعدم وجود عدد كاف لتشكيل النصاب القانوني، ومن المحتمل أن يتولي ملك السويد المسئولية عن الأكاديمية، وهو ما سيترتب عليه إيقاف كل شئ الصيف الحالي، وبالتالي التعرُّض لعواقب وخيمة محتملة لجائزة للأدب، كأن تتوقف مؤسسة نوبل التي تموِّل الجائزة عن الاستمرار في ذلك لحين تنتهي من تنظيف الأكاديمية. تكتنف الفضيحة بعض المآسي المرتبطة بأشخاص بدأ الأمر معهم بالتخطيط لإعلاء الأدب والثقافة، ثم اكتشفوا أنهم أصبحوا قوادين للأدباء والأشخاص المتسكعين معهم، فقد كان السعي وراء التميز في الفن متشابكا مع السعي وراء المكانة الاجتماعية، وكانت الأكاديمية تتصرف كما لو كانت وجبات الطعام في ناديها بمثابة إنجاز يتساوي مع دعوة الناس للانتخاب، وكان لديها اعتقاد أنها تسير علي نهج ثقافة تي إس إيليوت الذكورية إلي حد ما، والنخبوية بلا خجل، لكن تبين أنها تشبه إلي حد بعيد ثقافة نجم روك عجوز، متعجرف، مفتول العضلات، مع وقاحة تضخيم ذاته المحصنة بالنفوذ والشهرة. إن تدمير سمعة الأكاديمية لا تضر فقط مؤسسة سويدية عريقة راسخة، بل أيضا بالمثل الأعلي الذي تمثّله، وبحلم الثقافة العالمية السامية التي تمثلها جائزة نوبل. كانت الأكاديمية منذ إنشائها سنة 1786 مؤسسة نخبوية، من أجل احتواء أفضل الأدباء والعلماء في السويد، والحفاظ علي إرساء قواعد اللغة، حيث أعلنت قائمة رسمية بكل الكلمات المعترف بها في اللغة السويدية، ولا زالت تعمل علي ذلك، وبعد مرور أكثر من قرن علي اعتماد القاموس النهائي للغة، تم انتخاب الأعضاء مدي الحياة، وأُعلنت عضويتهم مع الافتتاح، في حفل باذخ واستثمارات بلغت قيمتها آنذاك ما يقرب من 110 مليون جنيها أسترلينيا، تجلب للعضو مزايا مالية كبيرة، علاوة علي مزايا أخري من شقق في أجمل مناطق ستوكهولم، وحفلات العشاء الأسبوعية، والمكاتب الفخمة المبهجة، وما لا يعلن عنه من مكافآت، لكن بالتحقيق في عائداتهم الضريبية الموجودة في أوراق ستوكهولم وُجِد أنهم يحصلون علي 40 ألف جنيه أسترليني سنويا كمشاركين نشطين. من الصعب اكتشاف ما تفعله الأكاديمية السويدية من أجل السويد المعاصرة، هناك نوع من الأدب يحتاج وجوده وازدهاره وبقاؤه علي قيد الحياة دعم حكومي، مع بعض الاستثناءات، وأفراده لا يمكنهم كسب لقمة العيش من الكتابة، ذلك بالطبع ينطبق علي الجميع في كل مكان حاليا، لكن في عالم تهيمن عليه بعض اللغات العالمية وعلي رأسها اللغة الإنجليزية، فإن لغة مثل اللغة السويدية – مع تسعة ملايين فقط يتحدثونها – لا يمكنها أن تكفي العديد من الأدباء اقتصاديا، فالكتب التي تباع في السويد – عادة – هي تلك التي يمكن ترجمتها بشكل مربح، وأغلبها تندرج تحت نوعية روايات الجريمة، مع بعض الاستثناء في بعض الأحيان مثلما حدث مع رواية »موسيقي شعبية من فيتولا» الصادرة سنة 2000 عن دار نشر سفن ستوريز برس للكاتب مايكل نييمي. خلال سبعينيات القرن العشرين تعرضت للهجوم فكرة أن الأكاديمية هي ذروة الثقافة السويدية، وبدا الاعتقاد بأن الثقافة الأوروبية - خاصة السويدية - تمثل قمة الإنجاز البشري غير مقنع إلي حد ما، فكان ذلك بالنسبة للأكاديمية بمثابة تهديد وجودي ينمو ببطء، خاصة مع الطموح الاستثنائي للجان التحكيم في الأكاديمية، الذي لم يقتصر فقط علي قراءة الأدب الأجنبي بلغته الأصلية، بل امتد لما هو أبعد من ذلك للحكم علي أصالة الأعمال وأهميتها في إطار تقاليدها الخاصة، لكن مع توسع عالم الأدب ليشمل أمريكا اللاتينية وأفريقيا والهند واليابان والصين، أصبح هذا التطلع غير منطقيا. عملت الأكاديمية السويدية علي تثبيت الإدعاء بأن اللغة السويدية كانت واحدة من أعظم اللغات بالحضارة الأوروبية، وتستحق الاحترام مثل اللغات الأخري، وفي سنة 1974 وضعت الأكاديمية هذا الاعتقاد تحت الاختبار، استعانت فيه باثنين من أعضائها، ورشحّت الشاعر هاري مارتينسون وإيفيد جونسون لنيل الجائزة، وهو الاختيار الذي قوبل بعاصفة من السخرية »بعد أربع سنوات انتحر مارتينسون»، كان ذلك الانتقاد يبدو قاسيا علي نحو غير مبرر، فمارتينسون شاعر أفضل كثيرا من بوب ديلان الحاصل علي الجائزة سنة 2016، لكن رد الفعل الرافض كان تحذيرا مما هو آت. انتخِبَت الروائية كريستين إكمان لملء الفراغ الذي أحدثه مارتينسون، وهي تعيش في شمال السويد، لذا لم تتأثر بهيبة الأكاديمية، كما رتبت عدم السفر لحضور وجبات العشاء الأسبوعية في ستوكهولم، لأن ذلك من شأنه أن يعرقل عملها كثيرا، ثم تركت المنصب سنة 1989 بسبب خلاف، حين فشلت الأكاديمية في مناقشة اقتراح تأييد سلمان رشدي، بعد صدور فتوي ضده، كما حاول عضوان آخران الاستقالة بسبب رشدي، وقيل لهما كما قيل لإكمان أن القوانين لا تنص علي مغادرة أي شخص قبل الموت، لذا كما فعلت إكمان، قاما بقطع كل وسائل الاتصال مع الأكاديمية، تلك الفضيحة أحدثت أول ثغرة حقيقية في لغز المؤسسة، كان من الممكن للأعضاء إحداث تغيير في العالم، وبدلا من ذلك تحركوا داخليا فيما بينهم متشبسين بالاعتقاد بأهميتهم الذاتية، وحقهم الكامل في السرية. يواصل أندرو براون: عندما كنت آخر مره في ستوكهولم في شهر مايو، لم يتحدث معي أي من الأكاديميين إطلاقا، بينما قليل من الناس تحدثوا معي بشكل رسمي، إنها مدينة صغيرة، والدائرة الثقافية داخلها أصغر، ولا أحد - كما أعتقد - يريد نشر الغسيل القذر في الصحافة الأجنبية، لكن قيل لي مرارا وتكرارا أن الأكاديمية تديرها مجموعة صغيرة، وأن القصة لا يمكن فهمها خارج العلاقات الشخصية لمن داخلها. إكمان كانت واحدة من الأكاديميين القلائل الذين بيعت رواياتهم بأعداد كبيرة في السويد، كان الانشقاق بين الكتابة الشعبية والنخبة يزداد اتساعا طوال الثمانينيات، ظهر ذلك غاية في الوضوح في حكاية كاتبين، أحدهما فقط سوف يصبح مهما للأكاديمية، ففي أواخر سبعينيات القرن العشرين، عاش كاتبان شابان غاية في الطموح بمدينة شمالية صغيرة في أوميو جنوب الدائرة القطبية الشمالية، كلاهما يحمل اسم ستيج لارسون، بدأ أحدهما بإنشاء مجلة أدبية حين كان في السابعة عشرة من عمره ولا يزال في المدرسة، وبمجرد أن استطاع الحصول علي دعم ثقافي حكومي، نقل استثماره إلي ستوكهولم، وسرعان ما أصبحت المجلة التي أسماها »كريس» أي الأزمة؛ مركزا لمجموعة قوية من النقاد المثقفين بالجامعة، ممن كانوا طموحين وغير راضين عن حالة الأدب السويدي آنذاك، في عمر الرابعة والعشرين نشر لارسون رواية محتشدة بالجنس بلا هدف أو معني واختار لها عنوان »التوحد» أثارت ضجة كبيرة، كان نجاح ستيج لارسون عظيما مما دعا ستيج لارسون الآخر إلي تغيير اسمه إلي ستيج، وظل يعمل لسنوات وفي غموض تام علي كتابة رواية بعنوان »رجال يكرهون نساء» بينما يكتسب رزقه من الكتابة بالمجلات اليسارية الصغيرة، ومات قبل أن يري كتبه منشورة، في الترجمة الإنجليزية لروايته تم تغيير عنوانها إلي »الفتاة ذات وشم التنين»، وهي حتي الآن أكبر المصادر الثقافية السويدية منذ فرقة آبا الشهيرة أو ربما لعبة ماينكرافت الإلكترونية، ولا أفترض أن العديد من أعضاء الأكاديمية قرأوها. كانت كريس مجلة صغيرة إلا أنها عصرية للغاية، وصرخة مدوية ضد الكثير من الأدب السويدي آنذاك، الذي كان حافلا بالبروليتاريين النبلاء، مع مخاوف جادة حول الاشتراكية فإن »كريس» هي من بشّرت بدريدا وأهمية الأدب الفرنسي والألماني إلي جانب الأدباء الأمريكان المفترضين في المقاطعات. استطاع ستيج لارسون عمل حوار مع الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو، في وقت كانت فيه الثقافة الشعبية السويدية تتسارع نحو اتجاه آخر، متجاهلة، التأثيرات الأوروبية، بل واللغات، محتضنة اللغة الإنجليزية،والتليفزيون التجاري، والهمبرجر، وبطاقات الائتمان، والمشاهير والجولف. الدعوة إلي وجود النخبة كعنصر مهيمن في نظام أو مجتمع أو ما يطلق عليه في مجلة كريس نخبوية المتمردين؛ صنعت تباينا صارخا، ليس فقط مع الثقافة الشعبية، وإنما مع النخبوية القاسية وغير المألوفة بالأكاديمية السويدية. في بداية الثمانينيات، وفي سياق سويدي ضيق، كانت الأكاديمية تتعارض بشكل جذري مع المثل العليا للمساواة من قبل الديمقراطيين الاشتراكيين الذين حكموا البلاد لمدة 44 سنة، في مرحلة ما كان عدد أعضاء الحزب الاشتراكي الديمقراطي أقل من الكاثوليك، وكان الكاثوليك في السويد أقلية صغيرة في ذلك الوقت، فيما يجب اعتباره مجهودا من أجل التجديد، تحوّلت الأكاديمية من خلاله إلي جيل جديد، وتم انتخاب الناشطة النسائية والشاعرة كاتارينا فروستنسون سنة 1992 التي دخلت الأكاديمية – كما يحدث مع جميع الأعضاء – باحتفال ومأدبة رسمية، مع زوجها الفرنسي الأكبر سنا رجل الأعمال أو المتعهد الثقافي جان كلود أرنولت، ولأنها كانت تدير »فوروم» وهو ناد موسيقي في ستوكهولم مخصص للثقافة الرفيعة والقراءات الشعرية والموسيقي الكلاسيكية في جو يتسم بالجدية المترفة، والأجواء المثيرة، شاع وقتها علي نطاق واسع مفهوم إنك إذا كنت ترغب في الحصول علي عالم ثقافة النخبة عليك الانضمام إلي مجموعة »فوروم/ كريس»، حيث كانت العلاقة بينهما غير بريئة تماما، خاصة لأن فوروم مثل بقية الثقافة السويدية الراقية تعتمد علي الدعم، الذي جاء بعضه من الأكاديمية. بعد مسألة سلمان رشدي وانتخاب فروستنسون توّسعت الأكاديمية لكي تكون أكثر قربا للدائرة المحيطة بمجلة لارسون كريس، وعلي وجه الخصوص من الناقد إنجدال، لارسون نفسه الذي كان غير قابل للترشح للأكاديمية لتعاطيه الأمفيتامين، حيث كان يعيش حياة نجم الروك الأدبي بكل جوارحه. في مذكراته الأخيرة يروي دون أي خجل حادثة التقاطه فتاة صغيرة متدربة في مجلة إكسبريس السويدية، والتي بدت غير مبالية علي غير العادة واصطحبها إلي حفل ثم إلي منزله متعاملا معها بازدراء صامت، وقام بجلدها بسلك كهربائي، واعتدي عليها، ثم أدهشه أنها بدأت في البكاء، فاصطحبها إلي والديها، محاولا أن يكون مهذبا قدر الإمكان، حيث خطر بباله فجأة أنهما ربما يبلغان الشرطه عنه. إنجدال والناقد الأدبي أندرز أولسون رأسا تحرير مجلة كريس مع لارسون، لكن خلافا عنه كانت صورتهما الأدبية سيئة، إنجدال كان معروفا كناقد شاب، كتب مراجعة للرواية الأولي لناقد منافس له واصفا إياها بالبشاعة لدرجة استحقاق رميها مثل فضلات آدمية علي عتبة منزله، لكن في منتصف التسعينيات كان قد تحول ليصبح في قلب المؤسسة الثقافية، كما أصبح عضوا في مجلس الأوبرا الملكية ومؤسسة نوبل. تم انتخاب إنجدال عضوا بالأكاديمية سنة 1998، حينها صرحت زوجته إبا وايت براتستورم لجريدة إكسبريس في مايو أنه عندما علم بالخبر، وثب يدور حولها بعيون مشرقة وخدود متوردة كما لو كان متعاطيا جرعة هيروين. في نفس العام التقطت صورة لوايت براتستورم وإنجدال مبتسمان والخد علي الخد، كزوجين ثقافيين ملكيين، فانتابته موجة غضب وذهب إلي تلك المجلة النسائية الراقية، معترضا علي ظهور زوجته معه علي الغلاف، ووقف صائحا بين مكاتب المجلة قائلا: لقد تخطيتني يا حمار، أيها الأوغاد، لا أريد أن أبدو وكأني حميميا مع زوجتي. بحلول أواخر التسعينيات أصبح أرنولت ملتصقا بسمعة ملاحقة النساء، لكن وقتها لم يكن ذلك يشكِّل جريمة غاية في الخطورة من وجهة نظر ستوكهولم، كما حدث مع فضيحة »مي تو» في هوليود وهو هشتاج جنسي، لكن ما حدث أخيرا سببه إعادة تقييم سلوك كان معروفا للجميع. ماريا شوتينيوس، التي كانت آنذاك المحررة الثقافية في إكسيبرس وعملت بالقرب من إنجدال قالت: »كنت قد سمعت عن تلك الشائعات حول أرنولت أيضا لكن دون أي شئ عن الاغتصاب» مضيفة: »لكنني واجهت صعوبة في أخذها علي محمل الجد، غالبا لأن زوجته كاتارينا كانت تعمل باستمرار معه في النادي». في وقت لاحق نمت سمعة أرنولت بشدة، حتي أنه قبل إقامة حفل العشاء الأدبي في 2006، تقدّم البلاط الملكي بطلب خاص إلي إنجدال بعدم ترك ولية العهد الأميرة فيكتوريا وحدها في نفس الغرفة مع أرنولت! المرة الأولي التي انتشر فيها القيل والقال حول أرنولت كانت فضيحة سنة 1997 حيث كشفت جريدة إكسبريس طريقة التعامل مع السيدات في نادي فوروم وكان من الصعب تجاهل العنوان الأساسي »الإرهاب الجنسي لدي النخبة الثقافية»، يقول التقرير: »تم إتهام شخصية ثقافية معروفة بالتحرش الجنسي بالعديد من المتدربات، وقد بعثت إحداهن برسالة يائسة إلي عدد من المؤسسات الثقافية التي تدعمه ماديا»، حيث تلقي ستور ألين سكرتير الأكاديمية في ذلك الوقت - الذي كان مسئولا في وقت ما عن قضية سلمان رشدي - نسخة من الرسالة، وأكد أنه قرأها، لكنه رفض التعليق ولم يتخذ أي إجراء، ولم يكن لدي فروستينسون التي اتصلت بها جريدة إكسبريس أي تعليق، وكشفت الصحيفة أيضا أن حسابات النادي كانت في حالة فوضي وأنها كانت تخسر 50 ألف جنيه إسترليني سنويا وأن ستور ألين وقّع علي ضمان قرض لها بضمان الأكاديمية، ومنع الأسئلة المتعلقة بالتمويل أيضا. تلاشت رواية إكسبريس والفضيحة بهدوء، بالرغم من عدم إرسال المزيد من الشابات للعمل في الفوروم أو المنتدي، أما آنا كارين بايلند؛ الفنانة التي كتبت الرسالة التي استندت إليها رواية إكسبريس وأبلغت من خلالها اعتداء أرنولت عليها جنسيا، فقد شطبها أرنولت بنفسه. جابرييلا هاكانسون؛ وهي حاليا روائية معروفة، بدأ ظهورها ككاتبة خلال فترة التسعينيات، وكانت علي دراية تامة بأرنولت، قالت لي: »كان مشهورا بالفعل ضمن جيلي من الأدباء والأكبر سنا، لي صديقة هي الآن في الثانية والستين من عمرها حكت لي تجربتها، لذا تجنبت الذهاب إلي الفوروم بسبب سمعته السيئة». لكن في عام 2007 اقترب منها أرنولت أثناء حفل استقبال أدبي، تقول: »تبادلنا بعض الجمل قبل أن يمد يده بين ساقي، حدث ذلك بسرعة لا تصدق، عندها رفعت يدي وصفعته، أتذكر أن الحاضرين ضحكوا بطريقة غير لائقة، كما لو أنهم يقولون (انظر، لقد فعلها مرة أخري)». مضيفة: »اعتدائه ليس له أي علاقة بالجنس، أنا امرأة جذّابة، وقعت ضحية مغازلات خرقاء من قبل، إلا أنني لم أمر بشئ من هذا القبيل». أشارت الروائية لينا أندرسون إلي أن الناس كانوا علي علم بما يفعله أرنولت، إلا أنهم لم يأخذوا ذلك علي محمل الجد قائلة: »في تلك الأيام قبل هاشتاج مي تو؛ افترض عامة الناس أن الفتيات البالغات لديهن اهتمامات جنسية بالرجال، حتي المتزوجين منهم، وافترض الفيكتوريين والبطريركية أنهن بحاجة إلي الحماية، وأنهن مارسن الأنشطة الجنسية ضد إرادتهن، الكل كان علي علم أنه يلاحق النساء، وافترضوا أنه وزوجته متفقان في هذا الأمر!». ومع تطور الفضيحة خلال الشتاء الماضي وربيع العام الحالي، تم التعامل مع إنجدال - علي نحو متزايد – باعتباره بطل أرنولت وفروستنسون داخل الأكاديمية، لذا تعرض للهجوم من كافة الصحف السويدية، وكانت أندرسون إحدي القلائل الذين دافعوا عنه. الحس المعرفي لمن كانوا يدافعون عن التسلسل الهرمي الثقافي اندمج داخل عقول بعض الأعضاء مع الدفاع عن مكانتهم في هذا التسلسل، فقد بدا لسنوات أن لا شئ يمكنه انتهاك تحصينات الامتيازات الاجتماعية والجنسية التي كانت تحمي الأكاديمية وأرنولت، في تلك السنوات كانت هناك فضائح صغيرة تدور حول الأكاديمية، وهي أنه في عام 2005 تنحي أحد الأعضاء عن منح الجائزة إلي شيوعي نمساوي كان يُنظَر إلي أعماله باعتبارها إباحية، وتم منحها إلي الكاتب البريطاني هارولد بنتر، ثم حصل بوب ديلان علي الجائزة سنة 2016، وعلي الفور أظهر لفتية الأدب الأشرار كيف يتصرف نجم الروك الحقيقي، متعاملا مع الأكاديمية بازدراء استمر لشهور، وكثرت خلالها ردود الأفعال الساخرة من فوزه بالجائزة، فاضطرت أمين عام الأكاديمية سارة دانيوس إلي وضع قناع شجاع علي سلوك ديلان، وهي الكاتبة والناقدة عضو الأكاديمية السويدية التي تم انتخابها سنة 2013، إلا أنها استقالت سنة 2015 بسبب تصرفات جون كلود أرنولت، تقول ماريا شوتينيوس عنها: »كانت دائما تعتقد أنها موهوبة ومشرقة، لقد كانت سعيدة للغاية عندما تم انتخابها. أعتقد أنها منزعجة من الناس، لكنها شخصية لا تلين». دانيوس ابنة أحد أهم الأدباء في السويد الحديثة، ووالدتها آنا والجرين التي نشرت دليلا لتربية الأطفال من 500 صفحة اشترته كل أسرة في السويد في أوائل الثمانينات، لايزال عندي نسخة منه، كتبته استنادا إلي خبرتها الكبيرة كأم؛ لديها تسعة أبناء من أربعة آباء، كانت سارة أكبرهم، أنجبتها وهي في عمر الثامنة عشر، حين تعرفت علي أرمل يكبرها بستة وثلاثين عاما. قد تكون والجرين بوهيمية في علاقاتها إلا أنها كانت صارمة كأم. ورثت سارة قوة إرادة أمها، وظهر ذلك عندما شاعت فضيحة أرنولت وكانت هي أمين سر الأكاديمية. المرأة التي فجرت القصة هي ماتيلدا جوستافسون وهي مراسلة في صحيفة داجنس نيهيتر التي عانت من فضيحة هارفي واينشتاين، منتج ومخرج أفلام أمريكي سابق له العديد من الأفلام، فاز فيلمه »شكسبير عاشقا» بالأوسكار كأفضل إنتاج، إلا أنه في أكتوبر 2007 أدين بالتحرش، بعد أن قدمت ضده أكثر من 80 امرأة إدعاءات بالتحرش، مما دعاهن لابتكار هاشتاج تحت عنوان »مي تو» لمنع التحرش، انتشر سريعا في العالم مما تسبب في إقالة عدد كبير من ذوي النفوذ والسلطة. تساءلت ماتيلدا حول عدد النساء في السويد اللاتي بإمكانهن قول »مي تو» أو »وأنا أيضا»؟ استغرق الأمر أسابيع من الحفر للعثور علي 18 سيدة من ضحايا أرنولت، معظمهن غير معروفات، سوف يشهدن حول ما عانينه علي يده، كما تقول ماتيلدا أن الأمر أصبح أكثر سهولة بعد أن أصبح لديها ما يُطلق عليه كتلة حرجة، مضيفة: حين تقول لإحداهن أنها رقم 14 في التقرير تصبح أكثر استعدادا للتحدث، وهناك أكثر من 18 شهادة يمكن استغلالها والاستناد عليها. قراءة تفاصيل تقريرها تثير الغثيان، حيث تتضمن نمط من التحرش الجنسي والاعتداء صادم، القصص المروية تدور حول استغلال الفتيات الهشة عاطفيا من رجل أكبر سنا وأكثر قوة ونفوذا، بالرغم من أن أرنولت لم يُذكر اسمه في التقرير، حيث تشير داجنس نيهيتر إليه بعبارة »ثقافي شهير». يقول بجورن ويمان المحرر الثقافي لجريدة داجنز نيهيتر: لم يخطر علي بال أحد فكرة أن الأمر وصل إلي حد الاغتصاب، مثلما ورد في الروايات التي كشفت عنها ماتيلدا. بعد ثلاثة أيام من انتهاء القصة، اجتمعت الأكاديمية لمدة ساعتين ونصف، ثم خرجت دانيوس من الاجتماع مصرِّحة للصحافة أن هناك تصويت بالإجماع علي وقف جميع التعاملات مع أرنولت وشركاته، وأضافت أنها شرحت خلال الاجتماع أن أعضاء الأكاديمية وبناتهم وزوجاتهم وموظفاتهم عانوا من حميمية غير مرغوبة أو معاملة غير لائقة علي يديه، ودعت المحامين إلي التحقق ما إذا كانت الإعانات المقدمة من الأكاديمية إلي المنتدي صحيحة من الناحية القانونية. قرر إنجدال ومجموعة من أعضاء الأكاديمية البارزين إنقاذ فروستنسون، وكان أمامهم مشكلتان، الأولي هي الضرر الذي سببته الفضيحة لسمعة الأكاديمية، بالتأكيد آخر شيء يريدونه هو المزيد من الدعاية السيئة، والثاني يتمثل في الاحتجاج الثائر للسيدات المتضررات، فقد تسببن بالفعل في الكثير من الضرر. إلي جانب ذلك، فإن مجموعة إنجدال ناقشت أن الأكاديمية الموسيقية الملكية تعاني من تحرش جنسي أسوأ بكثير، فقد وقعّت 653 امرأة في نوفمبر الماضي علي شكوي يدعين تعرضهن لمضايقات جنسية من أعضاء الأكاديمية، لكن لم تثار أي ضجة حول ذلك. لكن؛ لماذا تم اختيار أكاديمية الأدب؟ في 5 إبريل الماضي اجتمعت الأكاديمية لمناقشة تقارير محامين دانيوس، الذين ادعوا أن تكلفة الأكاديمية نصف مليون جنيه إسترليني، ووفقا لتقارير صحفية ذلك الوقت؛ أوصي التقرير بإبلاغ الشرطة للتحقيق فيما تم دفعه لأرنولت والنادي، وقالت دانيوس أن فروستينسون يجب طردها أيضا، وعندما وصل الأمر للتصويت علي ذلك ، رفضت الأغلبية التي يقودها إنجدال كلا الاقتراحين، بعد الاجتماع استقال ثلاثة أعضاء آخرين من بينهم مستشار إنجدال القديم والمؤرخ الأدبي كيبل سبارك بينما بقيت دانيوس معلقة. في ذلك الوقت فتحت الفضيحة جبهة أخري، فقد كانت هناك مراهنات معروفة جدا مدفوعة مقدما لصالح الجائزة للعديد من السنوات الأولي في القرن الماضي، واتهمت فروستنسون بتسريب أسماء سبعة فائزين بالجائزة إلي زوجها قبل الإعلان عنها رسميا، وجادل المدافعين عنها أن الأدلة غير كافية لتبرير مثل تلك العقوبة الرهيبة بطردها من الأكاديمية، جادل إنجدال في مقال بصحيفة إكسبريس أن معاقبة فروستنسون عن الخطايا المزعومة ضد زوجها يتعارض مع العدالة الطبيعية، إلا أن إنجدال لم يستطع مقاومة الانتقال إلي الهجوم، فقال: إن دانيوس كانت الأمين العام لكل هؤلاء منذ 1786. يقول بيورن ويمان في صحيفة داجينز نهيتر، إن الصحيفة كانت قلقة بشأن ما إذا كانت التغطية التي وفرتها قد حققت الكثير من الاتهامات ضد أرنولت، لكن تبين أن القراء كانوا متواجدين بقوة وراء التحقيق الذي أجرته الصحيفة، هجوم إنجدال علي دانيوس أدي لتعاطف جميع القارئات تقريبا، علّق وايمان علي ذلك قائلا: »النساء اللاتي تجاوزن الخامسة والخمسين عاما هن حاملات راية الثقافة في هذا البلد، إنهن يشترين الكتب ويذهبن إلي الحفلات الموسيقية والمسرح وقد أغضبهن إنجدال». في الأكاديمية كان هناك صف طويل من المحافظين ممن أغضبهم سلوك إنجدال (وصف سبارك محنته السابقة في هجوم إنجدال علي دانيوس بأنه أكثر شيء مخز قرأه)، لكنهم لم يكونوا أغلبية. بعد أربعة أيام، في الاجتماع التالي؛ تمت إقالة دانيوس كأمين سر، التي أعلنت بدورها أنها سوف تغادر الأكاديمية، كما تم استبعاد فروستنسون تماما من اجتماعات الأكاديمية وتم تقديم خروج السيدتين وسط الخلاف كحل وسط، لكن القرار تم التنديد به علي الفور باعتباره توزيع مناصب مشين، فانسحب ثلاثة أعضاء آخرين تضامنا مع دانيوس، وعلي ما يبدو تُرك الأمر لإنجدال للسيطرة الكاملة علي الوضع، حيث تمكن من الحصول علي أصوات الأعضاء الذين اعتقدوا أن بقاء الأكاديمية أكثر أهمية من سمعتها في العالم الخارجي، وكان من المتوقع أن يختار فريق إنجدال الفائز بجائزة نوبل هذا العام، لكن في 4 مايو، بعد يومين من إعلان الأكاديمية نيتها القيام بذلك، تقدمت مؤسسة نوبل، التي تموّل الجائزة، وأعلنت أنه لن يكون هناك مال للجائزة حتي تطهِّر الأكاديمية نفسها. في 12 يونيو 2018، واجه أرنولت تهمتي اغتصاب، وتحطمت مكانة الأكاديمية، ربما إلي الأبد، ذلك هو ما يبدو للغرباء علي الأقل، لكن عندما اتصلت تليفونيا بستيج لارسون صديق إنجدال مؤسس مجلة كريس، كان لديه تناول مختلف لكل ما حدث، قال: عرفت أرنولت منذ عام 1983، وهو صديق مقرب، من المستحيل تماما أن يكون قد اغتصب أحدا، كاترينا فروستنسون معي، وهي واحدة من أفضل الشعراء في السويد، إن الحركة النسوية دفعت السويد إلي الجنون.