بعد أحداث 25 يناير 2011 انتشرت أمام المباني الحكومية الحواجز والجدران الأسمنتية العالية السميكة. كان الهدف لصد هجمات المدفوعين لاحتلال المباني الحكومية بغرض لأسباب لم تعد خافية علينا الآن. الحكومة كان لها كل الحق في إقامة الحواجز والجدران العازلة لحماية المنشآت الحيوية وكذلك السفارات الأجنبية. ومرت سنوات ولم تزل هذه الحواجز موجودة بل زادت في مناطق جديدة. في منطقة السبتية المزدحمة فوق العادة يوجد شارع محوري اسمه شارع شنن وهو الذي يصل بين شارع السبتية بمحلاته التجارية المنتشرة وبين شارع الجلاء ووسط القاهرة. هذا الشارع انتقصت منه مصلحة السجون نصفه ومنعت المرور أمام مبناها رغم أن مبني مصلحة السجون مبني إداري أي لا يصعب حراسته بالطرق المعتادة ، كما أن المصلحة تحيط مبناها بسياج من الحواجز الحديدية من كل الجهات ، وتغلق الشارع في الاتجاهين بعد الثانية عشرة مساء. ساهم ذلك في زيادة الارتباك في الشارع وسير الميكروباص والتوك توك عكسيا وهو ما يزيد من الضغط النفسي علي السائرين أو قائدي السيارات. بل إن مستشفيات الشرطة تتبع نفس السلوك. ولا يختلف الوضع كثيرا في محطات مترو الأنفاق التي تحولت أبوابها إلي حواجز ، ونظرا لعجز الحكومة عن توفير بوابات الكترونية فقد اكتفت الداخلية بأن أغلقت معظم الأبواب وهو ما يزيد أيضا من الضغط علي المواطن وإهدار وقت طويل خلال التعامل مع المترو. حديثي هنا مجرد مثال لظاهرة انتشرت وصرنا نتعايش معها كما تعايشنا من قبل خلال سنوات الحرب مع الحواجز المقامة أمام بيوتنا. الفرق أن حواجز الحرب كانت للحماية من غارات العدو ، أما الحواجز الحكومية فلها مدلول نفسي مختلف. إن الأسمنت والحديد الذي تقام بهما الحواجز والجدران يخلقان حواجز نفسية غير منظورة بين السكان العاديين للمدينة وبين سكان المباني الحكومية. حواجز تجعل الموجودين في الداخل (هم) وتجعل المواطنين العاديين (نحن) ، فتزايد وجود ظاهرة الحواجز يجسد لغة القطيعة، وهي بالنسبة ل (هم) في الداخل لا تعتبر حماية أو مظهر قوة ، بقدر ما تعبر عن عجزه الواضح في التعامل والتواصل والتحاور الإنساني والفكري مع (نحن) ، فالحواجز تعبر عن انكماش إنسان الداخل وتقوقعه داخل هويات منفصلة وقلقة. إن تبرير وجود الحواجز بمبررات أمنية غير مقبول، فالتطور التكنولوجي يسمح بالحماية والحراسة باستخدام وسائل تمثل رقابة أكثر مما تمثل حواجز، لأن الحواجز والجدران الفاصلة ظاهرة تشير إلي الانقسام والتفكك وهي تهدف إلي حماية الداخل من التهديد الذي يشكله الخارج علي اختلاف صوره ، ويبدو ذلك جليا في انتشار ظاهرة المجمع السكني (الكمبوند) الذي يعيش بداخله الأغنياء خلف حواجز وجدران تفصلهم عن الفقراء. لقد أقامت إسرائيل أكبر حائط فاصل لكي يضيق علي الشعب الفلسطيني المحتل ، ولم يكن الجدار الإسرائيلي إلا إرثا يكمن في عمق اللا وعي الجمعي اليهودي ، فعبر تاريخهم تعودوا علي العيش داخل جيتو منعزل عن المجتمع الأوسع الذي يحيون فيه. قصدوا ذلك حتي لا يذوبوا في ثقافات أخري. سيكولوجية الأقلية دفعت اليهود في إسرائيل لبناء الجدار باعتباره امتدادا لدرع الجيتو الذي صاحبهم آلاف السنين ، رغم أن الجيتو لم يشكل دوما حماية قصوي لهم ، بل كان يجعلهم منبوذين إلي حد كبير ومستهدفين من جانب أكثرية تحيط بهم. مرت سنوات علي أحداث يناير 2011 وصار للحكومة خطط لحماية مبانيها بدون حواجز وجدران تفصل بين (هم) و(نحن). إن تفكيك الحواجز والجدران حول المباني الحكومية صار أمرا مهما ، فهو خطوة لتفكيك الحواجز النفسية اللا مرئية.