رئيس"البحوث الزراعية": نتعاون مع القطاع الخاص لتحويل مخرجات المركز ل مشروعات اقتصادية    إيران تستأنف الرحلات الجوية الدولية بعد توقف دام 20 يوما    كان سيوقع للأهلي.. صديق شيكابالا يروي لمصراوي كيف تغير مصيره في أسبوع    مدرب الأهلي يودع فريق كرة السلة    ظاهرة تزيد الإحساس بالحرارة.. توقعات طقس السبت    "نتفليكس" تطرح الإعلان الرسمي لمسلسل "كتالوج"    إيرادات الخميس.. "أحمد وأحمد" الأول و"المشروع X" في المركز الثاني    بإطلالة جريئة.. ابنة عمرو دياب تلتقط صورا مع "جرار زراعي"    خطيب المسجد الحرام: التأمل والتدبر في حوادث الأيام وتعاقبها مطلب شرعي وأمر إلهي    تعرف على الشروط والمستندات لمدرسة مياه الشرب بمسطرد    قوات الاحتلال تقتحم بلدات بالضفة الغربية وتداهم المنازل وتهجر 30 عائلة من أريحا    حريق فى كاليفورنيا يدمر أكثر من 52 ألف فدان فى 24 ساعة.. فيديو    النيابة العامة بروما تفتح تحقيقا بحادث انفجار محطة وقود.. وميلونى تتابع تداعيات الحادث    وظائف خالية اليوم.. "العمل" تعلن عن 50 فرصة عمل بمترو الأنفاق    أوقاف الفيوم تفتتح 3 مساجد جديدة ضمن خطة الإعمار والتطوير    عماد رمضان يبحث تطوير الكرة الطائرة البارالمبية في إفريقيا مع رئيس الاتحاد الدولي    رئيس الاتحاد الدولي يشيد بدور مصر في نشر الكرة الطائرة البارالمبية بإفريقيا    محافظ أسيوط يتفقد دير الأمير تادرس الشطبي بالجبل الشرقي    أهم أسئلة علم النفس والاجتماع لطلاب الثانوية العامة بالنظام القديم    تكثيف الحملات على الطرق والمحاور لمواجهة السير العكسي لمركبات "التوك توك" وضبطها بالجيزة    السيطرة على حريق في كشك كهرباء بمدينة قنا الجديدة    علاء عابد: القائمة الوطنية تجسّد ظاهرة إيجابية لتعزيز تمثيل الشباب    سعر الخضروات اليوم الجمعة 4-7-2025 فى الإسكندرية.. انخفاض فى الأسعار    قانون الإيجار القديم.. زيادات شهرية تصل 1000 جنيه حسب المنطقة.. والتطبيق فورًا    بعد غياب 7 سنوات.. أحلام تحيي حفلا في مهرجان جرش بالأردن نهاية يوليو    علاء عابد: القائمة الوطنية تجسّد ظاهرة إيجابية لتعزيز تمثيل الشباب    معركة حطين فى 10 نقاط.. أسباب المعركة ونتائجها    بعد وفاة أحمد عامر.. حمو بيكا يكشف حقيقة اعتزاله الغناء| فيديو    وزيرة التخطيط: مصر ضمن أفضل 10 دول فى العالم من حيث الجاهزية للاستثمار    عقد المؤتمر الطبي السنوي الثالث لطب وجراحة العيون 2025    لماذا تتشابه بعض أعراض اضطرابات الهضم مع أمراض القلب.. ومتى تشكل خطورة    تناول طبق عاشوراء بهذه الطريقة.. يعزز صحة قلبك ويقوى مناعة طفلك    "فرانكنشتاين".. تحذير من متحور جديد في بريطانيا    وزارة البترول: إعلانات التوظيف على مواقع التواصل وهمية وتستهدف الاحتيال    وزير الخارجية الروسي: يجب خفض التصعيد وتقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة    45 يومًا لهذه الفئة.. زيادات كبيرة في الإجازات السنوية بقانون العمل الجديد    المصري يواصل استعداداته للموسم الجديد بمران بدني على شاطئ بورسعيد    بيان عاجل من "عمال مصر" بشأن إعلان افتتاح سد النهضة    صيام يوم عاشوراء فرض ولا سنة؟.. داعية يكشف مفاجأة    مصدر أمني: جماعة الإخوان تواصل نشر فيديوهات قديمة    تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء.. تحرير 145 مخالفة لمحلات لم تلتزم بقرار الغلق خلال 24 ساعة    "الزراعة" إصدار 677 ترخيص لأنشطة ومشروعات الإنتاج الحيواني والداجني    وزير الإسكان: إزالة وصلات المياه الخلسة بالمدن الجديدة وتحصيل المتأخرات    باشاك شهير يقترب من ضم مصطفى محمد.. مفاوضات متقدمة لحسم الصفقة    وزير الأوقاف يدين اغتيال الاحتلال مدير المستشفى الإندونيسي بغزة    محافظ المنوفية: تحرير 220 محضرًا تموينيًا خلال يومين من الحملات التفتيشية    مصرع طفلة وإصابة 3 أشخاص صدمهم أتوبيس فى الدقهلية    إخلاء سبيل طالبة بالإعدادية تساعد طلاب الثانوية على الغش بالمنوفية    أسعار الدواجن والبيض بأسواق القليوبية اليوم الجمعة 4-7-2025    "ضريبة البعد" تتصدر تريند تويتر في مصر فور طرح ألبوم أصالة.. والأغنية من ألحان مدين    الأمم المتحدة: فشلنا في حماية الشعب الفلسطيني    ننشر كل ما تريد معرفته عن «يوم عاشوراء»    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 4-7-2025 في محافظة قنا    رمضان السيد ينتقد تعاقد الزمالك مع جون إدوارد: النادي لا يحتاج إلى سماسرة    الهلال يُكرم حمد الله قبل موقعة فلومينينسي في مونديال الأندية    ردد الآن| دعاء صلاة الفجر اليوم الجمعة 4 يوليو 2025.. اللهم أجرنا من النار، واصرف عنا كل مكروه، وأرض عنا يا أرحم الراحمين    تفاصيل استقالة كرم جبر وعمرو الشناوي من حزب الوعي    ترامب: برنامج إيران النووي دمر بالكامل وهذا ما أكدته وكالة الطاقة الذرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صديقتي اليهودية:إشكالية الآخر والخطاب الثقافي
نشر في أخبار الأدب يوم 08 - 09 - 2018

ثمَّة تضافر بين ما تثيره إشكالية وجود الآخر، وتعدد صور هذا الوجود، وماهيته، وبين محتوي الخطاب الثقافي الذي يدور من خلاله هذا الحوار بين الأنا والآخر في السياقات السردية والحياتية علي حد السواء؛ فربما كان مفهوم الآخر هو ذلك المشارك للواقع المحيط بالذات، والضاغط عليها، بغض النظر عن هويته المنفصلة عن هوية الأنا أو المتصلة بها علي حد السواء، فلكل منا آخر في البيت والعمل والحياة بكافة مناحيها واختلافات التعاملات بها، وفي المذهب أو العقيدة أو التوجه، وما يربط بين الرواية كوعاء سردي قد يستوعب المزيد من الإشكاليات والفرضيات والنماذج الإنسانية الدالة علي الاختلاف أو الضدية في التعامل أو عن المزيج الذي يشملهما كسمة من سمات التعاطي مع الواقع، وانطلاقا من مفهوم الفن الروائي من أنه هو الذي:
»يستطيع عبر إمكاناته السردية والجمالية، أن يفضح أوهام الذات وانحرافاتها الفكرية والشعورية، خصوصا حين تسجن الآخرين في انتماءات ضيقة (مذهبية أو عرقية) مثلما يستطيع التغلغل إلي أعماق الروح الإنسانية، ليبرز قدرتها علي تجاوز هذه الانتماءات، والدخول إلي عوالم رحبة، تحرر الإنسان من إكراهات تربي عليها، عندئذ يمكن المتلقي أن يعايش مكونات أصيلة تجمع بين البشر، ويتبين عبر هذا الفن، كيف يتحول الاختلاف إلي رحمة، فيؤسس لثقافة ينفتح فيها الإنسان علي أخيه الإنسان ويحترم ما يميزه»‬
هكذا ترتبط العلاقات الإنسانية بوجودها رهانا علي الارتقاء إلي مفهوم أعلي من مستوي العلاقات التي يلعب دائما فن الرواية كفن سردي علي وتر سبر غور بواطنها واستقصائها من خلال حوار إنساني هو بالضرورة مفتاح مهم للولوج إلي أسرار النفس البشرية علي مختلف توجهاتها ومحاولة الوصول إلي الأعماق أو إلي الجذور الإنسانية التي تربط البشر ببعض إيمان بأن جميع الحضارات والتوجهات والنزعات الإنسانية والعرقية قد خرجت من معين واحد وبوتقة واحدة.. وربما كانت تلك الرؤية مما يلوح بدايةً للولوج في العمل الروائي »‬صديقتي اليهودية» للروائي الأردني »‬صبحي فحماوي» والذي يملك أول أسلحته وقناعاته بذلك المفهوم للأنا والآخر، من خلال هذا العنوان لرواية عربية كاتبها أردني عربي، واقع جغرافيا قبل وقوعه النفسي والمعنوي في بؤرة الصراع العربي الصهيوني، فدلالة العنوان قد لا تحتاج إلي تأويل ولا محاولة استكناه هذا الطرح الإبداعي/ المفتتح.. لكنه قد يوثق علاقة من نوع آخر قد تثير جدلا وترقبا للمتلقي وهو يبادر بتصفح تلك الرواية وتشعل تكهناته وتلعب علي وتر الإثارة التي تتخذ من العلاقة بين مكونات العنوان: (الصداقة، واليهودية، وتاء التأنيث) التي تعطي في مكونها هذا المعني المبطن والساعي إلي إثارة الجدل، من أجل طرح مفاهيمي يخص الكاتب قد يكون من أسباب اختيار هذا العنوان لهذه الرواية من خلال بدايتها الخطية الممهورة بالتواريخ، دلالة علي تراتبية تلك الأحداث التي يجعلها السارد العليم المتحدث علي مدار الرواية عن ذاته وعن الآخرين.. ومن خلال خلفية مكانية متحركة عبر زمن محدود لرحلة سياحية في أصقاع أوربا أو الغرب الذي يمثل عنصرا آخر من عناصر الآخر في الرواية/ الواقع.. قد تدفع القارئ أو توهمه بأن العمل هو من قبيل أدب الرحلات يبرع فيه الكاتب في الوصف الساحر للطبيعة ولجماليات المكان، ما قد يجعلها عملا أدبيا هجينا بين الرواية وأدب الرحلات.
حوار الأنا والآخر
من خلال الحوار الممتد الذي يمثل فنيا عصب هذا العمل الروائي، يمثل جدلية العلاقة بين الأنا والآخر اليهودي/ الصديقة اليهودية التي يأتي اللقاء معها علي خلفية الرحلة السياحية التي ربما تمثلت فيها أطياف عدة من شخصيات تمثل عرقيات وجنسيات مختلفة تبرز مدي الارتباط الإنساني قبل الأيديولوجي الذي يسم كل العلاقات بالتوتر.. كحيلة سردية لخلق ما يشبه المكان أو المجتمع الروائي الذي يستطيع الكاتب أن يجعله إطارا مكانيا للعمل ينطلق به إلي كل الأماكن وإشكاليات الوجود التي يعانيها السارد المشارك في الحدث الروائي والمتفاعل به علي نحو ما سنري.. حيث يستهل الكاتب روايته:
»‬تستعد الحافلة للانطلاق صباحا بمحرك ينفث بهدوء بخارا شاحب البياض من عادمه عند ساحة بيكاديللي وسط لندن بركابها المنتظرين اكتمال عدد أفراد المجموعة، لتطوف بهم في رحلة سياحية في سبع من دول شمال أوروبا»
ليلج إلي هذا الصدام أو الاشتباك النفسي الضاغط للعلاقة بين هوية العربي وهوية الغربي/ الآخر من خلال كل المواقف التي تواجه السارد لتبرز إلي حد كبير صور هذا التنافر في العلاقة الخارجية للبشر من خلال توجهاتهم الأيديولوجية، ذلك الوتر المشدود الذي تلعب عليه الرواية علي مدار السرد سواء بالضغط والتلميح من رفاق الرحلة الغربيين علي السارد الرئيسي للرواية/ العربي الذي أعطته الرواية اسم »‬جمال»بدلالته العربية نسبة إلي الزعيم العربي جمال عبد الناصر.. أو بالضغط النفسي للمقارنة بين العالمين وبين مواطني كل عالم منهما لإشعال التناقضات المذهلة.. ما قد يعطي الرواية مسحة ساخرة قد يخرج بها السرد عن خطه الرئيسي ربما ليستطيع الاستمرار في شد وتر العلاقة الملتبسة والمتأرجحة مع جميع الشخوص الواقعة في أسر تلك العلاقة سواء كانت شخوصا رئيسية مثل »‬يائيل» الصديقة اليهودية، أو ما عداها من شخصيات ظل أو شخصيات ثانوية تدور في فلك ما يحدث بين الشخصية العربية والشخصية اليهودية.
إذن هي لعبة صراع ثقافي تفرض وجودها في مواجهة كل هذا الكم من الأضداد، التي ربما انبثقت منها فلسفة التعامل مع مفهوم الآخر الذي ربما تحول كلية ليصير في كفة بينما اليهودي المتعصب الصهيوني في الكفة الأخري.. تلك الإشكالية التي ربما أثارتها الرواية في تضاعيفها، والتي حرص الكاتب علي بلورتها من خلال حكاياته الداخلة في غمار التجارب الخاصة به في رحلات سابقة.. بالمعني/ الشكل الذي تتخذ به الرواية بعدا رؤيويا مجسدا للحالة النفسية للسارد الذي يصل في كثير من المواضع إلي حد الثرثرة أو الوقوف الممل علي تفاصيل التفاصيل لمد جسور التواصل مع الآخر الذي لا يخشي وجوده اتكاءً علي معايشة لطبيعته بما أنهما بالأصيل أصبحا أبناء منطقة واحدة مشتعلة بالحروب والصراع في مقابل (غرب) بعيد عن تلك الصراعات.
»‬توترت الحافلة بركابها الذين شنفوا آذانهم، وجحظت أعينهم لمشاهدة هذا الإرهابي العربي، الذي يلج عليهم خلوتهم، فينكدُ عليهم، يعكر جو فرحهم في هذه الرحلة السعيدة، إذ لم يكن متوقعا أن يكون بينهم سائح عربي، في هذا العصر الذي وسموه ظلما بالإرهاب العربي الإسلامي وألبسونا إياه زورا وبهتانا بهدف شيطنتنا، بعد احتلال كامل تراب فلسطين، و دفع تحالف أكثر من ثلاثين دولة غربية لتحطيم عراقة العراق، ومن ثم سائر البلاد العربية، وذلك علي مبدأ »‬رمتني بدائها وانسلت»
بما يجعل من تلك الحافلة ضميرا مصغرا للمجتمع الإنساني الذي يتمثله السارد كي يضع فرضياته ورؤاه التي يحاول بها تجسيد تلك العلاقة/ النتيجة الجديدة أو الأمل في عقد حوار يغير من الثوابت والفرضيات القديمة من أجل إنتاج حالة من محاولة الاتساق مع الطبيعي، والرؤية التي مفادها أن البشر كلهم في بوتقة واحدة مهما اختلفت أيديولوجياتهم وتوجهاتهم ونزاعاتهم العرقية والمذهبية والتاريخية، والجغرافية المستمدة من واقع يفرض دوما منطق المقارنة الظالمة، كما يفرض سمة الصراع المنقول من بقعة من العالم إلي بقعة أخري هي الشرق الأوسط، بما يفيد فكرة التسييس التي يحاول النص الروائي التأكيد والاتكاء عليها في ذات الوقت، ولعل هذا الحوار بين يائيل والسارد لدال علي هذا الصراع بداية:
»‬نحن نبني دولتنا التي انتظرناها منذ ثلاثة آلاف عام، يا جمال وها نحن نراها تولد كما شئنا لها.. يجب أن نضحي» تضحون بماذا؟ بأنفسكم وبسعادتكم وبشخصيتكم التي تحولت صورتها في العالم كله، من مظلوم إلي ظالم؟»
»‬كل هذا عمل مؤقت، سينتهي عندما تقوم إسرائيل الكبري عندها سنمارس الديموقراطية الحضارية بكل معني الكلمة»
»‬لن تنتهي هجراتكم المتكررة، فأنتم شخصيات قلقة دائمة الحركة الحركة، وفلسطين هي أرض معارك متواصلة، اعتدنا عليها منذ نشوء المعرفة علي الأرض. ولذلك سماها رسولنا (أرض الرباط) »
الآخر/ الغرب
هنا يبرز نموذج أو عنوان كبير للآخر، وهو الآخر الغربي، هي من التقابلات الصارخة التي يطرحها النص الروائي من جدل المقابلة بين الغرب والعرب بين الحياة الجافة الهمجية وسط الحروب والاشتعالات التي يبرهن النص الروائي علي افتعالها من قبل الغرب، وبين الحضارة المادية والثقافية التي يعيشها الغرب علي أنقاض هذا الصراع الرهيب بين العرب وإسرائيل الصهيونية، ليدلل السارد علي ذلك اتكاء علي المعلوماتية والمعرفة الشاسعة بالمكان من خلال سمة »‬أدب الرحلات» وتفاصيلها الدالة علي المعرفة التامة بالمكان والغوص في تضاريسه.. والتفاصيل الدقيقة التي قد تدخل في سياقات بعيدة تماما عن السياق الرئيسي للصراع بين الأنا/ ال نحن/ الآخر، وإن كانت في بعض المواضع تمثل خيطا رفيعا جدا، وهو ما قد يمثل سمات من سمات الثرثرة التي يسقطها الكاتب كسمة من سمات العرب، كحضارة للقول لا الفعل بدليل تناثر المقولات المأثورة، وأبيات الشعر، والمواقف الحكائية الفكاهية والساخرة، والكم الكبير من الثرثرة والاعتماد علي الأساطير والحكايات.. وربما لملء فراغ نفسي يتعلل به السارد أحيانا.. ولعل ما يلوح من تصريح الشخصية اليهودية من تأكيد مزدوج علي دور هيمنة الغرب علي المقدرات: مساعدة اليهود من جهة، وإقصاؤهم عن المشهد الأوربي من جهة أخري
»‬ولكننا نستند علي سد منيع من القوي العالمية، المسيطرة علي الكرة الأرضية كلها »
وهو ما يؤكد عليه السرد علي مداره كجزء مهم من مفهوم التوجهات المزدوجة للسياسة الغربية التي استفادت من تاريخ سياسي وعسكري، وديني بتجارب أثبتت لها الخطر الصهيوني الذي زرعته في الشرق الأوسط ووسط كيان عربي خالص، كي تنقل بؤرة الصراع لتمتد رقعة الحضارة وتزدهر بعيدا.. وهو ما يعبر عنه السارد بهذا المشهد الدال والمجسد فنيا وتصويريا للعلاقة بين المستبد وفريسته إسقاطا علي العلاقة المتبادلة بين كل من الغرب والشرق، والعرب/ الفلسطينيين، والصهاينة
»‬تتجه نحو مؤخرة السفينة.. يفاجئك الكثير من النوارس وهي تنقض علي السمك المتعثر في تشقلبه بين الزبد الغزير الفوار تعبيرا عن انزعاج بحره من الفوضي الخلاقة التي يخلقها مخاض السفينة في هذا الماء اللجاج. تقف عصابة القتلة من النوارس البيضاء، وهي تسقط زرقها الأبيض المسود علي موج البحر متحدية لجبروته، وعلي قضبان حواف السفينة، بينما هي تنظر يمينا ويسارا، مغرورة بمناقيرها الحمراء، وكأنها أحمر الشفاه الذي تضعه حوريات البحر ليغوين به البحارة التائهين»
في جمالية من جماليات السرد في هذا النص الروائي خلال لقطة من لقطات الرحلة البحرية في تلك الأصقاع الغربية الذي كان التعبير فيها رمزيا مميزا بصوره البديعة التي يمكن تأويلها علي أكثر من مستو، وهي التي تفضح العلاقة بين القوي الناعمة المتغطرسة المتوارية في اللون الأبيض كرمز للسلام كما يقول السارد في موضع آخر، وهي التي تتلوث بالدماء البريئة.. في مفارقة أيضا بديعة.
الخطاب الثقافي
يبرز من خلال هذا الحوار أهمية الخطاب الثقافي.. الدور الذي تسعي إليه الرواية بشكل كبير للوصول إلي تلك اللغة المشتركة بين المتضادين أو المتناحرين، ربما اتكاء علي خطاب إنساني بالأساس قد يبرر هذه العلاقة التابوهية بين السارد/ جمال، وبين الآخر/ يائيل، من حيث كونها علاقة إنسانية بالأساس قائمة علي الانجذاب الجنسي الذي لم تستطع العوائق الكثيرة أن تمنعه، لتحول يائيل من مجرد (آخر) صهيوني إلي رفيق إنساني في شئون الحياة، ما قد يؤكد أن ما يرمزان إليه أنهما ضحية لهذا الآخر الغربي الذي ربما امتلك خطابا ثقافيا مختلفا وراقيا عن هذا الخطاب الثقافي العربي الأجوف، والخطاب الصهيوني الدموي المحمل بالحقد والشعور بالاضطهاد.
»‬التاريخ يتغير يا دكتورة يائيل.. انظري إلي جنوب أفريقيا التي تحررت اليوم من نظام الفصل العنصري..أتمني أن تغيروا هدفكم الوطني، خاصة بعد انتهاء عصر الجيتوهات الغربية. ضدكم، وهذا يشجع كل يهودي لأن يعود إلي وطنه الأصلي قبل الحرب العالمية، وبالنسبة لنا فنحن العرب نرحب بكل يهودي عربي ضللته الدعايات الغربية ليعود إليه وطنه العربي معززا مكرما»
تلك المحاولات من السارد اعتمادا علي اللغة التي تعامل بها مع هذا الآخر، والتي نجحت في تجسيد العلاقة بينهما، علي نحو من الغرابة والمفاجأة التي فاجأ بها السارد قارئه، متتبعا مسلسل الإثارة الذي بدأه بالعنوان، ثم بالاستجابة الإنسانية علي مضض محملة ببعض تلك المناوشات التي منبعها الاعتقاد الكامل بكل ما رسخ في النفوس وقر فيها من خلال خطاب ثقافي آخر توجيهي استطاع أن يزرع العداء والاستعداء المستمر، إلي جانب مبدأ السمع والطاعة الذي يتميز به كل فكر متطرف استبدادي.
مما ينبغي الإشارة إليه اعتماد الكاتب للاقتباس والتضمين في ثنايا نصه الروائي، للعديد من المقولات والأشعار والمأثورات العربية في الغالب، إلي جانب التوثيق لبعض الأماكن والآثار في قلب أوربا ذاتها بجوار الآثار التاريخية التي كانت سمة من سمات خطابه الثقافي في مواجهة الآخر/ الذي تحول إلي صديقة، مما ساهم في تحقيق جزء ولو يسير في معادلة حواره مع الآخر.. إلا أن الشق الأول منه ربما تحول إلي علاقة عكسية تبرز مدي حنجورية الخطاب الثقافي العربي الذي يعمد غالبا إلي الشعر، علي النقيض من الآخر الغربي، وهي ملاحظة ربما كان لها وجه آخر أو غرض آخر لدي الكاتب لتأسيس هذه السمة النفسية التي يلعب عليها دائما لشحذ الهمة، ولذلك قد يكون وجودها في الرواية ملتبسا إلي حد ما، كما أن التفسير العلمي قد جاء متسقا في أغلب أحواله كتضمين لمعلومة علمية أو صناعية في صالح الخطاب الثقافي الموجه في محاولات لفت الانتباه وتغيير لغة الخطاب إلي المصداقية العلمية والتفسيرية بعكس استخدام لغة الخطابة الشعرية والغنائية كما ألمحنا:
»‬بل شاهدي أن دخان المصانع البعيد هناك لا يلوث سماء انجلترا.. إذ تصدره الرياح الغربية باتجاه الشرق.. الدخان يتصاعد منها، وكأنه يكون غيوما قذرة تتراكض في السماء باتجاه الشرق.. قد يكونوا يفكرون أن هذا التلوث لا يهم، مادام ذاهبا إلي أوربا.. المهم أن تبقي بيئة بريطانيا العظمي بهيجة نقية.. إنهم يخلصون من زبالتهم وذلك بإرسالها إلي الشرق!»
فيلوح هنا التفسير العلمي في قول السارد للصديقة التي تميل إلي تلك اللغة من الخطاب وتستجيب، علي عكس استهجانها أو عدم فهمها للمأثور والمهجور من الأمجاد القولية والأسطورية للعرب، ربما ليتحقق جزء كبير من القناعة التاريخية المستندة إلي العلم، أو اللغة السائدة والتي يقتنع بها الآخر قبل أي شيء، بغض النظر عن إمكانية الاعتراف بالخطأ في حق من يمثل له أيضا آخر، ويريد أن يحصل منه استحقاقات يري ذاته جديرة بها دونه.. ومن هنا جاء مبدأ تبرير الاغتصاب والتدمير والمواجهة الشرسة للعالم بأسره.
لعل انتهاء النص من حيث بدأ، بانتهاء الرحلة السياحية (كغيرها)، يعمل عمل الدلالة أيضا علي الدوران في الفراغ واللاجدوي التي تتشبع بها الحالة السياسية والتي يراد لها السكون والخمول وإبقاء كل شيء علي ما هو عليه، بدليل التهكم في المشهد الساخر الذي يسخر فيه السارد/ جمال من »‬قمة أوسلو».. ولعل براعة المحاولة أو التكشف أو التسلل من خلال هذا النص الروائي قد أعطته ميزة المغامرة كما قلنا بداية من العنوان، ولكن هذه المغامرة ربما أتت علي مستوي الحالة الإنسانية التي ربما اكتملت باكتمال العلاقة الجنسية مع الصديقة اليهودية، كمحاولة لكسر إيهام الهيمنة الصهيونية وأوهامها علي طريقة الفارس العربي الهمام الذي ربما كان سيفه شيئا آخر، غير السلاح، مغاير ومخاتل، وعلي العكس تماما ربما كانت روحانية علاقته كشرقي أصيل سببا في إذكاء الحميمية التي تحترق فيها الروح في بوتقة الجسد فتنتج هذه العلاقة الأسطورية للجنس، كأداة إخضاع وانتصار
تنتهي رحلتنا.. لا أعرف كيف ودعتها.. هل وعدتها بزيارتها في مدرستها المكسيكية؟.. هل وعدتني بزيارتي في عمَّان؟.. هل لعلاقتنا أن تتوطد، وتستمر؟.. كل الذي أذكره أن الأفق كان ضبابيا، وأن دموعنا الممتزجة علي وجهينا الملتصقين، لم تجعلنا نشاهد بعضنا بعضا ونحن نقف متداخلين بالأحضان بقبلة لم تنته ببساطة عند حاجز ركاب الطائرة التي أقلتني لأعود من هناك إلي عمَّان.
ولعل تلك الأسئلة تمثل ردود أفعال لم تكن واردة، ولكنها ربما عكست الرغبة الشديدة في التواصل الإنساني الذي ربما انتصر هنا في ضمير النص الروائي، علي الجانب الجغرافي والسياسي بما يمثل خطابا جديدا للتعامل مع الآخر الذي يمثل عنوانه الأكبر الصدام والاختلاف في كل ألوانه، لتكون العلاقة تلك هي مفارقة النص وسؤاله، وإمكانية تحقيقه علي أرض الواقع بالمفهوم الإنساني عموما؟.. وما قد يفك شيفرة عنوان الرواية!! وما يدفع بالأسئلة في اتجاه الوجود المشترك علي أرض الواقع، انزياحا إلي عدة عوامل نفسية، قد تؤثر في فلسفة هذا الوجود، وربما كرست لثقافة الخطاب الذي ربما تمركز في هذا الخطاب الإنساني الذي يحاول أن يجمع البشر، ولكن في علاقات دائرية ما تلبث تنتهي حتي تعاود كرتها نحو إعادة إنتاج الحالة/ العلاقة المتوترة من جديد، دلالة علي استمرارية هذا الصراع وهذا الجدل الدائر حول ماهية الخطاب الذي نتوجه به في تعاملاتنا مع نماذج الآخر في هذا الوجود المخاتل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.