الأثر المجتمعي، وتيمة الصراع (أوراق العائلة) لمحمد البساطي نموذجا" هو عنوان الورقة البحثية التي شارك بها الكاتب والناقد محمد عطية محمود في فعاليات مؤتمر أدباء مصر في دورته الثانية والثلاثين، الذي عقد مؤخرا بمدينة شرم الشيخ . يقول عطية في مفتتح بحثه، والذي شاهد تفاعلا نقديا وبحثيا موغلا في كل ما يربط المجتمع بالأدب وتأسيسه له: "تبدو العلاقة بين الأدب، والأثر المجتمعي الذي تحدثه التجارب الإنسانية، متمثلة في جملة من القضايا الملحة التي يرتبط بها وجود الفرد، ومن ثم وجود المجتمع على خارطة الوجود الإنساني بشكل عام ومؤثر، ما يمنح هذه القضايا مصداقية ارتباطها، وحاكمية علاقتها بهذا المجتمع، ومدى التصاقها به، بما له من طقوس وعادات وإشكاليات تفرض إحداثياتها.. قد ينجح الإبداع الأدبي في إبرازها من خلال صوره المتعددة في ظل مركزية وجود الفرد، وتبئيره بحيث يصبح النواة التي يتحلق حولها جُل العمل الأدبي السردي تحديدا، ينطلق منه ليعانق محاولات فك الأسر أو الخروج عن النسق الحاكم الضاغط على كينونته". ثم تطرق في بحثه إلى سؤال الكينونة والوجود الحر على محك التجربة الإنسانية المعاشة على هامش أو متن ذلك المجتمع، الذي ربما كان يمثل في حال من أحواله الجماعة المختارة للفرد – كما أشار إليها فرانك أوكونور - وربما مثل له الجحيم الذي ربما كان يمثله الآخرون كما يقول جان بول سارتر، ما قد يخلق نوعا من الصراع المجتمعي، ومن ثم صراع الأجيال، والذي قد يرتهن بملامح من الملحمية في السرد الروائي والتركيز على السمات المتعاقبة والأحوال المتوارثة عبر الزمان، وبالاتكاء على العنصر الثابت للمكان الذي يشهد تجذر ونمو كل تلك المراحل/ الحيوات المتتابعة التي تشكل تاريخ المجتمع. أرض الواقع والمتخيل ويقول في موضع آخر داخلا في غمار تجربة اللغة كأحد العناصر الرئيسية المتحكمة في مسار العمل الروائي: "ولعل ما يوثق هذا الوجود الفعلي على أرض الواقع والمتخيل هو جنوح الفن الروائي لاستنباط اللغة السردية المعبرة عن هذه العلاقة الحميمة بين الزمان والمكان والعنصر البشري الملازم، والتي تسهم في رصد تلك التداعيات التي تنقلها الرواية من الواقع إلى حيث الظهور اللافت والموازي والمحرك لها، حيث يلوح في هذا الفضاء الذي يُعد مناطا/ حيزا لوجود تلك النماذج التي تمثل المجتمع وتنطبع فيه آثارها ومحركاتها في خلق حالة موازية من الوجود أو الأشد قربا منه والتصاقا به، بما تعبر به كتخييل يصنعه الفن والإبداع". وأبحر البحث في رواية "أوراق العائلة" الصادرة عن روايات الهلال للروائي المصري محمد البساطي، حيث يبدو – بحسب الباحث – الارتباط ما بين تيمة الصراع، وآليات التعامل مع النص الروائي، من خلال تلك السمات المتشابكة التي يفرضها واقع الحكي المتوالد والمتواتر على حد السواء، على نحو تنوعه فيما يطرحه اتكاءً على فعاليات العلاقة المتوارثة بين عدة أجيال، يحملون إرث عائلة واحدة، يتناقلونه فيما بينهم في شبه تراتبية تحرض على التوغل في كشف ستر المسكوت عنه في خباء تلك العلاقات المتوارثة، عبر سلسلة ربما يفصل بين بداية وجود أولى حلقاتها، وآخرها (الراوي)، عنصر الزمن الآني/ المشترك. "وذلك على خلفية مكان واحد يجمعها في متنه، وتدور أحداث وجودها على هامشه، وهي العلاقات التي تفرضها جذور تلك العوامل والأسباب التي تتوارى في هذا الخفاء، لتشعل جذوة هذا الصراع/ الشقاق.. ويقوم السارد/ الحاكي، أو ما يمثله الفرد الواحد آخر حلقات هذه السلسلة، بحس تجربته المعيشة التي ربما انعكست على تأثره وانفعاله بها في محاولة للتعبير عنها، ومن ثم سبر غورها، لحيازته كراوٍ/ كاتب لخصوصيات التعامل مع هذا المجتمع/ البيئة اللصيقة به، بما يؤطر لمفهوم الأثر الفني الذي ما هو إلا انعكاس لكل تلك العوامل. معرجا على جذور الصراع التي تشتعل نارها في تاريخ العائلة التي ربما مثلت نموذجا عاما للمجتمع في أقسى صور تفاعلاته، حيث "يقدم النموذج الروائي هنا رؤيته الخاصة المتعمقة حول جذور تلك العائلة وواقعها الاجتماعي غير المنبت بالطبيعة عن الواقع المجتمعي العام المحيط والماثل، علاقات الجد الأكبر/ التاريخ، المفصلية على مستوى شبكة الأجداد المتعاقبين والمتواجدين على حد السواء الذين يمثلون في مجملهم مجتمعًا مصغرًا”. تنمية الحدث الروائي وعن تقنيات الكتابة ينتقل البحث إلى تقنيتي: الوصف والتخييل، ودورها في تنمية الحدث الروائي ومن ثم التعاطي مع الحالة الخارجة من عمق الحياة، وبحسب الباحث: "تبدو من خلال النص الروائي التفاصيل الدالة على المكان/ البيئة، أو المجتمع الداخلي الذي يفرض سمات وجوده، وهو الدور الذي يلعبه التداخل بين السرد والوصف، بما يعطي هذه المصداقية للصورة الفنية أو الأثر الفني الذي يؤكد على الأثر المجتمعي في تلك التفاصيل". كما يؤكد على أهمية التخييل ودوره المؤثر لإكمال الصورة السردية، والوصفية، التي أتى بها الحوار، بداية، "حيث تختزل الرواية كل الأثر المجتمعي لتلك العائلة، في تلك الأوراق، التي مثلت أيقونة العمل الروائي وعنوانه المعبر عن فحواه منذ بدايته، وما تلبث أن تعود الرواية نهايةً إلى الأثر الفني الانفعالي، الذي تحركه أوراق تلك العائلة، التي توفر لراويها المصداقية والحدس الفني لما كان ينبغي أن تكون عليه الحوادث تبعا للظواهر والأوصاف الخارجية التي لعب عليها الراوي ببراعة في أغلب مناطق سرده، كما يقول الراوي متتبعًا ومتخيلًا عن جده، وفي استحضاره على المستويين الروحي المرتبط بذاتيته التي تتحقق من خلال التاريخ أو تنتفي على حد السواء. والرمزي الذي يعول عليه عدم الانتهاء والزوال وديمومة الوجود من خلال تلك الأوراق برغم ذبولها، إضافة إلى دخول هذه التخييلات في حيز الوصف المكاني والفعلي في اشتباك فاعل يعمل على إثراء السرد وتوليد عملية الحكي بما يتسق مع الحالة النصية العامة". يقول محمد عطية في خاتمة بحثه: "وبما يؤجج هذه الحس بالتورط في فك الاشتباك بين المسكوت عنه وغير المسكوت عنه، وما بينهما من أمور ملتبسة، تتطلب المزيد من محاولات سبر الغور، وفك طلاسم هذه العائلة/ المكون البيئي/ المجتمعي الضارب في جذور الأرض بغرائبية من نوع مغاير، تتجلى من خلالها أسباب الصراع وجذور الشقاق والجفاء من خلال هذا النسق الروائي وهذا الطوفان الذي لا ينتهي من الحكي، ولا ينتهي أثره". (خدمة وكالة الصحافة العربية).