بهاء طاهر عقدت مكتبة الشروق بالزمالك، الثلاثاء الماضي، ندوة للروائي الكبير بهاء طاهر قدمها الكاتب الصحفي وائل قنديل و حضرها الروائي و وزير الثقافة الفلسطيني السابق يحيّي يخلف، والكاتبة فتحية العسال وقد تركز النقاش حول كتاب "أبناء رفاعة" وما يفتقده المجتمع المصري حالياً.أكد بهاء طاهر إن كتاب "أبناء رفاعة"، الذي نُشر في اوائل التسعينات، من أهم أعماله، و لكن فرُض علي الكتاب تعتيما تاما و كان أحد أسباب ذلك تفشي التيارات الإسلامية المتطرفة منذ الثمانينات و إزدياد تطرفها في التسعينيات. كما لخص طاهر فكرة الكتاب التي تتمثل في بداية عصر التنوير علي يد رفاعة الطهطاوي في عصر محمد علي باشا-مؤسس الدولة الحديثة،و كيف كان درو رفاعة خطوة أولي فتحت الطريق لمن جاء بعده من مثقفين عملوا علي تنوير المجتمع المصري و سلّم أحدهم للآخر الراية للنهضة بالمجتمع.استنكر طاهر القول بأن عصر محمد علي "كان تغريباً و مؤامرة علي مصر"، وأضاف ساخراً " كتر خير الي عملوا المؤامرة دي و وولوا محمدعلي"، وقد استشهد بما قاله عبد الرحمن الجبرتي و هو إن مصر كانت في العصر المملوكي و العثماني عبارة عن "حيز موت"، و كان لا يمر عام حتي تقع البلاد في وباء. كما ألمح صاحب "واحة الغروب" إلي أن أيدلوجية "فرق تسد" هي التي تحكُم في العصر العثماني، وأكد أنه "لحسن حظ مصر، كان يوجد رفاعة في عصر محمد علي حيث تم ارساله في أول بعثة لفرنسا، و كان رفاعة حريصا علي الحفاظ علي الهوية المصرية بألا تذوب في الهوية الغربية، و التفت إلي المظاهر التي لا توجد في مجتمعنا و استوعب أسباب تقدم الحضارة في الغرب ووجد أن النظام الغربي تقدم لأنه لا يقوم علي الحاكم، بل علي الأمة والوطن."ركز بهاء في كتابه علي الدور الأهم في تحضر و تحرر الأوطان يقوم علي يد مثقفيها؛ جاء محمد عبده الذي تتلمذ علي يد رفاعة و ذهب إلي فكر أبعد، فبينما رسخ رفاعة فكرة الوطن و نهضته، رسخ محمد عبده فكرة أن المواطنين لهم حقوق طبيعية، وليست منحة من الحاكم، ثم جاء قاسم أمين بعده متطوراً بفكره، حيث عمل علي قضية التحرر الاجتماعي خاصة تحررالمرأة التي كانت تعامل مثل العبدة، و أكد إن مقياس تحضر الأمم يقاس بحرية المرأة..لكل هذا يري طاهر أن ما فعله هؤلاء المثقفون الكبار هو نقل مصر من جحيم العصور الوسطي إلي النهضة بالوطن، و أستأنف الطريق بعدهم طه حسين و أول ما فعله عند توليه وزارة المعارف، هو اتاحة مجانية التعليم، الذي كان باهظاً للغاية. يوضح بهاء:" كل هذا حدث لأن المجتمع كان يصغي للمثقفين، و مأساتنا تكمن فيما بعد النكسة، وقتها انضحلت مكانة المثقف و لم يعرف المثقف قيمته و تأكد هذا بما حدث للعظيم "جمال حمدان" و تجاهل مشروع نهضته". يري طاهر أن المثقف الحقيقي كان هو المحرك للأمة، ولكنه أصبح، مع بداية عهد السادات، يعامل كأنه فائض عن الدولة، و في عصر مبارك تم تهميشة تماماً و وصلنا لهذا الوضع الظلامي الذي صاحبه أيضا تخليج للدولة، ولم يتم تهميش المثقف فقط، لكن أيضا تم تهميش عقل الأمة الذي كان يتوجه للأمام، فأصبح آسفاً يعود بنا، ثم قال:"أرجوكم إن تعودوا إلي تاريخكم الحقيقي، علينا إن نستمر في طريق رفاعة حتي نستأنف دولتنا المدنية".مداخلات الحضور تطرقت للوضع السياسي و ما خسرته الثورة، جائت ردود بهاء طاهر موضحة تفائله و اعتقاده بإننا سنجتاز هذة الأزمة التي تتركز في الأضمحلال الثقافي و فرض هوية متطرفة ليست من التاريخ المصري، و يقول" لكن مثلما كانت الخطوة الأولي في النهضة التخلص من هيّمنة الدولة العثمانية، كان يجب إن يُضاف لمطالب الثورة (عيش، حُرية، عدالة أجتماعيّة)، التخلص من التبعية للغرب و الفكر الوهابي". عن تأسيسية الدستور تحدث بهاء قائلاً:" أن الخوف يشمل توغل جديد للرأسمالية المتوحشة، لكن في صورة جديدة و كذلك و الأهم هوية المجتمع و يؤكد أن معركتنا منذ 1882 هي الدستور أولاً، لكننا نمشي في عكس الاتجاه دائماً". كما تحدث صاحب "أبناء رفاعة" عن عدم وجود مقارنة سواء في العصور الوسطي و الحالية بين أوربا و مصر، فكلاً منا سلك اتجاه أخر، لكن إذا عقدت المقارنة فنحن في صراع للبحث عن هويتنا؛ نكسب جولة و نخسر جولة. بالطبع لم يخل النقاش من توجيه النقد للمثقفين و أبراجهم العالية و بعدهم عن الواقع المادي البشع للمجتمع و إن دوائرهم تتركز في أماكن أرستقراطية. "غلطتنا في الثورة تُكمن في مغادرتنا للميدان بتنحي مبارك" هكذا اختتم بهاء طاهر كلام موضحاً معارضته لكلاً من العسكر و الأخوان و إن الثورة لم تفز في سباق الرئاسة.