أبناء سيناء: الإرهاب أوقف الحياة وشهدائنا مع الشرطة والجيش طهروها بدمائهم    4 أيام متواصلة.. موعد إجازة شم النسيم وعيد العمال للقطاعين العام والخاص والبنوك    بعد ارتفاعها.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي 2024 وغرامات التأخير    سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الجمعة 3 مايو 2024 في البنوك بعد تثبيت سعر الفائدة الأمريكي    رسميًّا.. موعد صرف معاش تكافل وكرامة لشهر مايو 2024    عز يعود للارتفاع.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 3 مايو 2024 بالمصانع والأسواق    انقطاع المياه بمدينة طما في سوهاج للقيام بأعمال الصيانة | اليوم    إسرائيل تؤكد مقتل أحد الرهائن المحتجزين في غزة    فلسطين.. وصول إصابات إلى مستشفى الكويت جراء استهداف الاحتلال منزل بحي تل السلطان    إبراهيم سعيد يهاجم عبد الله السعيد: نسي الكورة ووجوده زي عدمه في الزمالك    أحمد شوبير منفعلا: «اللي بيحصل مع الأهلي شيء عجيب ومريب»    الأرصاد تكشف أهم الظواهر المتوقعة على جميع أنحاء الجمهورية    نكشف ماذا حدث فى جريمة طفل شبرا الخيمة؟.. لماذا تدخل الإنتربول؟    قتل.. ذبح.. تعذيب..«إبليس» يدير «الدارك ويب» وكر لأبشع الجرائم    جناح ضيف الشرف يناقش إسهام الأصوات النسائية المصرية في الرواية العربية بمعرض أبو ظبي    فريدة سيف النصر توجه رسالة بعد تجاهل اسمها في اللقاءات التليفزيونية    فريق علمي يعيد إحياء وجه ورأس امرأة ماتت منذ 75 ألف سنة (صور)    كيفية إتمام الطواف لمن شك في عدده    معهد التغذية ينصح بوضع الرنجة والأسماك المملحة في الفريزر قبل الأكل، ما السبب؟    خبيرة أسرية: ارتداء المرأة للملابس الفضفاضة لا يحميها من التحرش    جمال علام يكشف حقيقة الخلافات مع علاء نبيل    ضم النني وعودة حمدي فتحي.. مفاجآت مدوية في خريطة صفقات الأهلي الصيفية    إسرائيل: تغييرات في قيادات الجيش.. ورئيس جديد للاستخبارات العسكرية    محمد مختار يكتب عن البرادعي .. حامل الحقيبة الذي خدعنا وخدعهم وخدع نفسه !    "عيدنا عيدكم".. مبادرة شبابية لتوزيع اللحوم مجاناً على الأقباط بأسيوط    قفزة كبيرة في الاستثمارات الكويتية بمصر.. 15 مليار دولار تعكس قوة العلاقات الثنائية    مجلس الوزراء: الأيام القادمة ستشهد مزيد من الانخفاض في الأسعار    موعد جنازة «عروس كفر الشيخ» ضحية انقلاب سيارة زفافها في البحيرة    سفير الكويت: مصر شهدت قفزة كبيرة في الإصلاحات والقوانين الاقتصادية والبنية التحتية    ليفركوزن يتفوق على روما ويضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي    طبيب الزمالك: شلبي والزناري لن يلحقا بذهاب نهائي الكونفدرالية    رسائل تهنئة شم النسيم 2024    الحمار «جاك» يفوز بمسابقة الحمير بإحدى قرى الفيوم    أول ظهور ل مصطفى شعبان بعد أنباء زواجه من هدى الناظر    شايفنى طيار ..محمد أحمد ماهر: أبويا كان شبه هيقاطعنى عشان الفن    جامعة فرنسية تغلق فرعها الرئيسي في باريس تضامناً مع فلسطين    اليوم.. الأوقاف تفتتح 19 مسجداً بالمحافظات    حسام موافي يكشف سبب الهجوم عليه: أنا حزين    بعد تصدره التريند.. حسام موافي يعلن اسم الشخص الذي يقبل يده دائما    تعرف على طقس «غسل الأرجل» بالهند    البطريرك يوسف العبسي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يحتفل برتبة غسل الأرجل    سفير الكويت بالقاهرة: رؤانا متطابقة مع مصر تجاه الأزمات والأحداث الإقليمية والدولية    فلسطين.. قوات الاحتلال تطلق قنابل الإنارة جنوب مدينة غزة    د.حماد عبدالله يكتب: حلمنا... قانون عادل للاستشارات الهندسية    برج السرطان.. حظك اليوم الجمعة 3 مايو 2024: نظام صحي جديد    جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات    بسبب ماس كهربائي.. إخماد حريق في سيارة ميكروباص ب بني سويف (صور)    مباراة مثيرة|رد فعل خالد الغندور بعد خسارة الأهلى كأس مصر لكرة السلة    فوز مثير لفيورنتينا على كلوب بروج في نصف نهائي دوري المؤتمر الأوروبي    بطريقة سهلة.. طريقة تحضير شوربة الشوفان    تركيا تفرض حظرًا تجاريًا على إسرائيل وتعلن وقف حركة الصادرات والواردات    مدير مشروعات ب"ابدأ": الإصدار الأول لصندوق الاستثمار الصناعى 2.5 مليار جنيه    القصة الكاملة لتغريم مرتضى منصور 400 ألف جنيه لصالح محامي الأهلي    «يا خفي اللطف ادركني بلطفك الخفي».. دعاء يوم الجمعة لفك الكرب وتيسير الأمور    صحة الإسماعيلية تختتم دورة تدريبية ل 75 صيدليا بالمستشفيات (صور)    أستاذ بالأزهر يعلق على صورة الدكتور حسام موافي: تصرف غريب وهذه هي الحقيقة    بالفيديو.. خالد الجندي يهنئ عمال مصر: "العمل شرط لدخول الجنة"    محافظ جنوب سيناء ووزير الأوقاف يبحثان خطة إحلال وتجديد مسجد المنشية بطور سيناء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد خان..إياك أن تخون حبك للسينما
نشر في أخبار الأدب يوم 25 - 08 - 2018

صورة تجمع بين محمد خان وسعيد شيمي أثناء تصوير فيلم » الرغبة «
في عوالم محمد خان حوار غاية في الخصوصية بين المرء وذاته.. تستعيده في عدة مشاهد متفرقة من أفلامه الروائية الأربعة والعشرين.. حين تغمض نجوي أو نوجا عينيها في آخر مشاهد »شقة مصر الجديدة»‬ لتكرر رقم يحيي لتنبئك بأن هناك سعادة قادمة نتمناها جميعا دون يقين بحدوثها.. ثم حين تستمع لأنفاس فارس اللاهثة طوال الفيلم .. فارس المتشبث بالحلم حتي آخر لحظة قبل أن يترجل وينسحب عن الساحة محتفظا بلقب »‬الحريف».. أو حين يصلك صوت أنفاس جابر في »‬الرغبة» الشاب الذي فقد رجولته في الحرب .. والذي يفرغ كل طاقته في العجلة الثابتة التي يجري عليها دون أن يتحرك قيد أنملة.. ذاك السر الذي يتقاسمه فقط مع المتفرج دون أن يسمح لأحد أن يقترب منه.. نظرته للمبة المعلقة في السقف حين يخبره الطبيب بعجزه .. انتقالا لقرص الشمس الحارق في أرض المعركة .. ذلك الضوء الكاشف لم يكن حانيا .. علي العكس كان قاسيا ملهبا ليقود إلي الضياع مذكرا إيانا ببطل رواية »‬الغريب» لألبير كامو ذلك النص الأدبي الذي حلم خان بتقديم عمل مقتبس عنه دون أن يفعلها .. أسرار عدة يدركها المشاهد متواطئا مع الأبطال أو شاهدا عليهم .. وحدنا ندرك تلك اللحظة بين التردد واتخاذ القرار بينما تلتهم نوال المسقعة المسمومة بشغف يغري زوجها عزت بالطمأنينة.. طمأنينة مزيفة تتهاوي حين يكتشف أن الطعام مسموم.. ثم حالة الضعف الإنساني حين تلتهم ماجدة المرأة المهزومة في أنوثتها النوتيلا بنهم يناقض جمود علاقتها بزوجها في »‬قبل زحمة الصيف».
خان الذي يقترب للغاية جدا من عوالم النفس البشرية ليكاد يمسك بتلابيب انفعالاتها .. حتي في أكثر تلك اللحظات خصوصية.. إذ ربما يرجع ذلك لاهتمامه بالإنسان .. فالشخصية هي نقطة الانطلاق وليست الحكاية.. أو حسبما ذكر ذات مرة في كونه يخلق القصة علي شخص، فالحريف هو سعيد الحافي الذي كان يلعب الكرة الشراب وهو حافي القدمين والذي كان يسافر من بلدة لبلدة ليلعب الكرة مقابل بعض النقود، أما بطل »‬طائر علي الطريق» فقد استوحاه خان من بواب العمارة المقابلة في فترة الانفتاح الاقتصادي .. ذلك الرجل الذي ابتاع سيارة بيجو يشغلها لحسابة .. أما شخصيات »‬أحلام هند وكاميليا» فمبنية علي شخصية المربية التي شاهدها خان في بيته .. حتي »‬موعد علي العشاء» كان وليد خبر قرأه محمد خان عن زوجة تقتل زوجها بالسم .. ثم »‬ فتاة المصنع» الذي بدأ بجملة أخبرها خان لكاتبة الفيلم وكذلك زوجته وسام سليمان »‬أريد أن أقدم فيلما عن عاملة بمصنع» .. وهكذا يفرض الإنسان برحلته المليئة بمعاناة وجوده علي أفلام خان جميعها.
ومحمد خان هو أستاذ التفاصيل بلا منازع .. عوالمه كالدانتيلا.. يقترب حتي تتأمل معه تفاصيل الأصابع المرتبكة والمنتظرة .. النظرات المتبادلة .. انعكاسات أبطاله في المرايا .. يقترب حتي يقف في تلك المنطقة الفاصلة بين المرء وروحه ليتصنت علي تفاصيل الصراع الإنساني .. ثم يبتعد جدا لتري المشهد بالكامل في الممرات الطويلة والردهات الصامتة .. في الشوارع وحواديتها ثم المدينة بالكامل ومعاناة الإنسان التائه في الرحلة .. يُشرح بنعومة مواجع المجتمع .. ما بعد النكسة .. ما بعد الانفتاح .. ثقافة الاستهلاك والسوبر ماركت .. المدينة في مواجهة القرية .. وغير ذلك
وللمرأة في عوالم خان مكانة متميزة .. نساؤه تملك قوة وحيوية مدهشة .. إنها خيرية أو خوخة في »‬خرج ولم يعد».. إنها هند وكاميليا اللتان فقدتا كل شيء لكن احتفظتا بقدرتهما علي المقاومة التي رمز خان لها بتلك الطفلة الصغيرة التي تحمل وعوداً بغد أفضل .. تلك القدرة الهائلة علي المقاومة تتضح في حالة البهجة والسعادة حين تعثر هند وكاميليا علي الطفلة »‬أحلام» بعد أن فقدن الذهب والنقود .. فالأحلام هي ما يتبقي وهي الدافع للاستمرار والبقاء.. لينتهي الفيلم بكادر عظيم حيث تتشابك أيدي هند وكاميليا التي تحمل أحلام تاركتين وراءهما رمال الشاطئ متجهتين إلي البحر بكل تلك الأحلام التي يحملوها لتستمع في تلك اللحظة إلي كلمات وألحان العبقري عمار الشريعي »‬ يا صغيرة يا انتي يا قطرة ندي .. رحتي كدا .. جيتي كدا .. إحنا وراكي مهما يخفيكي الضباب.. يا كبيرة يا انتي أد عمر الزمان .. اتململي .. اتزلزلي .. إحنا وراكي مهما دوبنا العذاب.. ابتسمي نجري فرحانين .. بكل أشواق السنين .. تملانا بسمتك حنان في دار حنين» .... إنها هيام في »‬فتاة المصنع» التي ترقص في نهاية الفيلم في فرح الرجل الذي أحبته وفي مواجهة كل تلك القيود التي تضع قدمها علي رقبة الأنثي في المجتمعات الشرقية لتذكرنا بمقولة جلال الدين الرومي »‬ارقص.. وانْ لم تزلْ جراحكَ مفتوحة.. ارقصْ.. وانْ مُزِّقتْ ضمَّاداتك.ارقصْ.. وأنتَ تخوضُ القتَال.ارقصْ.. في دمائك .. ارقصْ.. وأنتَ حرٌّ تماماً».
في حب سينما محمد خان
في سينما محمد خان الموسيقي أيضا بطل أساسي.. »‬حين استمعت إلي الموسيقي التصويرية لفيلم الحريف .. دمعت عيني» .. بهذه العبارة استعاد الفنان الكبير سعيد شيمي ومدير التصوير ذكريات كثيرة مع رفيق طفولته وصديق عمره محمد خان .. مضيفا »‬اختار محمد خان موسيقي (الشوارع حواديت) التي قام بتأليفها الموسيقار هاني شنودة كموسيقي تصويرية لفيلم الحريف» .. وقد اختار شيمي بدوره تلك الموسيقي لترافق رواد معرض »‬في حب سينما محمد خان» الذي نظمه شيمي في محبة صديق عمره واستضافه جاليري الهناجر مؤخرا في الذكري الثانية لوفاة محمد خان.
ويضيف شيمي: حين كنا صغارا كنا نذهب أنا وخان معا لحمام سباحة بقصر عابدين، فعقب الثورة قامت الحكومة بإسقاط بعض الأسوار وفتحت حديقة القصر للعامة، أما حمام السباحة الخاص بالملك فاروق فقد فُتح أيضا أيضا أمام الجمهور بمقابل رمزي، وكان المكان قريب مننا حيث كان خان يسكن بعمارة بأرض شريف، وحين كنا نذهب لنستحم هناك كان يأخذ معه جرامفون صغير يشغل عليه الموسيقي ..ويضيف شيمي: ولع خان بالموسيقي ليس غريبا عليه فبالإضافة إلي حبه للموسيقي منذ طفولته، فإن سفره للندن وحياته بها سنوات طويلة قد فتحت وعيه علي ألوان ثقافية متعددة ومنها الموسيقي. ويستطرد: لقد انعكس ذلك في أفلامه ولكن اهتمامه لم يكن يقف عند الموسيقي التصويرية فحسب وإنما كان يمتد إلي شريط الصوت بالكامل، وكان اهتمامه بالصوت يوازي اهتمامه بالصورة تماما.
وقد تضمن المعرض أكثر من سبعين صورة في محبة »‬محمد خان» ولكنها لم تكن حسبما توقعت- عن الأفلام العظيمة التي قدمها خان وإنما كانت عنه أثناء العمل ، حيث يقول شيمي : هذا المعرض ليس عن أفلام خان فبإمكان الجميع مشاهدتها أو بالفعل شاهدوا غالبيتها إن لم يكن كلها .. هذا المعرض عن خان المخرج عن وجوده في أماكن التصوير عن الصعوبات التي كنا نواجهها أثناء التصوير في الشارع أو فوق الكباري، عن تلك اللقطات التي جمعته بالفنانين الذين عمل معهم ..
ويستهل المعرض بصوره جمعته بالفنان عمر الشريف أثناء تصوير أول أفلامه الروائية »‬ضربة شمس» وهو الفيلم الأول الذي حصل من خلاله خان علي أول جائزة في حياته، حيث حصل علي جائزة تقديرية ذهبية عن الإخراج الأول من مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي الأول، كما حصل أيضا شيمي علي جائزة عن التصوير ونور الشريف عن الإنتاج.ولهذا الفيلم حكاية يرويها شيمي قائلا : حين عاد خان من لندن ليستقر نهائيا في مصر كان محملا بالأحلام والطموحات، لكن كانت هناك عقبات كبيرة تواجهه خاصة بعد رحلة معاناته بحثا عن عمل بين القاهرة وبيروت ولندن قبل عودته نهائيا لمصر، وقد كان محمد خان لديه قصة بالفعل حيث كان يكتب قصصا قصيرة أثناء وجوده بلندن ومنها »‬ضربة شمس» لكنه كان يعد مخرجا غير معروف ولذا فكرنا أن نتوجه لأحد الممثلين المعروفين لأنه إذا اقتنع بالقصة فمن شأنه أن يقنع بها منتج، وبالفعل ذهبنا لنور الشريف ولما رأي منه كل ذلك الحماس وقرأ القصة وأعجبته عرض علينا أن يقوم هو بإنتاج الفيلم وبالفعل حقق هذا الفيلم ضجة كبيرة في الأوساط السينمائية.
كذلك تضمن المعرض لقطات جمعت بين شيمي وخان أثناء تصوير فيلم »‬الرغبة» و»‬الثأر» ، و»‬طائر علي الطريق» و»‬نص أرنب»، و»‬الحريف» ، حيث جمع بين الثنائي ستة أفلام روائية قبل أن ينفصلا فنيا وتستمر صداقتهما حتي وفاة الأخير.. حيث يعلق شيمي قائلا : محمد صديق العمر ورفيق الطفولة لم نفترق إنسانيا أبدا، ولكننا افترقنا فنيا بعد ستة أفلام روائية عملناها سويا حتي لا نضر بعضنا البعض مهنيا .. فقد اضطررت مثلا أن أترك رأفت الميهي في أول أفلامه نظرا لأن خان كان قد تعاقد علي فيلم جديد، ولذا اتفقنا علي أن يستكمل منا مشواره الفني بعيدا عن الثاني، حيث قدم سعيد شيمي ما يقرب من 75 فيلمًا تسجيليًّا وقصيرًا و108 أفلام روائية طويلة من أهمها »‬ضربة شمس» و»‬سواق الأتوبيس» و»‬جحيم تحت الماء» و»‬العار» و»‬البريء» و»‬الحب فوق هضبة الهرم».
ويعلق شيمي علي الصور التي تضمنها المعرض قائلا : هناك الكثير من القصص التي ترويها كثير من تلك الصور .. فمثلا هناك حكاية طريفة وراء تلك الصورة التي أبدو وكأني أريد تهشيم رأسه أثناء تصوير فيلم »‬الرغبة» وهو ثاني الأفلام التي قدمها خان، فبعد أن أنتهي من فيلم ضربة شمس جلس بمنزله دون عمل ، وعندما عرض علي تصوير هذا الفيلم وهو من انتاج شركة الجاعوني لم يكن تم اختيار المخرج بعد ، فاقترحت عليهم اسم محمد خان ، وفي البداية لم يكن هناك استجابة، لكن بعد ذلك اتصلوا بي وطلبوا مقابلته، وكاد هو أن يرفض الفيلم فهو مأخوذ عن قصة »‬جستابو العظيم» وتمت معالجته أكثر من مرة ، وكان هو لديه أحلامه في صناعة السينما ، ولكنني أقنعته بالفيلم وأثناء التصوير كان خان سعيدا بالعمل حتي أنه في هذه الصورة كان يحمل افيش الفيلم ، وأنا كنت مغتاظا منه لأنه كان عنيدا جدا وبسبب عنده كاد أن يفقد تلك الفرصة .
وقد تضمن المعرض أيضا العديد من الصور التي جمعت محمد خان بالنجوم ومنهم مديحة كامل في فيلم »‬مشوار عمر» ونجلاء فتحي في »‬أحلام هند وكاميليا» ومرفت أمين وأحمد زكي في »‬زوجة رجل مهم» ، ونبيلة عبيد في »‬الغرقانة»، وياسمين رئيس في »‬فتاة المصنع» وكذلك أكثر من صورة مع المخرج أحمد رشوان صاحب فكرة المعرض منها صورة خلال تصوير فيلم »‬مستر كاراتيه» وكان رشوان قد قدم فيلما وثائقيا تحت عنوان »‬خان المعلم» رصد فيه بعض التفاصيل الخاصة بحياة المخرج الراحل محمد خان، وكانت الفكرة قد بدأت خلال السنوات الأخيرة قبل رحيله، بحكم قرب رشوان من »‬خان» وعمله معه كمساعد مخرج، وقد عرض الفيلم للمرة الأولي خلال فعاليات مهرجان السينما العربية في باريس »‬خان المعلم».
كما تضمن المعرض عددا من الصور الحديثة نسبيا لخان أثناء مشاركته في مهرجانات سينمائية وندوات وأمام كتبة أفلامه وهو يقرأ الجرائد ومع طاقم عمل فتاة المصنع وغيرها ..
ويعلق شيمي علي سينما خان قائلا: سينما محمد خان ظاهرة لفتت الانتباه والأذهان إلي طريقان مهمان، أولا قربها من الناس البسطاء والتعبير عنهم، ثانيا استعمال حرفة وتكنيك سينمائي يعمل علي شحذ الصورة والتفاصيل والحركة والجمال الذي تعرفه اللغة السينمائية الراقية وعندما صنع فيلمه القصير »‬البطيخة» عام 1972 برز ذلك الأسلوب مبكرا والتقط هذا بعض النقاد مثل سامي السلاموني فقال عنه »‬رأيت مصريا حتي النخاع» . عاني خان كثيرا ليحضر إلي مصر بلده الأصلي ليعبر بالسينما عن الناس والمجتمع والحياة وأخيرا قرر وهو في منتصف عمره أن يأتي نهائيا ويعيش ويصنع الأفلام ويموت ويدفن في بلده مهما كانت الصعاب والظروف .
خطابات محمد خان إلي سعيد شيمي .. مشوار حياة
وقد تزامن المعرض مع صدور كتاب »‬خطابات محمد خان إلي سعيد شيمي» عن دار الكرمة.. والتي تمتد من فترة الشباب من أواخر الخمسينيات وحتي منتصف السبعينيات، وهي من إعداد وتعليق صديق عمره المصور السينمائي الكبير سعيد شيمي ومن تقديم الناقد الفني الكبير محمود عبد الشكور. يقع الجزء الأول من كتاب خطابات محمد خان إلي سعيد شيمي في 392 صفحة من القطع المتوسط ويحتوي أيضًا علي صور ووثائق نادرة، وهو يغطي الفترة من 1959 ، وحتي عام 1966، ومن المتوقع أن يغطي الجزء الثاني الفترة حتي عام 1972 ويحمل عنوان »‬انتصار للسينما»، أما الجزء الثالث فيغطي حتي 77 ويحمل عنوان »‬مصري حتي النخاع»..
وليس خان مخرجا عاديا .. إنما هو فيلسوف مفكر منذ سنوات شبابه الأولي .. ولكن ليس بإمكانك أن تفهم خان جيدا إلا حين تقرأ تلك الخطابات التي تكشف سنوات تكوينه المبكرة .. لتتعرف علي طريقة تفكيره .. فقد كان خان منذ البداية كاتبا متأملا في تفاصيل الحياة إذا نراه يقول في إحدي جمله »‬إن لم أجد أوراق فسأكتب بأظافري علي الحائط» .
ربما تعد تلك الخطابات سجلا تفصيليا عن حياة خان علي المستويين الشخصي والمهني وقد كتبها إلي صديقه المقرب سعيد شيمي عقب سفره من مصر إلي لندن ، وقد ولد المخرج محمد خان بمصر في أكتوبر 1942، وقضي فيها طفولته، وجمعته بالفنان سعيد شيمي صداقة عائلية ، بعدها سافر محمد خان فترة طويلة لإنجلترا لدراسة الهندسة إلا أنه سرعان ما اتجه لدراسة السينما، بعدها عاد إلي القاهرة عام 1963 وعمل في شركة فيلمنتاج (الشركة العامة للإنتاج السينمائي العربي)، تحت إدارة المخرج صلاح أبو سيف ، وذلك بقسم القراءة والسيناريو مع رأفت الميهي و مصطفي محرم و أحمد راشد و هاشم النحاس. حيث كانت الدولة في عام 1962 قد أصدرت القرارات الاشتراكية من ضمنها تأميم صناعة السينما وإنشاء شركتين الأولي للإنتاج السينمائي المشترك مع الدول الأجنبية تحت باسم »‬كوبر فيلم» والثانية للإنتاج المحلي باسم »‬فليمنتاج».. ولكن خان لم يستمر في هذا العمل طويلا حيث تدهورت صحة والده واضطر للسفر للندن ، لكنه ما كادت تمضي عدة شهور حتي قرر الرجوع لمصر وواجهته صعوبات جمة سافر بعدها إلي لبنان ليعمل مساعداً للإخراج . وبعد عام، سافر مرة أخري إلي إنجلترا ، وكان يكتب مقالات عن السينما، وفي عام 1972 عاد إلي مصر وأخرج فيلماً قصيراً »‬البطيخة» قبل أن يسافر مرة أخري إلي لندن ويستمر هناك حتي عام 1977 قبل أن يعود نهائيا إلي مصر.
يقول الناقد السينمائي محمود عبد الشكور في مقدمته لهذا الكتاب: »‬كأننا أمام دراما هائلة تمثل قصة حياة محمد خان في سنوات الشباب، مكتوبة بصراحة مطلقة، وكأن كل سنة هي فصل مثير، تتخلله لحظات صعود وهبوط، وأمل وإحباط. إننا تقريبًا أمام مذكرات عقل ووجدان وعين شاب مصري رأي وسمع وشاهد، ونحن أيضًا أمام وثيقة مدهشة عن جيل يكتشف معني الفن والحياة، ويحاول في نفس الوقت أن يكتشف نفسه وقدراته، لكي يعبر بهذه القدرات من عالم الهواية إلي دنيا الاحتراف، من شغف الفرجة، وهي أساس كل شيء، إلي حلم صناعة الأفلام، وبهجة تحقيق السينما... سعيد شيمي.. هذا الصديق الوفي الكبير، عاشق السينما، هو أفضل من يقدم للقارئ رسائل صديقه الراحل، وهو أيضًا من تضيف تعليقاته علي الرسائل الكثير شرحًا وتوضيحًا، فكان هذا الكتاب البديع».
ويضيف عبد الشكور علي صفحته علي الفيس بوك : في هذه الخطابات خصوصية التجربة، ولكن من خلال عصر بأكمله، وهناك بالطبع التنقلات بين الأماكن، والأهم أن خان كتب الخطابات بتفاصيل التفاصيل ، وكأنه يكتب سيناريو حياته. هناك علي الأقل أربعة خطوط يمكن تضفيرها معا، مع حرية التنقل في الزمان والمكان، وبين خيال الأفلام، وقسوة الواقع : خط العلاقة بين خان وسعيد، وخط معاناة خان وأسرته في لندن، وخط عشق الأفلام والحلم بالعمل في صناعتها، وخط العلاقات العاطفية.
أما شيمي فيقول : كانت الخطابات بيننا هي التواصل المستمر بأخبارنا وأحلامنا وانكساراتنا وحبنا، والسينما تشغل الحيز الأكبر من مساحة هذه الخطابات .. للأسف ضاعت خطاباتي له مع أمتعته عندما شحنها لآخر مرة من لندن إلي القاهرة ولم تصل أبدا ، ولكن خطاباته لي محفوظة .. فهي سجل فني للأفلام التي كان يشاهدها ويقيمها ويطلعني عليها أول بأول . وبعض هذه الأفلام لا يعرض في مصر.
كتاب ممتع يعكس رؤية فلسفية عميقة ومحبة غير مسبوقة للسينما إذا نري محمد خان يقول في أحد خطاباته لسعيد شيمي عام 1966 : هناك كاتب سينمائي توفي في زمن كبير، ولكن أعتبره من أكبر الكتاب في العالم ، وقال جملة جميلة جدا عن الأفلام وهي »‬ الهدف هو الحياة نفسها والثمن هو الحياة نفسها» وهذه حقيقة .. فوالله أنا حبي للفن السينمائي ليس للمال فقط فهناك شيء بيني وبين الأفلام .. ليست هواية بل حب .. وأنت تعرف من صغري أنا مجنون سينما .
ربما يمكن تلخيص الحكاية في عبارة .. نعم عبارة واحدة .. »‬إياك أن تخون حبك للسينما» .. التي قالها خان في أحلك تلك اللحظات في حياته حين قاده حبه للسينما لصعوبات عديدة .. كان عليه أن يفقد الأمل مائة مرة .. مع لحظات الهزيمة والانكسار .. قال خان إنه مؤمن .. مؤمن بحبه الوحيد والأول السينما.. ومؤمن بالإنسان.. ومؤمن بحبه لوطنه بالميلاد وبالفن وبالنهاية .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.