كنتُ دوما أقول لها حين يغيم البصرْ، أو تضيع الرؤيا- تتحجَّرْ: "بعينيك كلّ الصوّر، لو نامتا حينا مات النهار أو انتحرْ، لكأنّ الشمس رمت معطفها الشتويّ وراحت تراقص ظلّ الحجرْ". لكنها تنسي، لا تتذكرْ.. أعياها أن تهيم يخابثها الكدرْ، كلما انبثقت من رماد الذكري لا تلبث أن تتعثرْ في سديم تواريخي المطمرة تحت سجاد من الملح الدامع، أعياها أن تكون سؤالا غير مكتمل في رحلة من غير سفر، في ليلة ملأي بنور ذابل، أن تكون غير هي أن تنسل من غير ظل، تتكسر كي تغني بعضي الذي كنته، وتخبئ بعضي الآخر ليوم خادع مثل سراب متنكر. لا أملك الكثير منِّيَّ لكي أعيرك الجزء الذي يؤنس فيك غربة الأشياءْ، حتي الكلام جف والشعار ساءْ، فلم يعد لديّ فائضٌ من الفروق كي أسمّيَ الوجوه، وأُعْطيَ الزنبق شكله.. ذخيرتي من الخراب لا تليق بالبريق كي يكون مرتقي إليكْ، لا أملك الكثير من وقتي، ولا القليل من أناقة الورود حتي أعد الليل بصبح بنفسجي، فلتغفري لي إن أنا سميت الفراغ، وأعطيته وجها، وأرشدته الطريق إلي ظلي، وأقمت جواري أرسم صوتا لا صدي له كلما آخيت طريقا وأهديت لها وجهة أنكرتني، وأنتِ هناك علي مد البصر تُبدين أساك علي عمر لم يكن لك عريانة إلا من فوضي كفن مترب، هل يُسمح لي، ولو لحين، بأن أدنو من موتك لعل يدي تمنح عينيك سر الحياة من جديد؟ تقولين: امض صوب الحكايه خنها، عند أول سطر، لا تترددْ..! لكن ذاكرتي متعبهْ، وخباياي في قمقم من خيوط العنكبوت، أما البجع الذهبي فغني مرة واحدة فقط، ثم مات، قبل أن تستمع الطرق الهشة- وهْي في الأرحام- إليه، فكيف يصير الناي نايا، حنجرةً للزمن إيقاعا لسطر كان نطفة مجهظة خصبته الأحقاد؟ وأنا منزو- ها هنا في قلعة الوهم- علي مبعدة من غبطة الكرنفال اليومي للحذلقهْ أنحت الماء كي يكون ماء فحسبْ لا شيء آخر، أنحته من غير إزميل في انتظار رعود حبلي تلقح كدمة كاحل الصبح. كلما صادفتُني تائها في الطريق بادلتُني غربة الخطي، وعناوين قديمهْ أما تاريخي الذي أخفيته في ثنايا الذكري، فلم يكن غير مواعيد مؤجلهْ هأنذا منزو في نقطة الصفر، مقرب في البعد / مبعد في القرب، لا أملك حق الانتماء إليكِ. إذا ما حاولت العودة تاه بي الشراع، وخانت الريح شرفتك الظمأي، فلم أهتد إليَّ، بينما الخيط من بين يديك يشد إليك بقاياي. كم من ذكري عليّ أن ألمّها كي أصنع منها شفاها للصمت وعيونا لليل؟ كلّما آويت الدقائق- وهي تعزف أصابعي- ظننت أنني أراك تطلين من عينيَّ سؤالا متعبا، وأنا لم أكمل بعد عدَّ خيباتي الكثيرة. ليس لدي الكثير من الحنكة كي أرشدني إليّ، لكن هناك علي مد البصر ما زلت أراك كما أنت بعض بقاياي، فهل كنت حقا هناك؟ المغرب