في حديثه عن المعبود المصري »أنوبيس» الذي اشتهر بكونه حارس الموتي يقول الفنان والناقد د. ياسر منجي: أنوبيس ليس محضَ معبودٍ تقليديٍّ من معبودات المقابر، بل هو بالأحري – وبالمعني الفلسفي العميق – حارسٌ لطاقة الحياة في طَورِ كُمُنِها وخُمودِها، تماماً كما الأرضُ الحاضنةُ لبذور النبات الخامدةِ خلال فصل الصقيع. وهو، بالدرجةِ نفسِها، مُرشِدٌ أمينٌ، ومُوَجِّهُ حصيفٌ خبير، يدُل الأرواح الهائمةَ علي طريقها في شعاب الظُلمة والتيه، كَيما تجد سبيلَها إلي مَرافيء الوجود. وقد حرص منجي علي تقديم قراءة مختلفة عن الشائع في التعريف بأنوبيس، في مقدمة بديعة رافقت معرض »أنوبيس»،وهو المعرض الثالث والثلاثين لجماعة اللقطة الواحدة الذي استضافته قاعة إبداع بالزمالك بمشاركة 42 فنانا قدموا 88 عملا كلها مستوحاة من أنوبيس الذي وصفه منجي قائلا: القابعُ آناً علي هيئة »ابن آوي» الأسود، والمُنتَصِبِ آناً آخرَ بقامةٍ آدميةٍ ورأسٍ كلبيّ. هو ذاك الذي صار في منطوق القبطية »أنوب»، ليخلع عليه الإغريقُ لاحقاً لمسةً من رنين لواحقِهِم الصوتية الشهيرة، ليصير »أنوبيس»، وبها يُشتهَر إلي الآن. ولعل أكثر ما يميز جماعة اللقطة الواحدة يتمثل في حرية الطرح الفني فيما يتعلق بموضوع محدد فيما يستفز قدرات الفنانين الإبداعية، وفي كل مرة يثبتوا تفوقا علي ذاتهم ليخرج المتلقي من جولته بشحنة فنية مكثفة تدرء عنهم شبه الملل وتكرار أنفسهم .. وقد تنوعت الأعمال المقدمة بين الألوان الزيتية والمائية والباستيل والأحبار والطباعة والكولاج والجواش وغيرها.. إلا أنه في كل مرة تجد استخداما مبتكرا لخامة ما، ففي معرض سابق كان الزلط أحد الخامات التي وظفتها فنانة لقطاوية.. أما في هذا المعرض فقد قدمت الفنانة سارة عوف مثلا عملها الفني بالتطريز علي قماش الخيامية ، وربما يعتبر هذا هو عملها الثاني فحسب بهذه الخامة، وكان قد سبق لها أن قدمت عملا بنفس الخامة في صالون الشباب 2017 وحصلت من خلاله علي جائزة الاقتناء ..وقدم أحمد أبو علي لاكيه علي خشب محفور ليزر بينما وظفت الفنانة مروة عطوة تذاكر الأتوبيس في الكولاج .. ويتيح الكولاج عشرات الخامات التي تثري المسطح خاصة حين تنتمي تلك المكونات للحظة الآنية بقوة في مقابل موضوع ينتمي إلي تاريخ قديم. لكن هناك اختلافا واضحا بين تناول الفنان المعاصر والفنان المصري القديم لذات التيمة حيث يقول منجي: لا يمكن أن ينتج الفنان المعاصر »أنوبيس» الذي أنتجه المصري القديم فهناك خلافات شاسعة وأول هذه الاختلافات أن أنوبيس بالنسبة للمصري القديم لم يكن صورة ولكنه معتقد .. أي جزء من فكرته عن الكون وجزء من الطقوس التي يعيشها ..مضيفا: وحتي يتمكن الفنان المعاصر من تناول الموضوع تناولا سليما عليه أولا أن يفهمه فهما عميقا بعيدا عن الشائع المغلوط ،إذ لم يكن أنوبيس- كما ذكرت - مجرد حارس للمقبرة أو الموتي بل كان عليه حفظ قوي الموتي وهم في عالم البرزخ -إن جاز التعبير- بكل ما مروا به من ذكريات وأفكار ووجدان حتي ينتقلوا بها إلي العالم الآخر .. ومن ثم يري الفنان ياسر منجي أن ما يفرق الفنان المعاصر حقا هو مشروعه البحثي، مؤكدا أن علي الفنان أن يبحث موضوعه بعمق من كل الزوايا. لأن أي تجربة هي ببساطة نوع من أنواع البحث الذي يثقل التجربة ويصل لنتائج غير تقليدية. ومن جانبه يقول د. عبد العزيز الجندي مؤسس جماعة اللقطة الواحدة عن اختيار موضوع أنوبيس .. أن الاختيار جاء بحثا عن اللقطة المصرية القديمة..حيث قمنا بجولة في المتاحف وبحثنا في الكتب.. وجمعنا أكثر من 40 لقطة مصرية قديمة..كان معظمها من المتحف المصري بالتحرير.. ثم تم الاستقرار علي رسم جنائزي علي تابوت بالمتحف، يحوي أنوبيس.. إله الموت والتحنيط عند قدماء المصريين.. وبالفعل مكثنا أمامه لنفك شفرة الرموز.. ورموز الشفرة..! وبعدها..تناول اللقطاويون أنوبيس الموجود علي التابوت في أعمالهم بأسلوبهم الخاص ورؤيتهم الخيالية مستخدمين أسلوب الحذف والإضافة. وأضاف الجندي: كانت لقطة جديدة عليهم..ارتبط فيها الإبداع بالبحث في عمق الحضارة المصرية..ومفرداتها وأسرارها والغموض الذي يكتنفها في كثير من الأحيان..والمدلولات الخطية والتكوينية واللونية لمفرداتها.. ثم أخذوا سكتشاتهم وتجولوا في أماكنهم الأثيرة بحي القلعة وغيره فتزاوجت الأفكار بالمكان ، ونتجت تركيبات جديدة. ويبدو أن أنوبيس لم يكن ملهما فقط لأعضاء جماعة اللقطة الواحدة إذ سبق أن وظفه العديد من الفنانين المصريين والأجانب من قبل، الأمر الذي تحدث عنه الفنان ياسر منجي في محاضرة أقيمت في إطار البرنامج الثقافي والندوات الذي تم تنظيمها بالتوازي مع المعرض ، كما كان أنوبيس ملهما أيضا لعمالقة الأدب ومنهم الشاعر أحمد شوقي الذي قدمه في مسرحيته الشعرية »مصرع كليوباترا» وعكس فهما كبيرا جدا للشخصية وأبعادها ، ولذا قدمه في صورة كاهن يعبر عن حكمة الحياة كلها.. وهناك أيضا الكاتب الليبي إبراهيم الكوني الذي قدم رواية اسمها »أنوبيس» وتم ترجمتها بالجامعة الأمريكية.