يا بدع الورد يا جمال الورد .. صوت أسمهان يملأ روحي بينما الكثير من الفنانات يرتدين أكاليل الزهور فوق رؤوسهن أو يحملن للودود ويتجولن في أرجاء متحف محمود مختار بين قاعتي العرض اللتان ضمتا الوحات معرض فناني اللقطة الواحدة الذي أقيم مؤخرا بمشاركة ما يقرب من 50 فنانا قدموا ما يزيد علي 100 لوحة.. لكن الاحتفاء هذه المرة لم يكن بالورد ولكن في الحقيقة بكشك الورد. ويعلق د.عبد العزيز الجندي مؤسس جماعة اللقطة الواحدة علي اختيار موضوع كشك الورد قائلا: حرص اللقطاويون ألا تكون لقطتهم هي الورد .. لأنه موضوع قديم وتم استهلاكه وتناوله كثيرا إنما الجديد هنا هو .. هو الكشك بخطوطه الهندسية .. الصناعية وعلاقته بالورد وطبيعته العضوية المتنوعة والحالمة. أما الكشك فكان بسيطا .. قليل البهرجة تشع منه رائحة الورد بتنوعه وثرائه دون افتعال. ومجموعة فناني اللقطة الواحدة التي تقوم بالرسم أسبوعيا بالقاهرة منذ عام 2002.. تعزف كالسيمفونية المتناغمة تحت قيادة الفنان عبد العزيز الجندي الذي يشبه قلب المجموعة النابض فالأهم دائما بالنسبة له روح المجموعة .. وهو ما جعل اللقطة واحدة من أكثر الجماعات الفنية استقرارا وتخريجا لفنانين جدد يتلمسون بدايات مشوارهم الفنية من خلال رحلة مرورهم بالمجموعة، لاسيما مع وجود ما يعرف باسم سنة أولي لقطة وهم فنانون جدد ينضمون للمجموعة بهدف التعلم واكتساب الخبرات. ولعل تلك الروح المتآلفة انعكست علي أعمال المعرض والتي تمثلت في وجود أكثر من لوحة جماعية اشترك بالرسم فيها أكثر من فنان ومنها لوحة الفنانين محمد كمال ومروة الحريري ونهال هاني، ولوحة الفنانات مروة الحريري ونهال هاني وبسنت فرج، ذلك بخلاف لوحة الفنانين أحمد أبو الحسن وأحمد مبارك التي تعتبر واحدة من أكبر الأعمال التي عرضت بمعرض"كشك الورد" حيث تنقسم اللوحة إلي جزءين يكملان بعضهما البعض متطابقين في الحجم يبلغ مقاس كل منها 150 *75 سم ، ليشكلا معا كادرا واحدا إلا أن كل فنان منهما قد رسم نصف العمل بتكنيك مختلف. فبينما استعان أحمد أبو الحسن بزخارف الخطوط العربية التي يتقنها بسبب دراسته في معهد الخط العربي، لجأ مبارك إلي الورد المجفف ليضيف إلي العمل من روح الواقع لا سيما وقد حصل علي تلك الورود من كشك الورد. وربما كانت تجربة أبو الحسن ومبارك من التجارب الملهمة لعدة أسباب أولها أن صداقتهما بدأت من خلال اللقطة الواحدة وقدما معا أكثر من عمل مشترك ، وثانيا أنهما نموذج للشباب الواعد الذي بدأ يشق طريقه الفني من خلال جماعة اللقطة الواحدة ، حيث حصل أحمد مبارك علي دبلوم صنايع إلا أن ذلك لم يمنع عشقه للرسم والفن الذي وجد متنفسا له من خلال انضمامه لجماعة اللقطة الواحدة ليكتسب مزيدا من الخبرات، وقد شارك أيضا في صالون الشباب بأحد أعماله. الأعمال الجماعية ليست جديدة علي اللقطة حسبما ذكر د.عبد العزيز الجندي في حديثه معي، مضيفا : أن الشائع هو الذاتية في الفن فكثير من الفنانين لا يمكن أن يتقبلوا فكرة أن يشاركهم أحد في نفس اللوحة ، لكننا في اللقطة تجمعنا روح المحبة وإنكار الذات وإيثار الآخرين ، وكانت الفكرة قد بدأت منذ سنوات عندما فكرت مع صديقي الفنان محمد كمال وهو أحد مؤسسي اللقطة في عمل معرض مشترك أطلقنا عليه "دويتو" وكنا نوقع اللوحات باسم محمد عبد العزيز كمال الجندي . كذلك فإن واحدة من السمات التي تميزت بها اللقطة هو تحدي الروح الفنية بداخل أعضاء المجموعة .. الانفعال الجديد بالأشياء في محاولة البحث عن طرق جديدة في التعبير حيث يقول الجندي: كان غريبا علي فناني اللقطة هذه المرة أن يرسموا في منطقة العجوزة أو المهندسين حي سكني يبعد عن الأجواء الشعبية المعتادة للقطة لكنها كانت تجربة جديدة فيها الاحتكاك بمفردات جديدة وطبيعة مختلفة . وقد شكل هذا الموضوع تحديا لكثير من الفنانين بما فيهم الفنان عبد العزيز الجندي شخصيا .. إلا أن الديمقراطية التي تحكم اختيار الموضوعات تجعل الجميع ينصاعون لروح الجماعة ولاختياراتها. وربما كانت الفنانة آمال سمير واحدة من أولئك الفنانين، تقول : كان تحديا بالنسبة لي فلم يكن الموضوع جاذبا في البداية.. لأنه مختلف عما اعتدت عليه من لقطات أحيائنا الشعبية والأماكن الأثرية.. لكن عند رسمي للكشك وجدت علاقة فنية من نوع مختلف.. علاقة الشكل الهندسي بالنبات والإنسان.. فقد كان هذا الصندوق يحوي الكثير من الغني والثراء الخفيين بداخله.. وكان لابد من الكشف عنه بواسطة فناني اللقطة .. وتكاد تكون آمال هي الوحيدة التي رسمت صاحب الكشك، وهو أحد العملين اللذين شاركت بهما في المعرض وقدمته بالقلم الجاف حيث تقول : شعرت أن التكوين لن يكتمل من وجهة نظري دون وجود بائع الورود، لذا كان هو بطل هذا العمل. كذلك كان الموضوع شائكا بالنسبة للفنانة هالة طارق التي تقول لم أكن أرسم الورود قبل ذلك، وهالة خريجة فنون جميلة قسم جرافيك رسوم متحركة وتعمل مخرجة أفلام رسوم متحركة بالمركز القومي للسينما ، وهي المرة الثالثة التي تشترك في أحد معارض اللقطة .. وقد اعتمدت هالة أيضا في إحدي لوحاتها، علي عكس معظم الفنانين المشاركين الذين كان بطلهم هو كشك الورد، علي رسم شخصية تحتل بطولة اللوحة، ولكنه لم يكن صاحب الكشك أو بائع الورد وإنما امرأة سمراء جميلة تحمل كشك الورد فوق رأسها كقبعة وتتحلي بالورود كقرط وعقد .. تخيلت أنها أفريقيا وتخيلت أنها كوكب الكرة الأرضية إلا أن الفنانة أخبرتني : أنا أهتم في العادة بوضع العنصر الأنثوي في التشكيل، وقد اخترت اللون البني للبشرة لتشبه الشجرة التي طرحت كشك الورد. وقد احتفت جماعة اللقطة هذا المعرض بالفنان الشاب مراد درويش الذي قدم ما يقرب من خمسة أعمال، والذي يبدو أنه سيكون بمثابة نقطة انطلاق فنية له حيث يقول الجندي : أكثر ما ميز اللقطة هو انطلاق اللقطاوي المبدع مراد درويش في تناول اللقطة باستخدام وسيط الكولاج من خلال لصق أسطح الورق الملون والمزخرف بتوفيق كبير ورؤية اختزالية شديدة التميز والنضج، وإيجاد علاقة قوية وصريحة بين تلك السطوح وبين الخطوط الصريحة القوية والتي هي من سمات فنه الأساسية فكانت النتيجة فتوحات جديدة. ويأتي هذا المعرض كنتاج لورشة قام بها الفنانون لمدة خمسة أسابيع، حيث رسموا كشكا للورد بالقرب من شارع أحمد عرابي بحي المهندسين والعجوزة..وتعددت الأعمال في أساليبها وتقنياتها بين الأساليب الطبيعية والتعبيرية وما يقترب من التجريد..وبين التقنيات المتعددة..كالألوان الزيتية والمائية والباستيل والكولاج والأكريليك والأحبار..إلخ.