من السذاجة السياسية، التعامل مع مايتردد منذ فترة ليست طويلة، حول صفقة القرن، لإيجاد حل شامل وتام وكامل للقضية الفلسطينية، وإحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط، علي انه قدر محتوم، او أمر من إدارة الرئيس الامريكي رونالد ترامب، علي الجميع الرضوخ له،او تنفيذ تعليماته. فكل المؤشرات تقول، انه علي فرض إقدام إدارة الرئيس الامريكي علي الإعلان عنها، تفصيلا او مجزئة خلال الأسابيع القادمة، او في سبتمبر القادم، فان مصيرها سيكون كغيرها من المبادرات والأفكار والتفاهمات،التي شهدتها الحقب السابقة منذ توقيع اتفاق أوسلو في عام 1993 وحتي الآن،وكلها فشلت في دفع الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي إلي التوصل إلي اتفاق سلام شامل وعادل ينهي الصراع. وهنا يجب الا ننسي حالة التفاؤل التي سادت العالم في ذلك الوقت، بعد الإعلان عن التوصل إلي اتفاق أوسلو،والرعاية الامريكية لاتفاقية السلام في كامب ديفيد، يومها تم الاتفاق علي مسارين للتفاوض، الاول يخص تنفيذ اتفاق أوسلو ويضم الفلسطينيين والاسرائيليين، والثاني تحت عنوان المفاوضات متعددة الأطراف، بمشاركة دول إقليمية ودولية،لمناقشة قضايا الوضع النهائي، وبالفعل ناقشت المفاوضات من خلال لجان متخصصة، قضايا التعاون الاقتصادي في المنطقة، والحد من التسلّح واللاجئين والمياه، وحتي البيئة، وأبدت الدول العربية حسن نوايا، بالمشاركة وبفاعلية في تلك الاجتماعات، بل استضافت عواصم عربية ومعظمها خليجي، بعض تلك الاجتماعات مثل مسقط والمنامة والدوحة، وكان هذا بمشاركة إسرائيلية، دون ان يكون لهذه الدول علاقات اصلا بإسرائيل. وشهدت القضية انتكاسة حقيقية، نظرا للخلافات الإسرائيلية الفلسطينية علي تنفيذ اتفاقية أوسلو التي كانت تحتاج في كل بند إلي مفاوضات شاقة، ولعل اهم محاولة للحل او أقربها كانت في عام 2000 في نهاية عهد الرئيس الامريكي بيل كلينتون في كامب ديفيد، يومها حدث توافق بين الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني علي القضايا الرئيسيّة،ومنها قضية الأمن والمستوطنات واللاجئين والدولة الفلسطينية وبقيت قضية القدس باعتبارها عاصمة للدولة الوليدة، يومها رفض الزعيم ياسر عرفات متشجعا بالموقف المصري والاردني وبقية الدول العربية، اي تنازل عن ذلك، فانتهت المفاوضات. وحاولت الإدارات الامريكية بعد ذلك سواء في عهد بوش الابن او باراك أوباما، التي عرضت تصورا كاملا تحت عنوان خريطة الطريق في عام 2014، والتي اشرف عليها وزير الخارجية جون كيري، الذي بذل بالتعاون مع اللجنة الرباعية التي تضم واشنطن وموسكو والامم المتحدة والاتحاد الأوربي، ولكن الاستراتيجية الإسرائيلية في إدارة الصراع دون السعي إلي حله،واستمرار خطط بناء المستوطنات، والبدء من نقطة الصفر، أفشلت ذلك الجهد، وذهب اوباما وجاء ترامب، الذي وعد بما أسماه حل عظيم للنزاع في الشرق الأوسط. وحتي الآن هناك نوايا وتصريحات، حول قرب طرح صفقة القرن، دون ان يكون هناك بنود واضحة او رؤية متكاملة لدي واشنطن، وقد تكون أفكار يتم عرضها علي قادة المنطقة، وقد نجحت تل أبيب في استثمار مناخ وغياب الرؤية الصحيحة، في الترويج لافكار قديمة وخطط أعدتها منذ سنوات، عن ان الصفقة تتضمن تبادل أراض بين دول المنطقة، وهو امر مرفوض جملة وتفصيلا، وقد كشف ابو مازن اثناء احدي زياراته للقاهرة ولقائه مع النخب المصرية - وكنت أحد شهود اللقاء - عن عرض خطة ايجور ايدلاند، وهو جنرال إسرائيلي وتتضمن تبادل أراض في سيناء، ان احد رؤساء الوزراء الاسرائيليين حاول عرضها علي الرئيس الأسبق مبارك، الذي استشاط غضبا فلم يكمل، ورد مبارك يومها - كما قال ابو مازن - ان مثل هذه الأفكار اعلان حرب في المنطقة، فتراجعت اسرائيل. وقد كشفت الجولة الأخيرة والتي قام بها جاريد كوشنر كبير مستشاري ترامب وصهره، منذ أسابيع قليلة عن وجود أفكار جديدة حول الصفقة المستحيلة،واستبدلها بمدخل جديد للحل، وهو إنهاء الاوضاع اللا إنسانية في قطاع غزة، والعمل علي تنميته اقتصاديا عبر خطة متكاملة، تتكلف خمسة مليارات دولار توفرها دول الخليج، وتعتقد واشنطن ان مثل هذا الامر، قد يمثل حافزا للدخول في مفاوضات سلام مباشرة بين الطرفين السلطة وإسرائيل،وقد كشفت الجولة عن استحالة تمرير الصفقة حتي لو غامر ترامب بالاعلان عنها،نظرا لعدد من العوامل منها الرفض القاطع والصارم لتلك الأفكار، فهو أمر ملح وضروي، ولكنه باعتباره مدخلا لتكريس الانفصال،،وانهاء فكرة الدولة الفلسطينية، ناهيك عن مواقف ترامب من الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة اسرائيل، وهو الامر الذي دفع ابو مازن لقطع كل اتصالات مع الادارة،ومازال علي موقفه، كما شهدت الجولة تحفظا عربيا علي الأفكار الامريكية،وفِي مقدمتها مصر. والخلاصة، أعلنت الادارة الامريكية عن صفقة القرن،أو لم تعلن، فان أفكارها غير مقبولة،ولن تجد من يؤيدها او يتبناها عربيا وفلسطينيا.