مازال العالم ونحن منهم يعيش نشوة مباريات كأس العالم خاصة النهائي الممتع المثير بين فرنساوكرواتيا.. ورغم أن الديوك حسموا اللقب مبكرا عندما تقدموا بأربعة أهداف مقابل هدف قبل ان يضيف الكروات هدفهم الشرفي الثاني.. لم يعد لدينا رغبة للعودة للعك الكروي عبر الدوري المحلي بكل سوءاته لكنها الساحرة المستديرة التي لا يمكن الابتعاد عن بريقها بحلوها ومرها. المونديال قدم لنا العديد من الدروس لعل أهمها الجواد الكرواتي الجامح الذي اكتسح الجميع من الأدوار الأولي حتي أزاح روسيا البلد المنظم وانجلترا مهد اللعبة الشعبية من طريقه قبل الوصول لمنصة التتويج.. أكد الكروات أن الإنجازات لا تتحقق بالأعداد البشرية الضخمة وإلا كان علي الصين صاحبة المليار ونصف المليار نسمة أن تكون بين المشاركين ولكان علي مصر بملايينها المائة أن تتخطي الدور الأول.. رئيسة كرواتيا كوليندا قدمت نموذجا لما يجب أن يكون عليه الحكام في التواجد داخل الصفوف.. لم تبك أو تندب حظ بلادها بالخسارة أمام فرنسا وإنما فرحت وهنأت لاعبيها وجهازهم الفني وامتدت الأحضان الدافئة إلي كبار المسئولين والحكام ونجوم المونديال.. ما حققته كرواتيا ورئيستها الجميلة ليس مصادفة وإنما إبداع شعب مؤكد بقدراته فرغم قلة عدد السكان لكنهم حولوا هذه الطاقة البشرية إلي إبداع في كافة المجالات وتصدت الرئيسة لكل ما يمكن أن يأخذ البلاد إلي الوراء ونهضت ونهض معها الشعب باحثا عن موضع قدم بين الكبار بعد أن رفضت السفر إلي موسكو بطائرة خاصة وإنما جلست بين المشجعين وكانت موضع حفاوة وتقدير زعماء العالم حتي سعي الدب الأمريكي ترامب لالتقاط صورة معها.. قدم الكروات تجربتهم في المونديال نموذجا غير مسبوق في الإصرار علي النجاح والعمل بروح الفريق والانتماء للوطن والعلم عملا وليس شعارات بلا مضمون.. لقد مثل الأمة العربية وسكانها ال350 مليون نسمة بأربعة منتخبات هي مصر والسعودية وتونس والمغرب ولم يتجاوز أي منهم الدور الأول ويحسب للمغاربة الكفاح المشرف وتعرضهم لأخطاء تحكيمية لكنهم في النهاية لم يصنعوا عشر ما صنعته كرواتيا البلد الصغير بمساحته وعدد سكانه وإن لم تعد هذه الأعداد معيارا للنجاح فالعبرة بالإيمان بالقضية التي تعمل عليها حتي ولو كانت في كرة القدم... لقد هزت تجربة كرواتيا العالم وكانت حديث كل وسائل الإعلام وربما سرقت الأضواء من البطل الفرنسي في يوم عرسه.. الكل تحدث عن الإنجاز الذي سوف يتحول لأرقام في السياحة الوافدة علي البلد الصغير وبهذا تكون كرة القدم رياضة وسياسة واقتصاداً أيضا.