خيمت سحابة حزن ثقيلة الأيام الماضية علي مجتمع الدراسات الإسبانية في مصر والعالم العربي برحيل أحد فرسانها أ. د. علي المنوفي الأكاديمي والمترجم البارع في حضرة طلابه وبين جدران جامعته الأم، جمع د. المنوفي ما بين أصالة التعليم الأزهري بسني عمره الأولي وأتمها بالدراسة في إسبانيا ونيل شهادة الدكتوراة في الأدب الإسباني الحديث. أدرك المنوفي أن حداثة الفكر الغربي ما هو إلا بضاعتنا ترد إلينا في زمننا الحاضر. أثري المكتبة العربية بعشرات الكتب المترجمة من الإسبانية إلي العربية والتي رسمت خريطة دقيقة للنتاج الفكري والإبداع الأدبي لإسبانيا وأمريكا اللاتينية فكانت جسرا عابرا للثقافتين. ترجم رواية » لعبة الحجلة» للكاتب الأرجنتيني خوليو كورتاثار، و»المرآة الدفينة» للروائي المكسيكي كارلوس فوينتس، وغيرها من الأعمال البارزة الشاهدة علي مهارته في الترجمة التنظيرية والتطبيقية. ولم يتخل عن دوره الوطني للترجمة التتبعية والفورية في مجلس الرئاسة ليعطي مثلا للمثقف والمترجم الأكاديمي المتفاعل مع الشأن الوطني. حضرَ شاهداً دائماً علي نقاط التماس الفكرية والقضايا البحثية العميقة في فضاءات الإسبانية والعربية، وهو ما ميز إنتاجه في المرحلة الأخيرة من سنوات عمره التي ركز فيها علي ترجمات كتب الفلسفة الإسبانية في العصر الحديث والعمارة الموريسكية والكتب النظرية في الحقل الأكاديمي الترجمي واللغوي والنقدي وعليه نال وسام الفارس من الملكية الاسبانية عن جل أعماله. لعب دورا بارزاً في تأسيس أقسام اللغة الإسبانية في الجامعات المصرية وليس أدل علي ذلك من قسم اللغة الإسبانية ودراساتها بجامعة أسوان. الحديث عن الإنجازات العلمية والأكاديمية والنقدية للدكتور علي المنوفي لا يفوقها سوي جانبه الإنساني المشرق، لم أكن يوما طالبة في صفه ولكنني اعتبرته دوماً أستاذاً لي، كان يطري علي جهودي في الترجمة ودائم التشجيع لي وسعدت بالعمل معه في أكثر من مناسبة كان فيها مثالاً لدماثة الخلق والتواضع وخفة الظل ولا ينفك يسألني ضاحكاً » ها، ترجمتي كام صفحة النهارده؟ برضه مش حتقولي!» ونضحك كثيراً. بدا لي دوماً د. علي المنوفي مثالاً حياً للصداقة والعلم وحب الآخرين، ستظل ابتسامته المشرقة وضحكته الرائقة حاضرة في أذهان طلابه وأصدقائه ومريديه، لن تغيب عنا أبداً ضحكة استاذنا »الموريسكي» الضاحك، ونبتهل إلي الله العلي العظيم أن يثيبه لعلمه النافع الذي سيمكث صدقة تجري في أنهار لا تنضب.