الوزير غاضب. لأننا انتقدنا " مقترحا"..ولم ننتظر أن يتحول إلي "قانون". هذا هو سبب غضبه. كان علينا الانتظار، حتي يتحول " الاقتراح" الذي أيده عدد من أعضاء اللجنة الاستشارية لتعديل قانون المجلس الأعلي للثقافة إلي " قانون" معتمد، أي أن نعترض بأثر رجعي، وعندها لا يفيد الاعتذار، ولا تفيد الكتابة. النشر أربك الكثير من الخطط، ولأننا لا نفتش في النيات سنتعامل مع التصريحات. ما قاله الدكتور سعيد توفيق الأمين العام للمجلس الأعلي للثقافة مبررا الاقتراح ( الذي كان سيرفضه)، بأنه كان محاولة من صاحبه( الدكتور أحمد مرسي) بأن يمر القانون ويعتمد من المجلس العسكري بدون المرور إلي البرلمان بتعقيداته. أي أننا هنا أمام مبدأ " التقية" الشيعي.. أو " التعريض " السلفي.. دعه يمر إذن لأن الخسارة بوجود عضو عسكري أقل بكثير من اعتراض البرلمان علي القانون برمته أو محاولة إضافة شخصيات اخوانية او سلفية إلي أعضاء المجلس. وإذا كان السيد الوزير قد قرر أنه سيرفض " الاقتراح" لماذا وضعه في المشروع الذي تم توزيعه علي المثقفين، ألا يمكن أن يفتح ذلك النقاش باب الموافقة؟ أم أن الوزير لن يأخذ برأي لجنته الاستشارية ( لتصبح لا لزوم لها) أم أنها لجنة ستوافق علي ما يريد الوزير تمريره إيجابا أم رفضا؟ ليست الخطورة في تقديري من وجود " جنرال" يناقش السياسة الثقافية ويمنح ويمنع جوائز الدولة في الآداب والفنون، ولكن الأخطر اعتبار القانون " سريا" يناقشه 35 عضو اختارهم وعينهم الوزير نفسه ولم يطرح للنقاش العام، هل هؤلاء الأعضاء هم ممثلوا الثقافة المصرية فقط، حتي رؤساء هيئات الوزارة وقطاعاتها المختلفة لم يعرفوا شيئا عن القانون الذي سيسلبهم سلطاتهم الكاملة، ويضعها في يد أمين عام المجلس وحده، الذي سيصبح مسئولا عن خطط وندوات قصور الثقافة، وإصدرات هيئة الكتاب، ومناهج أكاديمية الفنون.. وأفلام السينما والعروض المسرحية.... بل وفي مفارقة سيصبح مسئولا عن " تطوير واقتراح البرامج الإعلامية والصحفية بما في ذلك برامج الإذاعة والتلفزيون، مما يسهم في تطوير المضامين الثقافية بها...".. ما علاقة المجلس الأعلي للثقافة بالصحافة..؟ أي أننا كجريدة ثقافية سننتظر اقتراحات السيد وزير الثقافة وأمين عام المجلس الأعلي للثقافة فيما ننشر وخططهم لتطوير الأداء الصحفي الثقافي! إنها الرغبة في التكويش، والهيمنة والسيطرة... بدلا من أي يخلص القانون المجلس من الأعباء الإدارية المختلفة ليصبح " عقلا" يقدم الخطط والمقتراحات...يتحول حسب "مشروع القانون" ليصبح " المخ" و"العضلات" في الوقت نفسه. السؤال الأهم الذي لم تقترب منه ورقة " مشروع القانون" ما هو دور مؤسسات الهيمنة والارشاد والتوجية بعد ثورة هدفها الحرية والديمقراطية..؟ ما الدور الذي ينبغي أن تلعبه وزارة الثقافة بالأساس؟ بل هل هناك ضرورة لبقاء هذه المؤسسات بطبيعتها الحالية كمؤسسات مهمتها نشر خطاب السلطة السياسة الشمولي؟ بالتأكيد يقدم مشروع القانون السري إجابة: استمرار التوجية والارشاد والهيمنة علي المجال الثقافي، بل زيادة الهيمنة. حتي لو رفض أعضاء اللجنة الاستشارية (المعينة والمختارة من الوزير) انضمام عضو " العسكري"، حتي لو أصبح عدد المثقفين أكبر من عدد الموظفين... تفكيك هيمنة الوزارة علي مؤسسات الثقافة هو الأولوية التي ينبغي ان تناقش الآن.. لا يعنينا كثيرا لماذا قبل الوزير منصبه..رغم أن أول تصريحاته في جريدة الأهرام: "المنصب مكافأة نهاية الخدمة"، لا يعنينا أيضا مناقشه انجازته حتي الآن، وإحقاقا للحق ما ذكره من انجازات ينسب لمن سبقوه، بل كثير منها تعود إلي فاروق حسني، ولم يكن للوزير الحالي سوي فضل " قص الشريط"... ( مسرح الهناجر، وقصر ثقافة الغردقة... ومتحف شوقي ومسرح بيرم... ومبني دار الوثائق...) ، بل إن معرض الكتاب قرر هو أن يلغيه بسبب طلب وزارة الداخلية ذلك ..لولا ضغوط المثقفين والناشرين. أعتقد إذن أن حركة الفراشة التي لا تري ولا تزول يمكن أن يحكم عليها التاريخ وحده.. ويمكن أن يصنفها كما يشاء. أخيرا: نعم هو مشروع..ولكنه مشروع فاسد يا سيادة الوزير.