منذ الوهلة الأولي حرص الفنان سامح إسماعيل الذي اختير قومسيرا لصالون القاهرة في دورته الثامنة والخمسين علي أن تكون هذه الدورة مختلفة، ليس من حيث فلسفة العرض التي تقع مسئوليتها علي عاتقه حسبما تنص اللوائح في كون رؤية وتنسيق وسيناريو العرض حقا أصيلا له، بهدف تحقيق أقصي استفادة من الأعمال المشاركة، ولكن أيضا من حيث النشاط المكثف الذي قام به قبل وأثناء الصالون في حشد أكبر عدد من النقاد والمهتمين ومحبي الفن لمشاهدة الصالون وربط الحركة النقدية بحركة الإبداع وكذلك حرصه علي التواجد يوميا في قصر الفنون لاستقبال الزوار حتي آخر لحظة. وقبيل الصالون أصدر الفنان سامح إسماعيل بيانا أطلق عليه المانيفستو الخاص بالصالون والذي حرص علي توزيعه علي عدد كبير من نقاد الفن والمهتمين والذي جاء به: أجد أنه من المناسب أن أوضح للمشاركين من الزملاء والأساتذة والفنانين الأفاضل مفهوم العرض بدون الدخول في مقدمة لتأريخ فن الرسم وأهميته وأثره عبر التاريخ والتراث الحضاري والفن الحديث نظراً لثقتي بإلمامكم به، أملاً في الوصول للنتائج المرجوة من هذا الحدث الفني للوقوف بصدق ووضوح أمام علاقتنا كتشكيليين بفن الرسم. وإعادة اكتشاف أنفسنا من خلاله. خاصة بعدما تواري طرحه كوسيط مستقل من إبداعات المشهد التشكيلي المعاصر باستثناء حالات قليلة من الفنانين الذين اتكأ مشروعهم الفني علي فن الرسم كوسيط تعبيري، فمغامرة وضع الفنانين في مواجهة مباشرة ومجردة مع مسطح الرسم (الأبيض) للتعبير عن مكنونهم الإبداعي بالمعايشة الصادقة مع مفاهيم الرسم وأدواته وتقنياته الأساسية، مغامرة تستحق الخوض فيها. لنكتشف بعداً آخر غير متعارف عليه في الخطاب الإبداعي لنا كمصورين أو نحاتين أو خزافين أو حفارين. ولكن الأمر الأهم الذي قام به إسماعيل هو طرحه عددا من الأسئلة الجوهرية علي الجميع نقادا أعني وفنانين كان من بينها: لماذا لا تخرج إبداعات التشكيليين في الرسم إلي النور وتظل حبيسة المرسم أو صندوق الذكريات؟ ما الذي يتيحه لنا فن الرسم كقيمة مضافة علي الطرح الفني لكل فنان؟ هل سينجح الرسم في الإجابة عما يدور بمشاعرنا وأفكارنا مثلما يتيح لنا التصوير والنحت والحفر والخزف والتجهيز؟ هل ننجح في تحييد خبراتنا المكتسبة مع الوسائط الأخري احتفاء منا بمكنون الرسم فقط؟ هل نحتاج إلي حالة من التصوف والتقشف والزهد التي يستحضرها فينا فن الرسم لنستخرج قيماً بصرية جديدة؟ ربما كانت هذه الإجابات بدايات لحوار من نوع مختلف بين الفنانين وأعمالهم أو بينهم وبين النقاد، وقد ظلت كل تلك الأسئلة تدور في ذهنه ربما حتي اللحظات الأخيرة التي قام فيها بترتيب الأعمال التي تسلمها داخل قصر الفنون تاركا الإجابة مفتوحة للجمهور والنقاد.. كانت إجابته الوحيدة متمثلة في العرض الذي أثار حراكا كبيرا في الحركة التشكيلية. وربما لم تكن المرة الأولي التي يتولي فيها الفنان سامح إسماعيل - الحاصل علي بكالوريوس كلية الفنون الجميلة شعبة جرافيك وفن الكتاب عام 1997- مسئولية تنظيمية فقد سبق ذلك توليه منصب قومسير معرض الفن المعاصر بالرياض بمناسبة اليوبيل الفضي للعلاقات الثقافية المصرية السعودية، وكذلك قومسير معرض الطلائع الثالث والخمسين بجمعية محبي الفنون الجميلة في 2013، كما قام بتنسيق معرض (ملكوت) للحروفيين العرب بجاليري ورد بدبي في سبتمبر 2016.إضافة إلي كونه قوميسيراً مساعداً بصالون القاهرة في دورته السابعة والخمسين (2016) والتي كان د.عادل ثروت قوميسيرا لها. هذا بخلاف مكانته كفنان حيث اشتهر بأعماله التي تحيي فنون الخط العربي وتوظفها في أعمال تشكيلية معاصرة، وقد شارك في عشرات المعارض الجماعية والفردية وعمل في مجال الخط العربي كمصمم للخطوط وكذلك مصمم جرافيكي ومصمم للأغلفة. التقينا بالفنان سامح إسماعيل علي هامش صالون القاهرة وكان لنا معه هذا الحوار لماذا تم اختيار فن الرسم موضوعا لصالون القاهرة في دورته 58؟ أولا من اختار أن يكون الصالون هذه المرة صالونا نوعيا هو أ.د احمد نوار وفاتحني أول واحد في اختياره في مهاتفة تليفونية باعتباري عضوا بمجلس إدارة الجمعية...وكان رأيه أن الرسم غائب منذ فترة طويلة عن العروض الفنية للفنانين سواء بقاعات الدولة أو القاعات الخاصة، وقد أدي هذا الغياب إلي تراجع مستوي الطرح الفني نظرا للبعد عن العمود الفقري للإبداع التشكيلي...وهو فن الرسم...وقد عرض د. نوار الموضوع علي مجلس إدارة الجمعية باجتماعها بعد الإجازة الصيفية في سبتمبر المنصرم ثم كلفني هاتفيا بتشكيل اللجنة العليا للصالون وعرضها عليه قبل عرضها علي مجلس إدارة الجمعية. وهل تم تكليفك بمهمة القومسير آنذاك؟ في الحقيقة تم اختيار الفنان أ.د احمد نبيل أستاذ التصوير الجداري بكلية الفنون الجميلة جامعة حلوان قومسيرا عاما للدورة إلا أنه اعتذر لظروف صحية فكلفني د. نوار بالمهمة وبقبول اللجنة جميعا، وبالفعل وضعت تصوري للدورة وفعالياتها وجدول تنفيذها الزمني وتم اختيار الفنان محمود حمدي مساعدا والفنان سامر نصحي الموظف بقصر الفنون قوميسيرا تنفيذيا. كيف تري اختلاف هذه الدورة عن دورات الصالون السابقة؟ أولا: كونه صالونا نوعيا لفن الرسم فقط، ثانيا: كون قطاع الفنون التشكيلية شريكا رسميا في تنظيم وتنفيذ الحدث ويمثله باللجنة العليا للصالون لأول مرة الأستاذة داليا مصطفي رئيس الإدارة المركزية لمراكز الفنون بقطاع الفنون، وقد فتح هذا آفاقا أكثر رحابة في تصوري للحدث نظرا لأهمية وخبرة قطاع الفنون في توفير الدعم اللوجيستي والتقني والفني والمعلوماتي. عادة، تكون المعارض الجماعية مفتوحة لجميع الفنانين،علي أن يتم فرز الأعمال، فكيف يختلف صالون القاهرة خاصة مع ما أثير بعد الصالون من غياب بعض الأسماء؟ الأمر يختلف مع صالون القاهرة، حيث يتم عن طريق الترشيح وبالفعل تم ترشيح ما يقرب من 180 فنانا وفنانة من كافة الأجيال والتخصصات في عموم الحركة المصرية، بعضهم اعتذر لظروف خاصة به. كنت قد ذكرت ذات مرة عما يحدث وراء الكواليس من حكايات ترغب لو جمعتها في كتاب مستقل.. ما هي أبرز المواقف التي تعرضت لها خلال عملك بالصالون؟ لا أنكر أن هناك أسماء من المرشحين للمشاركة بالصالون لم تجمعني بهم معرفة شخصية من قبل نظرا لتنوع الأجيال والأسماء من الفنانين. كما أن هناك فنانين مقيمين بمدن خارج القاهرة كالإسكندرية والمنيا والأقصر وغيرها. وهناك فنانون وخاصة من الأجيال الكبيرة ليس لديهم حساب علي الفيس بوك أو الواتساب لذا فالتواصل معهم والحوار يكون هاتفيا فقط.. وكما هو متبع بروتوكوليا في الجمعية يوجه خطاب ترشيح علي ورق يحمل شعار الجمعية وموقع من رئيس الصالون والقوميسير ويقوم الأخير بإبلاغ الفنانين بدعوتهم للمشاركة رسميا بالاتصال الهاتفي المباشر ومن هنا نشأت علاقة جديدة بيني وبين الفنانين غير موجودة من قبل أبرزهم علي الإطلاق الفنان الكبير سيد سعد الدين والنحات القدير عبد العزيز صعب والفنانة ثناء عز الدين وللأمانة مجرد ذكر اسم الجمعية والفنان أحمد نوار في بداية المحادثة يكون له وقع السحر، حيث تبدأ ذكريات الفنانين عن معارض الطلائع والصالون التي تقيمها جمعية محبي الفنون الجميلة منذ إنشائها.وأهم ما ميز تلك المحادثات الهاتفية هو الإحساس مباشرة بالجدية والسعادة البالغة لفكرة أن الدورة في حصة لفن الرسم. وكثيرا ما كان الرسم لدي معظم الفنانين يحمل حنينا وتقديرا بالغا ويتحمس الجميع للمشاركة. حين تواجه هذا الكم الضخم من الأعمال وتلك المساحة الشاسعة فكيف تحدث رؤية العرض؟ الحقيقة أن أحد أسباب وأسرار نجاح العرض بالنسبة لي هو التفكير بالمعرض قبل أن يبدأ، فاستمارة المعايير والشروط تحتوي علي مفاتيح هامة تسهل من عملية تنسيق الأعمال المعروضة من حيث المساحة المحددة والمخصصة لكل فنان مشارك وطريقة ونوع تأطير الأعمال.. والخامات والتقنيات المستخدمة كلها تمت صياغتها مسبقا.. وهذا سهل علي بنسبة 50% من شكل الأعمال وطريقة تنسيقها الجزء المتبقي تم التعامل معه حينها استقرت الأعمال كلها بقصر الفنون وبدأت فرزها أنا ومدير قصر الفنون أ.محمد إبراهيم صاحب الخبرات الطويلة في تنظيم العروض الضخمة بقصر الفنون. وربما كانت حالة التعاون والاحترام الكبير بيننا عاملا مساعدا كبيرا لخلق عرض محكم خاصة أن العرض"نوعي" فكل المعروض أعمالهم في فن الرسم وبالتالي هناك تحد كبير في كسر الملل وخلخلة المتوقع في العرض مع كل قاعة وضرورة خلق حالة من المفاجآت حتي يتم جذب انتباه المشاهد أو زائر الصالون لاستكمال مشاهدة العرض كله في ثماني قاعات دفعة واحدة وبالتالي التنويع من خلال الخامات وكذلك المدارس والاتجاهات الفنية ومساحات الأعمال كلها عوامل بنيت عليها فلسفة العرض.. وأعتقد أن التنسيق نال استحسان معظم الحضور والأهم الفنانون المشاركون أنفسهم. في الغالب تقل الزيارات أو تتوقف لأي معرض بعد الافتتاح وهو ما لم يحدث مع الصالون حيث ظلت الزيارات مستمرة حتي آخر يوم وهو ما كنت تحرص علي التنويه له علي صفحتك؟ الحقيقة هناك عدة أسباب لذلك أولا أن الصالون يقام بالتعاون مع قطاع الفنون التشكيلية وقصر الفنون وهذا في حد ذاته نقطة هامة لأن دوائر التواصل لدي قصر الفنون واسعة ومتنوعة، وبالتالي استفدنا من ذلك في كم الزيارات وأهمها علي الإطلاق بالنسبة لي زيارات طلبة الفنون المتخصصة والمدارس والجامعات للصالون برفقة أساتذتهم سواء المشاركون في المعرض أو غير المشاركين. كذلك، طريقة التشويق والإثارة التي سبقت الإعلان عن صالون القاهرة علي الفيس بوك أدت إلي تحفيز وشحن الجمهور لمتابعة وزيارة الصالون، ثالثا ردود الأفعال التي أعقبت الافتتاح وإطراء الفنانين والجمهور يوم الافتتاح ونشر عشرات الصور للمعرض والجمهور الكبير الذي شارك بالافتتاح أضفي مصداقية وأهمية للصالون وبالتالي انهال عليه الزوار فرادي وجماعات طوال أيام انعقاده. هناك العديد من الأنشطة التي أقيمت علي هامش صالون القاهرة، من بينها ورش العمل ومعرض نتاج الورش، هل هذه هي المرة الأولي التي يكون هناك معرض مواز لنتاج الورش؟ حين نتحدث عن المرة الأولي، فهي المرة الأولي التي يكون فيها صالون نوعي كما ذكرنا.. كذلك هي المرة الأولي في تاريخ الصالون التي يصاحب فاعلياته برنامج لورش العمل لفنانين متخصصين ولأول مرة يتم إقامة معرض لنتاج الورش بجمعية محبي الفنون في عرض مواز للصالون بقصر الفنون هذا الإجراء برأيي أضاف مشاركة أوسع وساعد في اكتشاف أجيال جديدة وواعدة. حرصت من البداية علي تواجد النقاد وربطهم بالحدث بطرق مبتكرة من خلال جلسات حوار مفتوحة سابقة علي الحدث ربما للمرة الأولي.. كيف كان صدي هذه الفكرة؟ لاحظت من خلال عملي كقومسير مساعد بالدورة السابقة 57 مع الفنان عادل ثروت وأيضا من خلال متابعتي للحركة التشكيلية خلال الموسم الفني..غياب النقد والنقاد عن التفاعل..بإيقاع مواز للإيقاع الهادر للفنانين بمختلف أعمارهم ومجالات إبداعاتهم...لذا قررت أن اخترق هذه الدائرة وأحاول أن أصل لمفهوم عالمي وليس محليا في كون النقد يسبق الفعاليات ويصاحبها كشريك وليس كرد فعل استحق الإشادة.حاولت في اتصالي ودعوتي للنقاد المتخصصين..والمعروفين للحركة كونهم متخصصين...أن أدعو كتابا وصحفيين ونماذج أري فيها نقاطا مضيئة تثري حركة النقد وتجدد خطابه ودماءه..وغالبيتهم من الشباب..والحقيقة بعد اجتماعي بمن حضر منهم والأستاذ الدكتور نوار بمقر الجمعية ثم اجتماعي الثاني منفردا بناء علي طلب بعضهم من الاجتماع الأول وجدت تحمسا وقبولا للفكرة، وهو ما أكد علي وجهة نظري أن الناقد يدعي للحدث الفني ولا يترك للقيام بدوره دون إلقاء الضوء عليه باعتباره مكملا للعملية الفنية مثله مثل الفنان وقاعة العرض والمتلقي... إن رهاني قائم علي عودة الروح للنقد الفني وتقليص الفجوة بينه وبين الحركة الفنية، ومن شأن ذلك الحوار أن يكشف لنا مناطق القصور بشكل موضوعي في إيقاع وخطاب النقد خاصة بعد زيادة موجات الانفصال والهجوم والتراشق أحيانا علي صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بين الفنانين والنقاد..ويؤخذ في الاعتبار أيضا تقليص المساحات النقدية بالمطبوعات والجرائد والصحف في الآونة الأخيرة وإغلاق كافة المجلات والدوريات المتخصصة في الفنون بدعوي تقليل النفقات. ولذا أعتقد أن الحراك الذي تسببت فيه دعوة النقاد ووضعهم تحت الضوء مع انطلاق الصالون سينتج لنا أفكارا جديدة، ويكشف بوضوح ماهية العلاقة بين النقد الفني والإبداع.. ومنه ننطلق للمربع الثاني وهو مستقبل الفن المصري والنقد التشكيلي، وعلاقتهم برصد وتوثيق وتقييم ما ينتجه العقل الفني المتخصص للفنان المصري في مشوار ابداعه.. ومن وجهة نظري هناك موضوعان وثيقا الصلة بالمنتج الإبداعي التشكيلي المعاصر في مصر الآن وجب مناقشتهما وبوضوح...العملية التعليمية والدراسة الأكاديمية والمناهج في كليات الفنون المتخصصة...وحركة النقد وماهية الناقد وكيف يعد لمواجهة التطور في الإبداع العالمي والإقليمي والمحلي، لذا أوصي بإضافة مادة للنقد والبحث والتوثيق بكليات الفنون. بعد نهاية الصالون كيف تري نتاج التجربة في مجملها؟ لقد حقق الصالون الغرض المطلوب منه في أن يحيي فن الرسم في الحركة التشكيلية، والدليل علي ذلك هذا الكم الكبير من الأعمال البديعة التي تم عرضها في حدث مكثف، وقد نجح الصالون بلا شك في تحفيز الفنانين وأعتقد أن مردود ذلك سيتسمر لما بعد الصالون، حتي أصحاب الجاليريهات والقاعات الخاصة ربما يعيدون النظر في موضوع تنظيم معارض للرسم خاصة أن هناك طاقات رسم كبيرة تفجرت في الصالون وكشفت عن إمكانيات جبارة عند بعض الفنانين. كذلك أفكر جديا في تأسيس جماعة للرسم، بحيث تكون جماعة فنية بشكل مبتكر وجديد.