في عام 1920 نشأت جمعية محبي الفنون الجميلة في أعقاب أقامة معرضين مهمين لأول مرة برعاية السيدة هدي شعراوي، أقامهما فؤاد عبدالملك مؤسس دار الفنون والصنايع المصرية) بشارع بولاق رقم 21. كانت جمعية محبي الفنون الجميلة بمثابة الراعي النشط للحركة الفنية المصرية الناشئة والعامل الحاسم لاصدار التشريعات الداعمة للحركة ولمتحف الفن الحديث وغيره من الادارات والمؤسسات المهمة ومنها مراقبة الفنون الجميلة بوزارة المعارف عام 1928. وفي عام 1922 افتتح صالون القاهرة الأول تحت رعاية سميحة حسين في جمعية محبي الفنون الجميلة، وتولي محمد محمود خليل بك رئاسة الجمعية منذ عام 1924 وحتي عام 1953. أقامت الجمعية معارض دولية مهمة للفنون في مصر تصوير ونحت وجرافيك وفنون تطبيقية وفوتوغرافيا، كما نجحت في تبني عرض أعمال فنانين مصريين في معرض مصر فرنسا في متحف اللوفر عام 1949، ونشطت الجمعية في عقد الصالونات والمحاضرات الفنية والثقافية والتراثية يلقيها ثقات ذوو خبرة ومكانة وريادة ونشرها في كتاب الجمعية السنوي. وفي الستينيات ومنذ عام 1960 اسست الجمعية المعرض السنوي الموازي الصالون (معرض الطلائع) الذي كان مجالا خصبا لنبوغ وتسابق فناني الستينيات المتميزين. وتراجع دور الجمعية في المرحلة اللاحقة وتدهور الصالون السنوي العريق ليتحول إلي اجراء روتيني بالغ التواضع. وفي سعيه لانهاض مشروع الصالون بمناسبة مرور خمسين عاما فكر رئيس الجمعية المثقف والهمام الناقد والمؤرخ بدرالدين أبوغازي في إقامة صالون جديد حيوي وفريد من نوعه، وكنت مساعداً له حيث إختار أن تعتمد هذه الدورة الخمسينية علي مختارات مهمة من مجموعات فنية خاصة عن أفراد في مصر، لم يسبق أن نشرت من قبل وتمثل حلقات مفقودة تلقي ضوءا مهما علي مشوار فناني جيل الرواد ومن بعدهم ممن أثروا دورات انعقاد الصالون في سنوات ازدهاره. كان أبوغازي واسع المعرفة بدوائر أصحاب المجموعات وطوفنا نزورهم ونتأمل الكنوز المدهشة التي يقتنونها باعتزاز كبير. وأقيم الصالون بهذا المستوي الطموح والمبتكر، وكان نجاحه تاريخيا. وأصدر أبوغازي بهذه المناسبة كتابة الحجة جيل الرواد من منشورات جمعية محبي الفنون الجميلة. أصبح أبوغازي وزيرا للثقافة وانصرف عن الجمعية التي عاودت ركودها وتحول نشاطها إلي نوع من البيروقراطية الشكلية وأصبحت المؤسسات الرسمية تضطلع بدورها في إدارة ورعاية الفن والفنانين. وعندما تقلد الفنان الهمام الدكتور أحمد نوار إدارة الجمعية عبر عن طموحه في محاولات بعث معرض الطلائع والصالونات الثقافية التي كانت قد ازدهرت إبان إدارة الفنان صلاح طاهر للجمعية من قبله. كما سعي إلي تجديد طاقة صالون القاهرة في دورة تولاها كقومسير الفنان والمحرك محمد طلعت، الذي بذل جهدا كبيرا في إقامة معرض كبير للصالون. غير أن ارتباكات صعبة أصابت قطاع الفنون التشكيلية فتعثر طلعت في تحقيق حلم نوار وجهك الملموس. في هذه الدورة الحالية الناجحة حقا أصبح من الواضح أن طموح الدكتور نوار ودأبه مع مجلس ادارة الجمعية قد تحقق بامتياز. وكان اختيارهم للدكتور عادل ثروت الفنان الطليعي الجاد والمصور القدير الذي تألق في دورات صالون الشباب المبكرة المتوهجة حيث قدم تجارب اسلوبية ومفاهيمية، مع طاقة تعبيرية وتحليق ميتافيزيقي فضلا عن كونه مثقفا واسع المعرفة يتسم بالجدية والمسئولية كان اختيار د. نوار وفريقه لعادل ثروت كقومسير لتلك الدورة من صالون القاهرة موفقا بامتياز فقد نجح الاخير في اختيار فريق متميز ومتنوع من أجيال متفاوتة، واقنعهم بتقديم أعمال لم يعرض اغلبها من قبل، فنسمع بالتجدد التقني والابداعي، وبمستوي الطموح مما جعل العرض بعثا حقيقيا لقيمة ومكانة الصالون العريق.. وكان للفنان سامح اسماعيل دور حيوي في هذا المضمار بين ان توقع ان يحقق معرضا جماعيا نجاحا مطلقا، ينال الرضي الكامل لكل من شاهده أن يتحدث أو يكتب عنه، ولابد من ان يتم تداول اعتراضات حول ما يعرض، ومكان عرض كل عمل بالقاعات وتقديم البعض لاعمال مألوفة سلفا، واعمال أصابها الإرتجال ففقدت الكثير من فنيتها وتراجعت بسمعة مقدمها، وربما تحفظات حول نقل بعض الاعمال عن آخرين وغير ذلك. تلك الملاحظات قد تستهدف الصالون بذاته أو القومسير عادل ثروت، متوسلة بذرائع هامشية واتهامات ربما غير موضوعية أو قد تكون بدافع الحرص علي النقاء الكامل والنجاح الاكمل للصالون، وأن يكون الصالون علي الصورة التي بداخل عقل صاحب الرأي الناقد، وهذا الاخير يعد فيما أري أمراً مستحيلا، فلا يمكن للقومسير أن يتنبأ بما يحلم به كل زائر وان يحققه. في زياراتي للمعرض بقاعة قصر الفنون بالجزيرة الذي تنتشر اعماله الفنية في ادواره الثلاثة وما بينها من ممرات، تأجلت الأعمال المعروضة وتابعت منهج العرض والتجارب الفنية، وجدتني أشهد بالنجاح الكبير لهذه الدورة من الصالون، لانها في البداية لم تستنسخ الصالونات الناجحة المبكرة. وجدتني استمتع بالتجارب الجديدة لعدد من الفنانين ذوي المكانة، وتجاوز بعضهم لاسلوبيته المعروفة في تحول ابداعي جميل تقديراً لجمعية محبي الفنون الجميلة ولرئيسها الدكتور أحمد نوار وتجاوبا عن قناعة مع الدكتور عادل ثروت. وقد كان لقطاع الفنون التشكيلية بقيادة الفنان د. خالد سرور وفريق العمل المعاون له في أقسام الجرافيك والاعلام والمعارض، وطاقم العمل المتميز بقصر الفنون بمثابة سكن محوري في نجاح هذا الحدث كنموذج لتعاون بيوت الخبرة المصرية (قطاع الفنون التشكيلية) مع جمعية أهلية (جمعية محبي الفنون الجميلة). وقد دونت ملاحظات مباشرة مختصرة عن مختارات من المعروضات في الصالون والتي رأيتها جديرة بالطرح أو النقد، وقد تفضلت جريدة أخبار الادب التي احترمها كثيرا بالموافقة علي اقتراحي نشر تلك الملاحظات مخطوطة كما هي بخط يدي وبعض الرسوم الصغيرة عن الاعمال. لطرح النبض المباشر دون معاودة صقل أو مراجعة. كما يلي: